متعب وعاشور: عندما ترى المجاملة ظلمًا لك

يختلف وقع الكلام على الجمهور باختلاف من يقوله. فحين يخاطب ستيفن جيرارد جمهور ليفربول ينصت الجميع، وحين يدعم ليونيل ميسي شخصًا يرى الجميع ضعف إمكانياته يتقبلها الجمهور منه لا من غيره، وحين يتظاهر جمهور البرازيل ضد الحكومة قبيل كأس العالم يتوجه لهم رونالدو دي ليما بالحديث لا رئيس الحكومة.

نعم، هي نظرية الرصيد التي يعلمها الجميع. لذا حين تقرر أن تخبر جماهير النادي الأهلي أن لا شيء اسمه تضحية من لاعب تجاه نادٍ في كرة القدم، وأن كل شيء يقدمه اللاعب للنادي يجني أضعافه من شهرة وأموال ووضع اجتماعي، فلن نجد أفضل من الراحل ثابت البطل حتى نقتبس كلماته.

في الأيام القليلة الماضية، ثارت أزمة بين لاعب النادي الأهلي حسام عاشور بعد إبلاغه بعدم حاجة النادي الأهلي إليه ليخرج بتصريحات للإعلام مفادها أنه مصدوم من تعامل النادي الأهلي معه.

حالة متكررة سبقها إليه زميله عماد متعب الذي لم يكف طوال السنوات الأخيرة عن التصريحات ذاتها. فلماذا يرى اللاعبان وغيرهما أنفسهم مظلومين عندما يطلب منهم النادي الرحيل؟

يشعرون بأن العالم انتهى

في عام 2016 أصدر الكاتب الإنجليزي «آلان جيرنون» كتابه: «الاعتزال: ماذا يحدث للاعبين عندما تنتهي اللعبة؟». نال الكتاب شهرة واسعة تحديدًا في فبراير/شباط من عام 2017 بعدما نشر اللاعب الإنجليزي «جون تيري» صورة لنفسه وهو يقرأ الكتاب بعد أيام من إعلانه تعليق حذائه.

يقول جيرنون في كتابه، ووفقًا لإحصاءات النقابة الدولية للاعبي كرة القدم المحترفين «FIFPRO»، إن 35% من لاعبي العالم يعانون من مشاكل الاكتئاب والاضطراب النفسي باختلاف درجاته في وقت الاعتزال. وأرجع جيرنون تلك الحالة إلى ثلاثة أسباب:

1. عدم قدرة اللاعبين على تخفيض معدلات إنفاقهم للأموال هم وأسرهم بما يتواءم مع الدخل القليل بعد الاعتزال. فأغلب اللاعبين الذين قام جيرنون بالحديث معهم لم يفكروا طيلة مسيرتهم في لحظة الاعتزال، لدرجة أن 141 لاعبًا ممن اعتزلوا في الألفية الجديدة يقضون عقوبات داخل سجون إنجلترا بقضايا مالية.

2. افتقاد الهوية. فلاعب كرة القدم يعيش حياة أقرب لحياة الجندي في الحياة العسكرية. هو اعتاد أن يجد من يخطط له يومه وتدريباته ومستقبله دائمًا. فجأة يجد نفسه مجردًا من كل ذلك وبشكل مفاجئ.

3. ضبابية الرؤية لمستقبله، هو لأول مرة يخطط بشكل كامل لشهوره وسنواته المقبلة بمفرده دون مدرب أو إدارة تدعمه.

لكن ما علاقة حسام عاشور وعماد متعب بتلك الحالة؟ حسنًا، دعنا نسرد سريعًا بعض التفاصيل الصغيرة لحالتي النجمين حتى نصل سويًا لإجابة ذلك السؤال.

جندي مجهول صار معلومًا

فنيًا، ظل الجدل قائمًا لسنوات طويلة حول دور حسام عاشور في الملعب. هل يكتفي عاشور بتمريرات مضمونة بعرض الملعب أم هي تعليمات المدرب؟ هل يقوم بأدوار حقيقية في إفساد هجمات الخصم أم هي مبررات واهية يقنع بها الجمهور نفسه؛ لأن الأهلي يفوز في أغلب الأحيان؟

ظل الجمهور في تلك الحالة الجدلية حتى ظهر حمدي فتحي وأليو ديانج على أرض الملعب. فجأة اكتشف الجمهور أن مركز الجندي المجهول يمكن أن يكون معلومًا، وأن المسمار من الممكن استبداله بعمود خرسانة!

