مصر 0 – 0 مالي: البداية الحزينة وكذبة الأداء الدفاعي
هكذا بدأ الأرجنتيني هيكتور كوبر حديثه بعد الفوز على غانا بهدفين بلا مقابل في تصفيات كأس العالم في مباراة كانت أشبه بفيلم الرعب لكل المصريين، فيلم لم تُكتب نهايته السعيدة إلا بالتوفيق الإلهي ومهارة محمود حسن تريزيجيه الاستثنائية في تلك الليلة، لكن بعد مباراة الأمس أمام منتخب مالي وذلك الأداء المُخزي المُنذر بفضيحة كبرى أمام أوغندا وغانا إذا لم يتم تدارك الأمور تغيرت نبرة العجوز الأرجنتيني وبدأ في إبراز الحجج والمبررات واحدة تلو الأخرى في أسلوب كثيرًا ما انتقده قبل ذلك وانتقد من يتبعه من المدربين، فانخرط في الحديث عن الرطوبة والإرهاق و الإصابات المفاجئة ناسيًا أو بالأحرى متناسيًا طبيعة الشعب الذي يتعامل معه، ذلك الجمهور المصري الذي يشعر باللاعب من أول لمسة له في الملعب ويميز المدرب من أول بصمة له بالفريق ويدعم فريقه مع دقة أول ناقوس خطر ، جمهور ذاق من الفرح وخيبات الأمل ما يكفيه للحكم على تصريحات مدرب كونها مُقنعة أم لا.
الشوط الأول وشبح المنتخب المصري
بدأ المنتخب المصري المباراة بخطة كوبر المعتادة 4-2-3-1 وببعض التمريرات بعرض الملعب لكسب الثقة المُفتقدة نتيجة غياب سبع سنوات عن البطولة الأفريقية، استحواذ لمدة خمس دقائق تبعه هجمة أنهاها الواعد مروان محسن بشيء من الرعونة، ولكنها زادت من آمال المصريين بتواصل الهجوم خلال الربع ساعة الأولى من المباراة على الأقل. ولكن ما حدث كان عكس ذلك تمامًا فبعد تلك الهجمة رجع المنتخب المصري لذلك الشكل الرتيب الممل المعتاد مع هيكتور كوبر، الصلابة الدفاعية المُزيفة لعدة أسباب أهمها عدم وجود لاعبي ارتكاز قادرين على استخلاص الكرة من المنافس بشكل جيد، وكذلك عدم التجانس بين قلبي الدفاع علي جبر وأحمد حجازي والذي ظهر جليًا في الدقيقة الثانية عشر بعد عرضية اللاعب موسى ماريجا، والتى حاول يعقوبا سيلا تغيير اتجاهها ولكن الشناوي تألق في إنقاذها في لقطة ستظل عالقة في أذهان الجماهير لفترة طويلة وفي ذهنه هو لفترة أطول لأنها اللقطة التي قد تحرمه من استكمال البطولة الأفريقية بعد تأكيد أحمد ناجي مدرب حراس المنتخب على إصابة الشناوي بشد أو مزق في العضلة الخلفية، وكلاهما يستغرق عدة أيام لعلاجه وكلاهما أيضًا يضع علامات استفهام عديدة حول كوبر وجهازه الفني وإشراكهم للاعب غير جاهز بدنيًا بنسبة 100%.
بعد إصابة الشناوي ونزول الحضري – والذي أصبح بمشاركته اليوم أكبر لاعب في تاريخ كأس الأمم الأفريقية ب 44 عامًا – استمر المنتخب المصري طوال الشوط الأول في لعبه المتحفظ شكلًا العقيم مضمونًا في ظل تعليمات هيكتور كوبر للظهيرين فتحي وعبد الشافي بعدم التقدم للأمام وعدم قدرة النني وطارق حامد على بناء الهجمة والرقابة اللصيقة لمحمد صلاح والغياب التام لعبدالله السعيد!
الشوط الثاني والسراب الذي خدع الجميع
بدأ المنتخب الوطني الشوط الثاني ضاغطًا على دفاعات مالي مستغلًا مهارة تريزيجيه وقدرة مروان محسن على الوقوف على الكرة، فظهر المنتخب في لقطتين هامتين في أول عشر دقائق من الشوط الثاني؛ أولهما كانت الضربة الحرة التي لعبها عبدالله السعيد في يد الحارس عمر سيسوكو، وثانيهما هي ضربة رأس مروان محسن بعد عرضية تريزيجيه والتي تصدى لها أيضًا الحارس المالي الموهوب.
