لهذا نجح مواليد 97 فيما أخفق فيه المحترفون
هكذا أطلقت شركة «أورانج مصر» الحملة الدعائية الوحيدة الخاصة بمنتخب مصر الأوليمبي قبيل انطلاق كأس الأمم الأفريقية تحت 23 سنة. يبدو شعار الحملة متناسقًا للغاية مع شعور المصريين المتشكك إزاء هذا المنتخب قبل انطلاق البطولة.
لم يتحمس كثيرًا الجمهور المصري للبطولة، ربما خوفًا من تكرار إخفاق المنتخب الأول وسط جماهيره، وهو ما ظهر واضحًا خلال مباراة الافتتاح التي لم تحظَ بتواجد جماهيري كثيف على غير عادة المصريين.
ظهر المنتخب المصري الأوليمبي بشكل مبشر للغاية خلال تلك البطولة، حيث قدم أداءً تصاعديًا جذب به تلك الجماهير المتشككة التي ساندته بدورها حتى استطاع التتويج بالبطولة لتنطلق فرحة هيستيرية بين اللاعبين والمدرب والجماهير أيضًا.
بين تلك البداية المتشككة وهذه النهاية السعيدة، سنتناول فيما هو قادم من سطور لماذا استطاع المنتخب المصري الأوليمبي أن ينتزع اهتمام الجماهير ويتوج ببطولة هي الأولى من نوعها في تاريخ مصر.
إعادة تعريف أهمية اللاعبين الشباب
شهد الموسم الماضي من الدوري المصري أرقامًا تاريخية فيما يخص ميركاتو اللاعبين، يعرف الجميع الظروف التي أدت لذلك بقيادة الثلاثي الخطيب ومرتضى وتركي آل الشيخ، الجزء الهام هنا هو شعور أندية القمة أن التفريط في اللاعبين الشباب لم يصبح خيارًا متاحًا كما كان من قبل.
القصة ببساطة أن أندية القمة تعتمد دومًا على اللاعب الجاهز، وهو ما يطيح بلاعبي الشباب خارج أسوار النادي، مع الأخذ في الاعتبار إمكانية إعادة شراء اللاعب مستقبلًا في حالة تألقه.
أضحى هذا الخيار الأخير خارج إمكانيات الأندية بعد ارتفاع أسعار اللاعبين، خاصة أن الأسعار المرتفعة لا تستثني اللاعبين الشباب، بل إن شرارة الأسعار تلك بدأت باللاعب صغير السن صلاح محسن والذي تم انتقاله للنادي الأهلي بمبلغ يفوق الثلاثين مليون جنيه. أسهم ذلك في إعادة تعريف أهمية اللاعبين الشباب، فلجأت أندية القمة لإعارة اللاعبين الشباب عوضًا عن التفريط فيهم.
بنظرة بسيطة إلى القوام الأساسي للمنتخب الأوليمبي، سنكتشف أن أكثر من 75% من اللاعبين يرتبطون بعقود مع فريقي الأهلي والزمالك ومعارين لأندية أخرى أو عائدين بالفعل من عقود إعارة، أفادت تلك الإعارات كثيرًا لاعبي المنتخب الأوليمبي في شقين.
الشق الأول: هو التخلص من الضغوط الدائمة التي تصاحب اللاعب الشاب في سعيه نحو حجز مكان أساسي في فريق يريد دومًا اللاعب الجاهز، أما الشق الآخر هو محاولة هؤلاء اللاعبين إثبات أنفسهم والعودة مرة أخرى لفرق القمة.
كل ذلك أدى بنا إلى وجود فريق أوليمبي يعرفه المشجعون بالفعل، حيث شارك الفريق بكامل نجومه في مباريات الدوري الممتاز، لذا ظهرت تعليقات هي المرة الأولى التي تصاحب فريقًا أوليمبيًا مثل وجود لاعبين أصحاب خبرة أو معتادين على الضغوطات.
لكن وعلى الرغم من جودة تلك العناصر وتألقها بشكل أو بآخر، لم ينضم أي منها لصفوف المنتخب الوطني الأول، وهي النقطة التي أفادت المنتخب الأوليمبي ولم تضره.
قائمة أجيري التي أفادت شوقي غريب
مع قدوم المدير الفني السابق للمنتخب المصري خافيير أجيري، بدأت تتعالى صيحات التغيير الجذري في شكل المنتخب المصري. ترددت التصريحات حول استبعاد عناصر الخبرة في المنتخب المصري والاعتماد على الشباب، ظهر ذلك واضحًا في اختيارات أجيري للمعسكرات التحضيرية، حيث ظهرت أسماء لاعبين شباب مثل أبو الفتوح وعمار حمدي ومصطفي محمد، ثم حدثت نقطة التحول في مسيرة المكسيكي والمنتخب الوطني.
قرر اتحاد الكرة تنظيم كأس الأمم الأفريقية بعد تعثر الكاميرون، وهو ما جعل سقف طموحات القائمين على الكرة في مصر لا يقبل سوى الفوز بالبطولة، هنا تغير الموقف وتعالت الأصوات داخل الجهاز الفني بضرورة الاستعانة بعناصر الخبرة.
