الحاج ضيوف: الأرنب المغرور أم السلحفاة الدؤوبة؟
خيط رفيع يفصل بين أن يدرك المرء قيمة نفسه ويؤمن بموهبته ويحدد تمامًا أين يقف وسط أقرانه على جانب، وبين أن يؤمن المرء في قرارة نفسه أنه أفضل من الجميع، وأن إنجازاته السابقة تكفي لتحديد مستقبله على الجانب الآخر.
على الجانب الأول يستطيع المرء أن يتطور ويصقل موهبته مستفيدًا من خبرات الآخرين متذوقًا حلاوة المنافسة، أما على الجانب الآخر فيقع المرء فريسة الغرور موجهًا كل جهوده نحو الدفاع عن نفسه، متهمًا الجميع بأنهم لا يتفهمون موهبته الكبيرة، وأثناء انشغاله بذلك يسبقه الجميع.
تلك الحكمة البسيطة تُحكى للأطفال على شكل قصة السلحفاة المثابرة والأرنب المغرور. تلك القصة المعروفة لأطفال العالم أجمعين بمختلف لغاتهم، لكن يبدو أن «الحاج ضيوف» لم يسمع عن تلك القصة من قبل.
في فرنسا عرفه البعض وضد فرنسا عرفه الجميع
ولد «ضيوف» في داكار، عاصمة السنغال، وتربى على يد جديه بعد أن تركه والده -الذي كان لاعب كرة قدم أيضًا- وهو في عمر الثامنة ورحل إلى البرتغال. لم يلتق «ضيوف» والده إلا بعد مرور 22 عامًا، إلا أنه أكد أن علاقته بوالده جيدة رغم هذا الفراق، فقد كانا يتحدثان على الهاتف يوميًا.. ولكن في خياله!
بدأ «ضيوف» مشواره الاحترافي بنادي «سوشو» الفرنسي في عمر الـ17، ثم انتقل لنادي «رين» في العام التالي ولم يحرز أي أهداف بصورة رسمية مع الناديين، لينتقل إلى نادي «لانس» عام 2000، حيث ظهرت موهبة ضيوف التهديفية، وصُقلت موهبته كثيرًا خلال العامين اللذين قضاهما مع لانس. بحلول عام 2002 تغيرت حياة السنغالي رأسًا على عقب.
إذا كان العالم كله قد عرف ضيوف ورفاقه من خلال مشاركة السنغال المتميزة في كأس العالم 2002، فإن الشمال العربي الأفريقي قد عرفه قبل ذلك بحين. فالسنغال قد تأهلت إلى كأس العالم كمتصدرة لمجموعة ضمت منتخبات مصر والمغرب والجزائر، فعرفت الجماهير العربية أن هذا المنتخب سيتألق خلال كأس العالم لا محالة، إلا أن ما تحقق بالفعل كان أكبر من توقعات الجميع.
وقعت السنغال في المجموعة الأولى لتجاور فرنسا حاملة اللقب، وأوروجواي والدنمارك وسط توقعات الجميع بصعود معتاد لفرنسا والأوروجواي، مع توقعات طفيفة لمحاولات دنماركية لخطف بطاقة تأهل، وقبعت السنغال في المؤخرة دون أي توقعات، وهي التي ستلعب مباراة الافتتاح ضد حامل اللقب فرنسا.
في 31 مايو/ آيار عام 2002، اتجهت أنظار كل محبي كرة القدم إلى إستاد سيول، حيث ستقام المباراة الافتتاحية، ليتفاجأ الجميع بمنتخب السنغال الذي استطاع أن يفوز بالمباراة ضد فرنسا -المنقوصة من زيدان- بأداء جماعي متكامل وبقيادة فنية بارعة للفرنسي «برونو ميتسو».
