انتخبوا «بيرني ساندرز» رئيسًا للولايات المتحدة الأمريكية
ذا نيشن، 14 يناير 2015
المحررون
قبل عام جادلت ذا نيشن واضعة النظر على أن المواطنين العاديين قد يكونوا مستبعدين من عملية الترشيح الرئاسية، أن الانتخابات التمهيدية المتنازع عليها بقوة ستكون جيدة للمرشحين، وللحزب الديمقراطي، وللديمقراطية. وبعد شهرين، أطلق السيناتور بيرني ساندرز رسميًا حملة حولت بالفعل دفَّة سياسة سباق الرئاسة لعام 2016، محفزين بمطالبه من أجل تحقيق العدالة الاقتصادية والاجتماعية، احتشد مئات الآلاف من الأمريكيين في مؤتمراته الانتخابية، وساعد أكثر من مليون متبرع صغير حملته على النحو الذي حطم الأرقام القياسية لجمع الأموال وحطم أيضًا القبضة الخانقة لأموال الشركات. لقد ألهم كثير من العاملين، في شتى أنحاء البلاد، من قِبل نداء ساندرز الواضح من أجل إصلاح أساسي للرعاية الصحية بحيث تدفع الدولة كافة التكاليف، ومن أجل جامعاتٍ خالية من الرسوم، و15 دولار كحد أدنى للأجور في الساعة، وتقويض البنوك الكبرى، وضمان أن يدفع الأغنياء نصيبهم العادل من الضرائب. كما اجتذب رده الجريء بشأن أزمة المناخ جحافل من الناخبين الشباب، وسياسته الخارجية، والتي تؤكِّد وتقدم الدبلوماسية على تغيير النظام، تتحدث بقوة للمواطنين الذين أنهكتهم الحرب، والأهم أن ساندرز قد استخدم حملته المتمردة لإبلاغ الأمريكيين بالحقيقة فيما يتعلق بالتحديات التي تواجههم. لقد دعا الشعب إلى «ثورة سياسية»، معتبرًا أن التغييرات التي تحتاجها بلادنا بشكل عاجل يمكن أن تحدث فقط حين ننتزع ديمقراطيتنا من القبضة الفاسدة لبنوك ومليارديرات وول ستريت.
نعتقد أن مثل هذه الثورة ليست فقط ممكنة، بل ضرورية – وهذا هو السبب في أننا نؤيد بيرني ساندرز رئيسًا. هذه المجلة نادرًا ما تقدم تأييدًا في الانتخابات التمهيدية في الحزب الديمقراطي (لقد فعلت ذلك مرتين فقط: لجيسي جاكسون في عام 1988، وباراك أوباما في عام 2008). نفعل ذلك الآن مندفعين بوعي أن نظامنا المتلاعب يعمل من أجل قلة وليس للكثيرين. والأمريكيون على يقظة فيما يخص هذا الواقع، ويطالبون بالتغيير. هذا الفهم ينعش كلاً من الجمهوريين والديمقراطيين المنخرطين في العملية التمهيدية، على الرغم من أنه أخذ بالمتنافسين في اتجاهاتٍ مختلفة جذريًا.
وعدم المساواة في صميم هذه الأزمة، سواء على الصعيد الاقتصادي أو السياسي. أصبحت الولايات المتحدة دولة بلوتوقراطية [تحكم من قبل الأغنياء]، كما يقول ساندرز، «ليس لدينا فقط الثروة الهائلة وعدم المساواة في الدخل، ولكن لدينا أيضًا بنية السلطة التي تحمي هذا التفاوت». لقد ذابت الطبقة الوسطى في أمريكا إلى حد كبير، في حين أن الفجوة بين الأغنياء والفقراء قد وصلت إلى عصرها الذهبي. والانتعاش الذي أعقب الانهيار الاقتصادي في عام 2008 لم يتم تقاسمه. في واقع الأمر، ما من شيء في الولايات المتحدة يجري تقاسمه هذه الأيام، لا الازدهار، ولا الأمن، ولا حتى المسؤولية. بينما يتعامل الملايين من الأمريكيين مع النتائج الكارثية لتغير المناخ، فإن شركات الوقود الأحفوري تشجع المشككين حتى تتمكن من الاستمرار في الربح من تدمير الكوكب. وبينما قد تعب الأمريكيون من الحرب التي لا نهاية لها، يواصل المجمع الصناعي العسكري والمصفقين له تمجيد التدخلات المتهورة التي استنزفت بلدنا، وضرت بسمعتنا في الخارج، وخلقت عاصفة من نفايات واحتيالات ومفاسد البنتاغون. وفي حين يدرك الأمريكيون من مختلف المشارب الأيديولوجية الحاجة إلى إصلاح العدالة الجنائية، فإن الرجال الأمريكيين الأفارقة، والنساء، والأطفال ما زالوا يقتلون بالرصاص على أيدي رجال الشرطة في الشوارع، ومازال السجن الشامل مستمرًا دون هوادة.
