ظاهرة الـ«نينو»: لماذا صيف 2023 هو الأكثر حرارة؟
أراك وأنت تتصبب عرقًا هذا الصيف وتكدح في الذهاب والإياب من عملك، ولا تستطيع التقاط أنفاسك خلال ساعات العمل خاصة إذا كنت تعمل خارج مؤسسة في درجات الحرارة العالية، أو داخل مؤسسة لا تراعي ضرورة وجود مكيف الهواء.
كذلك أجد نفسي حانقة على التغير المناخي الذي جعلني لا أتحمل حرارة الموقد وطهي الطعام كل يوم، وحتى نسمات الصيف الليلية التي قد تهون علينا الأيام تلاشت، وأصبحت من اللحظات النادرة التي لا تأتي إلا قليلًا مع نسمات الفجر، لذا أهلًا بك عزيزي القارئ في الصيف الأكثر سخونة نتيجة ظاهرة الـ نينو.
ماذا تعني ظاهرة النينو «El Niño»؟
أطلق لفظ النينو على ظاهرة لاحظها صيادو السمك في سواحل بيرو في عام 1600 عندما وجدوا مياه الشواطئ دافئة بعض الشيء، وهي كلمة تعني بالإسبانية الطفل الصغير، وعندما تكتب بحروف كبيرة «El Niño» فإنها تعني الطفل المسيح؛ لأن توقيتها يحدث غالبًا قرب عيد الميلاد في ديسمبر.
ظاهرة النينو هي ظاهرة مناخية من الدفء غير المعتاد لسطح مياه المحيط الهادئ الاستوائي، وهي جزء من ظاهرة أكبر تعرف باسم التذبذب الجنوبي، وهي عبارة عن مرحلتين:
- ظاهرة النينو وهي المرحلة الدافئة للمياه السطحية.
- ظاهرة لانينيا «La Niña» وهي مرحلة برودة المياه.
تستمر ظاهرة النينو عادة عندما تبدأ من 9 إلى 12 شهرًا، وقد تستغرق عدة سنوات وتتكرر على فترات سنوية تتراوح ما بين عامين إلى 7 أعوام، وهي على عكس الرياح لا تحدث على دورات ثابتة ولا يمكن التنبؤ بوقتها بالتحديد.
سجلت آخر ظاهرة النينو من عام 2014 إلى عام 2016 رقمًا قياسيًا في ارتفاع درجة الحرارة وأكثر عام سخونة على الإطلاق كان لصالح عام 2016، وقد بدأت هذه الظاهرة بالحدوث من جديد هذا العام وقد تسجل درجات أكثر ارتفاعًا مما سبق.
ارتفع متوسط درجات الحرارة العالمية في أوائل شهر يونيو هذا العام حوالي درجة مئوية أعلى مما كان عليه في العام الماضي؛ مما نتج عنه موجات حارة ويرجح بعض العلماء أن عام 2023 سيكون الأكثر حرارة، وقد يمتد تأثير ظاهرة النينو وتظهر معظم الحرارة في عام 2024.
كيف تحدث ظاهرة النينو؟
تأتي الرياح التجارية طبيعيًا، وتحرك المياه السطحية الدافئة في المحيط الهادئ واتجاهها يكون من الشرق للغرب، حيث تتحرك المياه مع الرياح التجارية من أمريكا الجنوبية إلى آسيا وأستراليا؛ مما ينتج عنه صعود المياه الباردة من أسفل المحيط إلى الأعلى؛ لتحل محل المياه الدافئة التي أزيحت بفعل الرياح.
تعرف عملية صعود المياه الباردة باسم تدفق المياه، وتفيد هذه العملية الكائنات البحرية حيث تكون المياه الباردة غنية بالمغذيات ومحملة بالعناصر الغذائية مثل: النترات والفوسفات، وتسهم عملية صعود المياه إلى السطح على طول ساحل أمريكا الجنوبية في جعل المناخ جافًا بعض الشيء، أما على سواحل بعض الجزر في آسيا مثل: غينيا الجديدة وإندونيسيا فتسبب زيادة هطول الأمطار.
