الإعلام المصري: المصادقة على القمع
محتوى مترجم | ||
المصدر | ||
التاريخ | ||
الكاتب |
في 24 يناير/كانون الثاني 2015، قُتلت ناشطة سياسية مصرية تُدعى «شيماء الصباغ» خلال مسيرة احتجاجية صغيرة بالقرب من ميدان التحرير في القاهرة. الصباغ، التي كانت في الحادية والثلاثين، اتبعت أعضاء حزب التحالف الشعبي الاشتراكي الذي قام بتنظيم المسيرة، لإحياء الذكرى الرابعة لمن قتلوا في الانتفاضة المصرية، لكن ذلك كله توقف في غضون دقائق عندما أطلقت قوات الأمن الغاز المسيل للدموع والطلقات الصغيرة لتفريق بضع عشرات من المشاركين.
التقطت أشرطة الفيديو التي اتُخذت من قِبل المارَّة اللحظات الأخيرة للصباغ. استهداف أفراد شرطة مكافحة الشغب الملثمين للمتظاهرين على الجانب الآخر من الشارع؛ عدة طلقات تدوي؛ الصباغ تهوي بين يدي زميل لها؛ سترتها الرمادية تغرق في الدماء.
كان موت الصباغ دليلًا صارخًا على ما ادَّعته جماعات حقوق الإنسان وغيرها من المراقبين الدوليين لفترة طويلة: إن حكومة «عبد الفتاح السيسي» تستخدم القوة المميتة للقضاء على أي شكل من أشكال المعارضة. منذ أطاح الجيش بحكومة الإخوان المسلمين للرئيس محمد مرسي، في عام 2013، قُتِل 2500 مدنيٍّ على الأقل في اشتباكات مع قوات الأمن، بحسب تقديرات جماعات حقوق الإنسان. كما سُجن عشرات الآلاف من النشطاء الإسلاميين والعلمانيين. وتنتشر على نطاق واسع تقارير عن سوء معاملة المعتقلين وتعذيبهم.
مساء اليوم الذي ماتت فيه الصباغ، أوردت جميع القنوات الرئيسة تقريبًا حادثة القتل دون بث الفيديو، على الرغم من أنه كان قد عُمِّم بالفعل على الإنترنت. ادَّعى «أحمد موسى»، أحد مقدمي البرامج الأكثر شعبية في البلاد، والذي يظهر على قناة «صدى البلد» الخاصَّة، أن الناشطين أنفسهم هم من دبروا اغتيال الصباغ من أجل اتهام قوات الأمن.
وأشار «يوسف الحسيني»، وهو مقدم برامج على شبكة «أون تي في» الخاصَّة، إلى أن أعضاء من جماعة الإخوان المسلمين المحظورة كانوا وراء عملية القتل. وقال «مجدي الجلاد»، رئيس تحرير صحيفة «الوطن» اليومية، إن الحادث قد أثبت أنه ثمَّة حاجة إلى المزيد من رجال الشرطة الذين يرتدون ملابس مدنية. وضغطت مذيعة أخرى تُدعى «لميس الحديدي» من أجل وضع كاميرات مراقبة في الأماكن العامة. يبدو أن وراء كل هذه النظريات المختلفة رسالة موحَّدة: لا تلُم قوات الأمن.
بعد أربع سنوات من احتجاج الشعب المصري ضد النظام الاستبدادي لحسني مبارك، تُظهر وسائل الإعلام في أكبر دولة في العالم العربي مزيدًا من الدعم للذراع القوية للحكومة أكثر مما كان عليه الأمر تحت حكم مبارك.
في الخارج، انتُقدت إدارة السيسي لتمريرها الحكم بالإعدام على أكثر من ألف شخص يُعتقد أنهم متعاطفون مع مرسي في محاكمات جماعية. وفي مصر، يقول كُتَّاب أعمدة في الصحف إنه يجب أن يُعدم هؤلاء دون محاكمة. ينتقد الصحفيون أحيانًا أداء الحكومة حول قضايا من قبيل التعليم والرعاية الصحية أو السياسات الدينية.