في هذا اليوم تحديدًا عرف العالم كله «الحاج ضيوف» في أبهى صورة له. أرنب أسمر قادر على الركض دون توقف، مهاجم يظهر في الثلث الهجومي بالكامل قادرًا على استلام الكرة رغم الضغط، لا يتواجد كثيرًا في مواجهة المرمي لكنه يمثل تهديدًا دائمًا للخصم، كل ذلك تبلور تمامًا بعد أن استطاع الأرنب السنغالي أن يراوغ المدافع الفرنسي «فرانك ليبوف» ويهدي زميله «بابا ديوب» الكرة ليسجل هدف الفوز والهدف الأغلى لبلاده في تاريخ كأس العالم.
https://www.youtube.com/watch?v=gC5NbGmPrfk
استطاعت السنغال أن تخطف بطاقة التأهل وتذهب أبعد من ذلك، حيث استطاعت الفوز على السويد في دور الستة عشر، وانتهى مشوارها المميز في دور الثمانية على يد تركيا. لم يحرز «ضيوف» أي أهداف خلال تلك البطولة لكنه استطلع أن ينتزع بقعة الضوء تجاهه كأكثر لاعبي السنغال تميزًا، وهو ما جذب أنظار فريق ليفربول الإنجليزي للتعاقد معه.
في ليفربول: ضجيج بلا طحين
كان «ضيوف» هو اختيار المدرب الفرنسي لليفربول آنذاك «هولييه» ضمن خطته لعودة ليفربول لمنصات التتويج، فتم التعاقد معه مقابل 10 ملايين دولار، إلا أن ضيوف لم يلبِ مطالب الفرنسي ولا طموحات جماهير ليفربول. تقهقر ليفربول في مراكز الترتيب في فترة لعب «ضيوف»، والتي استمرت لموسمين أحرز خلالهما السنغالي ستة أهداف كلها في الموسم الأول فقط، ولم يحرز أي أهداف في الموسم الثاني، والذي تضمن 33 مشاركة للسنغالي.
غلب على ضيوف صورة اللاعب ذي المزاج السيئ، الكثير الصياح، وجه ممتعض دائمًا وكأن الجميع يجب أن يلام على عدم إحراز «ضيوف» للأهداف، يبدو دومًا كرجل يبذل الكثير من الجهد، ولكن دون فائدة.
تصريح سابق لـ«الحاج ضيوف».
لم تكن قلة أهداف السنغالي هي مشكلته الوحيدة خلال فترة لعبه في فريق ليفربول، حيث ظهر «ضيوف» بصورة المشاغب، وربما كانت حادثة بصقه على مشجع نادي «سيلتك» الأسكتلندي في أحد المباريات الأوروبية عام 2003 بمثابة علامة فارقة في مسيرة السنغالي، حيث فقد دعم مشجعي ليفربول ودعم مدربه هولييه الذي وصف الحادثة بأنها عار سيلاحقه لباقي مسيرته الرياضية.
تطرق «ستيفن جيرارد»للحديث عن «ضيوف» خلال سيرته الشخصية واصفًا إياه بأسوأ لاعب جاوره في الملاعب، مضيفًا أنه لا يملك أي شغف نحو ليفربول. وعن مقارنة «ضيوف» بالإيطالي «ماريو بالوتيلي»؛ تحدث جيرارد بأنه يملك الاحترام نحو «بالوتيلي» بينما لا يملك أي شيء نحو «ضيوف»، وهو ما علق عليه الأرنب السنغالي قائلًا:
إن سبب فشل بالوتيلي مع الفريق الإنجليزي هو غيرة «جيرارد» الذي لا يحب اللاعبين أصحاب الشخصية، كما أنه عنصري ضد اللاعبين أصحاب البشرة السمراء.
بعد ليفربول: ضيوف المشاغب دائمًا
تنقل ضيوف بعد فترة ليفربول بين عدة أندية إنجليزية؛ بدءًا من بولتون مرورًا بـ«سندرلاند وبلاكبيرن»، حتى أنه لعب لأندية «دونكاستر، وليدز» في القسم الثاني، لينهي مسيرته بفريق صباح الماليزي، إلا أنه خلال تلك المسيرة لم يتوقف «ضيوف» عن لعب دور المشاغب خلال تلك الأندية.
