إنجلترا: لسنا فريقًا واحدًا ولا نمتلك الحلم ذاته
لحظة وصول منتخب إنكلترا إلى فرنسا للمشاركة في أمم أوروبا لفت نظري الشعار المكتوب على حافلة المنتخب «فريق واحد، حلم واحد» كتعبير على الوحدة والطموح الذي يملكه المنتخب للمضي قدمًا في البطولة، الشعار جميل بلا شك لكن حقيقة الأمر أنني لم أشعر طوال متابعتي للإنكليز أنهم يلعبون كفريق واحد واستمر الشعور نفسه في البطولة ذاتها والتي شهدت خروجًا مذلًا لهم أمام آيسلندا، وهذا هو الحال دائمًا منتخب بلا روح أو هوية وأحلام تذهب أدراج الرياح مع كل مناسبة وهذا الأمر ينعكس على المنتخب والأندية معًا.
بعد نهاية كل بطولة قارية يتكرر الحديث نفسه ولكن بلا جدوى لأن المشكلة لا تتعلق بالمنتخب والأندية فهما نتاج العمل وليس الأساس في اللعبة، وعندما نريد مراجعة التاريخ المرير للإنكليز لا نعرف من أين نبدأ وبمن سنبدأ وعلى من سنلقي اللوم، هل سنلوم الأندية والأكاديميات التدريبية أم المدربين واللاعبين أم الاتحاد أم الإعلام الإنكليزي وأموال البث أم غياب الراحة الشتوية كما يعتقد البعض؟!
أكاديميات كرة القدم
بعد كل هزة كروية يتم إلقاء الضوء على دور المدارس الكروية في تنمية المواهب وعن الجودة التدريبية في الأكاديميات، البعض يعتقد أن إنكلترا تفتقد للاثنين معًا، فما زالت السمة العامة لللاعب الإنكليزي هي السرعة والقوة البدنية والسبب عدم تماشي الأكاديميات مع التغييرات التي تطرأ على اللعبة وهذا يجعلك تتساءل هل يوجد في إنكلترا رياضيون يمارسون كرة القدم أم لاعبي كرة قدم؟ ولو أردنا التعمق أكثر في سبب تكرار هذا النمط دونا عن غيره علينا العودة إلى قوانين الاتحاد الإنكليزي التي تخص قطاعي البراعم والناشئين.
حتى فترة وجيزة ماضية قبل تعديل القوانين الخاصة بهذه القطاعات قبل عامين، كان الأطفال بعمر 10-12 عامًا يلعبون على ملاعب الكبار وبمرمى بأبعاده الطبيعية، ولو كان أحدنا مدربًا لهم سيقع الاختيار على الأطفال الذين يملكون القدرة البدنية والسرعة الأعلى وبالطبع سيفضل اللاعبين أصحاب البنية الجسدية الأضخم وهذا ما كان يجري بالضبط في الأكاديميات، لأن الأطفال الذين لا تتوافر فيهم هذه الميزات لن يتمكنوا من إرسال الكرة إلى مسافة أبعد وليس باستطاعتهم اللحاق بالكرة، بما معناه أن اللاعب لا يلمس الكرة كثيرا خلال المباراة وهذا ينعكس على نسبة لا يستهان بها من اللاعبين الإنكليزيين الذين تنقصهم الجودة بالتعامل مع الكرة ولذلك عدد اللاعبين الإنكليزيين قليل في الأندية الكبرى ويتم تفضيل الأجانب عليهم.
على مستوى الجودة التدريبية، فاللاعبون الصغار لم يتعلموا أسس كرة القدم الحديثة من الضغط والجري بدون كرة وتبادل المراكز بسبب عدم توفر الكوادر المناسبة التي تتمتع بالخبرة التدريبية وهذه مسؤولية الاتحاد الإنكليزي، ويعتبر هذا أحد الأسباب الرئيسية في عدم انتقال اللاعب الإنكليزي إلى خارج إنكلترا لأنه سيجد صعوبة في التأقلم مع أساليب الكرة هناك، فهذه الأمور يتم اكتسابها في الصغر وليس في دوري الدرجة الأولى.
جيمي فاردي قضى فترة طويلة من مسيرته في أندية الهواة والدرجات الدنيا بسبب التأخر في اكتشافه.
بكل تأكيد أن تعديل القوانين المتعلقة بهذه القطاعات سيكون له أثر إيجابي على الأجيال القادمة لكن الإنكليز بحاجة لكثير من العمل وخصوصًا على مستوى كشافي المواهب لأن الموهبة تعتبر المادة الأولية في اللعبة، وهذا ما عمل عليه الألمان منذ بداية عملهم التصحيحي.
يورغ دانييل المسؤول عن تطوير المواهب الشابة في الاتحاد الألماني
نقص الكوادر التدريبية
مشكلة الإنكليز لا تتعلق فقط في أساليب التدريب بل بقلة عدد المدربين، وبحسب آخر إحصائيات الويفا فإن عدد المدربين الإنكليزيين الحائزين على الرخصة التدريبية أقل منه بكثير مقارنة بدول الدوريات الكبرى، بل إذا نظرنا لقائمة المدربين الذين فازوا بالبريمرليغ منذ انطلاقه عام 1992 لن نجد اسم لأي مدرب إنكليزي على القائمة.
