المصريون يغزون هوليوود: عن حكاية رامي ومينا ومالك
استثار فوز الممثل الأمريكي المصري «رامي مالك» بجائزة الأوسكار في فئة أفضل ممثل الكثير من ردود الفعل في الأجواء المصرية والعربية. فهناك من احتفل بهذا الفوز واضعًا مالك في خانة «فخر العرب» التي يسكن فيها نجوم في مختلف المجالات، على شاكلة «محمد صلاح» في كرة القدم، «عمر الشريف» في التمثيل، «أحمد زويل» في المجال العلمي، وهناك من قلل من شأن الجائزة لرفضه لطبيعة الدور الذي أداه مالك في فيلم «Bohemian Rhapsody»، وهناك من نفى الصفة المصرية بالأساس عنه واستنكر احتفال المصريين به.
في كل الأحوال فإن الجدل مرشح للاستمرار الآن، حيث يبدو أن أبناء المهاجرين المصريين سيستمرون في غزو هوليوود، وفي أدوار البطولة أيضًا. من هؤلاء؟ وهل نشهد تحولًا في رؤية العرب في سينما هوليوود؟ هذا ما سنحاول تتبعه معكم اليوم.
رامي يوسف: أن تكون مصريًّا مسلمًا في أمريكا
ولد «رامي يوسف» لأبويين مصريين مهاجرين، وقضى طفولته وشبابه في نيوجيرسي بالولايات المتحدة الأمريكية، اتجه رامي عقب ذلك لتقديم العروض الكوميدية، لكنه حافظ على التواصل مع هويته المسلمة، وهكذا صنع المربع الذي عُرف من خلاله، كوميديا مسلمي المهجر، وأزمة الهوية بين الآباء والأبناء.
شارك رامي يوسف في دور صغير في المسلسل الكوميدي «See Dad Run»، الذي عُرض على قناة الأطفال «Nickelodeon» بين عامي 2012 و2014، ثم ظهر عقب ذلك في المسلسل التليفزيوني الشهير «Mr.Robot» عام 2017، رفقة بطل المسلسل المصري الأمريكي رامي مالك، والمؤلف والمخرج المصري الأمريكي سام إسماعيل. لكن الظهور الأهم لرامي يوسف كان من خلال برنامج «The Late Show»، مع مقدم البرامج الأمريكي الشهير ستيفن كولبيرت.
من خلال هذا الظهور قدم رامي يوسف أداءً كوميديًّا قائمًا بالأساس على الصورة النمطية المغلوطة عن المسلمين، وكيف يُوصَم جميع المسلمين بالإرهاب. كما لم ينسَ رامي أن يتطرق لتعليقات دونالد ترامب العنصرية والغريبة في الكثير من الأحيان. ما ميَّز أداء رامي أنه وعلى الرغم من سخريته، فإنه حافظ فيه على مساحة من الاحترام لأصوله ومعتقده، يكرر رامي طوال الوقت أنه مسلم وأنه مؤمن بوجود الله.
في مطلع العام الحالي أعلنت شبكة «هوللو Hulu» التليفزيونية عن عرض مسلسل كوميدي جديد بعنوان Ramy، المسلسل من تأليف وبطولة رامي يوسف، ومستوحى من حياته الشخصية، وعن حيرته بين جذوره المصرية المسلمة وبين نمط الحياة في أمريكا. يظهر في المسلسل أيضًا الممثل المصري عمرو واكد في دور الأب، والممثلة الكبيرة هيام عباس في دور الأم، بالإضافة لظهور قصير للممثل المصري الكوميدي شادي ألفونس.
يبدأ عرض المسلسل في التاسع عشر من أبريل، ويبدو من تصريحات رامي يوسف أنه يخشى من ردود الأفعال داخل المجتمع الأمريكي وداخل الجالية المسلمة،لكن الأكيد أن رامي أيضًا سعيد بأنه وسط هذه اللحظة التي تتصدر فيها شخصية تليفزيونية مسلمة المشهد وتحظى بما يمكننا تسميته هالة الثقافة الشعبية، التي حظي بها من قبل أبطال كوميديين أمريكيين حملت مسلسلاتهم الكوميدية أسماءهم الشخصية. فكما شاهدنا قديمًا «ساينفيلد Seinfeld»، نشاهد اليوم «رامي».
مينا مسعود: من أدوار الإرهابيين إلى علاء الدين
حاز «مينا مسعود» شهرة عالمية مؤخرًا بمجرد اختيار شركة «ديزني» له للقيام بدور البطل الخيالي علاء الدين في أحدث أفلام عملاق الرسوم المتحركة الأمريكي، وذلك ضمن سلسلة أفلام ديزني الجديدة التي تعتمد على تجسيد القصص الخيالية في عوالم حقيقية. يشارك مينا البطولة النجم الأمريكي الشهير ويل سميث في دور الجني.
إذا عدنا للوراء قليلًا فسنجد أن مينا شاب مصري ولد في القاهرة، قبل أن يهاجر ذووه إلى كندا، ليحصل بعد بضع سنوات على الجنسية. ملامح هذا الفتى الشرق أوسطية وضعته منذ بداية عهده بالتمثيل في دور الإرهابي الهوليوودي المحتمل. هكذا كان الحال في أمريكا في هذا الوقت، لم يشفع له اسمه الذي حمله الفرعون المصري مينا موحد القطرين، ولا عقيدته القبطية المسيحية.
ظهور مينا الأول جاء من خلال مسلسل «Nikita» في دور أحد الإرهابيين الذين يظهرون دون اسم. في تترات النهاية كتبوا جانبًا اسمه «القاعدة 2»، هكذا وفقط، يمكننا تخيل كم كان عدد كومبارسات القاعدة في ذلك الوقت.
عقب هذا يمكننا اعتبار دور مينا في مسلسل «Open Heart» هو الأكبر في مسيرته حتى لحظة علاء الدين بالطبع. في هذا المسلسل التليفزيوني لعب مينا دور «جاريد مالك»، وهو المسئول عن برنامج تطوع الطلبة في المستشفى الذي تدور فيها أحداث المسلسل، وهو شخص صعب المراس، بل قد يبدو في بعض الأحيان مؤذيًا، العامل المشترك مع هذه الشخصية أن مينا قد درس علم الأعصاب في جامعة تورنتو لمدة عام، وكان في طريقه للعمل في مستشفى أيضًا، قبل أن يغير مساره ويتجه لدراسة التمثيل.
الآن يستعد مينا بشكل مغاير تمامًا لعرض فيلمه الذي يقوم فيه بدور البطل المحبوب علاء الدين، كما أنه أيضًا في انتظار عرض مسلسل «Jack Ryan» الذي يقوم فيه بأحد أدوار البطولة.
رامي مالك: فتى الأوسكار
مر «رامي مالك» ابن المهاجرين المصريين القادمين من سمالوط بكل مراحل التنميط التي عاشها كل من يحمل ملامح شرق أوسطية، لم يجد سوى أدوار الإرهابيين في بدايته أيضًا، كما لعب دور البطل الخيالي الذي يشاركه جذوره، ونقصد هنا بالطبع دور الفرعون في فيلم «Night At The Museum»، لكن الحال الآن مختلف تمامًا.
مالك هو البطل المتوج بأهم جوائز التمثيل في عام 2018، وذلك عن دوره في فيلم «Bohemian Rhapsody» الذي جسد فيه دور أسطورة موسيقى الروك فريدي ميركوري، حيث حصد جائزة الجولدن جلوب، والبافتا، ونقابة الممثلين الأمريكيين، بالإضافة للأوسكار.
اقرأ أيضًا:رامي مالك: من بيع الفلافل إلى سلم المجد
قد تكون نقطة التحول الأهم في حياة مالك الفنية هي اختياره لبطولة مسلسل «Mr Robot»، ويرجع الفضل الكامل في هذا بالطبع للمصري الأمريكي سام إسماعيل، صانع هذا العمل، والذي صرح أكثر من مرة أنه قد استوحى بعض أفكاره من ثورة يناير في مصر.
التحدي الآني أمام مالك لم يعد إثبات نفسه أو كسر التنميط الذي يواجهه بسبب جذوره وملامحه، التحدي الآن هو ما سيختاره كمسار لمشواره الفني فيما هو قادم من سنين.
هل انتهى زمن العرب الأشرار؟
السؤال الآن، وعقب سردنا لمراحل التحول التي مرت بها مسيرة أبطال من أبناء المهاجرين المصريين، هل تغيرت رؤية العرب المقدمة من خلال السينما الأمريكية؟
والإجابة هنا قد لا تكون أكيدة، ولكنها وبناء على كل ما سبق ستكون نعم، تغيرت الرؤية بشكل ملحوظ، لكن المحفز الأكبر في هذا التغير قد يكون أن المجتمع السينمائي الأمريكي قد اتجه رغمًا عنه إلى اليسار عقب فوز اليمين الأمريكي الأبيض متمثلًا في دونالد ترامب وبشكل مفاجئ في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، بالإضافة بالطبع لصدى حركة المقاطعة التي قوبل بها حفل الأوسكار في عام ،2016 الذي وُصف بأنه أوسكار أبيض جدًّا.
تشهد الآن السينما الأمريكية وبلا شك تنوعًا عرقيًّا أكثر في اختيار الأبطال واتساق أكثر مع الصوابية السياسية في اختيار النصوص، فتح هذا التغير الباب بشكل أكبر أمام أبناء الأقليات العرقية في أمريكا، ومن بينهم نجومنا رامي ومينا ومالك، لكن التغير الأهم في المعادلة لمَّا يحدث بعد، وهو التغير في نوع المحتوى الذي نرى من خلاله صورة أصدق وأكثر إنسانية عن المصريين والعرب، وذلك من خلال محتوى فني حقيقي، محتوى يمكنه البقاء حيًّا بعد نهاية تريند التنوع العرقي، هذا هو التحدي القادم.