تنطلق سيارة كهربائية على أحد شوارع وسط المدينة، حيث يتوقف المشاة وسائقو السيارات الأخرى على حد سواء للتحديق في أصحاب تلك السيارة الأثرياء الذين يجلسون داخلها؛ تكلف السيارة الكهربائية ما يقرب من 3 أضعاف تكلفة سيارات فورد العادية مثلًا، وقد ساعدت سمعتها وتصميمها في امتلاء قوائم الانتظار الطويلة وزيادة الطلب عليها. يبدو أنها الـ«ترند» القادم لقيادة السيارات!

قد يبدو هذا المشهد معتادًا في عام 2020، لكنه ليس كذلك، فهو يعود لأكثر من 100 عام مضت؛ لفترة قصيرة من الزمن في أوائل القرن العشرين في الولايات المتحدة، كانت السيارة الكهربائية من أكثر السلع مبيعًا وسط المجتمعات الراقية والأغنياء، وسعى إلى اقتنائها رجال وسيدات الطبقة العليا هناك.

كان سعر السيارات الكهربائية مرتفعًا بالطبع، لكنها لم تملك أي من المشكلات المتعلقة بالسيارات التي تعمل البخار أو البنزين حينها؛ كانت سيارة هادئة، ويسهل قيادتها وبدء تشغيلها، ولم تبعث ملوثاتٍ ذات رائحة كريهة مثل السيارات الأخرى في ذلك الوقت.

قد تبدو السيارات الكهربائية كسيارات المستقبل، وربما تكون كذلك فعلًا، لكن في الواقع كانت بدايتها والمشاكل التي واجهتها وتسببت في إيقافها منذ أكثر من 100 عام تشبه المشاكل الحالية التي تواجهها الصناعة.

صعود وسقوط السيارات الكهربائية خلال القرن الماضي

في أواخر القرن التاسع عشر، وبالرغم من القوة والفائدة التي وفرتها عربات محركات الاحتراق الداخلي عند بدايتها، خاصةً عند مقارنتها بالبدائل التي تعمل بالبخار أو حتى الخيول، إلا أنها لم تخلُ من المشاكل المعروفة، حيث كانت قيادتها صعبة وغالبًا ما تحتاج إلى جهد كبير لتغيير التروس (الفتيس)، كما تحتاج إلى جهد أكبر لبدء تشغيل المحرك في المقام الأول باستخدام مرفق بدء الحركة اليدوي (المانفيلا). كما كانت هذه المركبات أيضًا تصدر صوتًا عاليًا جدًا وتطلق أبخرة العوادم الكثيفة. ولكن كان هناك خيار ثالث وهي السيارات الكهربائية، والتي لم تملك مشاكل سيارات الاحتراق الداخلي أو البخار، فكانت بمثابة البديل المناسب.

كانت السيارات الكهربائية مثالية للرحلات القصيرة داخل أنحاء المدينة، كما كانت ظروف الطرق السيئة خارج المدن تعني أن قليلًا من السيارات من أي نوع يمكنها أن تغامر للخروج أبعد من حدود المدينة. ومع وصول الكهرباء لمزيد من الأشخاص بداية من عقد 1910، أصبح من الأسهل شحن السيارات الكهربائية في المنازل مما زاد من شعبيتها أكثر، وأصبحت «ترند» ذلك العصر. حتى أن أشهر صانعي سيارات البنزين في أمريكا استخدموا السيارات الكهربائية للانتقال بين منازلهم ومكاتبهم، كما أشارت صحيفة نيويورك تايمز عام 1911.

ظهرت البطاريات التي يمكن إعادة شحنها، وهي بطاريات الرصاص الحمضية، في عام 1859، مما جعل فكرة السيارة الكهربائية أكثر قابلية للتطبيق. وفي عام 1884، ساعد المخترع الإنجليزي توماس باركر في تطوير المعدات التي يعمل بها الترام الكهربائي، مثل الترام في الإسكندرية، وبنى نموذجًا للسيارة الكهربائية في إنجلترا.

بدأ مصنعو السيارات حينها في الانتباه وبدؤوا في تجربة السيارات الكهربائية وحتى الهجينة، التي تجمع بين الموتور الكهربائي ومحرك الاحتراق الداخلي. وأحد الأمثلة الشهيرة كان مؤسس شركة بورش للسيارات، فرديناند بورش، والذي طور سيارته الكهربائية الأولى (P1) في عام 1898، والتي كانت أول سيارة ينتجها على الإطلاق، وفي نفس الفترة تقريبًا ابتكر أول سيارة كهربائية هجينة في العالم.

