«رحلة الإمارات إلى المريخ»: الإمارات وحلم الريادة
الإمارات تطلق «مئوية 2071» .. أبو ظبي تبنــي أول مســتــوطنة بشرية على المريخ .. بعد «المريخ 2117» .. الإمارات تطلق أول قمر «نانومتري» للفضاء .. وأخيرًا وليس آخرًا، الإمارات تروي قصتها إلى العالم وتطلق «مجلس القوة الناعمة»!
كانت هذه مجموعة من الأنباء، تناقلتها وسائل الإعلام المختلفة بين الحين والآخر، والتي من الممكن أن تمر هكذا دون أن يتم تسليط الضوء عليها أو أن تلفت انتباه الكثيرين في ظل تطورات الأحداث والصراعات الساخنة المحيطة بنا على الساحة الدولية والإقليمية. ولكن بتدقيق بسيط في مجمل هذه الأنباء وتتبع مسارها، فإنها تدل على منهجية مختلفة تتبعها الإمارات العربية المتحدة، نهج تريد من خلاله إيصال رسائل عدة إلى العالم.
ربما ترغب أبو ظبي في تحقيق نقلة نوعية في مجال التكنولوجيا والاهتمام بالعنصر البشري، وتروج لنفسها كنموذج رائد في هذا المجال، أو تريد إبراز اختلافها عن دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، أو تستهدف تصحيح صورتها في التقارير الدولية وتخفف من حدة الانتقادات الموجهة إليها دوليًا، ومن المحتمل أيضًا أنها ترغب في توسيع دورها بالمنطقة، وإيجاد ساحة نفوذ سياسي لها عبر توظيفها للقوة الناعمة.
كل هذه احتمالات يمكن من خلالها تفسير النهج الإماراتي في إطلاق المشاريع المختلفة، الأمر الذي يتطلب إجراء جولة بسيطة نستطلع من خلالها هذه المبادرات وأهدافها ودلالاتها.
مجلس القوة الناعمة
محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس مجلس الوزراء الإماراتي حاكم دبي
انطلاقًا من هذا المبدأ،أطلقت الإمارات منذ أيام في الـ 30 من أبريل/نيسان الماضي، مجلسًا جديدًا، يتبع مجلس الوزراء مباشرة، تحت اسم مجلس «القوة الناعمة»، وذلك في محاولة لتعزيز وتصحيح صورتها على المستوى الإقليمي والعالمي، حيث من المتفرض أن يعمل على مراجعة التشريعات والسياسات المؤثرة على سمعة البلاد، وتطوير استراتيجية للقوة الناعمة تتضمن المجالات العلمية والثقافية والإنسانية والاقتصادية، لترسيخ التواصل على المستوى الشعبي مع المحيط الإقليمي والعالمي، ونقل تجربة الإمارات إلى العالم بطريقة جديدة.
وبنظرة تحليلية لهذا المجلس، يمكن القول بأن الإمارات قد تعددت أهدافها ومساعيها وراء إطلاقها له، إذ ترغب في استغلال القوة الناعمة كأداة من أدوات السياسة الخارجية في تصحيح صورتها لدى دول العالم المختلفة خاصة الغرب – كما يظهر من اختصاصاته – فالغرب عادة ما ينظر إلى دول الخليج عمومًا على أنها دول غنية بالنفط، لا تهتم بمواطنيها.
كما يلاحظ أن معظم التقارير الدولية عن دول التعاون الخليجي لا تكاد تخلو من الحديث عن الأوضاع السلبية المتعلقة بقضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان وقضايا العمالة، خاصةً الأجنبية وما تتعرض له من انتهاكات.
ومن جانب الدول الخليجية، فهي دائمًا ما تشجب وترفض الإدانات الدولية لها في هذا المجال، مؤكدةً وجود ازدواجية لدى المنظمات الدولية في التعامل معها، وبما أن الإمارات هي واحدة من هذه الدول – مع مراعاة ما تتميز به من اختلافات عن بقية دول مجلس التعاون – فقد رأت أن هناك قصورا من جانبها في توضيح وتصحيح صورتها في عيون العالم الخارجي، ومن هذا المنطلق جاء المجلس ليقوم بهذا الدور التصحيحي، وليكون خطوة تؤسس لحوار ينطلق من قلب الإمارات إلى العالم، كما صرح خليفة محمد الرميثي، رئيس مجلس إدارة وكالة الإمارات للفضاء.
