بنك المعرفة المصري: تكلفة ضئيلة لعائد غير مسبوق
في «عيد العلم» عام 2014، قامت الحكومة المصرية بإطلاق مبادرة «نحو مجتمع يتعلم ويفكر ويبتكر» والتي تهدف إلى بناء مجتمع التعلم حيث يمكن بناء العقل البشري واكتساب المهارة. وكنتيجة لإطلاق المبادرة، قام المجلس التخصصي للتعليم والبحث العلمي التابع لرئاسة الجمهورية بعرض مشروع بصورة متكاملة عن كافة مصادر التعلم بالتعاون مع دور النشر العالمية على رئيس الجمهورية في الرابع من مارس/آذار عام 2015. بعد الموافقة على المشروع، والانتهاء من عقود الشراكات مع المؤسسات العالمية، تم الإعلان في الثامن من يناير/كانون الثاني 2016 عن إطلاق بنك المعرفة المصري.
بنك المعرفة المصري
بنك المعرفة المصري هو أحد أكبر بنوك المعرفة الرقمية حول العالم، يهدف إلى إتاحة كافة المصادر المعرفية والتعليمية من أفضل المؤسسات ودور النشر العالمية حول العالم بشكلٍ رقمي على الإنترنت لجميع المصريين داخل محيط الجمهورية بمجرد استخدامهم عنوان بروتوكول «IP address» مصري. تم إطلاق مشروع بنك المعرفة المصري على يد المجلس التخصصي للتعليم والبحث العلمي التابع لرئاسة الجمهورية، حيث قام «د. طارق شوقي» أمين المجالس التخصصية ورئيس المجلس التخصصي للتعليم والبحث العلمي في الثامن من يناير/كانون الثاني 2016 بالإعلان عن بدء إطلاق المشروع من خلال مؤتمرٍ صحفي.
يمثل بنك المعرفة تعاونًا فريدًا بين العديد من المؤسسات والجهات المختلفة، فهو يتبع المجلس التخصصي، ويتم إدارة الأجهزة الخادمة للموقع من داخل أكاديمية البحث العلمي، كما يتم التعاون مع وزارة التعليم على تطوير المناهج التعليمية وإضافة محتوى البنك ضمن روابط البحث والتعلم بالكتب الدراسية، هذا فضلًا عن الشراكات مع أكثر من 27 دور نشر ومؤسسة تعليمية عالمية، وكذلك التعاون مع جمعيات ومؤسسات المجتمع المدني، والهيئات البحثية والتعليمية.
يعد بنك المعرفة مكتبة عملاقة تحتوي على ملايين الأبحاث والكتب والمصادر المعرفية والتعليمية، والتي يمكن الحصول عليها بشكلٍ مجاني من خلال مربع البحث بالموقع وفق البوابة التي يتم تصنيف كل عضو بها. يحتوي موقع بنك المعرفة على أربع بوابات مختلفة تُعد كل واحدة منها مدخلًا إلى عالم واسع من المصادر المتنوعة التي تناسب كل فئة، هذه البوابات هي: البوابة العامّة، بوابة الطلاب، بوابة الباحثين، وبوابة الصغار.
البوابة العامة
تعد البوابة العامة مدخلًا لعموم القراء غير المتخصصين والباحثين عن وجبة معرفية دسمة من أشهر المؤسسات والمصادر المعرفية، حيث تحتوي تلك البوابة على آلاف المصادر العربية والأجنبية التي توفر العديد من وسائل شرح وتبسيط المعارف المختلفة مثل قناة ديسكفري التعليمية التي تقوم بتقديم برامج وأفلام وثائقية عن العلوم والتكنولوجيا والتاريخ، بالإضافة إلى برامج تلفزيونية علمية وترفيهية، وقناة ناشيونال جيوجرافيك التي تقوم بعرض أفلام وثائقية وبرامج واقعية في العلوم والتكنولوجيا والطبيعة والتاريخ والحضارة والترفيه، والموسوعة البريطانية العالمية «موسوعة بريتانيكا» التي تعد من أشهر وأدق الموسوعات العالمية وأشدها سعة واطلاعًا، بالإضافة إلى ملايين المقالات والصور والفيديوهات والكتب في شتى التخصصات المختلفة التي تناسب الجمهور العام. كما أعلنت مجلة «العلمي الأمريكي» على إطلاق نسخة عربية منها على الشبكة بالتعاون مع بنك المعرفة المصري والمجلس التخصصي للتعليم والبحث العلمي.
