أفلام عيد الفطر 2018: انتبه السينما ترجع إلى الخلف
منذ شهور نشرنا تحليلًا لأفلام بداية العام، أو ما يُطلق عليه أحيانًا موسم منتصف العام الدراسي. لم تحمل الأفلام المعروضة أي مفاجآت تقريبًا، خاصة على المستوى الفني، إذ كانت الأفلام كلها تتراوح بين المتوسط والمقبول.
بعد أفلام يناير وحتى عيد الفطر عُرض 13 فيلمًا في دور العرض المصرية، بعضها عرض بشكل محدود مثل الفيلم التسجيلي «النسور الصغيرة»، وبعضها لم يُسمع عنه من الأساس لفقر مستواه الفني مثل «رحلة يوسف»، هكذا صار لدينا 19 فيلمًا عرضت قبل العيد، التجارب المختلفة فيها نادرة، بينما الأغلبية أفلام متواضعة. كان الأمل في أفلام عيد الفطر حتى تعدل الدفة نسبيًا وتقدم أفلامًا تُميز العام 2018، ولكن يبدو أننا سننتظر للمزيد من الوقت.
الصيت ولا الغنى
خمسة أفلام عُرضت خلال الموسم، ثلاثة منها كوميدية هي: «الأبلة طم طم»، و«قلب أمه»، و«ليلة هنا وسرور»، بينما اختلف اثنان هما «حرب كرموز» فيلم الحركة الذي يدور في أجواء تاريخية، وفيلم «كارما».
النظرة الأولى لأفيشات هذا الموسم تقدم لنا موسمًا يعتمد على أسماء حققت نجاحات سابقة، ويُقبل عليها الجمهور، بما يَعِد بمنافسة قوية على الصدارة أو بشكل عام على تحقيق نسبة جيدة من الإيرادات، لكن الأفيشات -كما هي في الكثير من الأحيان- خادعة.
توقع الكثيرون أن يكون «حرب كرموز» فيلمًا مختلفًا ومرتفع المستوى الفني، نظرًا لتوافر الإنتاج الضخم، بجانب تناوله لحقبة زمنية نادرة الظهور في السينما مما يسمح له باختلاف قد يجذب الجمهور، ولكن النتيجة كانت فيلمًا تقليديًا في معظم عناصره، وربما كانت المغامرة الإنتاجية تستحق الخروج بنتيجة أفضل مما شاهدناه.
اقرأ أيضا: السينما المصرية: بأي أفلام بدأت يا 2018؟
جاءت عودة المخرج خالد يوسف بفيلم «كارما» بعد طول غياب بشكل باهت، فالفيلم يُعد تكرارًا لمعاناة الفقراء الذين يسكنون العشوائيات، التي قدمها مرارًا في أفلامه، في المواجهة مع رجل أعمال ثري، ولم يقدم المخرج أي جديد في تناول أي من الجانبين، كما تجدر ملاحظة خفوت الحس السياسي الذي كان حاضرًا عادة في أفلامه.
ولم تكن الكوميديا أفضل حالًا، الاستثناء هو «قلب أمه» الذي يأتي مستواه أفضل من فيلم شيكو وهشام ماجد السابق «حملة فريز» إذ جاءت المفارقات ورسم الشخصيات بشكل مناسب جدًا للحالة الكوميدية داخل الأحداث. على العكس يتراجع محمد إمام بفيلمه «ليلة هنا وسرور» عن مستوى فيلمه السابق «جحيم في الهند»، إذ يعتمد على سيناريو متوسط، ولا يترك مساحة للكوميديا للممثلين المساعدين كما كان في فيلميه السابقين، في الوقت الذي لا ينجح هو فيه تقديم مشاهد كوميدية تعوض هذا الغياب.
وفي محاولتها للبقاء في المضمون، قدمت ياسمين عبد العزيز فيلمًا شديد التواضع، مع بعض الأطفال – كما اعتادت في عدد من أفلامها – الذين لم يكونوا ذوي حضور قوي، ويعتمد الفيلم على سيناريو يبتعد عن أي منطق في تسلسل الأحداث، وينتهي بشكل مفاجئ، لتكون النتيجة فيلمًا غير جذاب للأطفال، وبالتأكيد هو غير مسلٍ بالنسبة للكبار.
