إيلون ماسك يؤكد: سنذهب للكوكب الأحمر
يعرف متابعو إضاءات اهتمامنا بالمريخ، فقد كتبنا عنه مرارًا وتكرارًا، وكلما ذكرنا المريخ يأتي ذكر العبقري «إيلون ماسك» معه، فكأنما أصبح الاسمان رفيقي درب. فقد أفردنا مقالًا كاملًا عن «سبيس إكس – SpaceX» سابقًا، وحلم ماسك في زيارة المريخ، ثم أتبعنا ذلك بسؤال وجودي:
هل نسافر إلى المريخ ونستعمره؟
تتالت الأخبار عن تواجد الأكسجينوالمياه على سطح الأحمر، الكوكب شبه التوأم لنا، والذي فقد غلافه الجوي بسبب رياح نجمنا الحبيب؛ الشمس.
ولكن الجديد في يوم الثلاثاء الماضي؛ هو إطلاق الخطة الكاملة لاستعمار المريخ، وربما النظام الشمسي قريبًا. وفي هذا المؤتمر ظهر «ماسك» واحتل المسرح كعادته.
يبدو أنني لم أكن الوحيد في ملاحظة التغيير الجديد في وجه «إيلون ماسك»، «نيك سيتكون» من «وايرد» يشاركني الرأي أيضًا، فقد قام «توني ستارك» الحقيقي بتقليد «روبرت داوني جونيور»، لتنمو الذقن الخفيفة مع الشارب المميز للرجل الحديدي!.
لماذا نترك أرضنا؟
منذ البداية كان حلم «ماسك» الذهاب إلى المريخ، فلنكن أكثر دقة، منذ البداية كان حلم «ماسك» استعمار المريخ وتحويله إلى مستوطنةٍ أرضية، وبناء مدينة يعيش عليها ملايين البشر. فالإنقراض السادس الكبير قادم، ولا بد من مكان يحمي البشرية عند حصول ذلك، وحينها سنشكر «ماسك» على عمله الفذ وأفكاره النيّرة!.
لكن الآن وباعتراف «ماسك»، فإن تذكرة الذهاب إلى المريخ تكلف الفرد حوالي (10 مليارات دولار)؛ أي أن «بيل جيتس» يستطيع الذهاب 7 مرات فقط -حتى الآن لا يمكنه العودة.
إذن من أهم النقاط التي يجب أن نعمل عليها؛ هي تخفيض سعر وتكلفة السفر والإقامة في المريخ، تقريبًا هذا ما كان ماسك يحاول عمله، طلب الدعم من ناسا، ومجانين الفضاء المشابهين له. فبرغم نجاح (سبيس إكس) الكبير، إلا أنها لن تستطيع السفر وحدها إلى الكوكب الأحمر.
لماذا المريخ؟
لأنّه يقع في المكان المناسب ويتمتع بالظروف المناسبة، والشبه بين الكوكبين كبير جدًا، وحسب الدراسات فإن كوكب المريخ كان يمتلك غلافًا جويًا مشابهًا لغلافنا حتى، وقد احتوى على الماء، بل يوجد على سطحه مياه حاليًا.
خطة عمل
مثل أي خطة تجارية، قدم «ماسك» خطة الذهاب إلى المريخ، وأوضح أننا نحتاج أن نركز على أربع نقاط أساسية لجعل تكلفة السفر معقولة، وممكنة، بل ومتاحةً لملايين من سكان الكوكب الأزرق. هذه النقاط كالآتي:
1. القدرة الكاملة على إعادة الاستخدام بشكلٍ متكرر للصورايخ التي ستحملنا إلى المريخ.2. التوصل لطريقةٍ تسمح لنا بإعادة تزويد الصواريخ بالوقود في المدار؛ أي بناء محطات تسمح للصواريخ بالتزود بالوقود بين الكوكبين.3. إنتاج الوقود على كوكب المريخ؛ وذلك لضمان الحصول على الوقود لرحلة العودة، وضمان الطاقة الإنتاجية على كوكب المريخ.4. تطوير وقودٍ أكثر كفاءة وأقل تكلفة من الوقود الذي نستخدمه حاليًا من أجل السفر لمدة ومسافة أطول.قابلية إعادة الاستخدام هي النقطة الأهم في مشروع «ماسك»؛ فهي التي ستسمح لنا بالوصول لمجتمع قائم بحد ذاته على المريخ؛ مجتمع يستطيع إنتاج الطاقة والوقود لرحلات العودة للأرض.
أما إعادة تزويد المركبات بالوقود في المدار فستضمن لنا خفضًا كبيرًا في التكلفة، وعدم الوصول لهذه النقطة سيؤدي على الأقل لرفع تكلفة التذكرة الواحدة بنسبة 500% على الأقل، وحينها سنحتاج لمركبات أكبر لتحمل وقودًا أكثر بالطبع.