تاريخ أول سيارات كهربائية
سيارة بورش الكهربائية الأولى (P1)

كما ألقى توماس إديسون أيضًا بثقله وراء تطوير السيارات الكهربائية، مؤمنًا بتفوقها على البدائل الأخرى، وعمل على تطوير بطاريات أفضل أداءً، وتعاون مع صديقه المقرب هنري فورد عام 1914 في محاولة استكشاف خيارات السيارات الكهربائية بتكلفة منخفضة. لكن كانت هذه هي المشكلة الأساسية بالنسبة للسيارات الكهربائية في ذلك الوقت: التكلفة المالية المرتفعة.

من المفارقات أن تطوير فورد لموديل سيارته التي تعمل بالبنزين (Model T)، تحديدًا عملية الإنتاج الضخمة لهذا الموديل في السوق، كان هو من دق ناقوس الموت للسيارات الكهربائية الأولى وكان هذا بسبب فارق التكلفة المالية؛ حيث كلّف نموذج سيارة فورد (Model T) في عام 1912 نحو 650 دولارًا، بينما كانت تكلفة السيارة الكهربائية البديلة تزيد بثلاثة أضعاف تقريبًا، لتصل إلى نحو 1750 دولارًا.

طور المهندس والمخترع الأمريكي تشارلز كترينج أول مفتاح تشغيل كهربائي ناجح للسيارات عام 1911، واستخدم لأول مرة في سيارة كاديلاك موديل عام 1912، وهو ما جعل سيارات البنزين أسهل وأكثر أمانًا عند بدء التشغيل مما كانت عليه سابقًا، عندما كانت عملية الإشعال يدوية، وبحلول عشرينيات القرن الماضي، كانت مفاتيح التشغيل الكهربائية تدخل ضمن كل السيارات الجديدة تقريبًا، وبهذا فقدت السيارات الكهربائية ميزة أخرى أمام السيارات التي تعمل بالبنزين.

المشكلة الأخرى للسيارات الكهربائية هي عدم قدرتها على السفر لمسافات بعيدة دون الحاجة إلى شحن بطاريتها، ولهذا كانت تُستخدم داخل المدن في المسافات القصيرة، لكن عندما تم تحسين شبكة الطرق بين المدن، وبدأ اكتشاف احتياطيات وفيرة من النفط الخام وانخفاض أسعار البنزين، احتاج السائقون إلى سيارات تعمل لمسافات طويلة، ولهذا لم تصلح السيارات الكهربائية لتلك المهمة.

وبذلك أسهمت هذه العوامل والمشاكل في سقوط واختفاء السيارات الكهربائية من الأسواق تقريبًا بحلول عام 1935.

المشاكل الحالية التي تعوق انتشار السيارات الكهربائية

سيارات كهربائية
 

بعد دخول الأسواق التجارية في بداية العقد الماضي، ارتفعت مبيعات السيارات الكهربائية بشكل ملحوظ؛ ووفقًا لإحصاءات الوكالة الدولية للطاقة، لم يكن هناك سوى 17 ألف سيارة كهربائية على الطرق في جميع أنحاء العالم في عام 2010. ولكن بحلول عام 2019، ارتفع هذا الرقم إلى 7.2 مليون سيارة، 47% منها في الصين، بينما تملك تسع دول أكثر من 100 ألف سيارة كهربائية على الطريق، ووصلت 20 دولة على الأقل إلى حصص سوقية أعلى من 1%. ووفقًا لتقديرات مؤسسة بلومبيرج لتمويل الطاقة الجديدة، فإنه بحلول عام 2040، يمكن أن تُشكّل مبيعات السيارات الكهربائية نسبة 58% من كل مبيعات سيارات الركاب حول العالم.

لا شك أن الأمر اختلف كثيرًا للغاية منذ القرن الماضي فيما يخص انتشار السيارات الكهربائية في الأسواق، لكن لا تزال هناك بعض المشاكل القائمة، تشبه إلى حد ما تلك التي واجهتها الصناعة الأولى منذ 100 عام، والتي يجب أن تتغلب عليها خلال العقدين المقبلين لتنتشر بنفس قدرة انتشار السيارات التي تعمل بمحركات الاحتراق الداخلي.

