نساء أينشتاين: الجانب المظلم لعبقري النسبية
حظيَ ألبرت أينشتاين بعلاقات نسائية متعددة وكان يُبرر هذا بأن الإنسان يجب أن يعمل ما يُمتعه ما دام لا يؤذي الآخرين، وعلى خلاف حياته العلمية التي عُرفت بالبرجماتية والانضباط، اتسمت علاقاته النسائية بالتقلبات والفوضى والانحلال؛ فلك أن تتخيل أن ألبرت أينشتاين افتُتِن بابنة زوجته التي أنجبتها من زوجها الأول!
ميليفا ماريتش: الحب الأول والخيانة الأولى
تزوج أينشتاين مرتين في حياته، أبرزهما كان الزواج بميليفا ماريتش، التي التقى بها للمرة الأولى في المعهد الفيدرالي السويسري للتكنولوجيا بزيوريخ في عام 1896، إذ كانا في مُهمة للالتحاق بمساق لتدريب معلمي الرياضيات والفيزياء. شارك كل منهما الآخر شغفه بالعلوم والرياضيات، وناقشا الأفكار والنظريات العلمية، وتعاونا في عددٍ من الأوراق البحثية، ويومًا تلو الآخر، أخذت العلاقة تتوطد بينهما.
في أغسطس من عام 1899، كتب أينشتاين لميليفا:
وفي أكتوبر من نفس ذلك العام، يعود الفيزيائي الرومانسي، ألبرت أينشتاين، ليُراسل ميليفا من مدينة ميلانو مُفضيًا:
بعد كل هذا الحب والرسائل الرومانسية، تزوج أينشتاين بميليفا في عام 1903، وأنجب منها هانز وليسثرل أينشتاين.
لم تكن حياة الزوجين سهلة على الإطلاق؛ فألبرت أينشتاين عانى من مشاكل مادية كبيرة ولم يستطع إيجاد عمل فور تخرجه في الجامعة، كما أن ابنته توفيت في سن صغيرة، وولده هانز أُصيب بالفصام.
ولكي يستطيع أن ينفق على متطلبات حياته الزوجية الجديدة، عمل أينشتاين في مكتب براءات اختراع 6 أيامٍ في الأسبوع ولمدة 8 ساعات يوميًا، كما أنه كان يداوم على العمل على أبحاثه مع ميليفا ليلاً.
إذا نحيَّنا كل هذه المشاكل جانبًا وركزنا على دور ميليفا في مسيرة أينشتاين العلمية، سنجد أن ميليفا ساعدت أينشتاين في كثير من الأبحاث، ولعلَّ أولها كان في ديسمبر من عام 1900، عندما نشرا مقالة عن الخاصية الشعرية Capillarity. نُشر المقال باسم أينشتاين دون حبيبته، إلا أن الخطابات أثبتت أن هذا المقال كان نتاج عملهما معًا.
في 2015 نشرت رادميلا ميلينتيفيتش، أستاذة التاريخ بجامعة City College بمدينة نيويورك، السيرة الذاتية الأكثر تكاملًا -بحسب وصف مجلة Scientific American– لميليفا ماريتش وأوضحت فيها أن قرار نشر المقالة باسم أينشتاين فقط كان قرارًا اتفق عليه الحبيبان سويًا، إذ إن ميليفا أرادت أن تُساعده في أن يصنع لنفسه اسمًا بارزًا وبالتالي يحصل على وظيفة ليستطيع الزواج بها.
في السابع والعشرين من مارس من عام 1901، كتب أينشتاين لميليفا: «كم سأكون سعيدًا وفخورًا عندما نخرج بنتاج عملنا المشترك على الحركة النسبية». وعلى الرغم من أن أحدًا لا يستطيع أن يجزم بما قصده أينشتاين من ذلك الخطاب، فإن كثيرًا من التقارير تُشير إلى أنه إثباتٌ لمساهمة ميليفا في النظرية النسبية.