فحمدي فتحي يؤدي في نفس المركز بفاعلية أكبر بكثير بل ويحرز أهدافًا محليًا وأفريقيًا ودوليًا في موسمه الأول مع النادي، ليدحض الادعاءات التي تقول دائمًا إن ثلاثة أهداف في أكثر من 500 مباراة هو رقم طبيعي جدًا لحسام عاشور!

أليو ديانج هو الآخر يفسد الهجمات، ويحتفظ بالكرة بعدها، ويخترق من العمق، ويقوم بتمريرات ذكية حاسمة وبمعدلات متكررة في كل مباراة.

تكريم صامت

تولدت بعد ذلك حالة صامتة من التقدير غير المعلن من الجمهور تجاه عاشور. نحن علمنا أنه لم يكن الخيار الأفضل فنيًا، لكن التزامه وانتماءه للنادي خلق له رصيدًا يجعلنا نتحمله ليس موسمًا أو اثنين بل ثلاثة تقريبًا.

مشكلة تلك الحالة أنها لم تكن معلنة، بمعنى أن الجمهور ظل يتعامل مع عاشور على أنه لاعب الوسط الأفضل، أما عاشور فظل يتعامل مع تواجده بالأهلي أنه قائم على قدراته الفنية فحسب وأن سنوات التكريم لم تبدأ بعد في حين أنها كانت قد بدأت بالفعل لدى الإدارة والجمهور!

هذا تحديدًا ما خلق حالة الصدام بينه وبين إدارة النادي الأهلي. الغريب في حالة عاشور أن الأهلي قد أمّن له كافة أسباب الاضطراب والفزع التي تنتاب اللاعبين عند الاعتزال والتي ذكرها جيرنون في كتابه.

فعلى مستوى الدخل، فقد وعده النادي بإقامة مباراة اعتزال بشكل استثنائي له تؤمن له مبلغًا يوازي عقد موسم كامل وفقًا لتقدير الإعلامي أحمد شوبير.

أما فيما يخص افتقاد الهوية، فلم يتركه الأهلي واستمر في التخطيط له كما اعتاد في حياته بإمكانية المعايشة الإدارية أو الفنية خارج مصر. أما بخصوص ضبابية الرؤية المستقبلية فقد عرض عليه العمل بالنادي بعد تجهيزه أو العمل في قناة النادي مباشرة.

أمّن الأهلي للاعبه الماضي والحاضر والآن يؤمن له المستقبل. فما التكريم الذي انتظره عاشور أكثر من ذلك؟

وماذا عن متعب؟

رواية أخرى مشابهة لرواية اعتزال عاشور حدثت مع مهاجم النادي الأهلي السابق عماد متعب مع وجود بعض الاختلافات. أبرز تلك الاختلافات هي دأب متعب على التصريح بأنه يتعرض للظلم في الثلاثة مواسم الأخيرة له في النادي الأهلي.

وبالرغم من توتر العلاقة بين جماهير النادي الأهلي وحسام البدري طوال فترة قيادته، إلا أن قرار استبعاده لمتعب لم يكن موضع خلاف أساسي بينه وبين الجمهور. أصوات متفاوتة ومتباعدة تطالب بوجوده كلما بالغ أزارو في إضاعة الفرص السهلة.

لكن الجميع كان يرى وزن متعب الزائد وتحركاته البطيئة وفقدانه القدرة على التحكم السريع بالكرة. يحاول متعب دائمًا التغافل واختزال فترة تراجعه إلى السنوات الثلاثة تلك وإلصاق تهمة بعده عن الملعب بحسام البدري، لكن الجمهور يعلم أن الأمر يسبق ذلك بحوالي موسمين أو ثلاثة.