أصبح «الحاج ضيوف» وجهًا مألوفًا للشرطة الإنجليزية، فعلى الرغم من اعتذاره عن حادثة البصق على المشجع الأسكتلندي، فإنه كرر الأمر ضد طفل يشجع فريق مدلسبره أثناء لعبه لنادي بولتون و فعلها أيضًا ضد لاعب نادي «بورتسموث»، ما دعا نادي «بولتون» للتعليق بأنهم سيستعينون بطاقم التأهيل النفسي للفريق لمحاولة تعديل سلوك اللاعب، إلا أنه علق على ذلك فيما بعد بأنه من المؤكد أنهم كانوا يحدثونه بما لا يحب أن يسمع.
أنهى «ضيوف» فترة لعبه لنادي بولتون بالقبض عليه؛ لقيادة سيارته مخمورًا. أما عن فترة وجوده بنادي سندرلاند فقد تطرقت الصحف الإنجليزية لمشاجرة نشبت بين ضيوف ومدافع الفريق كاد فيها السنغالي أن يفتك بالمدافع لولا تدخل اللاعبين.
أما عن فترة وجوده بـ«بلاكبيرن» فقد شهدت حادثة أدت إلى هجوم عنيف على السنغالي من قبل العديد من الصحف واللاعبين، حيث سخر ضيوف من إصابة تعرض لها لاعب كوينز بارك رينجرز، وهي كسر مضاعف في الساق، حيث صاح «ضيوف» نحو اللاعب المصاب: «اللعنة عليك وعلى ساقك».
الأرنب المغرور في سباق الرئاسة
يأبى «ضيوف» أن يبتعد عن الأضواء، وهو الذي اعتاد دومًا أن ينتزع بقعة الضوء تجاهه، سواء بمستواه الفني أو بمشاغبات متكررة، فقرر السنغالي الدخول إلى عالم السياسة مستغلًا نجاح الليبيري «جورج وايا» بالفوز برئاسة ليبيريا، ليبدأ حلقة جديدة من مسلسل الإثارة المرتبط دومًا باسمه، معتمدًا على شعبيته في السنغال، والتي أهلته ليشغل وظيفة المستشار الرياضي للرئيس السنغالي الحالي «ماكي سال»، معللًا تلك الخطوة بأنها خطوة من خلالها يستطيع تغيير الكثير في بلاده، خاصة أنه يمتلك الكثير من الشغف تجاه السياسة، على حد قوله، بعد أن قضى جل حياته مهتمًا بشئون كرة القدم.
يبقي الحديث هنا عن موهبة «ضيوف» التي صمم أن يلقي بها نحو الهاوية مكتفيًا بصورة الرجل المشاغب، وإنجاز وحيد تلاه مسلسل من الفشل. «ضيوف» كان يستحق مسيرة أفضل من تلك التي عاشها، إلا أنه تعامل مع الكرة بتعالٍ لا يتناسب أبدًا مع تلك اللعبة المجنونة.
السنغالي كان مقتنعًا أن الجميع يتلهف لمشاهدته، هو دومًا يمتلك أحد العروض، لكنه لم يفكر في تلك العروض كفرصة للعودة كمهاجم مميز. لم يتعامل «ضيوف» مع مهارته كمسئولية ملقاة على كتفيه فبدا كفقاعة في الهواء جذبت أنظار الجميع إلا أنها سرعان ما انبجست.
لذا سيبقى السؤال دومًا: هل يستطيع «ضيوف» أن يحافظ على أبناء بلده، وهو الشخص ذاته الذي لم يستطع الحفاظ على موهبته؟
ربما كان أحرى بـ«الحاج ضيوف» أثناء تسليمه لجائزة أفضل لاعب أفريقي لنجم ليفربول الحالي «محمد صلاح» أن يقترب من أذنه قائلًا:
«أنت أدركت ما لم أدركه أنا طوال مسيرتي، لقد أدركت قيمة قميص ليفربول، عليك بمواصلة الاجتهاد، عليك بمواصلة التطور كما تفعل دومًا، أراهن أنك سمعت من قبل عن قصة السلحفاة المثابرة والأرنب المغرور».