يذكر بيتر ميشيلمور[1]، أحد كُتَّاب السيَّر، أن أينشتاين ظل يكتب مقالة النسبية الخاصة لمدة 5 أسابيع متواصلة، وبعدها مرض لمدة أسبوعين لتتمم ميليفا عمل زوجها بمراجعة المقالة مرات ومرات، وأخيرًا تُرسلها لكي تُنشر ويذيع صيت أينشتاين في كل أنحاء العالم.
الجانب المُظلم لألبرت أينشتاين
ظلت علاقة أينشتاين بميليفا قوية إلى أن تدهورت فجأة لأسباب غير مؤكدة، قد تكون بسبب نجاحه الأكاديمي وشهرته التي ذاعت في العالم أجمع، وقد تكون لوقوعه بحب ابنة خالته التي اقتربنا من سرد علاقتها به، ولكن ما نعلمه علم اليقين هو أن أينشتاين أصبح جاحدًا لفضل ميليفا ووصفها في مذكراته «بالمُكتئبة الغيورة».
بل إنه في يوليو من عام 1914، اشترط عليها أمورًا عجيبة لكي يستمر زواجهما بشكل رسمي، اشترط عليها: أن تهتم بملابسه وتحضر له في غرفته 3 وجبات كل يوم، وألا يكون لها علاقة شخصية به سوى في المناسبات الاجتماعية، وألا تتوقع منه أي عَطفٍ، وإذا أمرها بمغادرة الغرفة أو الدراسة، عليها أن تُنفذ فورًا ودون احتجاج.
ظلت ميليفا متزوجة بأينشتاين إلى أن حدث الطلاق في عام 1919، وفي نفس العام، تزوج ألبرت أينشتاين من ابنة خالته، إلسا أينشتاين.
إلسا: تقبلت عيوبه حتى الخيانة
يُعرف عن إلسا أينشتاين أنها المرأة التي استطاعت أن تحتوي عبقرية أينشتاين، وأنها أسعفته عندما شعر بإعياء شديد في عام 1917، كما أنها كانت ترافقه أينما حل وارتحل بعد أن أصابته الشهرة، ولكن قصتها مع ألبرت لم تكن ورديةً، تمامًا كما كانت قصته مع زوجته الأولى، بل إن أينشتاين قال إنه تزوجها مُجبرًا!
تعود علاقة أينشتاين بإلسا إلى عام 1912، عندما كان لا يزال متزوجًا بميليفا. في تلك السنة، قضى أينشتاين مع إلسا أوقاتًا طويلة، ولم يلبث أن طوّر علاقة رومانسية بها، وهي كانت تبادله نفس الشعور. كانت إلسا تفكر بطريقة علمية، مثل أينشتاين، وكانت دائمًا ما تريده أن يشاركها أبحاثه ومنجزاته العلمية، كما أنها نادرًا ما كانت تشتكي.
ومن الطرائف أن إلسا كانت تلعب دور الفزَّاعة لكل من يحاول أن يزعج زوجها حتى وإن كانوا أصدقاءه؛ فبسبب شهرة أينشتاين الجارفة، كانت الزيارات واللقاءات تنهال عليه من كل حدب وصوب، وهذا ما كان يزعجه كثيرًا ويجعله يتجنب أي مناسبة اجتماعية قدر الإمكان.
اهتمام أينشتاين بالعلم جعله ينصرف عن الأمور الأخرى التي لا يجد لها وقتًا، وهنا كان يأتي دور إلسا؛ فالتعامل مع الصحافة، وتنسيق المواعيد، والتأكد من أن كل شيء على ما يُرام كان يقع على عاتقها، حتى إنها أدارت الشؤون المالية لأينشتاين وكانت تعلم أن كتاباته الشخصية سيكون لها قيمة مادية كبيرة في المستقبل، وهو ما كان.