بوابة الطلاب
توفر بوابة الطلاب آلاف المصادر للمقررات والمناهج الدراسية حول العالم للمرحلة الجامعية وما قبل الجامعية، بالإضافة إلى المراجع والموسوعات التعليمية الشهيرة في مختلف المواد. كذلك توفر البوابة آلاف المقالات والصور والفيديوهات والمصادر التي تصدرها دور النشر وشركات التعليم العالمية بهدف تبسيط وسهولة التعلم وإتاحة الفرص للطلاب للاستمتاع بالمعلومات المعرفية المختلفة.
بوابة الباحثين
العائق الرئيسي الذي يواجه الباحثين في مصر هو صعوبة الوصول إلى مصادر الأوراق البحثية نظرًا لتكلفتها المرتفعة، إلا أن هذا الأمر لم يعد يشكل عائقًا بعد وجود بنك المعرفة المصري. تتيح بوابة الباحثين الحصول على أحدث ما توصل إليه العلم في شتى المجالات المختلفة من خلال إتاحة الوصول إلى المصادر والأبحاث التي يتم نشرها بأفضل الدوريات العلمية حول العالم، هذا بالإضافة إلى إتاحة آلاف الكتب والمراجع العلمية وقواعد البيانات والأدوات المتخصصة التي تساعد الباحثين في إتمام أبحاثهم. أحد أشهر دور النشر العالمية التي تم التعاون معها هي دار نشر «السيفير» أحد أكبر وأفضل دور النشر المتخصصة في نشر الأبحاث والكتب الطبية والعلمية، والتي تمتلك أشهر المجلات والدوريات العلمية في العالم مثل مجلة «الخلية» وموقع «ساينس دايركت» وكتاب «تشريح غراي – Gray’s anatomy». وأيضًا هناك شركة «وايلي» التي تعد أحد أكبر الشركات المتخصصة في النشر الأكاديمي في أكثر من مجال مختلف من بينها العلوم والتكنولوجيا والطب، كما تقوم الشركة بإنتاج ونشر الكتب، المراجع، والموسوعات سواء في شكل مطبوع أو رقمي. وتُعرف أيضًا الشركة لإنتاجها سلسلة «فور داميز – For dummies» التي تعد أحد أشهر سلاسل الكتب العامة للمبتدئين في مئات الفروع المختلفة. كذلك دار نشر «سبرنجر» التي تعد أكبر دار نشر في العالم في مجال الكتب حيث تحتوي على قواعد بيانات متعددة وأكثر من 35 ألف كتاب في 13 مجالا مختلفا، أما في نشر المجلات والدوريات فهي تعد الثانية بعد شركة «السيفير».
بوابة الصغار
تحتوي بوابة الصغار على آلاف المصادر التعليمية التي تناسب مرحلة الطفولة، حيث يتم إتاحة القصص، والفيديو، والصور، والألعاب التعليمية، والرسوم المتحركة التي تساعد الأطفال في اكتساب المعرفة في شتى المجالات المختلفة.
كل تلك المميزات يتم الحصول عليها فقط من خلال إنشاء حساب على موقع بنك المعرفة المصري عن طريق البريد الإلكتروني والاسم والرقم القومي، وأن يتم الدخول على الموقع من داخل جمهورية مصر العربية، أما بالنسبة للباحثين فيشترط التسجيل من خلال البريد الإلكتروني الخاص بالجامعة ويكون قاصرًا على الباحثين التابعين للجامعات أو المراكز البحثية المتخصصة.
الشراكات وتكلفة المشروع
حتى الآن، وخلال ستة أشهر من إطلاقه فقط، استطاع بنك المعرفة المصري الحصول على شراكات متميزة مع أكثر من 30 مؤسسة ودار نشر عالمية من بينها قناة ناشونال جيوجرافيك، قناة ديسكفري للتعليم، دار سيج للنشر الدولي، الموسوعة البريطانية، جامعة كامبريدج، جمعية مهندسي الكهرباء والإلكترونيات «IEEE»، السيفير، جامعة أكسفورد، سبرينجر، تومسون رويترز، ويلي، وغيرها من دور النشر ومؤسسات التعليم العالمية.
