وتذكر أنه على الرغم من أن الجملة كليشيه واتهرست في ميت فيلم قبل كده
إلا أن حقيقي «الكنز في الرحلة»
والرحلة اللي داخلة على المليار مشاهدة
بدأت بشاب عمل فيديو جاب 50 مشاهدة بس
لكنه قرر يكمل للآخر
طاهر المعتز بالله، كتاب الدحيح – ما وراء الكواليس

«السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أهلًا وسهلًا بيكم في حلقة جديدة من برنامج الدحيح».

هكذا يبدأ كتاب «الدحيح – ما وراء الكواليس»، للكاتب طاهر المعتز بالله، بالمقدمة المعتادة كما تأتي على لسان أحمد الغندور في بداية حلقاته.

أولًا، الكتاب ليس كتابًا بالمعنى التقليدي، فهو باللغة العامية كأنه «سكريبت» حلقة من حلقات برنامج الدحيح، وهذا ما يشير إليه أول فصل باسم «مقدمة البرنامج». والكتاب سجله أحمد الغندور بصوته فعلًا، وأنصحك بالاستماع إلى الكتاب بتعليقاته الظريفة على تطبيق Storytel. اختيار اللغة العامية هنا بهدف الوصول لأكبر قدر من متابعي البرنامج، ومساعدتهم على القراءة بصورة سهلة، لأنه يستهدف في المقام الأول متابعي ومحبي برنامج «الدحيح».

ثانيًا، الكتاب محاولة لشرح وكشف سر خلطة البرنامج، وكيف ظهر، وما هي الظروف والعوامل التاريخية التي أحاطت بانتشاره ومدى تأثيره على المحتوى العربي، بخاصة في جزئية تبسيط العلوم. ولكنه ليس سرد قصة نجاحًا بالصورة التقليدية، ولن يلعب الكتاب دور الفنان محمود العسيلي ويخبرك «أنك تقدر ». لأنه كما يذكر:

الصورة الوردية الجميلة للتجارب الناجحة في الأغلب ملهاش أي أساس من الصحة، ده غير إنها بتحمل قدر كبير من السذاجة والسماجة والانفصال عن الواقع.

ولهذا لا يهدف كتاب الدحيح أن يتحول إلى كتاب تنمية بشرية لأنها ليست قصة نجاح أبطال خارقين، ولكنها قصة عن مجموعة من الشباب المجتهد الذي فشل كثيرًا لكنه استثمر في الفشل حتى وصل إلى صيغة تناسبه من النجاح، ليس النجاح المادي أو الوصول إلى أرقام مشاهدات هائلة، ولكنه نجاح بحب ما يقدمه هؤلاء الشباب، نجاح بالتأثير الذي تركوه في المحتوى العربي بِرُمَّته.

الهدف من الكتاب ليس محاولة تكرار تجربة برنامج «الدحيح»، ولكنه عن نشر الأمل، الأمل الحقيقي وليس الساذج، من تجربة لمجموعة شباب يعيشون معنا في نفس الدولة ونفس الزمن!

ثم إن الكتاب ليس عن الدحيح، كشخص أحمد الغندور فحسب، لكن البطل الحقيقي هو برنامج «الدحيح» كُله، الفريق الذي يقف وراء الكاميرا، الفريق الذي كان السبب في نجاح وظهور هذا البرنامج. وأول أعضاء الفريق هو البطل الذي يظهر أمام الكاميرا. والآن فلنبدأ معه رحلة الكتاب وننطلق لما وراء كواليس الرحلة والكنز!

