بعد حوالي أسبوع واحد من انتهاء الانتخابات في السجون الإسرائيلية باختيار الأسير محمد عرمان رئيسًا للهيئة القيادية لأسرى حماس، تم الإعلان اليوم عن انتخاب الأسير المُحرر يحيى سنوار قائدًا للحركة في غزة، والقيادي خليل الحية نائبًا له.

فهل تدخل حماس مرحلة جديدة، يُعاد فيها تشكيل قيادات الصف الأول، ومن ثَمَّ سياسات حماس وإستراتيجياتها تجاه الاحتلال ودول الإقليم؟


حماس تنتخب

على غير العادة في السنوات السابقة، تُسلّط الأضواء هذا العام على الانتخابات الداخلية في حماس. فهذه الانتخابات قد تأتي برئيس جديد للمكتب السياسي للحركة خلفًا لخالد مشعل، وقد تشهد تركيبة المكتب السياسي تحولات وتغيرات كبيرة.

يُوصف السنوار بأنه الرجل الأقوى في الذراع العسكري لحماس، إذ استطاع أن يتجاوز بتأثيره الشخصيتين الرفيعتين: محمد ضيف ومروان عيسى.

في السابق، كانت الانتخابات الداخلية للحركة تجري بصورة دورية كل ثلاث سنوات، وقبل دورتين تقريبًا كان هناك قرارٌ آخر وتعديل في اللائحة الانتخابية وأنظمة الحركة لتجعل مدة الدورة أربع سنوات بدلاً من ثلاث سنوات.

ومع التعديل الأخير، بات رئيس المكتب السياسي يتولى منصبه لدورتين فقط دون غيرهما (ثمان سنوات).

وتبدأ الانتخابات في مناطق تواجد الحركة، لاختيار مجلس الشورى الذي يضم 45 عضوًا، في حين يعمل هذا المجلس على اختيار أعضاء المكتب السياسي البالغ عددهم 19 عضوًا، ثم رئيس المكتب السياسي.

وتجري هذه الانتخابات في 4 مناطق؛ هي: غزة، والضفة الغربية، وداخل السجون، وخارج فلسطين. ويراعى في تشكيل مجلس الشورى والمكتب السياسي للحركة التمثيل العادل للمناطق.

ويراعي القانون الانتخابي لحماس ظروفها وخصوصيتها كحركة مقاومة في كل منطقة من مناطق تواجدها؛ فلكل منطقة نظامها الداخلي ولائحتها الانتخابية، بما يحقق الفرز القيادي الأمثل ويراعي الظروف الخاصة لكل منطقة.

وفي المرحلة الأولى يكون كل مسجد كبير عبارة عن شعبة، أما المساجد الصغيرة فكل ثلاثة مساجد تشكل شعبة انتخابية، وتحظر الدعاية الانتخابية، ويمنع الترشح للانتخابات، فالحركة ترى أن «القيادة تكليف لا تشريف»، فلا يترشح الشخص في الحركة للقيادة وإنما يُرشّح، ومن يحصل على أكثر الأصوات يكون ضمن الهيئة الادارية التي في مجموعها تنتخب مجلس الشورى العام وهو ينتخب المكتب السياسي.


السنوار قائدًا لغزة

يعتبر السنوار واحدًا من القادة الذين كانوا مثار جدل في السنوات السابقة عند الحديث عن حركة حماس.

وُلد قائد الحركة الجديد في القطاع عام 1962، في مخيم خان يونس، وتعود جذوره الأصلية إلى مجدل عسقلان المحتلة عام 1948، وقد اتخذ أهله من مخيم خان يونس مسكنًا لهم. تنقل يحيى في مدارس المخيم حتى أنهى دراسته الثانوية في مدرسة خان يونس الثانوية للبنين، ليلتحق بعد ذلك لإكمال تعليمه الجامعي في الجامعة الإسلامية بغزة، وحصل على درجة البكالوريوس في اللغة العربية.

اُعتقل السنوار أول مرة عام 1982 لمدة 4 شهور، وفي عام 1985 اُعتقل لمدة 8 أشهر بتهمة تأسيس جهاز الأمن الخاص بحماس الذي عرف باسم «مجد»، وفي عام 1988 اُعتقل إداريًا، قبل أن يُنقل للتحقيق مجددًا ويتم الحكم عليه بالسجن 4 مؤبدات.

تم إطلاق سراح السنوار في أكتوبر/تشرين الأول 2011، في إطار اتفاق للإفراج عن آلاف من الأسرى الفلسطينيين مقابل الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط الذي احتجزته حماس لخمس سنوات في القطاع.

بعد الإفراج عنه، أصبح من أبرز قيادات الحركة في غزة وبات أحد أعضاء مكتبها السياسي إلى جانب صديقه في الأسر والخارج روحي مشتهى، وبات للرجلين دور كبير داخل مؤسسات الحركة حتى أصبح السنوار ممثلاً لكتائب القسام داخل المكتب السياسي لحماس ينقل رؤى الكتائب ومواقفها للقيادة السياسية.

