في عيد الأضحى: هل يشاهد طفلي الذبح؟
يأتي العيد دومًا بالفرح والسرور على الكبار والصغار، لكن الأطفال يشعرون بالسعادة أكثر وينتظرون عيد الأضحى لرؤية الأضحية. وهناك الكثير من الآباء والأمهات تخشى على أطفالها رؤية مشاهد الذبح، وهناك من يجبر أطفاله على الحضور من منطلق أنه واجب شرعي وديني، وأن الأطفال يجب أن تتعود من صغرها على مشهد الذبح، وأنه مشهد سهل وليس مؤثرًا إطلاقًا، فنحن كنا صغارًا وتعودنا عليه دون مشاكل. ولكن يبقى السؤال:
متى وكيف أسمح لطفلي أن يحضر مشهد الذبح؟ وكيف أحكي له قصة سيدنا إبراهيم عن الذبح؟ وما هي القيم التي يمكنني أن أرسخها في طفلي من الأضحية؟
متى يمكن للطفل رؤية الذبح؟
إدراك الطفل أقل من 7 سنوات غير كامل، إذ إنه لا يدرك الضد في الأشياء، ولا يعرف الفرق بين الحياة والموت، ولا بين الخير والشر، ولذا يجب أن يرى لونًا واحدًا في هذه الفترة العمرية، فإما أن نعلمه معنى الموت أو معنى الحياة، وبالطبع سنختار له الحياة، ليصبح تفكيره سويًا.
ولذلك بعض الأطفال عندما يرون الذبح قبل هذا السن قد تحدث لهم بعض الاضطرابات النفسية بسيطة كانت أو صعبة كالكوابيس أثناء النوم، والخوف، والعنف، والعصبية، وقضم الأظافر، وقد تصل للتبول اللا إرادي ورؤية الطفل أن بإمكانه أن يذبح أي شخص فهو شيء سهل التنفيذ.
تهيئة الطفل لمشهد الذبح
كل طفل يختلف عن الآخر في طباعه وفي شخصيته وبالتالي سلوكه ومشاعره، فهناك طفل حساس يتأثر بكل شيء حوله حتى لو كان بسيطًا، وأيضًا يختلف طفل المدينة عن طفل القرية الذي قد يشاهد ذبح الطيور في البيت يوميًا، لذا يجب أولاً فهم الطفل لطبيعة الحيوان وأن الله سبحانه سخره لنا لنستفيد من لحمه، وأن الذبح الشرعي ضروري حتي يصبح صحيحًا.
ومن الضروري مراعاة اختلاف مشاعر طفل عن آخر، فهناك البنات خاصةً يشعرن بالخوف ويتميزن بالرقة في مشاعرهن، وقد تصل البنت لسبع سنوات ولا زالت لا تستطيع أن تشاهد الدماء، فنجد بعض الكبار الذين يتأذون نفسيًا من دماء الأضحية المتناثرة في الشوارع فيمكثون في المنزل طوال العيد حفاظًا على نفسيتهم.
كيف أحكي لطفلي قصة سيدنا إسماعيل؟
قصة أن يُطلب من الأب أن يحضر السكين ويذبح طفله، قد تؤذي نفسية بعض الأطفال الصغار ويشعرون بعدم الأمان وأنه يمكن أن يذبحه والده في يوم من الأيام، ولذا يجب أن يعرف الأهل مدى شعور طفلهم وأن هذا الطلب لم يأتِ لسيدنا إبراهيم إلا بعد أن أتم سيدنا إسماعيل سن السعي، لذا يجب التفرقة بين الأعمار وأن لكل سن ما يقال له، فيمكننا أن نسرد له القصة أنه رأى في المنام شيئًا صعب التنفيذ ومع هذا ذهب هو وابنه سيدنا إسماعيل لينفذا أمر الله وما شاهده الأب في الرؤية وأنزل الله الكبش ليذبحاه.
وبالتدرج يمكن سرد رؤية ذبح الأضحية، كما يمكن أن تسردي للطفل بالتدرج مع تدرجه في العمر وازدياد إدراكه وفهمه، وبذلك يمكنك سرد قصة سيدنا إبراهيم مع الاستعانة ببعض الصور أو الأفلام الكرتونية بعد مشاهدتها والتأكد من خلوها من الأخطاء، مع ضرورة الإجابة عن كل أسئلة الطفل وعدم تجاهلها أبدًا، كما يمكننا أن نهتم أكثر بقصة بناء الكعبة وتعاون سيدنا إبراهيم وولده إسماعيل عليهما السلام لبناء بيت الله عز وجل والاهتمام برؤية الطفل لصور لمقام إبراهيم وصور للكعبة الشريفة والاهتمام بالحج ومناسكه.
