تعليم عرب 48: كيف تحاول «إسرائيل» خلق «المواطن الصالح»؟
تسربت السعادة شيئًا فشيئًا في وجدان الأبوين، فقدوم طفلهما أدخل معاني جديدة لم يتذوّقاها من قبل. العيش في أرضك كمواطن يخضع لسياسات عنصرية يمكنه أن يكبت التطلعات، وصراع الغربة للحفاظ على هويتك يمكنه أن يخلق التشوهات، هذا فيما ترضخ للفقر عن عمد لتبقى مكسورًا. لكن حمل «حنظلة» بين يديهما رسمت ابتسامة متأملة رغم ما يثقل الكاهل وسيثقله… فكل قادم إلى الحياة من رحمٍ مُنهَك يبقى سلاحًا وجوديًا يعلن إصراره على التمسك.
حملت الأسرة على عاتقها مشاقًا مادية وهوياتية؛ وأدًا لكل مزيَّف، في رحلة تعليم «حنظلة». البحث عن حضانة كالبحث عن إبرة في كوم قش، تتخطيها لتبدأ تعليم ابتدائي يحاول خلق أجيال مُفرّغة من انتماءاتها، ما يتماثل في المرحلتين الإعدادية والثانوية، التي ما إن تنتهي ستصبح على مفترق طرق: الاكتفاء مجبرًا بشهادة مكفّنة بالفقر، أو بدء مجازفة جامعية متعددة العواقب المقصودة.
تجاوزت ذلك كله؟ مرحبًا بك في البحث عن فرصة تحت مظلة نظام عنصري يُمعن في الإعلاء من قوميته وتحقير أصحاب الأرض.
تعكس قصة «حنظلة» واقعًا حياتيًا وتعليميًا لعرب 48، على أرضهم المغتصبة من قبل الصهيونية التي أقامت إسرائيل، ليُجبروا على العيش في ظل نظامها المتناقض، الذي يمد يدًا ظاهرة للربت على رأس يهودييه ويُخفي بالأخرى صفعات على وجه سكان البلاد الأصليين.
خلفية تاريخية
نتـج عـن نكبـة 1948 تهجيـر وتشريـد نحو ثلاثـة أرباع مليـون فلسـطيني، وبقـي في المناطق الفلسـطينية التـي أقيمـت عليها إسرائيـل 156 ألـف فلسـطيني فقـط، شـكّلوا آنذاك نحـو 18% من السـكان في الدولة اليهودية الجديدة. ومع نزوح أغلبية النخب العربيـة، بقـي الفلسـطينيون «جسمًا بلا رأس» بكلمات يهوشـع باملون، مستشـار رئيـس الحكومة للشـئون العربية الأول، بحسب كتاب «مناهج التعليم العربي في إسرائيل» الذي مثّل مرجعية لهذا التقرير.
تحكّم جهاز الحكم العسـكري والمخابرات العامـة (الشـاباك) حتى 1966 في تعيين جميع مدرسي وموظفي المدراس العربية، والاعتبارات الأساسـية كانت أمنية. وبعد التعيين تسـتمر مراقبـة المُعلـم العربـي، فلا يُسـمح بنقاش «القضايـا الحساسـة» وإن فعـل يتعرض للتحقيـق أو يفقـد وظيفتـه. وضـع لا يـزال قائمـًا حتـى اليـوم، إذ يُسـمح للمعلـم أن يتطـرق مـع طلابـه لقضايا «القيـم» بشرط عـدم التطـرق للأحـداث الجاريـة.
طبّقـت الحكومـات المتعاقبة سياستها الاستعمارية تعليميًا. ويظهـر ذلك في الهيكل التنظيمي لجهاز «قسـم التعليم للعرب» في وزارة التعليـم، إذ يتسـم بالمركزية ويخضع للحكومـة ويديـره ويـشرف عليـه يهود. الجهاز ليس لـه دور في التخطيط أو اتخـاذ القـرارات. «يمكـن القول إن مشـاركة العـرب لا تتعدى كتابـة أو ترجمة كتـب أو تقاريـر بموجب تعليمـات محددة بعنايـة، ما يعني المشـاركة فقط في تنفيذ سياسـة الأكثريـة اليهودية»، يوضح «عاطف معدي»، مدير لجنة متابعة قضايا التعليم العربي (لجنة معنية بتعليم المجتمع الفلسطيني في إسرائيل)، في حديثه مع «إضاءات».
