الزمرد والعمال والاحتيال: كوابيس إيلون ماسك التي تطارد أحلامه ويقظته
على أرض «البافانا بافانا»، بريتوريا، في الجنوب الأفريقي، يقف المهندس إيرول أمام طائرته الخاصة يتذكر مغامراته..
هو وزوجته كانا أول من طار من جنوب أفريقيا إلى أستراليا في طائرة ذات محرك واحد. لقد حان الوقت لمغامرة جديدة مع رفيقته ذات الجناحين، لكنها الرحلة الأخيرة.
تُرى، ماذا يخطط إيرول؟
اصطحب إيرول الأب المغامر ابنه الصغير في رحلة جوية من بريتوريا إلى لندن، لم يكن الابن يدرك أن أباه يخطط لبيع الطائرة عقب هبوطها في بلاد الإنجليز، ولم يكن الأب يدرك أن خطته لن تتم كما رسمها؛ بسبب «عطلة دينية» ستجبره على دفع 2000 دولار رسوم عبور طائرته للحدود أو الانتظار 10 أيام. لم يملك إيرول المال أو الوقت، ما دفعه لتغيير خطته فقرر الهبوط بطائرته في جيبوتي، ليلتقي هناك بمجموعة من الإيطاليين الساعين لشراء طائرة، وهنا ارتدى الطيار عباءة التاجر، فحدد السعر وأُبرمت الصفقة، واصطحبه المالك الجديد إلى مكتبه حيث خزانة أمواله، ليعطيه 80 ألف جنيه إسترليني من كومة أموال بالخزنة، ومع النقود لم يقدم المشتري الإيطالي مشروبًا لإيرول بل قدم عرضًا لا يُرفض، سأله:
– هل ترغب في شراء نصف منجم زمرد في زامبيا مقابل نصف ثروتك الجديدة؟
بالطبع وافق إيرول، وامتلك نصف المنجم، فتدفق عليه الزمرد لست سنوات متتالية، ليصطحبه في رحلاته وأيام العطلات العائلية ليبيعه ويحقق منه ثراءً فاحشًا، ويمتلك أموالًا بالقدر الذي لم يكن يتمكن من إغلاق خزانته أحيانًا إلا بواسطة فردين من عائلته!
تمرّس الأب على بيع الزمرد، والابن الصغير الذي صحب أباه في آخر رحلات الطائرة صار تاجرًا شابًا يتحسس أولى صفقاته لبيع الأحجار الخضراء البلورية، لكن طموحه كان يكبر سنه، وأراد أن يخطو عقودًا في ثوانٍ، فاصطحب شقيقه إلى أحد أشهر صانعي المجوهرات في العالم «Tiffany & Co»، وباعا له زمردتين بمبلغ 2000 دولار.
كان الصبي حينها في السادسة عشرة من عمره، ويُدعى إيلون..
إيلون ماسك.
الزمرد العنصري: كابوس بريتوريا الذي يلطخ ماضي ماسك
عاد إيلون ووالده إلى بريتوريا بنصف منجم الزمرد الزامبي، ليتنعم الابن بأسلوب حياة فخم بين اليخوت وعطلات التزلج وأجهزة الكمبيوتر، والذي أكسبه –بحسب والده– المغامرة التي ستجعله فيما بعد يضع قواعد جديدة لصناعة السيارات مع «تسلا»، ويتخطى الكوكب مع «سبيس إكس».
تدل حكايات الأب السابقة بوضوح على عائلة ثرية، لكنها تطرح تساؤلات منطقية، فمن رجل لا يملك قيمة عبور طائرته إلى مالك لنصف منجم زمرد بالصدفة! وعملاق مجوهرات لا يستفسر عن مصدر الزمرد ليستزيد منه؟
هناك بالطبع حلقات مفقودة وتفاصيل مبتورة، في ظل شبهات تطارد الأب خاصة بالعنصرية وتجارة الألغام والزمرد بطرق غير قانونية، يعضد ذلك وصف إلون لوالده في أحد لقاءاته بأنه «إنسان فظيع، فعل كل الشر الذي يمكن أن تفكر فيه، وارتكب –تقريبًا- كل جريمة يمكن أن تُرتكب»، وعلى الرغم من أن هذا القول جاء في معرض إظهاره بصورة تثير التعاطف كشخص قُمعت مشاعره في طفولته المؤلمة- إلا أنه قول يثير التشكك، في ظل نفي ماسك لحياة الزمرد الرغيدة ووصفها بالكذبة، وتأكيده أنه غادر جنوب أفريقيا في السابعة عشرة من عمره بمفرده مع حقيبة ظهر وحقيبة كتب، وعمل بوظائف بسيطة، والتحق بالجامعة عبر منحة دراسية ومديونيات بلغت 100 ألف دولار بحسب تغريدة لماسك.