لكن كما اكتشفتُ في مقابلات أجريتها مع كبار المحررين ومقدمي البرامج الحوارية، إنهم يقدِّرون السمة المميزة لإدارة السيسي – استخدام العنف من قِبل الدولة، والمحاكمات المسيَّسة للحفاظ على النظام وسحق المعارضين – مع موافقة شبه إجماعية. «لقد عدنا إلى الوراء لأكثر من عشرين عامًا»، قالت لي «منى نادر»، التي تراقب التغطية الإعلامية لصالح «مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان». «وسائل الإعلام الآن ليست فقط لا تسلط الضوء على المشاكل؛ إنها تدعم الحكومة بغض النظر عمَّا يحدث».
في هذا الصدد، إنهم على نفس الخُطى مع الرأي العام: وضع استطلاع مستقل للرأي مؤخرًا تصنيف الموافقة على الرئيس، بعد سنة من وجوده في مكتب الرئاسة، عند نسبة 90 في المئة. بعد عدة سنوات من الاضطراب السياسي وعدم الاستقرار الاقتصادي، رحَّب الكثير من المصريين بحكم السيسي باعتباره عودة إلى الاستقرار.
كما أن الهجمات التي تشنها الجماعات المسلحة في شبه جزيرة سيناء وأماكن أخرى، بما في ذلك بعض الجماعات التابعة للدولة الإسلامية، وهي الهجمات التي أسفرت عن مقتل المئات، قد عززت من دعم الدولة الأمنية القوية.
اتخذت الحكومة خطوات ملموسة لإنعاش الاقتصاد المتعثِّر، بما في ذلك خفض الدعم على الوقود والتوسع في قناة السويس، ويُتوقع أن يتحسن النمو هذا العام – على عكس ما حدث خلال فترة مرسي غير الفعالة، عندما كان يتم الإعلان عن المبادرات السياسية وإلغائها في نفس اليوم أحيانًا. والأقل ملاحظة، مع ذلك، جهود وسائل الإعلام الفعالة لبناء توافق في الآراء وراء السياسات الأمنية الحكومية مع تجاهل جوانبها الأكثر وحشية.
إنها ليست مجرد مسألة متعلقة بالسيطرة من أعلى. تحصل الغالبية العظمى من المصريين على أخبارهم ليس من التلفزيون الحكومي بل من القنوات الفضائية المملوكة للقطاع الخاص. وتتباهى العروض المبثوثة على هذه الشبكات بقيم إنتاجية عالية، ومذيعين مولعين بالقتال تتمثل موهبتهم الكبرى في التشدُّق بصوت عالٍ لساعات حتى النهاية وجذب ملايين المشاهدين.
والصحف، والكثير منها مملوك بشكل مستقل، توفِّر وجهات نظر أكثر تنوعًا قليلًا، ولكن لديها تناول محدود؛ تُتَداول أكبر الصحف اليومية، مثل «الأهرام»، و«المصرى اليوم»، بما يقدر أن يكون مئات الآلاف من النسخ، في بلد يبلغ عدد سكانه 83 مليونًا. ولا يقدم التلفزيون ولا الصحافة فحصًا دقيقًا ومتواصلًا للسياسات الأمنية للنظام. (يمكن الاطلاع على مزيد من المناقشات التي تنتقد الحكومة فقط على مواقع إخبارية على شبكة الإنترنت، إلا أن هذه المواقع تخدم فقط جمهورًا صغيرًا).
لدى الدولة وسائلها لفرض إرادتها بالتأكيد. لقد أُغلِقت المحطات التلفزيونية التابعة للإخوان على الفور بعد عزل مرسي. وتحسب لجنة حماية الصحفيين حاليًا ما لا يقل عن اثنين وعشرين صحفيًا في السجون المصرية، بتهم من قبيل «نشر الفوضى»، و«التحريض على العنف». وهذا هو أعلى رقم تسجله المجموعة منذ أن بدأت تتابع الأمور.