بعد تلك الفترة أيقن معظم المصريين أن الزحف المصري قادم لا محالة، ولكن كعادة هيكتور كوبر في التحفظ والجُبن الكروي تراجع المنتخب المصري مرة أخرى، ولم نظهر في أي لقطة أخرى حتى نهاية المباراة بالرغم من نزول رمضان صبحي لاعب ستوك سيتي بدلًا من صلاح في الدقيقة 70، ونزول أحمد حسن كوكا بدلًا من مروان محسن في الدقيقة 76 في تبديل هو الأغرب في المباراة في تقديري الشخصي نظرًا لحاجة المنتخب الملحة للاعب في قدرات محمود كهربا في ذلك الوقت لاستغلال المساحات الشاسعة في دفاعات مالي، ولكن يبدو أن هيكتور كوبر لا يثق في أي لاعب لا يمتلك قدرات دفاعية عالية.
لُغز النني الذي حيّر المصريين
محمد النني هو أحد أكبر الألغاز في المنتخب الوطني منذ قدوم هيكتور كوبر لقيادة منتخب مصر، لُغز النني لا يكمن فقط في نجاحه في إقناع مدير فني مخضرم كـ«آرسين فينجر» بقدراته فحسب بل يكمن أيضًا في شغله مكان أساسي في تشكيل منتخب مصر مهما تغيّرت الظروف مع مدرب تاريخه خير شاهد عليه بأنه لا يتأثر بنجومية اللاعبين، ولنا على ذلك ألف دليل كخلافه الشهير مع الظاهرة رونالدو في إنترناسيونالي الإيطالي، وجلوس رمضان صبحي على دكة البدلاء في معظم المبارايات، وخلافه مع حسام غالي نجم النادي الأهلي ومنتخب مصر.
محمد شوقي لاعب النادي الأهلي ومنتخب مصر السابق.
تصريح شوقي ينُمّ عن وعي لاعب كرة القدم بمهام ووظائف مركزه في الملعب، قد لا يكون محمد شوقي حقق ما حققه النني من نجاحات نتيجة التزام وصبر الأخير بشكل أكبر، ولكن هذا لا ينفي أن النني لاعب ارتكاز يفتقد لأساسيات يدركها أي لاعب خط وسط في العالم ويحفظها عن ظهر قلب، فما معنى أن تكون لاعبًا محوريًا في نصف الملعب وكل تمريراتك للخلف وبعرض الملعب؟ ما معنى أن تكون لاعبًا مهمتك الأساسية هي إفساد هجمات المنافسين وبناء هجمة جديدة وفي أغلب مباراياتك الدولية لا تستخلص كرة واحدة من المنافس بنجاح؟ ما معنى أن يكون التصويب هو إحدى مهامك الرئيسية في الملعب ثم تصوّب تصويبة بالشكل الذي رأيناه بالأمس عندما قررت التصويب برعونة بقدمك اليسرى كطفل يلهو في حديقة منزله؟
هل ما زال الأمل قائمًا؟
يعتقد الكثيرون أن مباراة الأمس أمام مالي كانت هي مفتاح العبور للدور القادم، وأنه بعد تلك النتيجة المُخيبة للآمال أصبحت حظوظ مصر في التأهل أقل كثيرًا من حظوظها قبل المباراة، ويرجع ذلك بشكل رئيسي لقوة منتخب غانا الذي يتفوق على نظيره المصري خططيًا وبدنيًا وفنيًا بالإضافة إلى رغبته الشديدة في الثأر لموقعة برج العرب، مما جعل الكثيرين يستبعدون فكرة تحقيق نتيجة إيجابية في آخر مباريات المجموعة أمام غانا. ولكن دعنا عزيزي القارئ نرتدي ثوب التفاؤل ونستحضر شخصية المُعلّق الشهير «علي محمد علي» الذي لا يمكن أن يشكك أبدًا في قدرات المنتخب مهما كانت حالة اللاعبين سيئة بل مثيرة للشفقة كلقاء البارحة ونقول أن اللقاء القادم أمام المنتخب الأوغندي هو من سيحسم أمر المجموعة بشكل كبير، وأن تحقيق أي نتيجة أخرى غير الفوز على أوغندا تعني تضاؤل حظوظ المنتخب بشكل كبير وكبير جدًا في التأهل للدور القادم.