ومما يزيد الغموض أنه في مقابلة مع فوربس أكدت الصحيفة أن والده كسب المال من عمله الهندسي والاستشاري في تطوير العقارات، على الرغم من عدم نفي «حكاية الزمرد»، ولم تُشِر فوربس إلى دليلها على ذلك، في ظل أن الأب لم يتحدث في مقابلته مع الصحيفة عن عمله الهندسي، ولكن قد يكون مصدرها هو الكتاب الصادر قبل المقابلة ببضعة أشهر عن حياة إلون ماسك بعنوان: «إيلون ماسك: «تسلا» و«سبيس إكس» والبحث عن مستقبل رائع»، والذي أشار كاتبه إلى أن ثروة العائلة جاءت بفضل نجاح أعمال إيرول الهندسية عبر شركته التي نفّذت مشروعات كبرى في جنوب أفريقيا منها قاعدة سلاح الجو في جيش البلاد، لكنه زاد الغموض حين أشار إلى أن عائلة ماسك تتفق على وصف الأب بأنه «ليس رجلًا لطيفًا» ويرفضون الخوض في تفاصيل تفسير هذا الوصف.
إلى جانب ذلك، تشير تقارير عدة إلى أن إلون هاجر إلى كندا؛ هربًا من التجنيد الإجباري في جيش جنوب أفريقيا، ليعيش مع والدته في موطنها حياة شاقة بعد انفصالها عن والده، كما أن تجارة والده للزمرد لم ترُج إلا في منتصف الثمانينيات وكان إلون حينها طفلًا في السابعة منطويًا، يتعرض للتنمر، مولعًا بجهاز الكمبيوتر الذي اشتراه له والده.
جنّد ماسك كل دفاعاته السابقة ليتخلص من مطاردة اتهامات بوراثة أموال الفصل العنصري من زمرد والده، ربما ذلك ليطهر ثروته من دماء وأرواح أزهقتها العنصرية أو ليثبت أن ذكاءه اللامع هو منبع ثروته وليست أحجار والده اللامعة، وما بين تغريدات إلون بالنفي وحكايات والده بالإثبات لا يزال الغموض يغلّف هذة الفترة من عمر إلون، ولا تزال حكايات الزمرد مادة ثرية للإعلام وسجالات «السوشيال ميديا»، خاصة أن نفي إلون ليس قاطعًا بل يأتي في إطار تبديد الاعتقاد السائد بأنه «مولود في فمه ملعقة ذهبية»، ولا يزال كابوس الزمرد العنصري يطارده، لكنه ليس كابوسه الأسوأ، وإذا كان كابوس الزمرد دفينًا في المناجم الأفريقية في انتظار من يستخرجه فهناك كابوس آخر طليق يطارده مع كل نبضة من نبضات مصنع تسلا..
هذا الكابوس بدأ من كندا.
كابوس حقوق العمال: هل يبني ماسك نجاحه على صحة عماله؟
تعد كندا البوابة الأسرع والأقصر للجنسية الأمريكية، وفي الوقت نفسه هي موطن الجميلة “ماي”، والدة إلون، عارضة الأزياء، وخبيرة التغذية، وجميلة جميلات جوهانسبرج في عشرينياتها، لذا، لم يكن انتقال إلون إلى كندا في السابعة عشرة من عمره صعبًا أو مفاجئًا، خاصة بعد انفصال والديه وعودة أمه إلى موطنها، وإنما الصعب كان ظروف الحياة هناك.
في كندا عملت ماي في 5 وظائف في وقت واحد؛ فقد صارت أمًّا مسؤولة عن ثلاثة أطفال بعد طلاقها «في عز شبابها»، وهي في عمر 31 عامًا. أُجبرت الأم على الكفاح لتغطية نفقات أسرتها، جعلها الفقر تعمل بجد، وتبكي بجد عندما سكب طفلها الحليب، لم تؤمن -حينها- بالمثل القائل «لا تبكِ على اللبن المسكوب»؛ لأنها لم تكن تملك مالًا لشراء لبن آخر؛ فرواتب الوظائف الخمس كانت بالكاد تُبقي الأسرة على قيد الحياة، مما أجبر أولادها على المشاركة في تحمل المسؤولية، فعمل إلون في مزرعة ابن عم والدته ثم في مصنع خشب.