وببناء ناقلات وقود فضائية سنستطيع خفض التكلفة على المركبات الفضائية أيضًا، بالسماح لها بالبقاء خارجًا وإطلاق مركبة الوقود بشكلٍ شبه مستمر إلى المدار خلال فترة السماح (فترة اقتراب المريخ والأرض التي تحصل كل 27 شهرًا).
ولا بد لنا أيضًا من إنتاج الوقود على المريخ لدفع المراكب مرةً ثانية إلى الأرض، فنحن لا نريد أن يصبح المريخ «مقبرةً» للمراكب الفضائية، مهدرين بذلك الأموال والطاقة التي ساعدت بوصولها إلى هناك، ويمكننا الحصول على ذلك بواسطة «الميثان».
أما بالنسبة للنقطة الأخيرة، فقد قارن «ماسك» بين المكونات الثلاثة التي يمكن استخدامها كوقود في رحلتنا الطويلة، من حيث حجم المركبة التي يستطيع تشغيلها، وتكلفة التحضير أو الاستخراج وقابلية إعادة الاستخدام، والإنتاج على سطح المريخ، وطبعًا قابلية نقل الوقود بشكلٍ مستمر.
وكانت المقارنة قد تمت بين الكيروسين والهيدروجين والميثان، ويبدو حتى الآن أن الميثان هو المرشح الأفضل للقب الوقود الفضائي، ولا يعيبه سوى أن نقله سيكون صعبًا نوعًا ما، ولكن على الجهة الأخرى، فإننا سنستطيع إنتاجه بشكل جيد على المريخ.
أنصحكم بمشاهدة هذا المقطع، ارفعوا الدقة قليلًا، وانتظروا حتى ينتهي الفيديو كاملًا، ثم تمتعوا بالمشاهد الرائعة، وحسب «ماسك» هذا ليس خيالًا بل هذا ما تعمل (سبيس إكس) عليه فعليًا.
سينقل الصاروخ الداعم المركبة إلى المدار، ثم يعود خلال 20 دقيقة فقط، ثم يعود لنقل مركبة الوقود، والتي ستكون مماثلة شكليًا للمركبة الفضائية الأولى، وسيقوم هذا الصاروخ بنقل مراكب الوقود أكثر من مرتين في كل انطلاق، وهنا تكمن أهمية بناء صاروخ قابل لإعادة الاستخدام بشكلٍ كبير.
ومن ثم ستنطلق مركبتنا إلى المريخ لتهبط على سطحه، كما كان يهبط صاروخ (فالكون 9) على المنصات في كوكب الأرض، لكن علينا تذكر أن هذه المركبة أكبر حجمًا وأثقل وزنًا. ولكن في الجهة الأخرى، يتمتع المريخ بجاذبية أضعف من جاذبية كوكبنا بكثير، وتصل إلى ثلث تلك الجاذبية فقط.
ويبدو الصاروخ البدئي الذي يسعى «ماسك» لنقلنا به كبيرًا فعلًا، ولن يحمل الصاروخ سوى 100 شخص؛ فالبقية ستكون للمعدات التقنية وبناء مكان يسمح لهؤلاء الـ100 بالاستمتاع بالرحلة إلى المريخ، فعليك أن تتغذى بالبيتزا المعدّة في الفضاء لقضاء هذه الأشهر الثلاثة دون ملل!
يتوقع «ماسك» أن يستغرق بناء مدينة المريخ واستيطانه بشكلٍ ملائم مدة طويلة (بين 40 و100 سنة)، بعد حوالي 10 آلاف رحلةٍ نحو الأحمر.
تفاصيل تقنية بسيطة
سيكون هيكل المركبة من «ألياف الكربون – Carbon Fiber» وتتميز بمتانتها ووزنها الخفيف، وسيحمل الصاروخ المعزز (أو الداعم) بارتفاع 77.5 مترًا، 42 محركًا من (محركات رابتور)، ومع المركبة الفضائية سيبلغ طول الصاروخ أكثر من 122 مترًا؛ أضخم نظامٍ مراكب فضائيّة تم بناؤه على الإطلاق.
يتمتع محرك (رابتور) الجديد بنفس حجم محركات (ميرلين) التي يحملها (فالكون 9)، ولكن طاقته أكبر بثلاثة أضعاف من طاقة ميرلين، فهو يستطيع حمل 300 طنٍ إلى مدار الأرض القريب، وذلك عند الأخذ بعين الاعتبار أنه «متعدد الاستخدام»، أما إن أردنا استخدامه مرةً واحدة، فهو يستطيع حمل أكثر من 550 طنًا، أو هكذا يدعي ماسك.