بطل برنامج «الدحيح»: أحمد الغندور

الدحيح أحمد الغندور
«أحمد الغندور» مقدم برنامج الدحيح

في البداية، يأتي الحديث عن مؤسس فكرة وبرنامج «الدحيح»، وهو بالطبع الدحيح نفسه، أو أحمد الغندور. البداية مع نشأته في السُّعُودية وحبه للقراءة منذ أن كان طفلًا صغيرًا، والأهم تشجيع والده وتنميته لحب أحمد للقراءة والاطلاع. إذ كان دائم التردد على مكتبة جرير، يجلس بالساعات ليقرأ، وهو ما ساعده بعدها في مرحلة الكتابة. والبداية كانت مع كتابته قصة للمشاركة في مسابقة بأول سنة له في مدرسته الثانوية، استطاع فيها أن يربط الأحداث ويسردها بترتيب يخلق إيقاعًا للقصة، وهذا ما جعل القصة تكسب المركز الأول.

وهنا يستغل الكتاب هذا الحدث، ويشرح للقارئ فكرة الإيقاع في القصص والكتابة عمومًا، أن تخلق أحداثًا مترابطة ولكن ليس بوتيرة واحدة، فمثل الحياة، القصص الناجحة يجب أن تملك فترات صعود وهبوط، نجاح وفشل للبطل، «طبقًا لمدرسة الفنان أحمد عدوية في كتابة القصة: حبة فوق وحبة تحت».

ثم بعد مرحلة الثانوية العامة، جاءت مرحلة الحيرة في اختيار التخصص الجامعي بالنسبة لأحمد غندور، بعد مفاضلة بين أكثر من تخصص كالاقتصاد وعلوم الحاسب والطب. المهم في أثناء رحلة البحث وقع غندور على معرفة دكتور إيريك لاندر، عالم الوراثة وأستاذ علم الأحياء، الذي أبهره بطريقة تدريسه وشرحه للنظريات، فعندما كان يشرح أحد الاكتشافات كان يضعه في إطاره التاريخي ويحكي للطلبة عن الظروف الاجتماعية والصراعات الاقتصادية التي كانت تدور في خلفية مشهد هذا الاكتشاف. فكرة وضع العلم والنظريات العلمية في شكل قصة أثارت مخيلة غندور وتأكد أن أفضل سبيل لكي يوصل معلومة ما هو أن يضعها في إطار قصة.

وبعد صراع مع الاختيار بين الالتحاق بالجامعة الأمريكية، أو دخول كلية الطب بجامعة عين شمس استقر غندور على دخول الجامعة الأمريكية، ليبدأ مرحلته الجامعية، ويعود للعيش في القاهرة مع جدته، تاركًا أهله وعائلته في السعودية. ويبدأ فصلاً جديدًا في حياته مليئًا بالأحداث المهمة!

يحكي طاهر عن الحركة الطلابية في الجامعة الأمريكية، وصراعها مع إدارة الجامعة، بخاصة في مشكلة ارتفاع المصروفات السنوية، التي تزيد عامًا بعد عام بحجة سد عجز الميزانية السنوية للجامعة. ولكن بعد سبتمبر 2011، وبعد مناوشات بين الجامعة واتحاد الطلاب، تمكنوا من الاطلاع على بيانات الجامعة المالية واكتشفوا أنها لا تعاني من ذلك العجز، ولكن على العكس يوجد فائض من الميزانية يُعاد استثماره في وديعة الجامعة في الولايات المتحدة، وتلك الوديعة تخطت قيمتها مليار دولار. ورغم ذلك في بداية العام الدراسي 2012 زادت المصاريف مرة أخرى.

في ذلك الظرف التاريخي، عام 2012، التحق غندور بالجامعة الأمريكية، وانبهر بالمكتبة الضخمة هناك، وبالأنشطة الطلابية، ولكن بعد أسبوعين من بداية الدراسة، وبعد دخول اتحاد الطلبة في سلسلة من الاجتماعات والمفاوضات مع إدارة الجامعة لحل أزمة زيادة المصاريف، أصرت الإدارة على موقفها، وهنا قرر اتحاد الطلبة أن يقلب الطاولة في وجه الجميع، ويقرر إغلاق أبواب الجامعة بالجنازير.