أما تكلفة المشروع، فمقارنة بالنتائج وتوفر المحتوى لجميع الشعب المصري، فإن التكلفة تُعد منخفضة جدًا مقارنة بما يتم إنفاقه على مصادر التعلم والبحث العلمي. على سبيل المثال وفقًا لتصريحات «د. طارق شوقي» فإن المجلس الأعلى للجامعات وأكاديمية البحث العلمي ينفقان سنويًا 13 مليون دولار فقط للاشتراك في 2% من المحتوى الذي أصبح متاحًا بالفعل على موقع بنك المعرفة المصري. كذلك يتم إنفاق 18 مليون دولار على الكتب الإنجليزية في أقسام اللغات بالجامعات، وأكثر من 20 مليون دولار على الكتب الإنجليزية في التربية والتعليم، كل هذا لا يشكل سوى 20% من المحتوى المتاح بالفعل على بنك المعرفة.
أما التكلفة وفقًا للفرد، فبتقسيمها على عدد المستفيدين في السنة تصبح تكلفة المشروع 5 جنيهات للفرد الواحد في السنة، بينما تبلغ التكلفة لكل باحث وأستاذ جامعي 1040 جنيه سنويًا، وهي تكلفة ضئيلة للغاية مقابل مشروع يمكن أن يستفيد من خدماته أكثر من 25 مليون شخص متمثلين في الطلاب والمعلمين والباحثين.
أهمية بنك المعرفة في تطوير التعليم
الهدف الرئيسي من إطلاق مشروع بنك المعرفة هو إتاحة المعرفة لكافة أبناء الشعب المصري كخطوة ومرحلة أولى في إعداد أجيال قادرة على الابتكار من خلال المعرفة. فهناك الملايين من المصادر والموضوعات المعرفية التي تم نشرها حول العالم والتي يمكن أن تساعد في اكتساب المعرفة التي تساعد بدورها في تطوير مهارات التفكير، ومن ثم استغلال تلك المعارف في الابتكار وإضافة الجديد للعلم والمعرفة بدلًا من الاعتماد فقط على التلقي واستيراد المعرفة. كذلك يلعب الموقع دورًا هامًا في جذب اهتمام الأجيال الصغيرة ناحية العلوم والمعرفة، حيث يفتح أمامهم آلاف الأبواب التي تحفزهم على الفضول والاستفسار عن المعارف المختلفة وهو الهدف الرئيسي للتعليم الذي يتمثل في إثارة فضول الأطفال ناحية العلم والمعرفة.
أيضًا يهدف مشروع بنك المعرفة إلى تطوير التعليم المصري حتى يصبح أكثر تلاؤمًا مع أنظمة التعليم المستحدثة التي بدأ العالم في استخدامها والتي تعتمد بشكل أساسي على استخدام تكنولوجيا التعليم والاعتماد على الإنترنت والمناهج الرقمية. يتم تنفيذ تلك الخطوة بشكلٍ تدريجي، حيث يتم الآن الاتفاق مع وزارة التعليم على أن جميع مناهج العلوم والرياضيات من الصف الأول الإعدادي وحتى الثالث الثانوي سيتم ربطها ببنك المعرفة، حيث سيتم وضع كافة المصادر والمراجع المتاحة على بنك المعرفة مع كل درس، وأيضًا سيتم إنشاء بريد إلكتروني لكل طالب حتى يصبح قادرًا على الاستفادة من كافة الخدمات المعرفية التي يقدمها موقع بنك المعرفة.
وأخيرًا، وبشكلٍ غير مباشر، فإن بنك المعرفة يساهم في معرفة وتحديد أولويات التطوير التي قد تؤثر على كافة مدخلات ومخرجات جودة التعليم. فعلى سبيل المثال، من خلال دراسة الإقبال على بنك المعرفة سيمكن معرفة كافة المشاكل التي قد تعوق عملية التعلم والمعرفة من خلال الموقع مثل سوء الإنترنت، ضعف البنية التحتية، إتاحة المصادر، وغيرها من البيانات التي ستحدد أولوية التطوير فيما يخص صالح مستخدمي بنك المعرفة المصري.