عندما تنخفض قوة وسرعة الرياح التجارية في إحدى السنوات فإنها تؤدي إلى حدوث خلل في حركة المياه الدافئة على سطح المحيط الهادئ؛ فيتعطل انتقالها إلى الغرب وتضعف عملية تدفق المياه وتبدأ حينها ظاهرة الـ نينو.
تؤثر ظاهرة النينو على درجة حرارة المحيطات، وسرعة تيارات المياه، وقوتها، والطقس من أستراليا إلى أمريكا الجنوبية وما بعدها، ويستخدمها العلماء كمؤشر لقياس التغيرات في درجات حرارة سطح البحر.
قد يسجل تغييرًا خلال هذه الظاهرة يصل إلى زيادة أكثر من 0.9 درجة فهرنهايت، وأحيانًا قد تزداد درجة الحرارة بصورة حادة تتراوح من 14 إلى 18 درجة فهرنهايت، وقد ترفع ظاهرة النينو من درجة سطح الأرض إلى ما يصل إلى 0.2 درجة مئوية سنويًا.
يسبب هذا الارتفاع في درجة الحرارة تغيرات في المناخ من خلال انخفاض وزن الهواء الساخن وصعوده لطبقات الهواء العليا محاولًا الخروج والتنفيس عن الكوكب، ولكن مع وجود تأثير الاحتباس الحراري يعود الهواء الساخن من جديد للأسفل ولا يتبدد في الفضاء، ثم يعاود الصعود وتتكرر هذه العملية حتى ترتفع درجة حرارة الكوكب محدثة صيفًا غير محتمل في أوروبا مرورًا بالوطن العربي إلى آسيا.
اقرأ أيضًا: العلم يؤكد: تأثير البشر السلبي على المناخ أقدم مما نعتقد
ما هي ظاهرة لانينيا «La Niña»؟
ظاهرة لانينيا وتعني الطفلة الصغيرة بالإسبانية، وهي المرحلة الباردة وهي عكس تأثير ظاهرة النينو، وفيها تكون الرياح التجارية قوية، وتتمكن من تحريك المياه الدافئة من على سطح المحيط الهادئ لتنقله إلى آسيًا لتحدث عملية تدفق المياه، وحينها تكون درجات الحرارة في الشتاء أكثر دفئًا من المعتادة على الجنوب، ولكنها أكثر برودة في الشمال وتؤدي ظاهرة لانينيا إلى حدوث موسم أعاصير حاد.
غالبًا ما تستمر ظاهرة النينو حوالي عام، أما فترة لانينيا فتمتد لمدة أطول، وكان عام 2023 نهاية مرحلة لانينيا وبدء مرحلة النينو.
هل تؤثر النينو ولانينيا على الحرارة فقط؟
تحدث ظاهرة النينو بالتبادل مع ظاهرة لانينيا، وكلتاهما تؤثران على المناخ حيث سجلت هذه الظاهرة في عامي 1982- 1983 وحينها ارتفعت درجة حرارة الشواطئ 7.8 إلى 12.8 درجة مئوية فوق المعدل الطبيعي الأمر الذي تسبب في حدوث ما يلي:
- حدثت أعاصير في تاهيتي.
- ازداد معدل هطول الأمطار والفيضانات في وسط تشيلي.
- انخفض معدل صيد الأسماك.
- عانت أستراليا من جفاف قاس.
- نشأت عواصف في أمريكا الشمالية أكثر من المعتاد خلال فصل الشتاء.
رصدت ظاهرة النينو أول مرة تفصيليًا من بدايتها إلى النهاية خلال عامي 1997/98 والتي تسببت في حدوث عدة كوارث طبيعية مثل: جفاف إندونيسيا وماليزيا، وزيادة هطول الأمطار والفيضانات في بيرو، بالإضافة إلى ارتفاع متوسط درجات الحرارة وزيادة الأمطار في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.
تسبب ظاهرة النينو حدوث تأثيرات سلبية عدة على المناخ والبيئة، والتي ينتج عنها تدمير اقتصادات الدول مثل:
- نشوب حرائق الغابات.
- تدمير المحاصيل الزراعية.