وبعد مرور شهر على الإغلاق، قررت الإدارة خفض الزيادة السنوية من 7% إلى 2%، بجانب العديد من الإصلاحات التعليمية والإدارية، ومن هنا عادت الدراسة وبدأت رحلة غندور في قسم البيولوجي داخل الجامعة الأمريكية.

كيف بدأ الدحيح؟

https://www.youtube.com/watch?v=shkThcSCWqM

في أولى سنوات الجامعة، سمع أحمد الغندور بمسابقة يقيمها المركز البريطاني، باسم Fame Lab، لشرح موضوع علمي معقد للجمهور في 3 دقائق فحسب، وهنا قرر المشاركة بموضوع كان قرأه في دورية Nature الشهيرة، يتحدث عن علم وراثة التغييرات الجينية (Epigenetics). وقرر أن يشرح الموضوع في شكل قصة كما تعلم من محاضرات إريك لاندر. لم يكسب في تلك المسابقة لكنها شجعته على تبسيط وشرح المواضيع العلمية المعقدة في مقاطع فيديو على «يوتيوب».

وفي صيف عام 2014، شاهد عدّة برامج علمية ومحتوى على «يوتيوب»، مثل «Crash Course» و«V-sauce»، كي يتعلم صناعة مقطع فيديو من الصفر، ثم بدأ رحلة التصوير والمونتاج، وأطلق على الحلقة اسم «ابن مجدي عبد الغني» وشرح بها نفس موضوع المسابقة عن علم وراثة التغييرات الجينية.

ثم جاء اختيار اسم القناة؛ بدأ البحث عن اسم يعبر عن المعرفة، ففكر في اسم «الموس» لكنه شعر بعنف الاسم وأنه لا يصلح لقناة لتبسيط العلوم، وبعد تفكير طويل اختار الاسم المعبر عن القناة وعنه شخصيًا «الدحيح».

وفي 31 أغسطس عام 2014، نشر الحلقة، ومعها حلقة أخرى عن علم النفس، ولكن على عكس توقعه أن الحلقة سيأتي معها آلاف من المشاهدات من الجماهير المتعطشة للعلم، لم يشاهدها سوى 100 شخص فقط، لكن هذا لم يمنع أهله وأصدقاءه من تشجيعه على الاستمرار في تقديم هذا النوع من المحتوى المفيد.

وفي أثناء السنة الدراسية، بدأ غندور في تقديم حلقات جديدة على قناته الخاصة على يوتيوب، حتى مع عدم زيادة المشاهدات فإنه لم يستسلم أو يشعر بالإحباط. ثم بدأت فيديوهات الدحيح في الانتشار قليلًا مع فيديو قدمه لشرح العلم والفيزياء المعقدة للثقوب السوداء في فيلم «إنترستلر» للمخرج كريستوفر نولان في نهاية عام 2014.

ثم انتهت مرحلة الدراسة، لتأتي مرحلة التفكير في الحياة العملية والبحث عن وظيفة، ولكن غندور قرر استكمال رحلة برنامج الدحيح بدلًا من مطاردة وظائف لا معنى لها، وتلقى دعم الأهل في هذا القرار. وبعدها بدأ في البحث عن فكرة جديدة لحلقات البرنامج، وهنا حدث تعويم الجنيه المصري في أواخر عام 2016، وأصبح الدولار حديث البلد بِرُمَّته.

حينها قرر الدحيح المشاركة وشرح تطور الديون والاحتياطي النقدي خلال الأربعين سنة الماضية، وشبه مصر بـ«عمته» التي تحتاج إلى الاقتراض نظرًا لزيادة مصاريف الدولة، في معالجة سهلة وشرح مبسط للمفاهيم الاقتصادية المعقدة في أشهر حلقات البرنامج حينها على قناته التي كانت بعنوان «قصة اقتصاد عمتك».

