إنريكي ومورينو : كان يجب أن تفهم الأمر وحدك يا صديقي
مارس / آذار 2019: «لويس إنريكي» يغادر معسكر المنتخب الإسباني بشكل مفاجئ قبيل مباراته مع منتخب مالطة، لتنتشر الأخبار حينئذ حول إصابة ابنة المدير الفني للمنتخب الإسباني «زانا» بمرض خطير والذي سيتضح بعد ذلك أنه مرض السرطان. استمر إنريكي في إدارة الفريق عن بُعد وذلك من خلال «روبرت مورينو» المدرب المساعد لإنريكي.
يوليو / تموز 2019: يعتذر إنريكي عن الاستمرار في قيادة الفريق ليتسلم مورينو المهمة، ويمنح عقدًا حتى نهاية كأس الأمم الأوروبية 2020 بعد الاستعداد التام للتخلي عن تلك المهمة إذا أراد إنريكي العودة لمنصبه.
أغسطس / آب 2019: وفاة «زانا» ابنة لويس إنريكي.
سبتمبر / أيلول 2019: يؤكد مورينو أنه سيكون سعيدًا بالتنحي عن منصبه لصالح لويس إنريكي لأنهم أصدقاء والصداقة فوق كل شيء آخر، لكن بتوالي الأحداث يبدو أن شيئًا ما قد تغير بين مورينو ولويس إنريكي.
أكتوبر/ تشرين الأول 2019: يتلقى الاتحاد الإسباني أخبارًا عن طريق روبرت مورينو نفسه حول رغبة إنريكي في العودة لقيادة الفريق. يؤكد إنريكي صحة الأخبار بينما يريد مورينو معرفة موقفه بشكل دقيق بعد عودة إنريكي المحتملة، يؤكد الاتحاد الإسباني أن عودة إنريكي بعد انتهاء التصفيات أمر محتمل.
نوفمبر/ تشرين الثاني 2019: استطاع مورينو أن يتأهل بالمنتخب الإسباني لكأس الأمم الأوروبية كما هو متوقع، ليقرر إنريكي العودة لكن بعد الإطاحة بمورينو من الجهاز المساعد، والسبب ببساطة أنه شعر أن مورينو رجل غير مخلص لم يقدم له الدعم الكافي حيث طمح أن يقود المنتخب بنفسه خلال البطولة.
ذلك هو التتابع الزمني للقصة التي وجب ذكرها قبل أن نحاول تحليل ما حدث من صدع بين إنريكي ومساعده، بعد صداقة طويلة وعلاقة عمل امتدت لتسع سنوات متصلة. يبقى ما حدث بن الرجلين غير معلوم لأحد بشكل مؤكد، لكننا سنحاول أن نستنتج فيما يفكر الرجلان.
من خلال تلك القصة يبرز سؤالان ربما تفسر الإجابات الخاصة بهما الكثير من الأمور. أول الأسئلة هو: لماذا لم ينتظر إنريكي إلى ما بعد البطولة وانتهاء عقد مورينو ثم العودة في سلام؟ أما الثاني: لماذا شعر مورينو أنه يستحق أن يخوض التجربة لنهايتها؟
إنريكي: من أجل تخليد اسم زانا
هكذا تحدث إنريكي حول موقفه تجاه مورينو، تبدو تصريحات متفهمة بشكل أو بآخر لطموح مورينو الصديق القديم الذي أعد نفسه ليصبح على رأس القيادة الفنية لفريق كبير للمرة الأولى، لكنها لا تخلو أيضًا من تصميم على الإطاحة بالرجل الذي تخطى دوره كمساعد.
يبدو ببساطة أن إنريكي يريد ألا يشاركه أحد على قدم المساواة خلال قصته القادمة. يريد إنركي أن يخوض غمار المنافسة على الكأس الأوروبية بشكل مؤكد، لكن هل فكر مورينو ماذا لو كان كل ذلك من أجل زانا؟
دعنا نتعرف على قصة «فريق ساندز» التي ربما ستلهمنا الإجابة.
فريق ساندز هو فريق هواة لكرة القدم في إنجلترا، يتشارك لاعبوه جميعًا في أنهم فقدوا أطفالهم أثناء أو قبل أو بعد الولادة بفترة وجيزة. تقوم فكرة النادي على التقاء هؤلاء اللاعبين من خلال حب مشترك لكرة القدم والعثور على الدعم المناسب بعد فقدانهم لأطفالهم، يقوم هؤلاء اللاعبون بوضع أسماء أطفالهم المفقودين على القمصان التي يرتدونها أثناء اللعب.