أمدت إلسا زوجها بالحياة الزوجية المستقرة كما يجب أن تكون، وعلى الرغم أنها لم تساعده على المستوى العلمي كما فعلت ميليفا، فإن اهتمامها بالجانب العاطفي والنفسي لألبرت لم يقل أهميةً عمّا فعلته ميليفا.
تقبلت إلسا أينشتاين بعيوبه لدرجة أن الخطابات تكشف مصارحته لها بعلاقته بالسكرتيرة بيتي نيومان. لم يكن هذا هو الأمر العجيب في القصة، بل الأغرب أن أينشتاين فكّر يومًا في التخلي عن إلسا للزواج من ابنتها إلسي البالغة من العمر -وقتها- 20 عامًا.
رغم هذه الصعوبات استمرّ زواج أينشتاين بإلسا حتى عانت من المرض في القلب والكُلية. هنا حزن أينشتاين بشدة، وكتبت إلسا بحقه: «لم أكن أعلم أنه يحبني إلى هذا الحد»، وأكد الأمر صديقه بيتر باكي عندما قال إن أينشتاين بكى لمرض إلسا مثلما بكى عندما ماتت والدته.[2]
وبعد زواج دام لستة عشر عامًا، تُوفيت إلسا بسبب مضاعفات في القلب والكلية عن عمر يناهز 60 عامًا، وكان ذلك في عام 1936.
بيتي نيومان: علاقة عابرة
في عام 1923 كان أينشتاين يبلغ من العمر 43 عامًا، وكان قد مضى على زواجه بابنة خالته إلسا 4 سنوات. كانت حياة أينشتاين مُزدحمة، وما زاد الطين بلةً أنه لم يحظ بسكرتيرة تساعده على ترتيب حياته؛ فإلسي (ابنة إلسا) كانت هي من تهتم بمكتبه وتنظم له مراسلاته بجانب مساعدات أمها، إلا أن هذا لم يكن كافيًا لأنهما ليستا سكرتيرتين احترافيتين.
مرضت إلسي في يونيو من ذلك العام واضطُرت إلى إجراء عملية جراحة حالت بينها وبين خدمة أينشتاين ما اضطر الأخير إلى البحث عن سكرتيرة خاصة. وقتها، كان أينشتاين يعمل مع صديقه الفيزيائي هانز موهسام على بحث معين، وأخبره أنه بحاجة إلى سكرتيرة خاصة فأحاله هانز إلى ابنة أخيه، بيتي نيومان، والتي رحبت جدًا بالفكرة ورفضت أن تتقاضى أي أجر نظير عملها لدى العبقري الشهير ألبرت أينشتاين.
في البداية سارت الأمور بشكل احترافي، ولكن مع الوقت، أُعجب أينشتاين بسكرتيرته الخاصة التي يكبُرها بعشرين عامًا؛ فبيتي نيومان لم تبلغ من العمر سوى 23 عامًا في مقابل الأعوام الأربعة وثلاثين التي عاشها أينشتاين في ذلك الوقت.
رُغم فارق السن، فإن أينشتاين وبيتي نيومان استمرا في علاقتهما لأكثر من سنتين. علمت إلسا بما دار بينهما، ولكنها استمرت معه كما أسلفنا الذكر وقالت: «عبقري كهذا لا يُمكن تعويضه».
وبعد علاقة دامت لـ 14 شهرًا، قررت بيتي العودة إلى موطنها الأم، مدينة جراتس بالنمسا، وبعد مرور 15 عامًا على علاقتها بأينشتاين، وبالتحديد في عام 1938، ترسل له جوابًا تذكره فيه بماضيهما المشترك وتطلب منه أن يساعدها في الهجرة إلى أمريكا وينقذها من أوروبا النازية، يمنحها أينشتاين إفادة مكتوبة، ويُلبي طلبها.
- Peter Michelmore, Einstein, Profile of the Man, Dodd, Mead & Company, 1962.
- Isaacson, Walter. Einstein: His Life and Universe. Simon & Schuster, 2007