هي حالة الصمت ذاتها التي حافظ عليها الجمهور والإدارة مع عاشور حافظوا عليها مع متعب أيضًا. وكما تغافل متعب عن سنوات تراجعه الحقيقية، تغافل أيضًا عن حالة التكريم الضمنية -والأطول من عاشور- التي أقامها النادي والجمهور له طوال تلك السنوات.

ما التكريم الذي انتظره متعب أكثر من الصبر عليه في تلك الحالة الفنية بعقد لا ينقطع طوال تلك السنوات؟

أليس صبر النادي الأهلي على مشهد مساعدة اللاعبين لمتعب كي يحرز هدفه أمام وادي دجلة تكريمًا لمتعب؟ الأمر بدا وكأنها مباراة اعتزال فعلية للاعب. للاعب بوزن زائد، غير قادر على المراوغة، وفاقد القدرة على التسديد القوي، يشعر زملاؤه بضعفه فيحاولون مساعدته بأي شكل!

لم يكن الموقف إنسانيًا كما صورته وسائل الإعلام حينها، بل كان مهينًا لمتعب وتاريخه. وصف تلك اللقطة تحديدًا بالإنسانية لا يليق بقيمة متعب التي عرفناها في العقد الأول من الألفية الجديدة.

لماذا يتحمل الأهلي كل ذلك؟

دعني أذكرك عزيزي القارئ أن ذلك النص ليس هجومًا على متعب ولا إفراطًا في التقليل من قدرات عاشور. نعلم تمامًا أن مناقشة تلك الأمور بموضوعية تامة وتجرد قد يكون قاسيًا على أي إنسان، لكن اللاعبين هما من قررا اختراق حاجز الصمت والتكريم غير المعلن من قِبل الإدارة والجماهير لهما بتصريحاتهما الإعلامية، وقررا ضمنيًا فتح باب النقاش بكل موضوعية، متناسيين أن ذلك ليس في صالحهما على أية حال.

السؤال الآن: لماذا يتحمل الأهلي كل ذلك وتحرص الإدارة -أيًا كان من يمثلها سواء محمود طاهر أو الخطيب- على تدليل اللاعبين الكبار في تلك المواقف وخلق سبل تكريم إضافية لهم على اعتبار أن قضاءهم مواسم دون احتياج فني لهم في نادٍ بحجم الأهلي لم يكن تكريمًا.

الإجابة الأقرب للمنطق هي أن النادي يرى أنه مضطر لتلك التصرفات، مضطر أن يتحمل تراجع تصريحات متعب، وتراجع مستوى عاشور، وعصبية حسام غالي المبالغ فيها أحيانًا كثيرة وغيرها من التصرفات؛ لأنه مجبر أن يكون له أساطير، وهذا هو المتاح حاليًا أمامهم.

أبناء مخلصون يحافظ عليهم حتى يكون هناك قدوة دائمة رآها الناشئون ليسعوا أن يكونوا مثلهم، ولكن هل قضاء مواسم دون حاجة فنية للاعبين كبار هو التكريم المناسب؟

في حواره الأخير منذ أيام مع سيف زاهر، سُئل عماد متعب ماذا كان سيفعل إذا كان محل إدارة النادي الأهلي مع اللاعبين الكبار؟ بعد ثلاث دقائق من المدح في إمكانيات زميله حسام عاشور قال: «يعني الخروج كان ممكن يكون بطريقة أفضل وأشيك من كدة»!

الواقع يقول إن اللاعبين الكبار ليس لديهم حل بديل عما يحدث أو يُقدم إليهم لأنهم يعلمون في قرارة أنفسهم أنه تم تكريمهم بالفعل.

لكن ذلك الشعور غير المبرر بالاستحقاق هو في الغالب إحدى ظواهر القلق والاضطراب التي تصاحب اللاعبين عندما يقتربون من خط النهاية كما ذكر آلان جيرنون في كتابه: «الاعتزال: ماذا يحدث للاعبين عندما تنتهي اللعبة؟».

شعور بالاستحقاق لدى متعب وعاشور لن ينتهي الآن مهما عُرض عليهم، حتى لو عرض عليهم محمود الخطيب التنازل عن كرسي رئاسة النادي الأهلي لهما، لن يوافقا ليخبرا الجميع أن: «الخروج كان ممكن يكون بطريقة أفضل وأشيك من كدة».