تلك الحلقة كانت بداية شهرة الدحيح وانتشار البرنامج بصورة غير مسبوقة، وكانت المرة الأولى التي يتحدث فيها البرنامج عن موضوع مهم ومعاصر يهم المواطن العادي، ويمس حياة الملايين من المواطنين في البلد، بعيدًا عن النظريات العلمية المعقدة.

وحينها بدأت عروض الإنتاج تنهال على أحمد الغندور، وكان أولها من المخرج عمرو سلامة، ثم قناة تلفزيونية، ولكنها عروض لم تكتمل، وبعدها قابل محمد حسام، شابًا صغيرًا لكنه يملك طموحًا وإمكانيات أكبر من سنه، والذي عرض على غندور إنتاج برنامج علمي بميزانية كبيرة يصلح لعرضه على شاشة التلفزيون، وهي كانت فكرة من شريكه محمد رشيدي.

بعد عدّة محاولات فاشلة ورفض للقنوات لفكرة برنامج علمي، قرر الثلاثة البدء في تنفيذ برنامج «الدحيح»، بعد عرضه على قناة رقمية على «يوتيوب» (AJ+)، ومن هنا بدأ بناء شخصية الدحيح، بوضع قصة لحياته تعبر عن الشخصية، مثلًا اتفقوا أنه شخصية عبقرية غريبة وغامضة، ومغرورة وترى أنها تعرف كل شيء، وتعرف أكثر من المشاهد الذي تحدثه باستعلاء، ولكنه في نفس الوقت وحيد، يجلس في غرفته لا يخرج منها، محاط بعالم من الكتب.

ومن هنا جاءت فكرة الغرفة التي يقدم منها الدحيح برنامجه؛ غرفة بسيطة مليئة بالصور العجيبة تشبه أغلب الغرف المصرية لتعطي شعورًا بأن الدحيح هو شخص مصري أصيل، وليس دكتورًا جامعيًا يشرح محاضرة لطلابه.

بعدها بدأ انضمام أعضاء جدد للفريق، منهم مخرج البرنامج عمرو نظير، الذي جاء لضبط هوية البرنامج البصرية في البداية، وبعد أن كتب غندور أول 12 حلقة، وبعد بناء الغرفة، بدأ تصوير أولى حلقات «الدحيح»، وبعد انتهاء التصوير ثم إعادة التصوير مرة أخرى، أرسلوا الفيديوهات للقناة، وبعد 3 شهور من الانتظار أعلنت القناة عرض برنامج «الدحيح» في أول أيام شهر رمضان المبارك، وفي يوم 27 مايو 2017، عُرضت أولى حلقات البرنامج.

كان الصدى واسعًا بعد نزول الحلقة، وتلقى الدحيح دعمًا هائلًا على منصات التواصل الاجتماعي، فرحًا بعودة البرنامج من جديد. ثم بدأ انضمام أعضاء جدد للفريق وكان أولهم محمد طارق، الذي كان مسؤولًا عن السكتشات المضحكة في بداية كل حلقة. وبدأ تكوين فريق الأفنجرز!

فريق الأفنجرز!

مع نهاية عام 2017، بعد أن سافر غندور للدراسة في هونج كونج، ومع ضيق الوقت وضغط المذاكرة ومع اقتراب الامتحانات، كان من الصعب كتابة حلقة للبرنامج كل أسبوع، وشعر أنه لا بد من وقف البرنامج لفترة، لكن وقف البرنامج كان سيتسبب في مشاكل كثيرة لجماهيريته وللميزانية كذلك، وهنا جاءت فكرة الاستعانة بكُتّاب آخرين للبرنامج.

في البداية انضم لهم هشام طارق ومحمد عيطا، ثم عمر الجمال، وهكذا بدأ انضمام كُتّاب آخرون أولهم كان أحمد رحمي، ثم شارك محمد حسني، وبعده مجدي ياقوت شافعي، ومن هنا أصبح للبرنامج مجموعة من الكُتّاب المبدعين.