لقد عانى إلون -بالطبع- وذاق مرارة العمل والإجهاد، لكن يبدو أنه نسي المعاناة بعدما تحوّل طعم المرار إلى لذة، «وبعد ما الزهر لعب» ربما نسي المليادير صاحب تسلا آلام عمله في مصنع الخشب سابقًا، فلم يُحسن التعامل مع آلام عمال مصنعه..
من هنا بدأ كابوس إلون ماسك المستمر.. حقوق العمال.
ذلك الكابوس الذي جاء استمراره نتيجة لتتابع أصوات آلام عمال تسلا التي تطارد إلون ماسك عبر تقارير صحفية تنقل آهاتهم لتؤكد أن مغامرات ماسك الضخمة تعود بالسلب على عمال الشركة الذين يدفعون ثمن وعوده الفاشلة، فهم يعانون من الآلام والإصابات والتوتر، ونوبات إغماء وصرع وآلام في الصدر، فضلًا عن مئات الإصابات الأخرى؛ لأن الشركة –وفقًا لإفاداتهم- تضع أرقام الإنتاج قبل سلامة الموظفين، على الرغم من الإنتاج الضئيل الذي لا يتعدى 1% من إنتاج «جنرال موتورز»، وعلى الرغم من ذلك فإن معدل إصابات وحوادث العمال مرتفع للغاية، فقد تجاوز متوسط إصابات صناعة السيارات بين عامي 2013 و2016، ففي حين كان متوسط عدد الإصابات في الصناعة هو 6.7 إصابة لكل 100 عامل، بلغ بين عمال تسلا 8.1 إصابة لكل 100 عامل. وأكد العمال أن الشركة إذا كلفتهم بعمل بسيط بسبب إصابة فالأجر يقل بمقدار النصف تقريبًا، وهو ما يجبرهم على العمل رغم الإصابات والآلام والإجهاد.
في ظل طموحات ماسك المستمرة، وخططه ربع السنوية غير الواقعية بزيادة إنتاج الشركة والتفوق على فورد وجنرال موتورز- فإن الضغط يتزايد على العمال، وبالتالي تتزايد الخطورة، وتتعالى أصوات الآلام، وحينها يبرز صوت ماسك عبر «تغريدة» لا تخفف من آلام عماله بل يؤكد فيها أنه «تحسنت سلامة مصنع تسلا وأصبحت أفضل من متوسط الصناعة».
هنا يبزر للعمال تناقض الملياردير في ظل أن معدل الإصابات هذا لم يتحقق إلا في تغريدته، أما على أرض الواقع، ففي يوم من أيام العمل في مصنع تسلا تتغير حياة أحد العمال؛ بسبب إصابة ظهره، ليفقد منزله، ويضطر إلى بيع بعض ممتلكاته لتغطية نفقاته، ويصادق الآلام والخدر في ساقيه بقية عمره، ويجري عامل آخر عمليتين جراحيتين لعلاج التهاب أوتار يديه.
يزيد كابوس حقوق العمال إحكام قبضتيه على سمعة ماسك، عندما تتعامل الشركة مع إصابات عمالها بطرق غير مُرضية، فأحيانًا لا تهتم أو تقدم سجلات إصابات ناقصة أو تمتنع عن نشر بيانات رسمية عن إصابات عمالها بدافع أنها لا تعطي صورة كاملة عن الأمر، إنما تقدم «بعض الحكايات» في مصنع يضم أكثر من 10000 شخص، قد تتخد -أحيانًا- قرارات تشير إلى تفاقم الوضع، فتقرر إضافة فترة عمل ثالثة، وتخفيض ساعات نوبات العمل، مع وعود بتحسين مقاييس السلامة، يصاحبها توظيف فريق متخصص من خبراء بيئة العمل، مع نشر بيانات تؤكد أن ماسك التقى بالعمال المصابين مرات عدة، وتواجد في خط الإنتاج كل يوم تقريبًا، داعمة بياناتها بشهادات 10 عاملين، لكن قبل أن ينعم ماسك بحياته دون كابوس العمال تأتيه أصوات 4 من العمال العشرة يؤكدون في تصريحات صحفية أنهم لم يصابوا بأي جروح! حينها تزداد هوة الثقة اتساعًا بينه وبين عماله، ويؤكدون أن ماسك لكي يعيش التجربة واقعيًا يجب أن يعمل مثلهم، بدوام 12 ساعة يوميًا ستة أيام متتالية؛ لأن التجربة لعدة ساعات فقط لن تساعد على فهم تحديات ومخاطر العمل الحقيقية.
