يمكن لرفرفة جناحي فراشة فوق زهرة في الصين أن تتسبب في خلق إعصار هائل في البحر الكاريبي.

إنه مصطلح «تأثير الفراشة» الذي ربما قرأت عنه قبل ذلك. تتحدث تلك النظرية الفلسفية الرياضية ببساطة عن أهمية التفاصيل،فإن تأثير هذه الرفرفة في حد ذاته ضعيف، شيء لا يذكر تقريبًا، لكن وبمرور الوقت يمكن لهذه الرفرفة أن تؤدي إلى حدوث اضطرابات وتموجات في الهواء. وفي فترة زمنية معينة، بعد عام على سبيل المثال، يمكن أن تساهم في حدوث إعصار في أمريكا في الناحية الأخرى من الكرة الأرضية.فعل بسيط في ظروف ما يؤدي إلى توالي أحداث كبيرة، وفي كرة القدم تحلو نظرية تأثير الفراشة وكأنها خلقت لتلك اللعبة. لعبة كرة القدم هي لعبة الـ «ماذا لو؟» بجدارة، هفوة بسيطة من مدافع بسيط تؤدي إلى فوز الفريق الخصم بالمباراة، مما قد يؤدي بحسابات بسيطة إلى فوز فريق ثالث بالبطولة وهبوط فريق رابع إلى درجة أدنى من المسابقة، وهكذا.لكن حلاوة كرة القدم أنك تستفيد من تأثير الفراشة ذلك كما أضرك قبل ذلك. فوق العشب الأخضر، تتقلب الأمور دومًا على الجميع. ضمانة كرة القدم وسر متعتها أنه لا ضمانة لأحد فيها.لكن هناك لعنات في كرة القدم، تختلف الظروف والسيناريوهات لكنها دومًا تنتهي بذات اللعنة. يعمل تأثير الفراشة هنا في اتجاه إجباري، تحقيق اللعنة بشكل أو بآخر. ومن أكبر تلك اللعنات التي لم يبطل مفعولها للآن هو لعنة تحقيق ليفربول لقب الدوري الإنجليزي.كان ليفربول هو المهيمن الأكبر على مجريات كرة القدم في إنجلترا، فبين عامي 1973 و 1990 فاز نادي ليفربول لكرة القدم بـ 11 بطولة في الدوري الإنجليزي، ثم فجأة تغير كل شيء، تحديدًا في موسم 89-90. لا، دعنا نكون أدق، تحديدًا في الخامس عشر من أبريل لعام 1989 بدأت اللعنة.