بالإضافة إلى هذا، جاء المجلس في إطار النهج الإماراتي المختلف عن بقية دول الخليج، فلم تكن هذه هي المرة الأولى التي تطلق فيها أبوظبي مبادرات لتعزيز واستغلال القوة الناعمة، حيث سبق هذه المحاولة إطلاقها لـ «مئوية الإمارات 2071»، في مارس/آذار الماضي، والتى شكّلت برنامج عمل لتنمية العنصر البشري يتضمن وضع استراتيجية لتعزيز سمعة الدولة وقوتها الناعمة، كى تكون الإمارات أفضل دولة فى العالم بحلول العام ٢٠٧١.
وفي هذا الإطار تقوم المئوية على عدة محاور رئيسية، تتضمن الاستثمار فى التعليم، بحيث يركّز على العلوم والتكنولوجيا، والوصول إلى اقتصاد قائم على المعرفة، فضلًا عن تطوير حكومة مرنة تسعى إلى إسعاد شعبها وتقدم رسائل إيجابية للعالم. ولم يكن هذا الأمر اعتباطًا، فقد جاءت هذه المئوية في إطار مبادرات إماراتية سابقة عملت على إطلاق أفكار مختلفة ركّزت حينها على السعادة، وترجمتها فعليًا عبر إنشاء وزارة للسعادة وأخرى للتسامح في فبراير/شباط 2016، الأمر الذي تكلل بتصدرها المرتبة الأولى عربيًا والـ 21 عالميًا، في تقرير السعادة العالمي لعام 2017.
«رحلة الإمارات إلى المريخ»
عودٌ على بدء، حيث الدوافع وراء تلك المبادرات، يمكن الإشارة إلى أن الإمارات تهدف من خلالها إلى إبراز نفسها كنموذج رائد أو يسعى للريادة بين مختلف الدول العربية والخليجية منها بالأساس، وإذا كانت جهودها السابقة تصب في مجال القوة الناعمة، فهناك سياسات أخرى تصب في خدمة التقدم التكنولوجي والتطلع إلى الريادة في الفضاء الخارجي.
وهكذا، بعد علوّها في الأرض بناطحات السحاب، اتجهت أبو ظبي لتتخطى حدودها الأرضية إلى الفضاء الخارجي معلنةً دخولها رسميًا في السباق العلمي العالمي لإيصال البشر إلى المريخ خلال العقود المقبلة، من خلال مشروع «المريخ 2117»، والذي يهدف – في مراحله النهائية – إلى بناء أول مستوطنة بشرية على الكوكب خلال 100 عام.
حيث يتضمن المشروع وضع تصور علمي متكامل لأول مستوطنة على المريخ، تشكل مدينة صغيرة، وكيفية سير الحياة بها من حيث التنقل والغذاء والطاقة وغيرها، وكذلك البحث في تطوير وسائل أسرع للوصول والعودة من الكوكب خلال مدة أقصر من المدة الحالية. وفي هذا السياق أيضًا أطلقت مشروع الإمارات لاستكشاف المريخ «مسبار الأمل»، والذي من المخطط له أن يصل إلى كوكب المريخ بحلول العام 2021، الأمر الذي إذا تحقق فقد يجعلها الدولة الرابعة في العالم للوصول إلى المريخ، والأولى عربيًا.
ماذا بعد أن غردت الإمارات بعيدًا؟
ختامًا، يمكن الإشارة إلى أن الإمارات بذلت العديد من الجهود التي حاولت من خلالها تقديم صورة مختلفة، سواءٌ من خلال توظيفها لأدوات القوة الناعمة أو إطلاق المبادرات الإبداعية، وبالفعل نجحت في تحقيق هذا الهدف إلى حد كبير، على الأقل على مستوى دول الخليج.
كما استطاعت من خلال هذا المسار تمهيد الطريق لها كنموذج يمكن السير على خطاه، فبعد إنشائها سابقًا لوزارة السعادة نجد المملكة العربية السعودية على ما يبدو تتبع الخطى الإماراتية عبر إصدارها لأوامر ملكية بإنشاء «هيئة عامة للترفيه». ومع ذلك لا يمكن القول إن الإمارات قد نجحت في تحقيق أهدافها على المستوى العالمي أو الإقليمي، فمازال الطريق أمامها طويلًا حتى تبلغ أهدافها في هذا المجال.
أما إذا ما كانت تسعى لدور قيادي فهي ما زالت تفتقر للعديد من مقومات هذا الدور، على الرغم من امتلاكها للإمكانات المادية، فعملية القيادة تتطلب العديد من المقومات الأساسية الأخرى، وعلى رأسها القبول من القوى الإقليمية المختلفة لدور الدولة القائد بما يكسبها النفوذ والقدرة على التأثير، والقدرة على التنسيق بين مختلف الأطراف الإقليمية في إطار عمل مشترك، فضلًا عن السيطرة على الخلافات والتناقضات، وامتلاك رؤية لإحكام التوجهات الأساسية للإقليم وتطويره، وغيرها الكثير من العوامل التي لا تتوفر لديها.