مع الوقت أمعنت السلطات في الإضعاف بإنشاء جهاز مستقل للعرب الدروز، ثم آخر لبدو صحراء النقب. وقد نبع التغول من انعـدام الإدارة الذاتيـة، والتمييـز الفاضح في تخصيـص الميزانيـات إذ خُصص 10% فقـط للتعليم العربي مـن ميزانية الوزارة… نسبة تبدو مرتفعة إذا علمت أنها كانت 3% عام 2007.
عام 2013، تبـين أن الفجوة بيـن الطالب العربي واليهـودي تتراوح بين 3000 و6000 شـيكل سـنويًا، ووفقًا لـ معدي «انعكس ذلك على المـدارس العربيـة التي لطالما عانت من نقـص في غـرف التدريس والخدمات المرافقـة والمختـبرات والملاعـب. كمـا أن الصفـوف في المـدارس العربية أكثر ازدحامـًا والمباني أقـل تأهيلاً وصلاحيـةً للتعليم».
كذلك تُمنـح مسـاعدات للطلاب اليهود الذين يعيشـون في «بلدات ذات تجمعـات سـكانية متدنيـة اجتماعيـًا واقتصاديـًا»، بتصنيف «أفضليـة قوميـة». ولا يتواجد التصنيف ذاته لسكان أي بلـدة عربيـة، رغـم تدنـي الوضع الاجتماعي–الاقتصـادي.
وينص القانون الإسرائيلي أن هـدف التعليم «التربية على قيـم الثقافـة الإسرائيليـة، والإنجـازات العلميـة، وحب الوطـن والولاء للدولـة ولشـعب إسرائيـل»، وقد أُقر هذا الهدف المشبّع بالقيم الصهيونية لجميع الطلاب عربًا ويهودًا، في محاولة لطمـس هوية العرب كجماعة قومية.
ويُعلّق «يوسف جبارين»، نائب الكنيست عن القائمة العربية المشتركة وعضو لجنة التعليم البرلمانية، لـ «إضاءات»: «لطالما تعاملت المؤسسة الإسرائيلية مع منظومة التعليم كأداة للهيمنة والسيطرة وذراع تنفيذية لسياسات سلخ المواطنين الفلسطينيين عن جذورهم التاريخية والثقافية، وحاولت خلق عربي جديد يتنكّر لأصله ويكن الطاعة للقوانين والرموز التي تقمعه وتقلل من شأنه».
إفراغ ومحو… وصعود يميني
لم تتطـرق المناهج الموضوعة لعرب 48 إلى هويتهم القوميـة، بل حاولت خلـق إنسـان مُقتلع من جذوره، ويسرد معدي لـ «إضاءات»:
وخلص كتاب «مناهج التعليم العربي في إسرائيل» إلى أن السياسة الإسرائيلية أفضت إلى ثلاث نتائج:
- إفراغ اللغة من مقوماتها.
- هيمنة الرواية الصهيونية.
- محو المشهد الفلسطيني.
ففي اللغة العربية تم نقـل منهـج اللغة العبريـة في المـدارس اليهودية وترجمـة مضامينه وتغيب نصـوص الرمـوز الفلسـطينية. وفي التاريخ تظهر مصطلحات صهيونية، فتوصف فلسطين بـ «أرض إسرائيـل» و«صهيـون» وتتناول بعض الشخصيات من منظور يهودي؛ فـ سليمان، النبي وفقًا للدين الإسلامي، يظهر ملكًا. أما الجغرافيا فيتم إنكارها والتركيز عـلى «أرض إسرائيـل» وتجنـب ذكـر حـدود تلك الدولة، وذكر الأسـماء العبريـة للمواقـع، وفـرض خطـاب يهودي صهيوني بافتتاح الكتـب بقطع مـن التوراة أو مقاطـع أشـعار يهودية.
يقول «بشير صبّاح»، طالب جامعي من ساكني حيفا، عن مرحلة تعليمه المدرسي لـ «إضاءات»:
«عادةً المدارس الداخلية المسيحية، التي درست بها، لديها غطاء لأنها ليست حكومية. كنا نُحيي ذكرى النكبة، رغم أنه قانونيًا ممنوع. أتذكر بمرة رفعنا العلم الفلسطيني من شباك المدرسة بنُص حيفا وإجت الشرطة وكان بدها تعرف مين عملها، ولكن لأن المدرسة معروفة ولها سمعتها تساهلوا بعض الشيء»… يذكر ضاحكًا.