كمثل سائر اللعنات، تبدأ بالدم

في الخامس عشر من أبريل عام 1989 في مدرجات ملعب هيلزبره، وهو الملعب الخاص بنادي شيفيلد والذي خصص لاستضافة مباراة نصف نهائي كأس إنجلترا ما بين ليفربول ونوتنجهام فورست.يتمتع فريق ليفربول بشعبية أكبر بكثير من فريق نوتنجهام، لكن المسئولين قرروا أن يتحصل مشجعو فريق ليفربول على عدد تذاكر أقل بواقع 6000 تذكرة من تذاكر الفريق المنافس.تم تخصيص جزء من المدرجات لم يكن ليتحمل عدد جماهير فريق ليفربول أبدًا. بدأت الجماهير في التدافع والتزاحم وصولًا للسياج الحديدي الذي يفصل ما بين الجماهير والملعب والموجود في ملاعب إنجلترا آنذاك. أدى ذلك التدافع ووجود السياج الحديدي إلى سحق العديد من مشجعي فريق ليفربول، مما انتهى بوفاة 96 مشجعًا تحت الأقدام وبدأت الفراشة ترفرف بجناحيها بشدة.خلال ذلك الموسم كان يتولى القيادة الفنية للفريق المدرب كيني دالجليش والذي حقق لقب الدوري لفريق ليفربول ثلاثة مواسم كان آخرهم اللقب الأخير لفريق ليفربول. تأثر دالجليش عاطفيًا بتلك الحادثة بشكل كبير وقرر الاستقالة من منصبه في فبراير 1991 تاركًا فريق ليفربول في سباق اللقب ليس ببعيد.تم تعيين جرايم سونيس والذي رفع كأس أوروبا عام 1984 كلاعب بالفريق وكان بلا شك من أعظم لاعبي خط الوسط بالنادي، لكنه لم يكن ينتمي لنوعية دالجليش أبدًا. فقد ليفربول اللقب لصالح فريق أرسنال ثم في الموسم التالي حل الفريق سادسًا، أسوأ مركز لليفربول منذ عام 1965. اهتزت هيبة فريق ليفربول بعنف وهو ما كان يستحق أن ينتفض من أجله سونيس ولاعبوه، لكن ما حدث كان مختلفًا، لقد حقق ليفربول المركز الثامن في الموسم التالي.حسنًا، رفرفت فراشة ليفربول الملعونة في شيفيلد وحركت الهواء لتبدأ الإعصار. الأزمة الكبرى هنا أن موسمي سونيس برفقة ليفربول تزامنا مع انطلاقة الدوري الإنجليزي الممتاز في ثوبه الجديد. انطلقت قاطرة الدوري الإنجليزي المغلف بالرأسمالية الحرة والحديث بالأموال، لكن عربة ليفربول لم تنطلق معه وهو الأمر الذي لم يكن ليتم تداركه سريعًا، وهنا تحديدًا تشكل الإعصار في هيئة رجل اسمه أليكس فيرجسون.


السير فيرجسون: الإعصار الأول

تولى «أليكس فيرجسون» القيادة الفنية للغريم الأبدي مانشستر يونايتد عام 1986. وبحلول عام 1992،بينما كان فريق ليفربول يتخبط رفقة سونيس، كان فيرجسون وصل عقب انتدابات متتالية للفريق الذي يمكنه من المنافسة على اللقب.ولأن جناحي الفراشة لا يكفّان عن الرفرفة أبدًا، نجح فيرجسون في ضم الفرنسي إريك كانتونا، الرجل الذي كان قرر قبل عام من ذلك أن يترك كرة القدم بكاملها. تميز إريك بالشراسة والقتال بخلاف مميزاته الفنية، وهو ما كان ينقص فيرجسون، بل على الأدق هو ما كان ينقص ليفربول حتى تكتمل اللعنة ويبدأ الإعصار.استطاع فيرجسون أن يكوّن فريقًا متكاملاً يسيطر على ألقاب كرة القدم في إنجلترا، وبينما كان فريق ليفربول يتخبط استطاع أخيرًا أن يستفيق خلال مواسم 96 و97 بعد تعيين روي إيفان لتدريب الفريق وظهور روبي فاولر وستيف ماكمانمان.لكن هنا بدأت اللعنة تتخذ شكلاً مغايرًا وهو الاقتراب من اللقب دون الفوز به. وكان المشهد الأبرز لذلك الشكل من اللعنة هو ما حدث مع ستيفن جيرارد، رجل شهد اللعنة من بدايتها وأصبح جزءًا منها.