يمكن تقسيم تلك المشاكل إلى نوعين، النوع الأول، هو المشاكل من وجهة نظر المستهلك أو السائق، والنوع الثاني، هو المشاكل التقنية.

أولًا: مشاكل من وجهة نظر المستهلك

ارتفاع أسعار السيارات الكهربائية

لا تزال أسعار السيارات الكهربائية أعلى من السيارات التي تعمل بالبنزين أو الديزل، ويرجع السبب في ذلك إلى ارتفاع تكلفة البطارية، والتي تحتاج إلى أن تكون أكثر قوة وأكبر حجمًا من أجل زيادة مسافة القيادة دون الحاجة إلى شحن.

بالطبع تطورت تقنيات البطاريات كثيرًا منذ القرن الماضي، وهناك فرصة جيدة بأن يسمح تطور تلك التقنيات بانخفاض أسعار البطاريات في المستقبل القريب، مع ظهور بطاريات أرخص وأخف وزنًا وأكثر قوة، مما سيؤدي إلى انخفاض سعر السيارات الكهربائية.

لكن في الوقت الحالي، قد يعوض ارتفاع السعر المبدئي التكلفة المنخفضة للكهرباء مقارنةً بالوقود الأحفوري، كما أن مصاريف الصيانة للسيارة الكهربائية أقل تكلفة من السيارات التي تعمل بالبنزين مثلًا، بسبب قلة القطع التي تتعرض للتلف والتي تحتاج إلى صيانة.

اقرأ أيضًا: «متخليهاش تصدي»: كيف تحافظ على سيارتك لأطول مدة ممكنة؟

القلق من مدى عدد الكيلومترات بدون الحاجة لشحن البطارية

سيارات كهربائية تسلا
 

لا يزال القلق من عدد الأميال أو الكيلومترات التي يمكن أن تقطعها السيارة دون الحاجة إلى شحن هو مصدر القلق الأكبر بالنسبة للمستهلكين. زاد مدى السيارات الكهربائية بالطبع منذ بدايتها، حيث تعد سيارة تسلا Model S بتقديم مدى يصل إلى 402 ميل (646 كيلومترًا)، وتقدم سيارتها Model 3 مدى 322 ميلًا (518 كيلومترًا)، بينما تقدم العديد من المركبات الكهربائية الأخرى مدى يتجاوز أكثر من 200 ميل (321 كيلومترًا). هذا، بالطبع، هو المدى الرسمي، والمستهلك يعرف أنه عند الاستخدام الفعلي يكون المدى أقل بشكل عام.

يشعر المستهلك حاليًا بالقلق بشأن المسافة التي ستقطعها سيارته من خلال شحنة واحدة، خاصةً إذا كانت لديه حالة طوارئ ولم يتم شحن السيارة سابقًا مثلًا، لأن شحن البطارية يستغرق وقتًا طويلًا، وهذه مشكلة أخرى، ومع ذلك في الرحلات القصيرة أو داخل المدن، سيكون هذا المدى أكثر من كافٍ دون الحاجة إلى أي شحن إضافي.

اقرأ أيضًا: تسلا ليست الوحيدة: سيارات كهربائية تحاول فرض السيطرة

شحن البطارية يستغرق ساعات

سيارات كهربائية
 

مشكلة أخرى تواجه انتشار السيارات الكهربائية هي حقيقة أن البطاريات تستغرق ساعات لإعادة الشحن بالكامل، فإذا كنت ستملأ خزان البنزين في سيارتك مثلًا، فسوف يستغرق الأمر دقيقة أو دقيقتين على الأكثر. لكن لكي تعيد شحن بطارية فارغة لسيارة كهربائية ستحتاج من 4 إلى 6 ساعات، وربما حتى 8 ساعات في المتوسط اعتمادًا على حجم البطارية، عند الشحن في المنزل أو أماكن العمل.

وهذا يعني إذا كنت ستسافر في رحلة طويلة، فسيتعين عليك مراعاة الوقت للتوقف وإعادة الشحن، وبالتالي زيادة الوقت على الطريق لعدة ساعات أخرى. الخبر السار هو أن هناك تقنيات يتم تطويرها يمكن أن تسمح للسيارات الكهربائية بالشحن أثناء الحركة. كما أن هناك تقنيات الشحن السريع التي قد تشحن البطارية خلال 30 أو 40 دقيقة تقريبًا لدى بعض محطات الشحن.