وبعض مقدمي البرامج المُبرَّزين، بما في ذلك المذيع الساخر «باسم يوسف»، توقَّفوا عن البث لأنهم يقولون إن مساحة التعبير قد ضاقت. و«ليليان داوود»، التي تعتبر واحدة من أشد منتقدي الحكومة والتي لا تزال تظهر على التلفزيون، قالت لي إن السلطات تُعمم قائمة جديدة كل بضعة أشهر بشأن الممنوعين من الظهور على الهواء – محامين ونشطاء وما شابه ذلك.
وفي بعض الأحيان تتدخل السلطات بشكل مباشر، فتقوم باستجواب الصحفيين، أو بمصادرة عدد من صحيفة تجاوزت الخطوط؛ وتشمل الأمثلة الأخيرة بشأن المصادرات تقريرًا عن تزوير الانتخابات ومقابلة مع مسؤول في المخابرات.
لكن المزاج العام في وسائل الإعلام المصرية هذه الأيام أقل ذعرًا وأكثر احتفالية – جماعة الإخوان المسلمين قد هزمت، ويد الجيش تقبض على الأمور. «ينبغي أن يطلب أي قائد من الصحفيين نشر الأمل»، هكذا قال لي «يوسف الحسيني»، الذي يستضيف كل ليلة عرضًا لمدة ساعتين على شبكة «اون تي في» الخاصَّة. «لن يتحقق شيء من خلال الشائعات والسلبية».
وخلال عهد مبارك، جادل العديد من الصحفيين بأن الإخوان يستحقون مكانًا في الحياة السياسية. والآن، يرفض الحسيني السماح بظهور أي عضو من أعضاء الجماعة في برنامجه.قال لي؛ «إنهم إرهابيون قاموا بخيانة بلدي، فلماذا أقوم بتغطية لأجلهم؟».
عادة ما يشير مذيعو البرامج الحوارية على أكبر الشبكات التلفزيونية في مصر إلى جماعة الإخوان المسلمين باسم «الفاشيين»، و«أبناء الكلاب»، و«الحشرات والبراغيث». وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أصدر رؤساء تحرير الصحف الكبرى بيانًا مشتركًا يعِد بدعم الدولة ورفض محاولات تقويض الجيش والشرطة والقضاء، كما قامت القنوات التلفزيونية الخاصَّة الرئيسة بتعهد مماثل.
إنها ليست رقابة، أو حتى رقابة ذاتية. بل دعم فعال للسياسات القمعية. «أنا أؤيد السيسي في كل شيء. أنا منحاز»، هذا ما أعلنه لي «جمال عنايت»، المذيع التلفزيوني والإذاعي المخضرم، عندما التقينا. سألته في وقت لاحق إذا كان يعتقد أن السيسي قد ارتكب أي أخطاء. كانت هناك وقفة. أخيرًا، كنت قد سألت سؤالًا صعبًا. قال: «أتمنى لو كان لديه إجراءات أكثر صرامة ضد جماعة الإخوان المسلمين».
«وهذا خطأه؟»، سألت. «هل هو متساهل جدًا؟».
«إنه ليس متساهلًا جدًا»، قال عنايت بسرعة. «لكنه ليس صعبًا بما فيه الكفاية». وقال إن وزارة الكهرباء كانت مليئة بأنصار الرئيس المخلوع، ثم انقطع الكلام. «أنا لا أريد أن أقول أي شيء سلبي. الآن ليس الوقت المناسب لانتقاده».
«متى يحين الوقت المناسب؟»، سألت.
«عندما نبدأ في العيش بسلام، وعندما تجري مشاريعنا قدمًا، وعندما كنا لا نكون خائفين من الذهاب هنا أو هناك. وعندما تتوقف الولايات المتحدة عن الدفاع عن جماعة الإخوان المسلمين».
وبحلول الوقت الذي قاد فيه السيسي، كوزير للدفاع، الانقلاب الذي أطاح بمرسي في صيف عام 2013، كان كثير من المصريين يدعون الجيش إلى التدخل لإنقاذ البلاد من الفوضى، وتفريق المظاهرات اللاحقة المؤيدة للإخوان، وهو ما أدَّى إلى مقتل أكثر من ألف شخص، وإثارة بعض الاعتراضات في أوساط الجمهور. وبعد عشرة أشهر من تشكيل حكومة تصريف أعمال مثبَّتة من قِبل الجيش، انتُخب السيسي رئيسًا في مايو/أيار 2014 بنسبة 96% من الأصوات.