«Uefa pro License» هي الرخصة التي يحتاجها المدرب لتدريب فرق في الدرجة الأولى والثانية، عدد المدربين الإنكليزيين الحاصلين عليها 205 مدرب وهذا رقم قليل جدًا مقارنة بالدول الأخرى، والبعض يرى أن قلة عدد المدربين عائد إلى إرتفاع التكلفة المادية في إنكلترا، فيتوجب على المدرب دفع ما يقارب 5500 باوند من أجل الحصول عليها، بينما في إسبانيا 1500 يورو، ألمانيا ما يقارب 800 يورو، وهذا الأمر له تأثير بالغ بالطبع لكن تبقى جودة المدربين المرخصين هي المقياس، وهذا الأمر تعكس صورته بشكل واضح الأندية والمنتخب، فالاتحاد يجد صعوبة بالغة في إيجاد البديل المناسب، فبعد رحيل هودسون وعلى الرغم من تغيير العقلية باعتماد قوانين جديدة قام الاتحاد بتعيين سام ألاردايس صاحب الإرث القديم وإبن المدرسة الكلاسيكية وعندما تمت إقالته لجأ الاتحاد إلى ساوثجيت صاحب الخبرة القليلة.
على مستوى الأندية، فملاكها يفضلون المدرب الأجنبي وهذا الأمر ينعكس من خلال على عدد المدربين الإنكليزيين في البريمرليغ والشامبيونشيب، فهناك 4 مدربين إنكليز فقط في البريمرليغ وجميعهم في النصف الثاني من الترتيب حاليا، ونسبة المدربين الأجانب في الشامبيونشيب تصل إلى النصف وهذه نسبة كبيرة مقارنة بالدوريات الأخرى.
جوزيه مورينيو مدرب مانشستر يونايتد الحالي ومدرب تشيلسي السابق.
اتحاد كرة القدم
الاتحاد يقع على عاتقه الذنب الأكبر لأنه من يضع القوانين الناظمة للعبة وهو المسؤول عن الشكل النهائي لكرة القدم الإنكليزية، الاتحاد لم يفتح أبوابه للاعبين أمثال سكولز وفيرديناند، ولم يشجعهم على إتباع دورات تدريبية للالتحاق بكوادره أو بمنتخباته، وأيضا هناك مسؤولية تقع على اللاعبين أنفسهم الذين اتجهوا لأعمالهم الخاصة أو للإعلام لأن شبكات «SKY-BBC-BT Sport» تقدم رواتب أفضل من تلك التي يقدمها الاتحاد الإنكليزي.
المال يغزو الدوري الإنكليزي
عوائد البث خلقت بيئة استثمارية جذبت المستثمرين من كافة أنحاء العالم، هذه البيئة جيدة ماليًا للأندية لكنها فوضوية جدا وتفتقر للتخطيط وضرت باللاعب الإنكليزي على المدى الطويل وجعلته خارج الخطط المستقبلية للأندية، الشيخ منصور وابراموفيتش وعائلة غلايزر ليسوا مهتمين بتنمية موهبة اللاعب الإنكليزي في أنديتهم وهذا الأمر ليس بأولوية لهم، بل هم كمستثمرين يسعون للطريق الأقصر للربح وذلك بالتعاقد مع لاعبين جاهزين من الخارج، دورة رأس المال تتحكم وتفرض سيطرتها على العقلية الكروية وتحجمها والإعلام ساهم في ذلك أيضًا.
يورغن كلوب ردا على الصحفيين بعد إلحاحهم بالأسئلة عن سوق الإنتقالات.
اللاعب الإنكليزي لم يعد لديه الحافز بسبب الأموال ولم يعد حب اللعبة هو الدافع الأول لهم، في السابق كان تمثيل المنتخبات مدعاة للفخر لكن الآن هو جزء من المهنة، الراتب سيصل نهاية كل اسبوع ولا داعي للقلق إن تراجع مستواك أو جلست على الدكة، وعلى سبيل المثال لا الحصر يتقاضى رحيم ستيرلينغ 180 ألف باوند أسبوعيًا، فكيف لشاب مثله أن يستمر بالعطاء وهو يركب أفضل السيارات ويمتلك أفخم المنازل ويعيش برفاهية كاملة؟ يجب على الاتحاد وضع سقف للرواتب وخاصة للاعبين الشباب حتى الوصول لسن معينة.
الإعلام في إنكلترا
هواية الصحافة الإنكليزية هي صناعة الأساطير من الأوهام وتحويل أشباه اللاعبين إلى نجوم لا يشق لهم غبار، فهي تُعلِي قيمة من تشاء وبلمح البصر تحول حياة من تشاء إلى جحيم، وأيضا تبالغ بالتوقعات قبل كل بطولة و تضع الضغط على اللاعبين بدلا من إبعادهم عن هذه الأجواء، فالوسائل الإعلامية تتسابق لتسريب خطة المنتخب كما حصل أمام ويلز وتعتبر الأمر سبقًا صحفيًا، وأيضا تهتم بأخبار زوجات اللاعبين ودائمة التدخل في الحياة الخاصة لهم.
« البوكسنج داي » وغياب الراحة الشتوية
بخلاف الدوريات الأوروبية لا يوجد في انكلترا عطلة شتوية، على العكس يزداد الجدول ازدحامًا في الفترة الممتدة من 26 ديسمبر حتى ما بعد رأس السنة، الجميع يشتكي من هذه المباريات لكنها ما زالت مستمرة حتى الآن وهناك نية لاعتماد عطلة شتوية ابتداء من 2019، بالطبع هناك تأثير على اللياقة البدنية بسبب ازدحام الجدول وشدة المنافسة لكن تأثيرها ليس بالكبير عند مقارنتها بالأسباب التي ذُكِرَت سابقًا، العطلة الشتوية بمثابة صديق قديم تلجأ إليه في الأزمات لتنسى ما تمر به من أزمات وهذا ما يفعله الإنكليز.