ستيفن جيرارد: الإعصار الثاني

جون بول، طفل من ضمن الأطفال الذين لقوا حتفهم في حادثة هيلسبره. كان جون بول يحلم دومًا باللعب لفريق ليفربول، لم يكن ليفوت مباراة للفريق رفقة ابن عمه ستيفن، لكن ذلك اليوم ذهب وحده ولم يرجع. بقي ستيفن يحلم باللعب في صفوف فريق ليفربول، ليس من أجله فقط ولكن من أجل جون أيضًا. هذا الستيفن هو ستيفن جيرارد؛ متوسط ميدان ليفربول التاريخي وقائده، رجل شهد اللعنة من بدايتها لكنه ومع الأسف أصبح جزءًا منها بشكل درامي للغاية.كان يوم الـ27 من أبريل عام 2014 هو اليوم المشهود لعودة فريق ليفربول على منصة التتويج بالدوري الإنجليزي أخيرًا. كان ذلك اليوم هو موعد مباراة ليفربول ضد تشيلسي،حيث كان ليفربول متصدرًا لجدول ترتيب الدوري الإنجليزي برصيد 80 نقطة بفارق ست نقاط عن مانشستر سيتي بعد الفوز عليه في مباراة الفريقين الأخيرة.بدأت المباراة وبدأ لاعبو تشيلسي ومدربه جوزيه مورينيو باستفزاز لاعبي ليفربول كثيرًا، وهي أمور تنجح بها دومًا الفرق التي يدربها مورينيو. بحلول الدقيقة 45 مرر المدافع مامادو ساخو الكرة إلى جيرارد في الوسط ولكن جيرارد انزلق وابتعدت الكرة عنه لتجد ديمبا با مهاجم تشيلسي الذي أودعها الشباك، انتهى الأمر بتلك البساطة ورغم مرارة الانتظار.هل تدخلت فراشة الليفر الملعونة مرة أخرى لتحرك جزيئات الهواء لتجعل القائد التاريخي للفريق ينزلق؟ لماذا قررت الفراشة أن تمارس تأثيرها في اتجاه واحد دائمًا؟ حتى وإن كان الوضع كذلك، لماذا يكون المشهد بذلك القسوة؟كسر ذلك الإعصار عظام ليفربول آنذاك وابتعد عن المنافسة التي تغيرت شكلها بعد أن أصبحت الأموال في الدوري الإنجليزي بالمليارات لا الملايين. في دوري أموال الروس والخليج حتى فيرجسون انزوى وتقادم، فما بالك بليفربول؟إلا أن هناك في ألمانيا سطع نجم مدرب ذي شعر أصفر وعوينات شفافة وكان له رأي آخر في مسألة عودة الليفر تلك. ولكي تستمر اللعنة كان هناك رجل إسباني هو الأفضل في مجال التدريب على الإطلاق في رأي الكثيرين لم يشارك الألماني في نفس الرأي. مرحبًا بك في إعصار بيب كلوب.


بيب–كلوب : الإعصار الثالث

إن التحدي الأكبر الذي يواجهني ليس ما يحدث في اللحظة الحالية، بل إن التحدي الأكبر بالنسبة لي هو طرد ليفربول من مكانتهم تلك.

الحديث عن هذا الموسم المنتهي منذ أيام قليلة لا يحتاج لكثير من السرد والتوضيح. انتدب ليفربول المدرب الألماني يورجن كلوب والذي انتدب بدوره عددًا من اللاعبين لكي يصنع نسخة متطورة في عالم كرة القدم. فريق متكامل للغاية لاعبوه يتطورون بشكل دائم. استطاع الفريق خلال هذا الموسم تحقيق 97 نقطة بخسارة وحيدة أمام فريق مانشستر سيتي.مانشستر سيتي، هكذا ستدور اللعنة إذن. قرر فريق مانشستر سيتي أن ينتدب هو الآخر بيب جوارديولا أيقونة التدريب في العصر الحديث. لكن بيب امتلك ما هو أكثر من ذلك؛ خزائن أموال السيتي التي لا تنضب. اشترى بيب جوارديولا العديد من اللاعبين ليحول السيتي إلى فريق من الميكانو الذي يتحرك بشكل أقرب للبرمجة.تنافس الفريقان كثيرًا خلال الموسم. اعتلى الليفر القمة لفترة كبيرة وتقدم بفارق نقاط عن غريمه المتكامل وصل لسبع نقاط، ثم أتى بيب مرة أخرى واقترب من ليفربول حتى حقق لقب الدوري الإنجليزي بفارق نقطة وحيدة.ليست نقطة وحيدة فحسب، بل إنه سنتيمتر وعدة ملليمترات لم تجعل كرة ليفربول تتعدى خط مرمى السيتي في المباراة التي جمعتهما سويًا. اقترب الليفر كما لم يقترب أحد هذه المرة، لكنها اللعنة، أثر الفراشة الذي قرر أن يسير في اتجاه واحد وإجباري، اتجاه ألا يحقق الليفر لقب الدوري الإنجليزي أبدًا.