على الرغم من أن دعم وسائل الإعلام الساحق للسياسات القمعية قد يبدو شاذًّا، فإنه يعكس تحولًا في المواقف العامة في السنوات الأخيرة. إن ثورة عام 2011 التي أطاحت بمبارك فازت بتأييد واسع. لكن اضطرابات ما جاء بعدها – تصاعد العنف السياسي خلال حكم المجلس العسكري، وما أتبع ذلك من فترة استقطاب في عهد الإخوان المسلمين – قد حركت العاطفة الشعبية إلى الوراء لصالح الحكومة المتشددة.
من الواضح أن السيسي يرى أن التحكم في وسائل الإعلام وسيلة حاسمة للحفاظ على هذه الشعبية – وقد اتخذت خطوات ملحوظة في تشكيل الكيفية التي ينبغي أن تصور عليها حكومته. في اجتماع في عام 2013، بينما كان لا يزال وزيرًا للدفاع، قال السيسي لجمهور من ضباط الجيش؛ إن الجيش يجب يكرس الوقت والجهد لكسب النفوذ على الصحافة، ومنذ توليه مهام منصبه، كان يجتمع بانتظام مع مقدمي برامج تلفزيونية ورؤساء تحرير صحف، مرة واحدة في الشهر في المتوسط.
وهذه الجلسات من الأمور الغريبة. إنها ليست مثل إحاطات الرئيس الأمريكي مع السلك الصحفي للبيت الأبيض، أو المؤتمرات الصحفية حيث يتلقى القادة أسئلة حول المبادرات السياسية. إذ لا يتم الإعلان عن اجتماعات السيسي ولا بثها تلفزيونيًا، ولا يقوم الصحفيون الذين يحضرونها بكتابة قصص حولها فيما بعد. وحتى الآن ما تم بثه من مقاطع من العديد من هذه الجلسات ونشره على موقع «يوتيوب»، يوفر نظرة كاشفة على الكيفية التي تعامل بها الحكومةُ وسائل الإعلام.
في أحد هذه الاجتماعات، يوم 3 مايو/أيار من العام الماضي، قال السيسي لمجموعة من المذيعين التلفزيونيين إنهم مسؤولون عن تعزيز الوحدة ورفع الروح المعنوية، وبعد أربعة أيام حثَّ رؤساء تحرير الصحف على وقف زرع الشكوك بين السكان. «إذا كان لديك أي معلومات عن الموضوع، لماذا لا تهمس بها بدلًا من أن تكشفها؟» اقترح السيسي ذلك، وهو ما يعني أنه ينبغي إبلاغ الحكومة بدلًا من الجمهور. وبعد رفع أسعار الطاقة في الصيف الماضي، طلب السيسي من وسائل الإعلام الحديث عن ضرورة التضحية.
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2014، طلبَ من الصحفيين أن «يسهِّلوا الأمور على المصريين» لأنه لا يمكنهم أن يتحملوا الأخبار السيئة أكثر من ذلك – مما يعني أن الصحفيين كانوا يختارون الموضوعات السلبية للكتابة عنها بشكل مفرط. كما أبلغ رؤساء الصحف المملوكة للدولة فى ديسمبر/كانون الأول الماضي أن البلاد كانت تخوض حربًا داخلية وخارجية. وفي رحلة له إلى دولة الإمارات العربية المتحدة في الشهر التالي، ذكَّر الصحفيين بأنهم يجب أن يوفروا حلولًا بدلًا من مجرد إظهار المشاكل.
الشيء الوحيد الذي يأتي عبر هذه اللقاءات هو حرص الصحفيين على القيام بعمل الدولة. في الاجتماع الذي عُقِد في مايو/أيار من العام الماضي، اقترح مذيع شعبي يدعى «وائل الإبراشي» أن تنعقد المجموعة بانتظام تحت رعاية السيسي وتصوغ ميثاق الأخلاق الإعلامي، «لأننا لا يمكن أن يكون لدينا بعض هؤلاء الذين ينشرون معلومات يمكن أن تكون خطيرة على الأمة».