تم تشكيل الفريق الذي يضم أكثر من 30 لاعبًا على يد «روب ألين» بعد وفاة ابنته «نياما» في أكتوبر 2017 قبل ولادتها بأسابيع، هذا النادي يعبر عن فكرة محاولة الشخص تخليد ذكرى أحبابه بطريقة لا تنسى أبدًا.
يتحدث روب عن وحدة الفريق موضحًا أنهم يلعبون من أجل ذكرى أطفالهم المفقودين، ولذا فهناك دومًا محرك إضافي لهم أمام الفرق الأخرى بينما جاء حديث لاعب الفريق «كيران» بشكل أكثر عاطفة حيث يقول: «يجعلني ذلك أشعر أنني أفعل شيئًا من أجلهم، أصبح متحمسًا أكثر للتسجيل. نحن نفعل ذلك من أجل ملائكتنا».
حسنًا، يبدو ذلك تفسيرًا منطقيًا للأمر. يريد إنريكي أن يخوض تلك البطولة من أجل زانا في المقام الأول، من أجل مشهد خاص يظهر خلاله إنريكي ممسكًا بالكأس في يد وبصورة لزانا في الأخرى، من أجل تخليد ذكرى طفلته دون مساعدة أحد تمامًا مثلما فعلت «جواني روشيت». حسنًا، سأخبرك حالًا بقصة جواني روشيت.
هناك المئات من الرياضيين الذين يتذكرون أحبابهم المفقودين فوق منصات التتويج، إلا أن قصة جواني روشيت تبقى أكثر القصص وضوحًا بين هؤلاء. رياضة التزلج على الجليد ليست بالرياضة الشعبية في العالم، لكن ما حدث خلال أولمبياد 2010 الشتوية جعل العالم كله يعرف جواني ووالدتها المتوفاة.
احترفت الكندية روشيت التزلج على الجليد بفضل والدتها التي كانت الداعم الأساسي لها خلال مراحل حياتها الرياضية بالكامل، وقبل مشاركتها في أولمبياد كندا الشتوية لعام 2010 بثلاثة أيام فقط عرفت روشيت أن والدتها أصيبت بنوبة قلبية وتوفيت على إثرها.
قررت جوانا ألا تعتذر عن المشاركة، لأنها تشعر أنها ستكون أقرب إلى والدتها عندما تكون على الجليد.
على أنغام مقطوعة التانجو الأورجوانية «La Cumparsita» والتي تبدأ كلماتها بحديث عن موكب صغير من البؤس الأبدي، قدمت جوانا عرضها الأساسي خلال البطولة. وقرب نهاية العرض لم تتمالك نفسها وانفجرت في البكاء ليعرف العالم قصتها وقصة والدتها وتخلد ذكراها بميدالية أوليمبية برونزية. لا زالت جواني إلى الآن تتلقى التعازي من الغرباء في الشارع رغم وفاة أمها منذ تسع سنوات.
مورينو: الطموح الذي يُلام إلا من صديق
يقف مورينو على الضفة المقابلة تمامًا لإنريكي، فلا ينظر مورينو لكل ما سبق لأنه ببساطة ينغمس في غمار كرة القدم ذات الطبيعة التنافسية. وجد الرجل نفسه مديرًا فنيًا لمنتخب بلده في لمحة بصر، اجتهد ورأى ثمار جهده يانعة أمامه، فلماذا يمنعه أحد من قطفها.
تلك هي طبيعة كرة القدم الاحترافية دون شك، لا يتمنى لاعب إصابة زميله لكنه يستغل تلك الفرصة لإثبات نفسه دون الاستغراق في الحزن على الآخرين. صحيح أن الرجل كان يعلم أن الأولوية دائمًا لعودة إنريكي، لكن إنريكي يضمن عودته على رأس الفريق قبل أو بعد البطولة، فلماذا لا يترك له فرصة أن يراه الجميع في بطولة كبرى لتكون بداية مشواره التدريبي كمدير فني؟
هذا الطموح الذي رفضه إنريكي هو المحرك الأساسي للعديد من لاعبي كرة القدم، لذا فمورينو لا يرى نفسه خائنًا أو متمردًا على رئيسه، إنها كرة القدم التي لا تعترف إلا باستغلال الفرص فقط.
ما لا يدركه مورينو أن إنريكي يحتاج لهذه البطولة بشكل أكثر شغفًا، إذا كان ما يحرك مورينو هو الطموح فمحرك إنريكي أكثر عمقًا وشغفًا. ربما يدرك مورينو ذلك فيما بعد في حال تحقيق إنريكي للبطولة، ربما يفهم لماذا عاد إنريكي من خلال دموعه على منصة التتويج. يحتاج إنريكي إلى رجل داعم الآن أكثر من مدرب مساعد خلال المباريات، يحتاج إنريكي إلى صديق أكثر وهو ما لم يدركه مورينو ببساطة.