وقد ألقى الصعود اليميني بظلاله على تعميق الهوة أكثر مع تولي بنيامين نتنياهو رئاسة الوزراء. وبحسب مسح ميداني عام 2017، هنالك حضانة واحدة بالمعدل لكل 2000 طفل في المجتمع العربي، مقابل حضانة واحدة لكل 250 طفلاً يهوديًا. وبلغ عدد الحضانات اليومية في المدن الخمس العربية الكبرى 18 حضانة فقط مقابل 26 مثلاً في بلدة «بيت شيمش» وحدها.
وعن المدارس يشرح معدي:
وأحدث «قانون القومية»، الصادر 2018، جدلاً كبيرًا بنصه على «إسرائيل هي الدولة القومية للشعب اليهودي، وحق تقرير المصير فيها يخص الشعب اليهودي فقط». وقد أثار قرار وزير التعليم «رافي بيرتس»، إلزام الطلاب بدراسة القانون للتحضير لامتحان «البجروت»، احتجاجات واسعة في أوساط فلسطينيي الداخل.
وفقًا للجهاز المركزي الإسرائيلي للإحصاء، تقلّص فارق الالتحاق بالمرحلة الثانوية بين الطلاب العرب واليهود من 28% عام 1995 إلى 5% في 2015، ولكن ظلت نسبة تخطي اختبار «البجروت» (المؤهل للتعليم العالي) متسعة، إذ كشف البرنامج الدولي لتقييم الطلبة «بيسا» عن أن 12% من الطلاب اليهود واجهوا صعوبات مع الاختبارات مقابل 53% من العرب الفلسطينيين.
ويروي جبارين أنه «في الأعوام الأخيرة نشهد تعميقًا للتمييز والإقصاء، في أعقاب تولي قيادة الصهيونية الدينية والمستوطنين منصب وزارة المعارف، بدءًا بـ نفتالي بينيت ومرورًا ببيرتس، بعدما استمروا بمحاولات طمس الهوية الفلسطينية وإدخال مضامين مشبوهة للكتب الدراسية للطلاب العرب، ومن بينها القانون العنصري».
تزامن القانون مع تنامي دور الشاباك في لعب دور الرقيب المحاسب، بعدما اتضح عقد «جلسات عمل» بين الوزارة والجهاز «للبحث بقضايا أمنية تتعلق بالمدارس العربية»، في فبراير/شباط الماضي. يُقابل ذلك محاولات مجابهة لا تخرج عن الهامش فبحسب معدي «نحاول أن تكون هناك مناهج ومعلومات إضافية لتثقيف الطالب العربي وإعلامه بهويته وثقافته، تظل هذه المناهج غير إلزامية ولذلك كان مطلبنا منذ بدايتنا في الثمانينيات بإدارة ذاتية للتعليم العربي».
أما جبارين فيبرر «لوجودنا في البرلمان أهمية كبيرة، من خلال موقعي في لجنة التعليم البرلمانية سعيت وأسعى لطرح قضايا الطلاب العرب في كافة المراحل، والمطالبة بتخصيص ميزانيات لتحسين الحال وتقليص الفجوات الكبيرة بين الطلاب العرب واليهود. كان لنا في السنوات الأخيرة بعض النجاحات، كتحصيل خطة تمويل لتدعيم المدارس، والمساهمة بزيادة ساعات تعليم للابتدائيات والإعداديات، وترجمة شهادات البجروت للعربية. بالطبع ما زلنا بعيدين عن المساواة والطريق طويل، لكننا سنستمر بتمثيل قضايا طلابنا من أجل النهوض بالتعليم العربي».
الجامعات والمعوقات
مع عدم وجود أي جامعة عربية، ورغم معوقات التعليم قبل العالي، ارتفعت نسبة الطلاب العرب في الجامعات الإسرائيلية من 10% عام 2008 إلى 18% (51 ألف طالب) في 2019. ويرجع جزء منه لاستثمار الحكومة الإسرائيلية ملايين الدولارات لتطوير التعليم الأكاديمي في القطاع العربي. وقد لجأ نتنياهو لذلك لأولوية اقتصادية لدعم التنمية، بجانب موازنة التأثير السلبي للتوسع في الاستيطان على السكان العرب، أو «حتى لا تخرج الأمور عن السيطرة».