وفي المقاطع التي تم نشرها، يثير الصحفيون الذين يحضرون الاجتماعات في بعض الأحيان أسئلة الصعبة، مثل نطاق حرية وسائل الإعلام التي يمكن أن تسمح به القوانين الجديدة. لكن المزاج لطيف ومحترم، مثل طلاب يحضرون ندوة مع أستاذ جليل.
يتبنى السيسي نفس نبرة العتاب اللطيف مع الصحفيين؛ سواء من وسائل الإعلام المملوكة للدولة أو القطاع الخاص. «إنه يرى وسائل الإعلام باعتبارها جزءا من «قسم الشؤون المعنوية» كما هو الحال لديهم في الجيش»، هكذا قال لي «حافظ الميرازي»، وهو صحفي تلفزيوني من فترة طويلة وأستاذ في الجامعة الأمريكية في القاهرة.
عندما التقيت مع بعض مقدمي البرامج الحوارية، طرحت موضوع اجتماعات السيسي بحذر، خوفًا من أن أبدو كشخص يطعن في سلامة شخص آخر. لكن بدلًا من ذلك تفاخروا بشأن حضورها، مثل الأطفال الشعبيين الذين يبدون لطافًا مع جميع الأطراف.
جمال عنايت: «أنا معجب بالسيسي. أنا معجب بأحلامه وطموحاته لهذا البلد. إنه ليس رئيسًا، إنه زعيم».
يوسف الحسيني: «عندما تقابله تثق فيه دائمًا وتصدقه. لديه هذه الناحية الإيجابية»
إبراهيم عيسى:«يجعلك تشعر أنه صديقك المقرب وأنه يتابعك كل يوم. عندما تقابله، ستحبه أيضًا».
وحدثني اثنان من المذيعين عن لقاءات فردية كانت لهم مع الرئيس، وأشاروا إلى أن السيسي قد عدل قانونًا معينًا أو لفت الانتباه إلى قضية مخصوصة – وصدى أقل للصحفيين مما هو لدى مستشاري الحكومة الرسميين، الذين هم ممتنين لأذنهم السيادية الخاصَّة.
على الرغم من الحكم الاستبدادي الذي استمر على مدى عقود، تمتلك مصر منذ فترة طويلة صحافة قوية ومستقلة نسبيًا وفقا لمعايير المنطقة. وفي السنوات الأخيرة من حكم مبارك، كشفت صحف خاصة مثل «المصري اليوم»، و«الدستور» عن تزوير الانتخابات والفساد الإسكاني. واستمر هذا الاتجاه بعد الثورة عام 2011، حيث انتشرت القنوات الخاصَّة والصحف.
كان انتقاد الحكومة نظامًا يوميًا؛ التلفزيون الحكومي، الذي دعم مبارك قبل الإطاحة به، رحَّب فجأة بالمناضلين الثوريين كضيوف على برامجه. ولكن الصحافة خضعت للضغط خلال حكم المجلس العسكري للبلاد من فبراير/شباط 2011 إلى يونيو/حزيران 2012. وبعد انتخاب مرسي، عُيِّن الحلفاء السياسيين لتشغيل وسائل الإعلام الحكومية واستخدام تكتيكات عهد مبارك من المضايقات القانونية والمادية للترهيب في محاولة لإبقاء الصحفيين على الخط.
كان لوسائل الإعلام الخاصَّة انتقادات متزايدة بشأن غرائزه السلطوية وسياساته الاقتصادية السيئة – وهي انتقادات لم تكن تعكس تحسنًا في المعايير الصحفية بقدر ما كانت تعكس تزايد كراهية الإخوان بسبب سلوكهم الشللي وعدم قدرتهم على الحكم.
في العامين اللذين تليا عزل الجيش لمرسي بعد المظاهرات الضخمة التي اندلعت ضده، فقدت وسائل الإعلام الرئيسة الانفتاح الذي تمتعت به لفترة وجيزة. خاصَّة خلال الأحداث السياسية الكبرى، تتحدث الصحافة في صوت واحد، ويجد الصحفيون الذين ينتهكون الصفوف أحيانًا أنفسهم مذمومين – ليس من قِبل الحكومة ولكن من قِبل زملائهم والجمهور.