وبالنسبة لإعادة الاستخدام، فإن هذه الصواريخ المعززة ستستطيع الطيران 12 مرةً على الأقل، ومع الاستخدام الأفضل ربما نستطيع تحسين هذه التقنية بشكلٍ أكبر.
المستقبل والحاضر
حاليًا يعمل أقل من 5% من موظفي (سبيس إكس) على نظام «النقل بين الكواكب – ITS»، وتخصص الشركة بضعة ملايين الدولارات للمشروع حاليًا كل سنة، لكن «ماسك» يعتقد أن المشروع بشكلٍ كامل سيكلف حول 10 مليارات دولار.
لكن لن يتوقف عمل (سبيس إكس) في مجال فالكون 9 ودراغون 2، والتي ستحمل رواد الفضاء إلى محطة الفضاء الدولية، وحسب «ماسك» فإنه سيرسل رحلات من دراغون 2 بشكل منتظم كل 27 شهرًا إلى المريخ (أي ما يقارب تكلفته 300 مليون دولار)، ولقد تحدثنا عن هذه المركبات سابقًا عندما أعلن ماسك في أبريل/ نيسان نيته لإطلاق أولها في 2018م.
مستقبل سبيس إكس
وإن سار كل شيء حسب الخطة، فإن مشروع (ITS) سيصبح جاهزًا خلال عقد من الزمن. ولن يكتفي حينها بالمريخ، فالخطة أبعد من ذلك، أقمار المشتري، وخاصةً أوروبا، وربما لنقل المواد على كوكبنا بسرعةٍ هائلة، فأينما كنت سيصلك طردك بأقل من 45 دقيقة.
سيكون هذا من أكبر التحديات التي نخوضها، وحاليًا ما زلنا نحاول التقدم في المشروع بواسطة المصادر التي نملكها، وسنبقى نمضي قدمًا. إن كان لدينا شك من قبل أن حلم «ماسك» هو الوصول إلى المريخ، فقد ذهبت كل الشكوك الآن مع هذا الإعلان.
هو لا يتهم بالأرباح كجزءٍ كبيرٍ من هذه المهمة، بل يبدو أنها تحمل بعدًا شخصيًا كبيرًا لماسك، فكل مهامه الأخرى تؤمّن له المصادر اللازمة للقيام بهذا المشروع؛ للسفر بنا نحو الأحمر، وربما قريبًا جدًا في 2025م.
بين آبل وSpaceX
نقطة أخيرة جديرة بالذكر، ربما لم يكن العدد كبيرًا، لكن حتى كتابة هذه الأسطر كان عدد الذين شاهدوا فيديو الخطة أكثر من 63 ألف مشاهد، بغض النظر عن أولئك الذين حضروه شخصيًا أو على الإنترنت بشكلٍ مباشر.
أصبحنا في عصرٍ يتزايد فيه المهوسون بالعالم الخارجي، بالفضاء والفلك البعيد، ولم يتناسَ ماسك هذه النقطة، فرغم عدم طلاقته بالحديث، ورغم تردده أحيانًا، إلا أنه قام بعمل ممتاز البارحة، وأخذ البعض يقارنه بـ«ستيف جوبز» في طريقة عرضه للمنتجات الجديدة.
وبرأيي الشخصي، فإن ذلك يبعث في النفس سعادةً لا توصف، عندما ترى الناس تهتم بالعلم والفضاء باهتمام يشابه -وإن كان أقل حتى الآن- اهتمامها بالهاتف الحديث، الأنحف قليلًا والأسرع نوعًا ما، قليلًا أيضًا.
باختصار، ما أراده ماسك من حديثه يُختصر في النقاط التالية:
1. جعل تكلفة السفر للمريخ معقولة، بحيث يستطيع الإنسان العادي التفكير بالذهاب إلى هناك، وربما الاستقرار هناك أيضًا.2. تطوير الصورايخ القابلة لإعادة الاستخدام، لا للوصول إلى المريخ فحسب، بل لجعله محطةً للسفر نحو المناطق الأبعد في نظامنا الشمسي، وربما خارج مجموعتنا يومًا ما (عند تمرسنا في استخدام المادة المضادة).3. موعد السفر قريب جدًا، جهزوا حقائبكم وانتظروا الموعد في 2024.4. لا يجب أن يبقى هذا العمل مقيدًا بشخصٍ أو بشركة، بل هو عمل عالمي ولا بد للعالم أجمعه أن يتعاون سويةً لضمان مستقبل البشرية على الكوكب الأحمر.يمكنكم مشاهدة الفيديو الكامل للإعلان هنا: