أدغال أفريقيا: هل تتأثر الفرق المصرية حقًا باللعب عصرًا؟
لو سألت أي مشجع للكرة المصرية عن ذكرياته مع مباريات الثالثة عصرًا فإن الجميع لن يجد في ذاكرته سوى إخفاقات وذكريات صعبة، سيتذكر مشجع الأهلي حتمًا خماسية صنداونز في بريتوريا، وربما مباراة سيمبا التي خسرها هذا الموسم، مشجع الزمالك سيتذكر بريتوريا أيضًا وخسارته بثلاثية في نهائي دوري الأبطال 2016.
وحتى في المرات التي خرجت فيها الفرق المصرية بنتائج إيجابية في هذه المباريات، لم يكن الأمر سهلًا وتعرضوا للضغط أغلب الأوقات، وآخرها كانت مباراة الأهلي الأخيرة أمام صنداونز والذي خرج منها متعادلًا لكنه ظل 90 دقيقة مهددًا ولم يقدم الأداء المنتظر.
لكن في مرات الهزائم، كان اللعب في الـ3 عصرًا والحرارة العالية والرطوبة المرتفعة مبررات جاهزًا للهزيمة، بل وأحيانًا تبدأ هذه المبررات قبل المباراة، وهنا لا بد أن نسأل: هل يتأثر اللاعبون فعلًا لهذا الحد؟ وهل اللعب في الـ3 عصرًا قد يتسبب في الهزيمة؟
لماذا نعاني في أفريقيا؟
رغم أن الحرارة والرطوبة يستأثران بكونهما المبرر الدائم للخسارة في أدغال أفريقيا، لكن عدة عوامل أخرى تكون حاضرة وتجعل مثل هذه المباريات أصعب من غيرها.
أول تلك العوامل هو عملية السفر نفسها، حيث تسافر الفرق لساعات طويلة وأحيانًا ليوم كامل حتى تصل وجهتها، وفي أفريقيا قد يتخلل هذه الرحلات ساعات انتظار طويلة أو انتقالات داخلية بالسيارات، وهو ما يؤثر سلبًا على اللاعبين.
هناك عدة دراسات أجريت لبيان أثر السفر على اللاعبين. واحدة منها نُشرت على منصة «Pubmed» التابعة للمكتبة الوطنية الأمريكية للطب، حيث وجد بعض الباحثين أن أداء الرياضيين يتأثر بشكل مباشر بعدد ساعات السفر والمناطق الزمنية المختلفة التي مروا عليها. فالمسافات المقطوعة بين المباريات لها أثر واضح على نتائج الفرق التي شاركت في التجربة.
تتسبب الرحلات الجوية الطويلة في ظهور أعراض تشمل التعب ومشاكل الجهاز الهضمي وتغيرات الحالة المزاجية، وكذلك يعاني بعض الرياضيين من مشاكل في النوم وصعوبة التركيز والصداع.
ولذلك فإن العديد من الأندية تحرص علي تقليل هذه المخاطر، عبر تخصيص طائرات خاصة أحيانًا، وتقليل زمن الرحلات قدر الإمكان أحيانًا أخرى، ومحاولة تهيئة الوضع أثناء السفر ومساعدة اللاعبين للجلوس بأفضل وضعية ممكنة لينعموا براحة أكبر.
بعد الوصول تبدأ مشكلة أخرى لا تقل أهمية في الظهور، وهي مواعيد النوم، وبالطبع أنت سمعت العديد من الأندية المصرية تشتكي من الساعة البيولوجية وتأثيرها على أدائهم.
يعد النوم أحد أبرز المواضيع التي اهتمت بها كرة القدم، أخيرًا، حيث كان السير أليكس فيرجسون في بداية الألفية يستقدم خبيرًا للوصول لأفضل نوع من المراتب ومحاولة تطويرها لتناسب لاعبي كرة القدم خصيصًا.
تزايد الاهتمام بهذا الأمر بعد ذلك، حتى باتت كثير من الأندية، مثل مانشستر سيتي وليفربول ، تمتلك مكانًا مجهزًا للنوم في مراكز تدريبها، وتعتمد على أنظمة متقدمة وفريق من المتخصصين لمراقبة ومتابعة نوم لاعبيها للوصول إلي أفضل أداء ممكن.
وهناك العديد من التجارب التي لاحظت أثر النوم على أداء الرياضيين وعملية الاستشفاء، وتحافظ على مستويات الطاقة مرتفعة عند اللاعبين، ولعل روجر فيدرر وليبرون جيمس من أبرز المهتمين بهذا الأمر حيث ينام الثنائي نحو 12 ساعة يوميًا، وهو ما يبدو ظاهرًا بالفعل على مردود الثنائي البدني.
ولذلك فإن اختلاف الساعة البيولوجية وعدم قدرة اللاعبين على النوم بشكل جيد من العوامل المهمة، ويوصي العلماء الفرق الرياضية بعدة أمور لتفادي هذه المشاكل المتوقعة منها تعديل مواعيد النوم قبل السفر بفترة حتى يتعود اللاعبون، وضبط مواعيد الطيران ليصل اللاعبون في وقت الليل، والذهاب في وقت مبكر قبل المباراة حتى يتكيف اللاعبون.
40 درجة مئوية
يحاول الجسم البشري دائمًا أن يبقي درجة حرارته في الحدود الطبيعية «37.5» درجة مئوية، عبر عمليات طبيعية وفسيولوجية. فإذا تعرض الجسم لدرجة حرارة عالية فإن درجة حرارة الجسم تزيد، وبالتالي فإن الجسم يحاول تبريد نفسه من خلال إفراز العرق الذي يساعد على تبريد الجلد والتقليل من ارتفاع درجة الحرارة، وكذلك يعتمد على توسيع الأوعية الدموية القريبة من الجلد مما يساعد على تبريد الجلد بسبب أن حرارة الدم أقل من حرارة الجلد.
لكن هذه الظاهرة تسبب ضغطًا أكبر على عضلة القلب التي تجد نفسها فجأة مطالبة بضخ كميات أكبر من الدم مما يرهقها ويسبب تعبًا لدى اللاعب، وفي حال طالت الفترة التي يقضيها اللاعب تحت الشمس يزداد العبء على القلب ونقص كمية الدم الواصل إلى العضلات.
تلعب زيادة الرطوبة دورًا مهمًا كذلك، حيث يساعد تبخر العرق على تبريد الجسم، لكن مع زيادة الرطوبة، فإن معدل تبخر العرق ينخفض، ويبذل الجسم المزيد من الجهد لتبريد نفسه داخليًا.
ربما هذا بشكل بسيط هو الذي يجعل بذل المجهود في الحرارة العالية أصعب، ويظهر الأمر مع لاعبي كرة القدم بشكل أكبر، حيث تشير دراسة قام بها معهد العلوم الرياضية الأرميكي «GSSI» أن كمية الجري وحدته تتأثر بزيادة درجة الحرارة، حيث تنخفض المسافة المقطوعة وينخفض عدد مرات الجري بسرعة عالية في الأجواء الحارة مقارنةً بالظروف المعتدلة.
لا تؤثر الحرارة فقط على مردود اللاعبين البدني وقدرتهم علي الاستمرار لـ90 دقيقة، لكن منذ الدقيقة الأولى لا يقدر اللاعبون على بذل الجهد بالمعدل نفسه الذي اعتادوا عليه، ومع استهلاك المزيد من الطاقة وعدم قدرة السوائل ومحفزات الطاقة التي يتناولها اللاعبون أثناء اللقاء على معادلة المفقود، فإن اللاعب مع مرور الوقت يشعر بالإعياء وتتأثر قراراته وتركيزه داخل الملعب.
هذا هو ما دفع الفيفا لإقرار استراحات مائية خلال مباريات كأس العالم لأول مرة في مونديال 2014 بالبرازيل، ليعوض اللاعبون السوائل المفقودة بشكل دوري، ومن بعدها أُقرت بشكل دائم إذا زادت درجة الحرارة عن 32 درجة مئوية.
وإذا أضفنا إلي تأثير الحرارة والرطوبة، مشاكل أخرى يواجهها اللاعبون في أراضي أفريقيا مثل احتمالية اللعب في ارتفاعات عالية عن سطح البحر وانخفاض تركيز الأكسجين، فإن من الممكن أن تكون هذه أسباب كافية لمعاناة الفرق المصرية الدائمة حين تلعب في أفريقيا.
نصف الحقيقة
هناك العديد من الصعوبات التي قد تواجه اللاعبين في مباريات أفريقيا بالفعل، لكن إذا وضعنا في الاعتبار أننا نعيش في بلد حار كذلك والفجوة الحرارية ليست كبيرة للدرجة، ومع وجود العديد من الأساليب الحديثة للتعامل مع هذه الظروف فإن أثر هذه العوامل ينبغي أن ينخفض إلي أقل قدر ممكن.
يوصي المتخصصون بأن مفتاح التعامل مع هذه الظروف، هو التكيف، حيث يمكن للجسد البشري التأقلم مع أي متغير لكن بشكل تدريجي، وأن مدة من 4-14 يومًا كافية ليعود الجسم إلى طبيعته، ويوصي بعضهم بتدريب الفريق في بيئات اصطناعية على الظروف المختلفة في حال لم تتوفر ظروف طبيعية مناسبة، مع الاستعانة ببعض المعدات والأغذية الحديثة التي تساعد على تحسين تعامل الجسم مع هذه الظروف.
وربما هذا ما يفسر قرار فايلر حين أصر على سفر الفريق إلى جنوب أفريقيا قبل أسبوع كامل من مواجهة صنداونز، واصطحب معه الأغذية والمعدات اللازمة، لتفادي الهبوط البدني العنيف الذي حدث للفريق في العام الذي سبقه حين خسر بخماسية.
أسبوع كامل يتعود فيه اللاعبون على مواعيد النوم وتتغير مواعيد التدريبات لنفس موعد المباراة، ويتعافى اللاعبون من آثار رحلة السفر الطويلة، وهو ما يضمن أن يكون اللاعبون في أفضل أحوالهم، وقد قرر موسيماني الأمر نفسه هذا العام، وهو ما يؤكد أن التعامل مع الأمر ممكن، وربما بالمزيد من الاهتمام واتباع الأساليب الحديثة، لا تعود مباريات الـ3 عصرًا تمثل هاجسًا مفزعًا للجميع كما تفعل الآن.