لقد ضاق الأمريكيون ذرعًا وعادوا للقتال. إن حركات من قبيل «رؤي في عزلة» و«الكفاح من أجل 15 دولارًا» و«حياة السود تهم» وحركة العدالة المناخية وحركة حقوق المهاجرين وحملة فرض الضريبة على المعاملات المالية والدفعة الجديدة للرعاية الصحية المدفوعة كليّةً من قبل الدولة، قد تبدو أسبابًا غير ذات صلة؛ لكنها، معًا، تشكل جوقة متزايدة من الغضب على حكومة تلبي المطالب الفائقة للأثرياء، بينما تفشل في تلبية احتياجات الكثيرين. إنهم يتقاسمون الغضب على سياسة تم الاستيلاء عليها عن طريق المصالح الخاصة ورأس المال الضخم، حيث يسخر الفساد المتفشي من فكرة الديمقراطية ذاتها.
وجدت هذه الحركات، التي تهدف إلى قدر أكبر من المساواة والعدالة، في بيرني ساندرز حليفًا ونصيرًا. وعلى النقيض من الديماغوجيين اليمينيين الذين يستغلون هذه الأزمات لإثارة الانقسام، وصل سيناتور ولاية فيرمونت إلى مجلس الشيوخ من خلال تقليد ديمقراطي اشتراكي فخور من أجل إحياء الفكرة البسيطة ولكن القوية عن التضامن. يجب أن ننتقل إلى بعضنا البعض، وليس على حساب بعضنا البعض، يقول ساندرز، وأن نتحد لتغيير السياسة الفاسدة التي تسرقنا جميعًا. يعكس تمويل حملته الانتخابية هذا الالتزام، وذلك من خلال عدم التعويل على دعم الشركات الكبرى والاعتماد بدلًا من ذلك على الملايين من المانحين الشعبيين. وبفضل سلامة حملته، لدى ساندرز وحده القدرة على توحيد الحركات الناشئة في جميع أنحاء البلاد في حركة واحدة تمتلك صوتًا أعلى، تطالب على نحو لا يقاوم بتغيير سياسي نظامي. لأكثر من ثلاثة عقود، تحدى بيرني ساندرز الصعاب السياسية، ودافع باستمرار عن أفكار وقضايا خارج الخارطة السياسية متزايدة التقلص في بلدنا. وكرئيس لبلدية برلنغتون، قاد الكفاح من أجل الحفاظ على الواجهة المائية لبحيرة شامبلين مفتوحة أمام الشعب ونظم التجديد المستدام لمنطقة وسط المدينة، مقدمًا ميزانيات متوازنة على جميع ذلك. وفي مجلس النواب الأمريكي، ساعد في تنظيم المؤتمر التقدمي في الكونغرس وضمن الدعم لإدخال تعديلات على حماية معاشات التقاعد وتوسيع مراكز الصحة المجتمعية. وفي مجلس الشيوخ الأمريكي، عارض ببلاغة انتهاكات المراقبة، وحروب الاختيار، وإلغاء القيود على البنوك، وعمليات الإنقاذ لأصحاب المليارات، واكتسبت رئاسته الفعالة للجنة مجلس الشيوخ لشئون المحاربين القدامى جوائز الحزبيْن الجمهوري والديمقراطي.
في حين أننا نعتقد أن ساندرز سيكون رئيسًا عظيمًا، فإننا نعلم أن طريقه إلى البيت الأبيض لا يزال وعرًا. بتوقيتات الصحافة، إنه يتنافس على الفوز في ولاية ايوا ونيو هامبشير ويكتسب أرضًا على المرشحة الأوفر حظًا هيلاري كلينتون في استطلاعات الرأي العامة. وقد تردد صدى رسالته الاقتصادية الشعبية لدى العديد من التقدميين والناخبين الشباب، لكنه لم يحظ بدعم عميق بعد بين الناخبين من أصل إفريقي، ولاتيني، وآسيوي، الذين يشكلون الدوائر الأساسية للحزب الديمقراطي.