ثانيًا: المشاكل التقنية

البنية التحتية لشحن السيارات الكهربائية

شحن سيارات كهربائية
 

تستمر البنية التحتية لشحن السيارات الكهربائية في التوسع؛ وفقًا لإحصاءات الوكالة الدولية للطاقة، في عام 2019 كان هناك نحو 7.3 مليون شاحن في جميع أنحاء العالم، منها نحو 6.5 مليون شاحن بطيء خاص للمركبات الخفيفة في المنازل والمباني السكنية وأماكن العمل.

بينما يعتمد معظم المستهلكين حاليًا على الشحن المنزلي، إلا أن هذه مشكلة أيضًا، حيث لا يوجد عدد كافٍ من محطات الشحن العامة عالميًا حتى الآن، وخاصةً نقاط الشحن السريع. بالطبع سيتوقف هذا الأمر على قرارات الحكومات والاقتصاد، وقدرة السيارات الكهربائية على الانتشار من الأساس، ليتم وضع نقاط شحن سريع في البنية التحتية للدول.

كان الافتراض هو أن البنية التحتية لشحن السيارات الكهربائية ستكون مسؤولية الشركات الخاصة. ومع ذلك، فإن بعض الشركات لا تزال مترددة في الاستثمار حتى الآن لأن هوامش الربح ليست مرتفعة بما يكفي. في حين أن هذه العملية تسير ببطء، فقد بدأت بعض الشركات في المشاركة بشكل أكبر، وقد تتدخل الحكومات في المناطق التي يكون فيها الربح منخفضًا مثلًا.

ليست صديقة للبيئة بالكامل حتى الآن

تعتبر السيارات الكهربائية تقنية رئيسية للحد من تلوث الهواء في المناطق المكتظة بالسكان، وخيار واعد للمساهمة في الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري. فهي لا تنتج نفس الغازات الضارّة التي تنتج من عوادم حرق الوقود الأحفوري لأنها تعتمد على الكهرباء، وعند تقييمها من هذه الزاوية فإنها ستكون صديقة للبيئة أكثر بكثير من سيارات البنزين والديزل. لكن النظر من تلك الزاوية يغفل نقطة مهمة، وهي كيف تم توليد هذه الكهرباء في المقام الأول؟

لذا عند تقييم تأثيرها البيئي بشكل كامل، نحتاج أيضًا إلى مراعاة الانبعاثات التي تعرف باسم «من البئر إلى عجلة القيادة» (well-to-wheel)، وهو مصطلح شامل يتضمن غازات الاحتباس الحراري وملوثات الهواء التي تنتج بسبب الطاقة المستخدمة لتشغيل السيارة. لأن عملية إنتاج الكهرباء تسبب إصدار كميات متفاوتة من الانبعاثات اعتمادًا على الموارد التي تأتي منها، سواءً كانت تأتي الكهرباء من مصدر طاقة متجدد مثل الطاقة النووية، أو مصدر غير متجدد مثل محطات إنتاج الكهرباء التي تعمل بحرق الوقود الأحفوري، وهي الأكثر انتشارًا حتى هذه اللحظة.

لهذا إن كان الهدف الأساسي من شراء سيارة كهربائية هو تقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري والملوثات الجوية، فينبغي علينا أيضًا إعطاء الأولوية لاستخدام الكهرباء التي تأتي من مصدر خال من الانبعاثات بقدر الإمكان. وبالطبع قد يتم التغلب على هذه المشكلة في المستقبل إذا تحولت معظم الدول إلى إنتاج الكهرباء من خلال مصادر الطاقة المتجددة، وتقليل الاعتماد على المحطات التي تعمل بالوقود الأحفوري.

ختامًا، برغم التطور الهائل الذي شهدناه على مدار 100 عام في السيارات الكهربائية، فإن بعض المشاكل والتحديات لا تزال هي نفسها تقريبًا. من الصعب معرفة ما الذي يخبئه المستقبل للسيارات الكهربائية، ولكن من الواضح أنها تمتلك الآن كثيرًا من الإمكانات لخلق مستقبل أكثر استدامةً وأقل تلوثًا، إذا تمكنت من التغلب على المشكلات التي واجهت الصناعة منذ القرن الماضي.