فيلم «EL camino»: وداع سينمائي لشخصية أيقونية
هذه التتمة التي يمثلها فيلم (EL camino) هي جواب جيليجان على هذه الأسئلة التي ظلت تشغل مخيلته لسنوات، ولا شك أنها شغلت الكثير من محبي هذا المسلسل الاستثنائي عن مصير شخصية جيسي بينكمان/ آرون بول بعد أن تركت خاتمة المسلسل مصير شخصيته معلقًا وغامضًا. يبدأ الفيلم من حيث انتهى المسلسل بهرب جيسي من محتجزيه، بعد أن حرره والتر وايت/ برايان كرانستون من أسرهم وبعد نهاية دموية كانت ختامًا منطقيًا للحكاية.
(EL camino): امتداد طبيعي لعالم المسلسل
أفضل ما يمنحه جيلجان هنا لمحبي مسلسله الأيقوني، أنه يظل أمينًا لعالمه ومنطقه الدرامي، لجوه العام، وللغته البصرية المميزة. لسنا أمام فيلم مستقل عن عالم المسلسل، بل الفيلم هو أقرب إلى حلقتين تكميليتين للمسلسل، يتتبع فيهما جيليجان مصير شخصية بينكمان.
طالما كان (Breaking Bad) مسلسلاً عن التحول الحادث لشخصياته، عن عواقب أفعالهم، ليس هناك خلاص مجاني ولا نهايات سعيدة، كل مسار خاطئ سلكته، كل خطيئة ارتكبتها ستدفع ثمنها من جسدك وروحك. بينكمان لم يكن أبدًا مجرمًا في قلبه، بل ضحية المسارات الخاطئة التي سلكها بإرادته أو أرغم عليها، كان دائمًا شخصية تتأرجح بين البراءة والحمق. نشاهده في بداية الفيلم مضطربًا ومشوشًا وملاحقًا بومضات من معاناته في فترة احتجازه الصادمة، لكنه يستعيد سريعًا تماسكه النفسي من أجل الخروج من هذا المكان. هذا المكان على نحو ما هو جحيمه ومطهره، هذه المعاناة التي حاقت به هي ثمن البداية الجديدة التي تنتظره في آخر الطريق.
اللغة البصرية لعالم بريكنج باد
اللغة البصرية للفيلم هي امتداد للغة المسلسل المميزة والتي تحمل في الأساس جماليات سينمائية خالصة. لدينا نفس الخطة اللونية التي حكمت صورة المسلسل، فالألوان الغالبة دائمًا تتأرجح بين الأصفر والبني ( earthy colours) لون الصحراء والطبيعة القاسية المحيطة.
أما على صعيد التكوين، دائمًا ما كان هنا ميل واضح نحو اللقطات الواسعة التي تظهر طغيان المحيط وضآلة الشخصيات أمام مصيرها أو أمام الكون الشاسع غير المبالي، هنا أيضًا نجد لقطات الإطار داخل الإطار (frame within frame) التي تعكس حالة الحصار التي يعيشها جيسي.
هنا أيضًا تستمر القفزات المونتاجية التي تعبر عن مرور الزمن والتي كانت علامة بصرية مميزة للمسلسل، هذا التواصل البصري والأسلوبي يخلق هارمونية واضحة بين عالمي الفيلم والمسلسل.
رحلة إلى بداية جديدة
العنوان دائمًا هو العتبة الأولى لأي نص، والتي تقودنا في الغالب إلى مفاتيح هامة لقراءة الفيلم، يشير العنوان هنا في فيلم جليجان إلى نوع السيارة التي فر بها بينكمان من مكان احتجازه، لكنه يتخلص من هذه السيارة في بداية الفيلم، إذن لابد أن يكون للكلمة دلالة أخرى ترجح اختيارها عنوانًا للفيلم، (IL camino) هي كلمة إسبانية تعني الطريق أو المسار، فيلم جليجان على نحو ما هو فيلم ينتمي إلى نوعية أفلام الطريق.
شكّل فيلم الطريق نوعًا سينمائيًا شديد الغواية بالنسبة للكثير من المخرجين، إذ يمنحهم أرضًا خصبة لاستكشاف طيف واسع من الأفكار والرؤى والمشاعر. الرحلة هي الموتيفة الرئيسية لسينما الطريق، ستجد أيضًا السيارات، الدراجات البخارية، طرق مفتوحة ومناظر طبيعية وشخصيات قلقة، يائسة ومحطمة تسافر بحثًا عن معنى أو خلاص، شخصيات لم تجد سبيلاً آخر غير الهرب، تنتهي غالبًا رحلة الشخصيات في سينما الطريق إلى اكتشاف جديد للذات والعالم. فيلم الطريق بهذا المعنى مناسب تمامًا لرحلة جيسي بينكمان ورغبته الداخلية في التحرر والانطلاق بعيدًا عن هذا المكان الجحيمي، وعن أخطاء ماضيه نحو بداية جديدة وهوية جديدة.
منذ اللحظة الأولى للفيلم، عبر الذكرى المستعادة التي تجمع جيسي بمايك/ جوناثان بانك، حين يخبره جيسي أن قرار تقاعده وابتعاده عن هذا المكان فرصة لتسوية الأمور (يقصد تصحيح أخطاء ماضيه) فيخبره مايك: هذا هو الشيء الوحيد الذي لا يمكنك فعله. نحن أمام رحلة محكومة من البداية بمنطق يتسق مع منطق المسلسل ككل، فهذه الرحلة ليست من أجل أن يتطهر من أخطاء ماضيه، بل مسار يقود البطل نحو بداية جديدة، وفي الطريق إلى هذه البداية يرتكب البطل مزيدًا من الأخطاء.
الفيلم أيضًا هو رحلة جيسي نحو النضج، من فتى شوارع ضال وساذج إلى حد بعيد، يمكن للآخرين أن يتلاعبوا به، إلى شخصية ناضجة وواقعية وقادرة على التخطيط واتخاذ قرارها بنفسها والسعي لتحقيقه بكل ما أوتيت من قوة. ربما هذا هو دلالة شبح الابتسامة الذي يزور وجهه، والذكرى المستعادة في نهاية الرحلة التي تجمع جيسي بحبيبته جين/ كريستين ريتر حيث تخبره:
ليس فيلم الطريق هو المرجع النوعي الوحيد للفيلم، لدينا أيضًا تأثير واضح من أفلام الويسترن التي يفتتن بها فينس جليجان والتي تأثر بها مسلسله أيضًا من حيث وجود أبطال خارجين عن القانون، يفرضون قانونهم الخاص، وحيث هناك بحث عن عدالة أو خلاص ما، خاصة أفلام الويسترن سباجتي التي أخرجها الإيطالي سرجيو ليوني، مشهد مبارزة إطلاق الرصاص قرب النهاية إحالة وتحية لسينما الويسترن.
(EL camino) ربما لم يرقَ لتطلعات الكثير من محبي المسلسل، لكنه تتمة محكمة الصنع لمسلسل أيقوني/ ووداع سينمائي لائق لواحدة من أكثر الشخصيات التليفزيونية جماهيرية في العقد الأخير.