كما قيل، إن حملته يقظة إلى ضرورة بناء تحالف أوسع، ومع ساندرز، يتمتع الديمقراطيون بالمرشح المناسب: متظاهر من أجل الحقوق المدنية في الستينيات مع سجل ثابت في دعم العدالة العرقية، والمساواة للمرأة، وحقوق المثليين. ولديهم أيضًا المرشح الذي أظهر رغبة في الاستماع والتعلم: فنتيجة تحدّ من قِبل نشطاء «حياة السود تهم» في وقت مبكر من الجملة، وضع ساندرز أجندة جريئة لمحاسبة الشرطة، والحد من السجن الشامل، وإصلاح قوانين المخدرات التمييزية.
يستطيع الناخبون الوثوق بساندرز لأنه لا يدين بحياته السياسية إلى الأسياد الماليين للوضع القائم. وبتحرره من سلاسل المصالح الخاصة هذه، يمكنه أن يتخذ التدابير الجريئة التي تحتاجها البلاد. يقترح ساندرز وحده تقويض البنوك الأضخم من أن يسمح لها بالإفلاس؛ والاستثمار في التعليم العام، مما قبل رياض الأطفال وحتى الجامعات المعفاة من الرسوم؛ وكسر قوة عصابات التأمين والأدوية مع إخضاع الرعاية الطبية لجميع الإصلاحات. ويقترح وحده تمكين العاملين من أجر يمكنهم العيش به، وهو وحده على استعداد لدفع الأمريكيين إلى العمل وإعادة بناء البنية التحتية المتهالكة، ومواجهة تغير المناخ عن طريق جعل الولايات المتحدة رائدة في مجال الطاقة المتجددة. يثبت برنامجه الجريء أن المال في السياسة لا يفسح المناقشة؛ بدلًا من ذلك، إنه يضيق من نطاق الاحتمالات. وفي حين يفهم ساندرز هذا، فإننا نخشى من أن منافسته الرئيسة على ترشيح الحزب الديمقراطي قد لا تفهمه.
هيلاري كلينتون هي المرشحة التي تجمع بين خبرة لا مثيل لها وذكاء، وعزم، وقوة. لقد استجابت للمزاج الشعبوي للعصر: التشكيك في نوع اتفاقيات التجارة الحرة التي ناصرها كل من بيل كلينتون وباراك أوباما؛ والدعوة إلى إجراء إصلاحات في وول ستريت وزيادة الضرائب على الأثرياء؛ والدفاع بشجاعة عن تنظيم الأسرة؛ وتحدي الرابطة الوطنية للبنادق؛ ودعم النقابات العمالية. إذا تم ترشيحها، فإنها ستكون أفضل بكثير من أي من المتطرفين المرشحين لدى الحزب الجمهوري (وأيضًا حاكم ولاية ماريلاند السابق مارتن أومالي). نفهم أن الحفاظ على الرئاسة من أيدي الجمهوريين اليمينيين أمر بالغ الأهمية، خاصة عندما يكون الرئيس المقبل هو من سيعيد تشكيل المحكمة العليا. وليس هناك من ينكر أنها إذا انتخبت، ستحطم كلينتون السقف الزجاجي السميك وتناصر حقوق المرأة بطريقة لم يقم بها أي رئيس آخر.
لكن حدود رئاسة كلينتون واضحة. حديثها عن السعي لإيجاد أرضية مشتركة مع الجمهوريين وعقد صفقات لـ «تمشية الأمور» في واشنطن لن يجلب التغيير الذي ثمة حاجة ماسة إليه. ولم تستبعد كلينتون رفع سن التقاعد للضمان الاجتماعي، وخطتها لا ترقى إلى مستوى زيادة الربح للجميع. إنها ترفض الرعاية الصحية المدفوعة كليةً من قبل الدولة وترفض النظر في تلجيم البنوك الكبيرة. كما أننا نخشى أنها قد تقبل ميزانية «صفقة كبرى» مع الجمهوريين التي من شأنها تفعيل التقشف لعقود قادمة.