ومع اقتراب كأس العالم عام 2018، لم يكن الدحيح شارك بأي حلقات عن أي نوع من أنواع الرياضة، ومصر ستشارك، أخيرًا، في هذا الحدث العالمي بعد غياب دام لثلاثين عامًا، فبدأ البحث عن كاتب مُلمّ بخبايا الساحرة المستديرة، وهنا وقع الاختيار على زميلنا في «إضاءات»، وعاشق ليفربول، الكاتب في قسم الرياضة، أحمد مجدي رجب، الشهير بـ«البادرينو» أو كابتن مصر.

مقالات رجب تجمع بين الرياضة والعلوم والسينما، إضافة لاهتمامه بالتاريخ والتأثير الاقتصادي والاجتماعي لكرة القدم، بمعالجات جديدة ومبتكرة للمواضيع التي يتحدث عنها الناس، وكانت أول فكرة لبرنامج الدحيح عن المراوغات في كرة القدم، وكتب حلقته الأولى عن «ليونيل ميسي» وطريقة مروره من المدافعين بسهولة كبيرة، ثم حلقة «أبو نيمار» التي تحدث فيها عن صناعة كرة القدم. تلك الحلقات أكسبت البرنامج جمهورًا جديدًا من عشاق الرياضة.

ومع استمرار انشغال أحمد الغندور وعدم قدرته على الكتابة والبحث عن حلقات جديدة، استمرت رحلة البحث عن كُتّاب جدد، وهنا عثر على أحد زملائه القدامى، كان رئيس اتحاد الطلبة عندما التحق غندور بالجامعة الأمريكية، وتلك كانت بداية رحلة طاهر المعتز بالله مع فريق عمل برنامج «الدحيح».

طاهر تخرج في الجامعة الأمريكية وحصل على بكالوريوس هندسة بترول، وكان يعمل مهندس حفر بإحدى شركات البترول العالمية، ثم قرر ترك مجال البترول والهندسة والتفرغ للكتابة، وبدأ رحلة تعلم كتابة السيناريو. وكانت أولى حلقاته مع برنامج الدحيح واحدة من أشهر الحلقات حتى الآن «هتلر»، التي تحكي عن قصة أدولف هتلر، كما هو واضح من اسمها، وصعوده إلى السلطة في دولة ديمقراطية. كانت الحلقة من المواضيع المختلفة بالنسبة لبرنامج «الدحيح»، الذي كان يركز أكثر على شرح النظريات العلمية، ولكن حلقة هتلر اعتمدت على الحكي والقصة التاريخية بأجزاء اقتصادية وسياسية واجتماعية.

وبعد مرور عام ونصف على بداية برنامج «الدحيح» على القناة، اقتربت الحلقة المئوية، وبنهاية يناير عام 2019 أذيعت حلقة «هتلر2» ولكنها انتهت قبل الدخول في قصة الحرب العالمية الثانية، ثم في بداية فبراير أذيعت الحلقة الثالثة في السلسلة، حلقة «الحرب العالمية الثانية»، وهي أطول حلقة في تاريخ البرنامج بـ40 دقيقة كاملة، وأصبحت الأكثر مشاهدة بـ10 ملايين مشاهدة على «يوتيوب». تلك الحلقة كانت علامة فارقة في تاريخ برنامج «الدحيح»، وبالنسبة لفريق العمل كُله.

لكن الأمور لم تكن دائمًا بتلك السهولة، وستبدأ الصعاب والانتقادات في الانطلاق بأقصى سرعة نحو الفريق والبرنامج!

يا محاسن الصدف!

بعد حلقة الحرب العالمية الثانية، تحول البرنامج من مجرد برنامج واعد إلى واحد من أقوى البرامج المؤثرة في العالم العربي، وبدأ البعض يتساءل عن أعضاء فريق البرنامج، ومن هم وهل ثمة أجندات أخرى وراءهم؟ وكما كان هناك متابعون ومحبون للبرنامج، بدأ آخرون ينظرون إليه كخطر على المجتمع ويجب التخلص منه!