- زيادة هطول الأمطار في الإكوادور وشمال بيرو.
- تحد من النقل.
- زيادة الفيضانات في بعض المناطق مثل: أمريكا الجنوبية.
- الجفاف في أماكن أخرى.
- موت مجموعة من الأسماك أو هجرتها.
- وجود شتاء أطول وأكثر برودة.
لا يتوقف تأثيرها على المناخ فحسب بل تمتد إلى الصحة حيث تنتشر الأمراض خاصة في الدول التي دمرتها الفيضانات أو الجفاف، حيث يسبب الجفاف حرائق الغابات والتي بدورها تؤثر على الجهاز التنفسي، أما الفيضانات فتسبب انتشار بعض الأمراض مثل:
اقرأ أيضًا: الموت البطيء: وباء الكوليرا يفتك باليمن
هل الإنسان هو السبب في حدوث ظاهرة النينو؟
لا نعلم هل للإنسان دخل في ظهور هذه الظاهرة من عدمها على الرغم من تأكدنا من أن تغير المناخ نشأ بفعل الإنسان من خلال حرق الوقود الأحفوري، وارتفاع نسبة ثاني أكسيد الكربون منذ بدء الثورة الصناعية.
العلماء حاليًا غير متأكدين من وجود علاقة بين ظاهرة النينو والإنسان، حيث أنها لم تُسجل كثيرًا ولم يتابعها العلماء عن كثب حيث أنهم بدؤوا بملاحظتها خلال أخر 150 عامًا، وبدؤوا بدراستها خلال العقود الأخيرة فقط.
لا يمكننا استبعاد أن تدخل الإنسان قد يكون له تأثير في ظهورها، ولكن المؤكد أن الاحتباس الحراري الذي تفاقم خلال السنوات الأخيرة وأدى إلى ارتفاع درجات الحرارة بصورة غير طبيعية لن ينتهي إلا إذا حافظنا على بيئتنا، وانعدمت انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
اقرأ أيضًا: هل يجعلنا الحر شخصيات أسوأ؟
كيف أحمي نفسي من ارتفاع درجة الحرارة؟
تنصح معظم المؤسسات الصحية والمنظمات المعنية بالبيئة بضرورة اتباع بعض النصائح كي تقي نفسك من درجات الحرارة القاسية، ومنها ما يلي:
- اشرب المياه بكثرة واترك معك زجاجة مياه دائمًا.
- حاول المكوث قدر الإمكان في أماكن بها مكيف الهواء واستخدم المراوح.
- استحم أكثر من مرة في اليوم لتلطيف الحرارة على بشرتك، وارتدِ ملابس مريحة وخفيفة ويفضل أن تكون قطنية وطبيعية.
- تجنب الخروج من المنزل في أثناء الظهر أو العصر أي في وقت ذروة ارتفاع درجة الحرارة، وتجنب ممارسة الرياضة خلال هذا الوقت.
- ابقَ في أكثر الأماكن برودة خلال النهار.
- لا تترك أبدًا طفلًا أو حيوانًا أليفًا في السيارة المركونة؛ لأن درجات الحرارة ترتفع فيها بشدة وتصل إلى الضعف خلال دقائق؛ مما قد يؤدي إلى وفاتهم من شدة الحرارة.
- إذا كنت مضطرًا للخروج من المنزل فارتدِ واقيًا للشمس وقبعة وخذ معك زجاجة من المياه.
- تفقد حالة الآخرين خاصة من هم في خطر من الحرارة المرتفعة مثل: كبار السن، أو من يعيشون بمفردهم، والصغار، والأطفال، والمرضى بأمراض مزمنة.
اقرأ أيضًا: تغير المناخ: أسئلة وأجوبة حول الأبعاد السياسية للأزمة.
في النهاية، تخوض الأرض تغيرات كبيرة لا نعلم نهايتها أو إلى أي مدى قد تتفاقم، لكن علينا جميعًا أن نسعى جاهدين في الحفاظ عليها والتقليل من انبعاثات الكربون، بالإضافة إلى ضرورة اتباع النصائح السابقة لمواجهة الموجات الحارة.