تزامن ذلك مع انتشار أخبار تفيد محاولة تسويق هؤلاء اللاعبين الشباب من قبل الوكيل المشترك بينهم وبين المدير الفني أجيري، خاصة مع عدم ضم رمضان صبحي أهم اللاعبين الشباب لأسباب أعلن وكيله في أكثر من مناسبة أنها أسباب غير فنية. أدى كل ذلك إلى الإطاحة باللاعبين الشباب جميعًا خارج القائمة النهائية لبطولة أمم أفريقيا للكبار تحت مبدأ «لا رمضان ولا غيره».
اعتبر المنتخب الأوليمبي تلك البطولة بمثابة اختبار لإثبات أنهم قادرون على التواجد بين الكبار، تلك المجموعة التي تم التشكيك في إمكانياتها قررت الرد على المشككين من خلال الملعب، كان ذلك واضحًا في مشهد النهاية الذي ظهر خلاله رمضان صبحي باكيًا وهو على موعد مع التتويج بعد دقائق قليلة.
ربما هذا يفسر تصريحات اللاعبين المتشابهة حول تحديد ثلاثي الكبار المفترض انضمامه خلال أولمبياد طوكيو القادمة، والتي أكدت جميعها على أهمية الإشادة بلاعبي المنتخب الأوليمبي أولًا ثم الحديث عن العناصر المنضمة من الكبار حتى لو كان محمد صلاح نفسه.
كل ذلك الزخم لم يتفاجأ به لاعبو المنتخب الأوليمبي، والذين تم تحفيزهم جيدًا للفوز بالبطولة، وهو الأمر الذي يبرع فيه المدير الفني للفريق شوقي غريب.
شوقي غريب: شدي حيلك يا بلد
دعنا نؤكد دومًا أن الجوانب التكتيكية لا ترجح كفة المدير الفني الوطني أبدًا، لكن أمورًا أخرى هي ما جعلت الجوهري وحسن شحاتة أسماءً خالدة في ذاكرة التدريب المصري، على رأس تلك الأمور هي تفهمه لبعض الأزمات الراسخة في الكرة المصرية ولجوؤه لحلول تتسق مع طبيعة إمكانيات اللاعبين المصريين.
إحدى أهم أزمات الكرة المصرية هي عدم الاهتمام بالشق الدفاعي في مرحلة الناشئين ومواكبة الكرة الحديثة، والتي تتطلب مدافعين على قدر من السرعة والتوقع الدقيق المنطقي لمجريات اللعب والمشاركة في بناء الهجمة.
فطن شوقي غريب للأمر وقرر الاعتماد على ثلاثة مدافعين في الخلف، لخلق عمق دفاعي مناسب ومحاولة تقليل الأخطاء الكلاسيكية في التمركز للمدافعين المصريين.
كما أدرك شوقي ببساطة أن تلك الطريقة ستتيح له استغلال الأطراف وهو مركز الثقل في تشكيلته المختارة، حيث يملك رمضان صبحي وأبو الفتوح على اليسار والعراقي وعبدالرحمن مجدي على اليمين. فعلها شوقي ونجح كسابقيه في إيجاد شكل واضح للفريق وإيقاع منتظم مستغلًا وجود مهاجم واعد خاصة في الألعاب الهوائية، ويبقى استبعاد أسماء مثل أحمد حمدي أو ناصر منسي دلالة أن اختيارات غريب جاءت منطقية تمامًا لطريقة لعبه التي حددها سلفًا.
تعود آخر إنجازات شوقي غريب من على مقعد الرجل الأول لعام 2001، حيث توج بالميدالية البرونزية لكأس العالم للناشئين. يتضح هنا أن شوقي غريب يجيد التعامل مع فرق الناشئين والشباب، والسبب ببساطة: أن غريب من النوعية التي تستطيع تكوين علاقة أبوية مع اللاعبين، كما أنه يجيد تحفيز اللاعبين صغار السن تحت شعار شدي حيلك يا بلد.
يظهر ذلك في تصريحات شوقي غريب، وكذلك تصريحات اللاعبين أنفسهم التي كانت تتمحور حول اعتبار شوقي غريب أبًا للجميع. كما توالت المشاهد خلال البطولة لتؤكد قرب المدرب من لاعبيه، سواء في الاحتفالات المتتالية رفقة المدير الفني أو اقتحام المؤتمر الصحفي للاحتفال به.
حتى ظهور الفريق قبل المباراة النهائية بأقنعة لا كاسا دي بابل الشهيرة، والذي استغله شوقي غريب ليؤكد للاعبيه أنهم الآن لا يملكون سوى الفوز بعد تلك اللقطة المجنونة، لا يمكن أن يحدث ذلك أبدًا تحت إمرة مدرب حازم بل في إطار من الود المتبادل بين مدرب أب ولاعبين أقسموا ألا يخذلوه.