بدأ الهجوم يتطور من مجرد تصحيح الأخطاء، إلى هجوم واضح وصريح يحمل اتهامات، أولها كان الاتهام بالسرقة، بدأت باتهام بسرقة حلقة «هشاشة السلامة»، التي كتبها دكتور أحمد جمال سعد الدين، بأنها مسروقة من «يوتيوبر» مغربي تحدث عن نفس موضوع الحلقة، وبما أن الاتهام كان مضللًا وليس له أساس من الصحة فلم يرد عليه الفريق، لكن الاتهام التالي كان يصعب تجاهله.

بعد إذاعة حلقة «اليابان الرّوش»، صفحة «اليابان بالعربي»، إحدى الصفحات المدعومة من الحكومة اليابانية، هاجمت الحلقة ووصفتها بأنها مضللة لاعتمادها على مصادر أجنبية في تناولها لمجزرة «نانكينج» دون الرجوع للمصادر اليابانية، لكن الصفحة أثارت اتهامًا آخر للحلقة واتهمت البرنامج بالعنصرية، لأن «السكتش» ذكر أن اليابانيين عيونهم ضيقة، وهنا نشر غندور اعتذارًا على صفحته الخاصة على «فيسبوك»، مع التأكيد أن الأمر لم يكن مقصودًا ولم يكن بداعي التنمر أو السخرية. وهكذا انتهت الأزمة الأولى لكنها لم تكن الأخيرة!

الحلقة التي أثارت أكثر ضجة ضد البرنامج، ووصلت باتهام أحمد الغندور بنشر الإلحاد، حلقة «يا محاسن الصدف»، التي كتبها محمد عيطا، وتحدث فيها الدحيح عن الصدف التي تحدث بكثرة في حياتنا ونستغرب لحدوثها، وأنها ربما ليست بتلك الغرابة، وقد تكون واردة الحدوث نظرًا للاحتمالات المتكررة. استخدم الدحيح في نهاية الحلقة فرضية شهيرة في الأوساط العلمية لتوضيح فكرة مبدأ الاحتمالات وهي فرضية الأكوان المتعددة «Multi-verse»، التي تذكر أن هناك عددًا لا نهائيًا من الأكوان، ولكنها ليست سوى فرضية غير معتمدة ومثيرة للجدل.

وبعد نزول الحلقة، بدأت الاتهامات تنهال على البرنامج وعلى الفريق، وتتهمه بنشر الإلحاد، رغم أن الحلقة تتحدث عن مبدأ إحصائي، ولم تذكر سوى في آخرها فرضية الأكوان المتعددة لضرب مثال فحسب، ولم يقل الدحيح بأن تلك الفرضية صحيحة من الأساس!

من هنا بدأت انتقادات عدّة تطال البرنامج، وأحمد الغندور، وتتهمه بكل أنواع الاتهامات الممكنة. بعدها يبدأ كتاب الدحيح في الدخول إلى مناقشات حول تشارلز دارون ونظرية التطور، ومحاولة شرح ما تقدمه وعدم تعارضها مع الأديان، وهو ربما جزء يمكن الاستغناء عنه في مسار القصة لمن لا يهتم بالرد على الانتقادات، أو لم يكن مؤثرًا أو مهمًا بتلك الدرجة، لكنه على كل الأحوال محاولة شرح وتبسيط للأمور ربما يستفيد منها محبو البرنامج.