كل تلك الكوابيس -بالطبع- تجبر ماسك على المواجهة، وتظهر مدى تناقضه، فتارة يؤكد أن عماله يعملون لساعات طويلة في وظائف شاقة، ويؤكد أن صحتهم وسلامتهم أهمية قصوى، ويتألم من اتهامه بأنه شخص لا يهتم بسلامة عماله، وتارة يصرّح بأن مكتبه في أسوأ مكان بالمصنع، وأنه ينام على أرض المصنع في كيس نوم؛ ليشعر بحال عماله بشكل دقيق، أو يعلن أن تفاقم الإصابات نابع من إيمان الشركة بمستقبل الطاقة المستدامة، وسعيها الدؤوب لنشر النقل النظيف وإنتاج الطاقة النظيفة، وليس لتحقيق الثراء، وقد يشير -أحيانًا- إلى حل سيريح العمال لكنه عبر الإطاحة بهم؛ لأن عملية الإنتاج في المستقبل لن يعمل بها بشر.
في بعض الأحيان يُطأطئ ماسك رأسه أمام عواصف الصحافة، فيرسل بريدًا إلكترونيًا –بصيغة المفرد لا الجمع- إلى موظفيه بعد نشر هذه التقارير، يقول فيه: «لا توجد كلمات تعبر عن مدى اهتمامي بسلامتك ورفاهيتك، لقد طلبت إبلاغي بكل إصابة دون استثناء، وألتقي بفريق السلامة أسبوعيًا. أود أن أقابل كل مصاب؛ لأفهم ما يتعين فعله لتحسين الأمر. سأتواجد بخط الإنتاج لأؤدي مهام العمال»، وبعدها يشعر العمال بخداع ماسك لهم فيؤكدون أنه أخلف وعده، ولم يقابل عمالًا مصابين سعوا للقائه، وإذا أراد تحقيق ذلك فعليًا فسيتعين عليه قضاء نصف عام في المقابلات، حينها يفقد ماسك اتزانه أمام هذا الكابوس الذي ينال من شخصه وقيادته وأفكاره، ويشكّك المساهمين والعملاء والعمال فيه، لكنه يبقى صامدًا، ويستمر في نشر تصريحاته المفرطة في التفاؤل ليثير حماسة جماهيره ومتابعيه، ويحوّل دعمهم له إلى موجة دفاعية ترد عنه بعضًا من الهجوم، لكن هذه الموجة في الوقت نفسه تغرق عماله في المزيد من الإصابات، ويتحسرون على أنفسهم بعدما صاروا بمثابة «أضرار جانبية» لمغامراته، وصارت «الصادرات الرئيسة لتسلا هي الإصابات وليست السيارات»، بحسب تعبير أحد مهندسي الشركة، الذي يبرز وصفه الضغط الشديد، وساعات العمل الطويلة، التي أدت إلى إصابات مزمنة في الأيدي والأذرع والسوق أثّرت على نشاطات العمال وممارساتهم اليومية.
كابوس الوعود غير المُتحقَّقة: بين التفاؤل والاحتيال: شعرة
في عام 1992، غادر إلون –ابن العشرين حينها- كندا قاصدًا جامعة بنسلفانيا الأمريكية، كأولى خطوات الطموح العملي لبناء إرث اسطوري، وهناك نال إلون بكالوريوس في الاقتصاد ثم أتبعه ببكالوريوس في الفيزياء، ومن بنسلفانيا توجه إلى ستانفورد لدراسة فيزياء الطاقة، لكن ازدهار الإنترنت حينها أثار الشغف القديم للمراهق الطموح، فترك ستانفورد بعد يومين فقط، ليبدأ في حجز مكانه في وادي السيليكون بين عظماء الوادي، وذلك بإطلاق شركته الأولى «Zip2 Corporation» في عام 1995، تلتها «X.com» المعروفة اليوم بـ «PayPal»، التي حصل ماسك على أول مليار بسببها، وذلك عندما استحوذت eBay عليها عام2002.