قالت لي ليليان داوود، التي انتقدت سجن الحكومة للنشطاء في برنامجها في «اون تي في»، إن البعض يصيح عليها في الشارع بأنها خائنة ومؤيدة للإخوان (على الرغم من أنها كانت أيضًا من أشد منتقدي حكومة مرسي). وبالمثل، إبراهيم عيسى، الذي كان معروفًا بتغطيته العدوانية لمبارك قبل الثورة، غمر برسائل الكراهية عندما قال مؤخرًا؛ إن حكومة السيسي لديها عدد قليل من الإنجازات الملموسة. «في أيام مبارك، اعتبرت بطلًا لأنني كنت في المعارضة»، قال لي، «ولكن السيسي يحظى بشعبية والناس ينزعجون عند انتقاده».
بعد مقتل شيماء الصباغ، كررت القنوات الرئيسة البيان الحكومي الذي يفيد أن الشرطة قد أطلقت الغاز المسيل للدموع فقط، وليس الرصاص (على الرغم من أشرطة الفيديو واسعة الانتشار للمظاهرة تتناقض مع هذا). تساءل البعض لماذا انضمت الصباغ للاحتجاج أصلًا. وقد انحرف مقدم بشكل خطير نحو توريط الشرطة لكنه تراجع بعد ذلك، كما لو أنه يبحث عن الاتجاه. «لا يمكن أن أدعي أن الشرطة قد فعلت الأمر – أنا لا أعرف»، قال «عمرو أديب»، مقدم البرامج المعروف.
إنه شيء كبير أن يُتهم شخص بالقتل. ولكن أنا متأكد من أنها قد قتلت، وأنا على يقين من أنها قتلت بالرصاص. يجب أن يكون هناك تحقيق على كلا الجانبين. قد يدعي أحدهم أن الإخوان المسلمين هم من فعلوا ذلك للتحريض على الوضع. دعنا نقول، أنا موافق. أنا مستعد لأي احتمال.
في 1 فبراير/شباط، وبعد اهتمام دولي واسع وافتتاحية غير عادية في الصحيفة الرائدة للدولة تدين عملية القتل، قدَّم السيسي النصّ أخيرًا. لقد دعا إلى إجراء تحقيق في وفاة الصباغ، التي وصفها بأنها «ابنة بلدي»، لكنه أضاف أن مؤسسة بأكملها لا يجب تلام على خطأ شخص واحد. وفي يونيو/حزيران، حكم على ضابط شرطة بخمسة عشر عامًا في السجن لإطلاقه النار. وفي الوقت نفسه، يستمر الجهاز الأمني في البلاد في عدم إظهار أي تسامح مع الاحتجاجات العامة، ولم يجرِ أي إصلاح أو تدريب لضباط الشرطة للحد من استخدام القوة المفرطة.
ليس هناك ضمان بأن الأمور ستسير على هذا المنوال. قبل ثلاث سنوات، فاز مرسي بالرئاسة بدعم من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، ولكن أيضًا بدعم العديد من الآخرين الذين اعتقدوا أن أكبر جماعة معارضة في عهد مبارك تستحق الحكم: «أعطه فرصة» كانت لازمة المشترك.
ويطبق الكثير من الناس الآن نفس المنطق بالنسبة إلى السيسي، الذي يتصرف كأنه زعيم تحت ضغوط عليه تحقيق نتائج بسرعة. إن ثورة مصر تدرس للعالم أن قوة ديكتاتور يمكن أن تذوب في لحظة. ولكن يبدو أن الدرس المستفاد من سنوات هو أنه في بلد مهدد بالفوضى والعنف، يمكن أن تقوم السلطوية بنداء قوي لأجل نفسها. وقد كان السؤال بالنسبة إلى السيسي متعلق بكيفية إدامة مثل هذا النداء. وفي الوقت الحاضر، يكمن جزء كبير من الجواب في جهوده الاستثنائية لتوجيه وسائل الإعلام الوطنية.