ورغم هذا فإن ما يقارب 30% من الطلاب العرب يتوجّهون للدراسة خارج إسرائيل. ووفقًا لمركز «مدى الكرمل» فإن الوجهة الأساسية هي الجامعات الفلسطينية، خاصة الجامعة الأمريكية في جنين بالضفة، والجامعات الأردنية.
يضعنا بشير، سكرتير التجمع الوطني الديمقراطي الطلابي بجامعة حيفا، في الصورة شارحًا لـ «إضاءات»: «كـ طالب عربي تواجه لأول مرة اللغة العبرية في الجامعة، لأن أغلب فلسطينيي الداخل يعيشون في مدن غير مختلطة، وعشان هيك بتواجه سنتين على الأقل لفهم العبرية وتعلمها، حتى الطاقم التدريسي الفلسطيني لا يزيد عن 1%».
وينتقل متحدثًا عن نشاطه السياسي «الجامعة بتوري حالها كأنها ديمقراطية ولكن لو حملت العلم الفلسطيني داخلها فـ 99% سيتم فصلك. كان هناك عدة مواجهات مع الشرطة وتعرض عديد الطلبة للملاحقة. مثلاً في 2014 اجت الشرطة بكثافة لأن النائبة حنين زعبة، التي كانت على متن سفينة مرمرة، كانت ستلقي محاضرة، وهو ما خوّفهم حتى أن المئات من اليمين أتوا ليمنعوها. مشاهد صارت إلنا عادية وهون المشكلة لأننا بطلنا نعرف شو العادي واللي مش عادي، التأقلم مع هيك وضع غير صحي، أو بمعنى أصح تأسرل».
تُمثل العنصرية عائقًا آخر، فقد كشف استطلاع عام 2017 شمل 1300 طالب عربي عن تعرض 50% منهم لمظاهر عنصرية، وعن طبيعة ذلك يجيب طالب علم النفس «مثلاً الطالب إذا مش فاهم كلمة معيّنة وطلب من المحاضر أن يشرحها، والأخير ملزم بذلك، قد يرفض، وهيك شغلات. كذلك ما بنشوف أي لافتة مكتوبة بالعربي. انتزعنا من الإدارة ميزانية لتغيير اللافتات لتصبح بالعربية والعبرية والإنجليزية ومر عام ونصف دون تغيير. في النهاية العنصرية تظهر شخصية لأنه فيه تخوف من المنهجية في ظل التكنولوجيا ووسائل التواصل».
ويستفيض «جامعة حيفا من أكثر الجامعات عنصرية. في 2012 سُميت (جامعة أمن إسرائيل)، وكنا نسميها الثكنة العسكرية إذ صدر قرار باستقبال مئات الجنود الإسرائيليين الراغبين في التعلم وسكنوا بمساكن الطلاب. كنا نشاهدهم داخل الحرم الجامعي حاملين الإم 16 ولابسين لباس الجيش. بشكل يومي بتشوفهم وبتسمعهم يحكوا عبري فبتحس حالك في ثكنة».
وعن رؤيته لأسباب ازدياد الطلاب العرب بالجامعات الإسرائيلية «من ضمن الأسباب الغلاء المعيشي لأن 50% من العرب تحت خط الفقر و70% عندهم عائل واحد فقط بالأسرة، والطالب بعد الثانوية لا يجد عملًا يكفيه فأصبح ذلك حافزًا للحصول على لقب أول (دراسة لـ 3 سنوات) على الأقل. كذلك صار فيه وعي بأهمية التعليم الأكاديمي لأنه يفتح مجالات من ضمنها الهجرة، ويساعد على تجاوز حالة اليأس من التطور». ويشدد «إحنا عايشين على أرضنا لكن ما بناخد خدمات دولتنا الفلسطينية لذا عنا مجهود إضافي للتعلم حتى نحصل على بعض المميزات. الطالب اليهودي الخادم بالجيش بيدفع نصف قسط التعليم وبياخد مساعدات ومنح من الحكومة ونحن طبعًا ما بناخد أي اشي».
وبشأن محاولات المقاومة الجامعية «هناك الكثير من الطلاب الوطنيين ولكنه قد لا يشارك خوفًا من إجراءات عقابية كالفصل. في السنة السابقة كنا نحاول إحياء ذكرى النكبة واجي علينا طلاب من حزب الليكود حاملين أعلام إسرائيل واستفزونا بالعبرية قائلين: نكبة سعيدة، وتعرضت حينها للتهديد بالفصل حال تطبيق فعالية أخرى، وانصعت للأسف خوفًا على مستقبلي».