توالت بعدها مسيرة متتالية من الشركات أنجحها وأكثرها تأثيرًا هما تسلا وسبيس إكس، لم يعكر فرادة هذه المسيرة سوى وعوده المتفائلة، وربما إذا قرأ أحد قارئي الكفوف خطوط كف ماسك حين بداية مسيرته لقال له بثقة: «قدامك كابوس مفزع.. لا تُفرط في وعودك».
قد يكون أقسى كوابيس ماسك هو وعوده المفرطة غير الواقعية، وخططه المبالغ فيها التي تنال من مصداقيته وثقة مستثمريه وعملائه؛ لأنها لم تتحقق، وإنما ظهرت آثارها السيئة على العمال وعلى سمعته، مما دفع البعض إلى اتهامه بالاحتيال، في ظل استمرار تصريحاته وأرقامه التي لا يفي بها، وافتقاره لضبط النفس في مواجهة الصحافة ومعارضيه، وهو ما يتضح من تعليقاته على تصريحاته وإخفاقاته في الالتزام بالجداول الزمنية التي يحددها والوعود التي يقطعها، بقوله: «كما هو الحال دائمًا، أنا متفائل على المدى الطويل»، وهو تصريح -بالطبع- يحمل التحدي وفي الوقت نفسه يحمل التمادي في الخطأ، ولا يعطي مبررًا مقنعًا، ويُحدث اضطرابات تصعّب قدرة بعض أعضاء فرق العمل على الالتزام بجداوله الزمنية، ما أدى إلى مغادرة العديد من كبار المهندسين للشركة، فضلًا عن أن فشل وعوده يجبره على خفض الإنفاق بما لا يتوافق مع الأهداف التي يتعين على الشركة تحقيقها لتبرير تقييمها وقيمتها.
وعلى الرغم من ذلك فإن مسيرة ماسك تؤكد أنه «موهوب في تخطي الفشل»، وقد يُعد تنفيذه لوعوده المتأخرة دليلًا على عبقريته التي لا تحصرها المقاييس التقليدية، فهو رائد الإصرار، لم يمر عام –تقريبًا- إلا ويخفق فيه مرة أو أكثر، ولكنه يعود للصدارة مرة أخرى، فقد فشلت صواريخه مرات عدة، وكانت تسلا وسبيس أكس على شفا الإفلاس عام 2008، لكنه عاد بهما إلى المسار الصحيح، وهو ما جعله يملك تاريخًا من التجارب يدعو للثقة والأمل، ويعطي دروسًا عملية في تحويل التأخر إلى ريادة، وربما هذا ما يجعله يطلق الوعود الخيالية وهو على ثقة بأنه سيمر منها، وإذا لم تمر فإنه سيستمر بطريقة أو بأخرى، وسيقاوم كوابيسه ليبقى على القمة ينعم بمسيرة ناجحة في ريادة الأعمال تثبتها تسلا الرائدة في مجال السيارات الكهربائية، و«باي بال» الرائدة والمهيمنة على خدمات الدفع الإلكتروني، وسبيس إكس رائدة رحلات الفضاء ونقل البضائع إلى محطة الفضاء الدولية وأقمار الإنترنت فائق السرعة، وسولار سيتي التي تخطو بثقة في ريادة صناعة الطاقة المستدامة، كل هذه الريادات لا تعبر عن محتال أو مطلق وعود جوفاء، بل رائد أعمال يحقق نجاحًا وريادة، وتطارده كوابيس يتغلب عليها، قد تخنقه حينًا وقد يبددها أحيانًا.
القاسم المشترك بين هذه الكوابيس هو أنها تصنع أسطورة إلون ماسك في ريادة الأعمال، وبقدر ما تؤرقه وتنال منه بقدر ما يستغلها لصالحه بدهاء واحتيال أحيانًا، ليبرز كرائد أعمال تقوده طموحاته لحل مشكلة الطاقة المستدامة، وتكوين حضارة متعددة الكواكب، لكنه يقود أفكاره وشركاته كلها دفعة واحدة، وهي طريقة محفوفة بالمخاطر، وقد قادته بالفعل إلى حافة الهاوية والإفلاس و«ساعة موت تسلا»، وعلى الرغم من ذلك فإنه لا يخفف من طموحاته أو توقعاته، ما قد يؤدي به إلى سقوط متتالٍ، مثلما حدث لصواريخه.