في السياسة الخارجية، إن كلينتون متمرّسة بالتأكيد، ولكن تجربتها لم تمنعها من القيام بأشياء خاطئة. كلينتون تقول الآن أن تصويتها عام 2002 لإجازة الغزو الأمريكي، أيام جورج بوش، للعراق كان خطأ، لكنها على ما يبدو تعلمت القليل منه. كانت كلينتون من أبرز المؤيدين للإطاحة بمعمر القذافي في ليبيا، ما ترك وراءه دولة فاشلة توفر قاعدة بديلة لتنظيم الدولة الإسلامية. إنها تؤيد دعوات الولايات المتحدة للمساعدة في الإطاحة ببشار الأسد في سوريا، وهو النهج الذي أضاف الوقود إلى حرب أهلية مروعة. وإنها الآن تدعو إلى مواجهة مع روسيا في سوريا من خلال الدعوة لفرض منطقة حظر جوي. وتلطخ دعمها للاتفاق النووي الذي قام به الرئيس أوباما مع إيران من خلال الرفض الصريح لتحسين العلاقات مع هذا البلد والقيام بتعهدات عدوانية لتزويد إسرائيل بالمزيد من الأسلحة. في حال انتخابها، ستكون كلينتون رئيس حرب آخر في الوقت الذي نجد فيه أمريكا بحاجة ماسة إلى السلام.
إن نهج ساندرز مختلف وأفضل من ذلك. السيناتور لم يتحدث بقدر ما نودّ حول التحديات والفرص العالمية، ونحن نحثه على التركيز بشكل أكبر على السياسة الخارجية. لكن ما قاله (وفعله) يوحي بالثقة. كمعارض للحرب على العراق منذ البداية، ينتقد فكرة تغيير النظام وافتراض أن أمريكا وحدها يجب أن تكون شرطي العالم. وهو يرفض تدشين حرب باردة جديدة مع روسيا. ويؤيد الاتفاق النووي مع إيران، وقد يكرس طاقة جديدة في تفكيك الترسانات النووية والسعي إلى منع انتشار الأسلحة النووية. لقد كان لفترة طويلة داعيًا لتطبيع العلاقات مع كوبا وإحياء سياسة حسن الجوار في نصف الكرة الغربي. والسياسة الخارجية لساندرز أيضًا تهيئ الظروف لإعادة بناء الرخاء المشترك على نطاق واسع في الوطن. كما سيقود جهدًا دوليًا لإنهاء التقشف الذي يهدد بخلق ركود عالمي آخر، وسيناصر صفقة جديدة خضراء لمكافحة تغير المناخ. وكزعيم للمعارضة للشراكة عبر المحيط الهادئ، فإنه سيتراجع عن النظام التجاري الشركاتي الذي دمر الطبقة الوسطى في أمريكا.
نقاد بيرني ساندرز ينظرون إليه على نحو خاطئ على أنه مثالي (هو!) في حملة صليبية خيالية. وفي الوقت نفسه، وسائل الإعلام الشركاتية قد دفعت القليل المخزي من الاهتمام لإنجازات حملته، وساندت بدلًا من ذلك الاهتمام بأحدث التصريحات المشينة لدونالد ترامب والمرشحين الجمهوريين الذين يكافحون من أجل التنافس معه. ومع ذلك، تظهر استطلاعات الرأي أن ساندرز – حتى وهو لا يزال يقدم نفسه لكثير من الناخبين – مستعد جيدًا لأن يكون مرشح الحزب الجمهوري، و، في نهاية المطاف، القيام بأداء أفضل من كلينتون في هذه المناظرة. وعلاوة على ذلك، على النقيض من الجماهير المتواضعة التي تقف في حملة كلينتون، فإن الحشود الضخمة في المسيرات الشعبية لساندرز تشير إلى أنه سيكون قادرًا على زيادة نسبة المشاركة في نوفمبر.
ما إذا كان ترشيحه، والحملة الملهمة كانت وقود ذلك، سيشعل «ثورة سياسية» كافية للفوز بترشيح الحزب الديمقراطي والبيت الأبيض لا يزال هذا العام مأمولًا. نعرف أن شوطه خلق بالفعل مساحة لحركة تقدمية أكثر قوة وأثبت أن نوعًا مختلفًا من السياسة هو أمر ممكن. هذه هي الثورة التي يجب أن نحيا بها، بغض النظر عمن سيفوز بترشيح الحزب.