بدأ الفريق في ضخ دماء جديدة، بضم كُتّاب جدد، ليدخل إلى المرحلة الثالثة من مشواره، وهنا ظهرت 3 كاتبات جدد، وهي المرة الأولى التي ينضم فيها إناث إلى فريق الكُتّاب وهن داليا عثمان ونهى فكري وأخيرًا ريم فتح الباب. ولكن سبقتهن إلى فريق العمل غادة علي، التي كانت حلقة الوصل بين الإبداع والتنفيذ، وكانت مسؤولة عن تنظيم العمل بين الكُتّاب وباقي أعضاء الفريق.

وبعد مرور ثلاث سنوات، من النجاح والانتقادات والاتهامات، أصبح برنامج «الدحيح» يتصدر قائمة الأعلى مشاهدة أسبوعيًا على «يوتيوب»، ليس في مصر فحسب ولكن على مستوى الوطن العربي أيضًا، والفريق وصل إلى أعلى مستوياته الفنية والمعنوية، ولكن كما هو كل شيء في الحياة، وكما يقولون دوام الحال من المحال، كان هناك خبر غير متوقع في الطريق!

شكرًا عزيزي.. بص على المصادر!

بنهاية مايو عام 2020، تلقى فريق الدحيح خبرًا لم يتوقعه: قررت القناة عدم تجديد عقد البرنامج بعد مرور ثلاث سنوات كاملة على عرضه. ويوم الثلاثاء 9 يونيو في الموعد المعتاد لنزول حلقة الدحيح، أُذيع بدلًا منها فيديو قصير بعنوان «3 سنوات دحيح» يعلن توقف البرنامج نظرًا لصعوبات إنتاجية ومادية بسبب تفشي فيروس كورونا.

الخبر جاء مفاجئًا لمتابعي ومحبي البرنامج في كل مكان، ولأول مرة يظهر مدى حجم التأثير الذي تركه برنامج «الدحيح» على المشاهدين في كل أنحاء الوطن العربي. وعلى قدر مفاجأة القرار، إلا أنه أظهر حجم الشعبية الحقيقية للبرنامج، مثلما سئُل أحد الصالحين كيف سيعرف حجم تأثيره، فقال: بيني وبينكم الجنائز.

كتاب الدحيح ما وراء الكواليس
برنامج الدحيح
في النهاية، نقدر نقول إن دي مش النهاية..

في نهاية رحلة الكتاب، يذكرك بعدّة دروس يجب أن نخرج بها من القراءة، أهمها أن الحياة ليست خطًا مستقيمًا، ولا بد من فترات صعود وهبوط، وأحيانًا فترات المعاناة تكون سببًا في تجهيزك لما هو قادم. كما يجب أن تتغلب على الشك وتبدأ بالتنفيذ لكي تنجز ما تحاول إنجازه، كثرة التفكير والتأجيل والشك ستضرب أي عمل في مقتل، مثلما بدأ غندور برنامجه ولم يكن يعرف إلى أين سيقوده في النهاية.

إضافة إلى أن العمل داخل فريق أحد أهم أسباب النجاح، والمشاهدات مهمة ولكنها لا تعبر عن الجودة، المشاهدات أحد عوامل قياس القبول والانتشار، لكنها لا تصلح لقياس نسبة النجاح، وأن الجماهير تقدر المحتوى الجيد والمفيد، حتى لو ظهر عكس ذلك، المهم أن تبذل مجهودًا فيما تقدمه، ولا تلتفت إلى أي شيء آخر.

ولذا، يدعونا كتاب الدحيح في النهاية إلى نقطة البداية؛ يدعونا أن نبدأ فيما نحب عمله، وهو الهدف الأساسي من الكتاب. وكما بدأنا نختم:

تذكر أنه على الرغم من أن الجملة كليشيه واتهرست في ميت فيلم قبل كدة
إلا إن حقيقي «الكنز في الرحلة»
والرحلة اللي داخلة على المليار مشاهدة بدأت بشاب عمل فيديو جاب 50 مشاهدة بس
لكنه قرر يكمل للآخر
طاهر المعتز بالله، كتاب الدحيح – ما وراء الكواليس