4 قيم هامة من الذبح يمكن أن تعلمها لطفلك
1. قيمة الصدقة:
أن الله عز وجل ربط الذبح والأضحية بالعيد لكي نتصدق بإطعام الفقراء وإدخال السرور عليهم؛ حتى لا يأكل الأغنياء ما لذ وطاب في العيد دون الفقراء، وأن يصبح جميع الناس متساوين وفرحين في العيد، دون وجود غيرة أو حقد على من يمتلك المال دون الآخر.
2. قيمة صلة الرحم:
من العرف أن الأضحية ليست فقط توزع على الفقراء، جزء منها للأقارب والأرحام، مما يدعو للحب والتقارب بينهم والود، ويلزمنا بزيارتهم في العيد حتى نعطيهم نصيبهم في الأضحية وبالتالي تزداد صلة الرحم وتقوى الصلة والعلاقات العائلية.
3. قيمة بر الوالدين:
فعندما أطاع سيدنا إسماعيل والده سيدنا إبراهيم في الذهاب معه ورضاه لتنفيذ أمر الله وما رآه دون أن يعارضه، بل شجعه وقوّى من أزره حتى يستطيع فعل هذا الأمر الصعب، كل هذا يدل على قيمة الطاعة للوالدين وأن برهما من التقرب لله عز وجل وأنه أمر واجب النفاذ.
4. قيمة الإنسان:
عندما أنزل الله الكبش لافتداء روح سيدنا إسماعيل عليه السلام، كانت إعلاءً لقيمة الإنسان وقيمة الروح وأن الله كرّم النفس البشرية وجعلها من أرقى مخلوقات الكون والاهتمام بمشاعر هذه النفس.
نصائح هامة يجب مراعاتها في عيد الأضحى
1. يجب ألا تحضر الأضحية للبيت قبل العيد بفترة حتى لا يرتبط الطفل بها عاطفيًا واللعب معها لتصبح مصدر السعادة بالنسبة له ومن ثم تحدث الصدمة عندما يستيقظ يوم العيد ولا يجدها.
2. يجب التمهيد للطفل بالتدريج كإخباره أن الخروف ضيف مؤقت، وأن لحمه هو نفس اللحوم التي نتناولها ونستمتع بطعمها، وكذلك أن كل شيء في الحياة له دور يقوم به والخروف خلقه الله ليقوم بدوره.
3. إعطاء الطفل دورًا في توزيع لحم الأضحية على الفقراء والمحتاجين والجيران والأهل، فهذا الأمر يقوي لديه الثقة بالنفس، مع الحرص على تدريبه على كيفية السلام والحوار الجيد مع الآخرين.
4. التدرج مع الصغير في رؤية هذا المشهد، ففي عام نجعله يوزع معنا الأضحية فقط دون رؤية ذبحها، والعام الذي يليه نجعله يشارك في تقطيعها وتوزيعها أيضًا، ثم العام الأخير يشارك معنا في عملية الذبح من الألف إلى الياء.
5. لا تجبر طفلك على حضور عملية ذبح الأضحية، ولا تصفه بالجبان أو الخواف أو تنهره إذا حزن قليلاً على فقدان الخروف صديقه من وجهة نظره، لأن ذلك سيعمق المشكلة أكثر حتى لو وصل لسن العاشرة من عمره.
6. تحدث معه برفق من قبل هذا اليوم واسأله عن رأيه وما يراه وهل يريد الحضور أم لا واحترم مشاعره.
7. لا تفاجئ طفلك بعدم وجود الخروف صباح يوم العيد، حتى لو لم يرَ الذبح. يجب أن نمهد له يوم الوقفة أنه سيذهب صباحًا إلى المهمة التي خلقه الله لها وليُسعد الآخرين.
8. وضّح له أن عملية الذبح لا تتم بشكل شرس أو عنيف كما يرى أو يشاهد في التليفزيون بل حدثه عن الرحمة وأن الله قد أوصانا أن نكون رحماء بذبح الأضاحي لكي يطمئن ويتقبل الأمر بهدوء.
وفي الختام كما ذكرنا كل طفل يختلف إدراكه ومشاعره عن الطفل الآخر، فقد يستطيع أحد الأطفال أن يرى ذبح الأضحية ولا يستطيع أخوه الأكبر، فلا نربط الطفل بسن السابعة أو العاشرة بل نربط ذلك بمشاعره وظروفه وتهيئة نفسيته منذ صغره وأيضًا فرق شخصيته وطباعه. أعاد الله عليكم العيد بالخير واليمن والبركات وأدخل السرور إلى قلوبكم جميعًا وجعلكم سببًا لإدخال السرور على الجميع.