كما حظي بقبول كبير في أوساط القيادتين العسكرية والسياسية للحركة حماس، وساهم بشكل كبير في التنسيق بينهما خلال الحرب الأخيرة بغزة، وكان لاعبًا هامًا ومؤثرًا في تحديد موقف الحركة من اتفاقات التهدئة.

في يوليو/تموز 2015 عينت حماس السنوار مسئولاً عن ملف الأسرى الإسرائيليين لديها، بما في ذلك قيادة أي مفاوضات تتعلق بشأنهم مع إسرائيل. كما أمر في أعقاب حرب غزة الأخيرة بإجراء تحقيقات في إخفاقات الحرب وأداء القيادات الميدانية جميعها بلا استثناء حتى خرجت لجان التحقيق بإقالة العديد من قيادات الكتائب وتغيير مناصبهم.

وحاليًا يُوصف السنوار بأنه الرجل الأقوى في الذراع العسكري، إذ استطاع أن يتجاوز بتأثيره ومكانته الشخصيتين الرفيعتين في الذراع؛ محمد ضيف ومروان عيسى. كما عُرف عنه أنه ذو شخصية أمنية كبيرة ولا يظهر على العلن إلا نادرًا جدًا، كما أنه يمتلك شخصية وكاريزما كبيرة ومتشدد في مواقفه.

ومع الإعلان عن تقلد السنوار قيادة الحركة في غزة خلفًا لإسماعيل هنية، بات من الواضح أن الجناح العسكري في الحركة في طريقه للسيطرة على مقاليد الأمور.

فتشير المصادر إلى أن رجال الجناح المسلح في الحركة والمحسوبين على كتائب القسام، سيطروا على غالبية المواقع في قطاع غزة، وهو ما سيجعلهم يسيطرون كذلك، على مجالس الشورى المصغرة التي تؤلف مجلس الشورى العام، ومن ثم تنتخب المكتب السياسي للحركة.

فسيطرة العسكريين في غزة وكذلك في السجون، ستمكنهم من رسم خريطة المكتب السياسي إلى حد كبير. وإن كانت معظم التقارير تشير إلى أن هناك شبه إجماع بين جناحي الحركة على إسماعيل هنية -الذي حاز أعلى الأصوات في الانتخابات السابقة- لانتخابه على رأس المكتب السياسي للحركة، خلفًا لخالد مشعل.

كما أشار الخبراء والمتابعون إلى أن عدم اختيار هنية مُجددًا في غزة لا ينتقص من دوره بل يمنحه فرصة أكبر لأن يتولى القيادة العامة للحركة حماس في الداخل والخارج ويكون رئيسًا للمكتب السياسي. وليس أدل على ذلك من اتصالاته الإقليمية الأخيرة؛ سواء مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أو أمير قطر، أو القيادة المصرية في زيارته الأخيرة للقاهرة.


إسرائيل ترتبك

سيطرة العسكريين في غزة، وكذلك في السجون، ستمكنهم من رسم خريطة المكتب السياسي لحركة حماس إلى حد كبير.

أظهرت وسائل الإعلام الإسرائيلية اهتمامًا ملحوظًا بانتخاب يحيى السنوار قائدًا لحركة حماس في قطاع غزة.

حيث ذكرت صحيفة معاريف أن حماس نفسها ترتعش من السنوار، معتبرة أن ما حققه يعد مفاجأة كبيرة صدمت قيادات حماس نفسها، وفي الوقت ذاته انتصارٌ مدوٍ للجناح العسكري في الحركة.

بينما وصفته إذاعة «ريشت بيت» بالشخصية المتطرفة، مشيرةً للتحذيرات الإسرائيلية من خطورة انتخابه زعيمًا لحماس.

في حين أشارت صحيفة يديعوت أحرونوت أن السنوار تحول من وزير للدفاع في حماس إلى الزعيم الأول فيها، مشيرًا إلى أنه سيفرض سيطرة كبيرة لصالح الجناح العسكري في قرارات المكتب السياسي مستقبلاً.

أمّا موقع «واللا» فاعتبر انتخاب السنوار انتصارًا لمعسكر الصقور في حماس، مشيرًا لصلابته وشدته حتى داخل سجنه.

فيما أكّد موقع القناة العبرية الثانية أن السنوار سيُركز على المعركة المقبلة وسيحث عناصر القسام على الاستعداد جيدًا لها، واستخدام الكثير من البدائل في الهجمات وليس فقط الصواريخ وتحسينها.

وكان المُحلل الإسرائيلي «آفي يسسخاروف» قد نشر مقالاً له منذ عامين يتحدث فيه عن صعود السنوار، وركّز بشكل خاص على أن نجاح السنوار خلق له أعداء سياسيين كُثر، فلم يكن الجميع راضيًا عن استيلائه السريع على حماس، خاصة بعد قيامه بسلسة من الإقالات والتعيينات الجديدة.

كما أشار إلى تعقد علاقة السنوار وهنية، على خلفية خوف الأخير من الطموح السياسي للسنوار. وأكّد في مجمل حديثه أن السنوار سيصبح شخصية محورية في علاقة إسرائيل بحماس خلال الفترة المقبلة.