ويعتبر أن «عدم تواجد اتحاد للطلبة الفلسطينيين سواء داخل الأراضي المحتلة أو الضفة أو غزة» سببًا لضعف النشاط الطلابي. مضيفًا «هناك محاولة لخلق إطار جامعي لكل الطلاب الفلسطينيين وإعادة مأسسة اتحاد طلاب. أنشأنا صفحة باسم صوت طلبة فلسطين وبنحاول نضغط على أغلب الحركات للموافقة وكتابة دستور لأن هذا الموضوع له تأثيرات قوية لخلق صوت واحد يمنحك دفعة، ولكن هناك عوامل قد تعيق منها الخلافات الفلسطينية الداخلية والحزبية».
جائحة تعليمية
مؤخرًا واجه الطلاب الفلسطينيون مشاكل متعلقة بالتعليم عن بُعد، مع تفشي فيروس كورونا، ويرى جبارين عضو لجنة التعليم البرلمانية «رأينا عدم جهوزية الطلاب العرب للتعامل مع هذه الطريقة، بسبب افتقار جزء كبير منهم للأجهزة اللازمة، وافتقار بعض البلدات العربية، وبالأخص مسلوبة الاعتراف في النقب، للبنى التحتية كالكهرباء والإنترنت. هذا عمّق الفجوات التعليمية ما بين الطلاب العرب الذين لا يستطيعون مواكبة الدروس وما بين الطلاب اليهود الذين توفرت لديهم الوسائل اللازمة».
فيما يوضح مدير لجنة قضايا التعليم العربي «بدأنا إضرابًا مفتوحًا، كسلطات محلية عربية بسبب الفارق الكبير للميزانية المفروضة لمواجهة كورونا، فقد بلغت 49 مليون شيكل للمحليات العربية من أصل 3 مليارات للبلدات اليهودية. التمييز الاقتصادي منعكس على أوضاع المدارس العربية من نقص البنى التحتية والمرافق وأعداد العاملين وكل ما يمثل حماية للطالب صحيًا؛ لذا اتخذنا قرارًا بالعودة الجزئية فقط، بعد تنسيق مع الجانب الطبي، لصفوف رياض الأطفال والثانوية لخوضهم امتحان البجروت، وسنواصل الإضراب لعدم التجاوب الحكومي مع مطالبنا».
لم يختلف الحال جامعيًا، فبحسب بشير «اليوم كل الاجتماعات مع وزارة التعليم أو أعضاء الكنيست لم يتواجد بها أي طالب عربي، رغم أن جامعة حيفا وحدها بها 9 آلاف طالب عربي أي ما يقارب نصف عدد الطلاب. والجامعات أعلنت منح طلابية وطبعا اللي خادمين بالجيش لهم الأحقية. أما اللغة فلم تتعامل الجامعة مع الطالب العربي ولم تترجم أي بيانات. بنظرهم هذه دولتنا ولغتنا وعليك أن تتأقلم».
دعانا ذلك للتساؤل: هل يمكن أن يتمتع التعليم العربي يومًا باستقلاله أو على الأقل ارتفاع جودته؟ وجبارين أجابنا «هذه الرؤيا التي نطرحها، وهذا الهدف الذي نصبوا إليه. لم تنجح كل محاولات المؤسسة الإسرائيلية حتى يومنا هذا بسلخنا عن جذورنا الفلسطينية ولا تمييع انتمائنا. لربما ما زلنا بعيدين، لكننا عقدنا العزم على الاستمرار بنضالنا وبمسيرة من سبقونا إلى أن نحقق المرجو لأبنائنا».
لكن الأبناء بدوا مُثقلين، وتباغتهم الغربة كما يقول صبّاح «أما بمشي في الشارع وبتطلع لأعلام إسرائيل على أرضي وفي نفس الوقت واقف على جبل الكرمل وببص على بحر حيفا، هذا تقاطع لواقعين مختلفين. أنا على أرضي بس مش بدولتي ومفيش كلمات تشرح. ما حدا بيقدر يعرف شو نهاية هذا الصراع… كتير صعب».
ويشاركنا حلمًا أثار مخيلته وداعبه كما داعبنا وهو يستعيد التفاصيل في ذهنه:
قالها بابتسامة بدت متألمة.