تشترك الأفلام الثلاثة الأخيرة، في أنها تشهد عودة أبطالها بعد توقف عامين، فجميعهم قدموا أفلامًا في 2016، وإذا كان هذا المستوى الفني لهذه الأفلام متواضعًا بهذه الصورة، فكيف كان الإقبال الجماهيري؟
بماذا تخبرنا الإيرادات؟
قبل التعليق على إيرادات الأفلام ينبغي ذكر ملاحظتين مهمتين، بالتأكيد كان لهما تأثير على الإقبال الجماهيري، الأولى هي مباريات كأس العالم التي كان لها تأثير ولو طفيف على الإيرادات، والثانية هي ارتفاع أسعار المواصلات في ثاني أيام العيد، وهو ما كان له تأثير أيضًا على الكثير من حسابات الأسر المصرية في ما يخص التنزه.
كما هو متوقع، حصد «حرب كرموز» الجانب الأكبر من الإيرادات، فاقترب في الأسبوع الأول من 24 مليون جنيه مصري. اتضح ميل الجمهور لأفلام الأكشن في العام الماضي بعدما تصدر فيلما «هروب اضطراري»، و«الخلية» الإيرادات خلال العام، بفارق يتجاوز الضعف عن أقرب منافسيهما.
إذا أضفنا للمعادلة الإبهار البصري الواضح في إعلان الفيلم، مع وجود «باشا مصر» أو أمير كرارة الذي يخرج من رمضان محملًا بنجاح كبير لمسلسله «كلبش 2»، سيصبح من المؤكد أن يكون الفيلم هو الأعلى في الإيرادات، وربما يصبح الأعلى في هذا العام إجمالًا، إذ لا يظهر منافس قوي له في الأفلام المنتظر عرضها قريبًا. ولكن ربما سيكون صعبًا أن يصل الفيلم إلى إيردات «هروب اضطراري» الذي عُرض في عيد الفطر الماضي، لأن الأسماء الجاذبة للجمهور في فيلم العام الماضي كانت أكثر، ومشاهد الأكشن نفسها كان تنفيذها أفضل.
اقرأ أيضا: «هروب اضطراري»: حلم السقا القديم
يحل في المرتبة الثانية فيلم «ليلة هنا وسرور» كما هو متوقع أيضًا، مصحوبًا بالذكريات الطيبة لدى الجمهور عن «جحيم في الهند»، وقبله «كابتن مصر»، وإن كان الفيلم أقل منهما كما ذكرنا، إلا أنه ما زال جاذبًا لشريحة تبحث عن مشاهد أكشن منفذة بشكل جيد مع الكوميديا في نفس الوقت.
الفيلم يقترب في أسبوعه الأول من 15 مليونًا، وبينما كان فيلم محمد إمام السابق هو المتصدر في عيد الفطر عام 2016، وحقق إيرادات إجمالية تجاوزت 32 مليونًا، لا يبدو أن «ليلة هنا وسرور» سيصل إلى هذا الرقم عند رفعه من دور العرض، في وجود منافس قوي هو «حرب كرموز».
الصورة تبدو أفضل مع هشام ماجد وشيكو اللذين تجاوز فيلمهما «قلب أمه» 5 ملايين، وبينما توقفت إيرادات فيلمهما السابق عند 8 ملايين، فقد يكون أمامهم الآن فرصة لتحقيق إيرادات أفضل، وإن كان الجمهور يفضل «ليلة هنا وسرور» على «قلب أمه»، ويمكن أن يعود هذا لسببين: الأول، هو المقارنة التلقائية التي يعقدها الجمهور بين الفيلم السابق للثنائي ولإمام، والتي ستصب في مصلحة الأخير بالتأكيد، والسبب الثاني، هو ارتفاع المستوى التقني بشكل واضح في «ليلة هنا وسرور» وهو ما قد يجذب شريحة أخرى من الجمهور.
ياسمين عبد العزيز هي الخاسر الأكبر هذا العام، إذ لا يصل فيلمها في أسبوعه الأول إلى 5 ملايين. بينما حقق فيلمها السابق «أبو شنب» 17 مليونًا، لا يبدو أن هذا الفيلم سيتجاوز حتى الملايين العشرة، لتصبح بهذا من أكبر الخاسرين خلال هذا العام. رغم تواضع مستوى الكثير من أفلامها، لكن لا أحد يستطيع إنكار أنها الممثلة الوحيدة التي تنجح في المنافسة بقوة في شباك التذاكر، وربما عليها إعادة التدقيق في الأعمال التي تقدمها حتى تحافظ على جمهورها.
أخيرًا يأتي المخرج خالد يوسف بفيلمه «كارما» الذي يحقق ثلاثة ملايين تقريبًا في الأسبوع الأول، ليتذيل ترتيب الإيرادات. يظل المخرج واحدًا من القلائل في مهنته الذين يمكن أن يُسوَّق الفيلم باسمهم، ولهذا لم يكن غريبًا أن يحمل الأفيش اسم خالد يوسف فقط، لكن المخرج الذي يعود بعد غياب 7 سنوات فقد الكثير من تأثيره، ومن جمهوره، هذا الذي كانت أفلامه مثل «حين ميسرة» ظاهرة، إذ نالت إقبالًا جماهيريًا لا يتكرر مع الأفلام الميلودرامية في السنوات العشرين الأخيرة، وفي نفس الوقت حافظت على حد أدنى من الجودة الفنية.
ولم تشفع الأزمة التي أثيرت حول منع الفيلم ثم عودته لدى الجمهور، ورغم أنه العمل الوحيد في العيد الذي لا ينتمي للأكشن أو الكوميديا، وإذا استمر تراجع الإقبال على الفيلم فربما لن يستمر في التواجد في نفس عدد السينمات حتى عيد الأضحى المقبل، هكذا يبدو أن على خالد يوسف إعادة ترتيب أفكاره قبل عمله المقبل.
من غير المنتظر أن تحدث مفاجآت تعيد ترتيب الأفلام كالتي حدثت في العام الماضي، فقد بدأ موسم العيد في 2017 وفيلم «جواب اعتقال» في المركز الثاني و«تصبح على خير» ثالثًا، لكن في النهاية جمع الأخير إيرادات تزيد بحوالي 10 ملايين عن الأول، وتكرر تبادل المراكز أيضًا مع فيلم «عنتر ابن ابن ابن ابن شداد»، و«الأصليين»، ليصعد الثاني على الأول أيضًا بنهاية الموسم. لكن هذه المفاجآت بعيدة عن هذا الموسم الذي يبدو أنه سيتقر بهذا الترتيب حتى نهايته.
الجمهور المصري يشجع الفيلم الأجنبي
تستمر ظاهرة الإقبال على الأفلام الأجنبية بشكل غير كبير هذا العام، فبعد أن كان فيلم «Jumanji: Welcome to the Jungle»هو المتصدر خلال الربع الأول من العام بإيرادات تجاوزت 26 مليونًا، استمر حضور الأفلام الأمريكية المختلفة خلال الأسابيع التالية لتحصد أرقامًا أكبر من معظم الأفلام المصرية المعروضة، مثل «Avengers: Infinty War»الذي جمع إيرادات تجاوزت 17 مليونًا، وربما لو عُرِض بعيدًا عن شهر رمضان لارتفع هذا الرقم، بينما لم ينجح في الوصول إلى نفس الإيرادات إلا فيلمان مصريان هما «رغدة متوحشة»، و«حرب كرموز» وربما ينضم لهما لاحقًا «ليلة هنا وسرور».
لا يزال هناك الكثير من الأفلام الأمريكية الأخرى التي تعرض تباعًا خلال العام، ومن المتوقع أن تحصل هذه الأفلام على إيرادات مرتفعة أيضًا، منها فيلم «Deadpool 2»، هذا مع ملاحظة أن عدد النسخ من الفيلم الأجنبي أقل بكثير من نظريه للأفلام المصرية، وهو ما يعني أن الكثير من الأفلام المصرية ليست على هوى المشاهدين.
هل القادم أفضل؟
بعد أقل من شهرين سيحل عيد الأضحى، وكما هي العادة لم تتضح معالم الأفلام التي ستعرض في العيد بشكل نهائي، وإن كان قد أعلن عن عدد منها بالفعل.
حتى الآن يُنتظر عرض «تراب الماس»، و«122»، و«البدلة»، بينما لم تتضح الصورة بالنسبة للجزء الثاني من فيلم «الكنز»، أو فيلم محمد رمضان «الديزل»، وإن كان من المرجح عرض واحد منهما خلال هذا الموسم.
من الأسماء المطروحة، ربما يحقق الموسم القادم منافسة أقوى على المستوى الفني على الأقل، وإن كانت الإيرادات قد تظل تصب في صالح «حرب كرموز» الذي قدم الأكشن الذي يفضله الجمهور، ولكن المنافسة الحقيقية ووجود إيرادات متفرقة بين الأفلام، بالتأكيد أفضل من فيلم واحد أو اثنين في كل عام يحصلان على نصف إيرادات العام كله، بينما يظل المستوى الفني متذبذبًا، وإن كانت الغلبة للأفلام ضعيفة المستوى.