ليست كبقية دول الخليج: قصة الاقتصاد العماني
وفقاً للبنك الدولي من المتوقع أن يكون الاقتصاد العماني الأكبر نمواً من بين دول الخليج في 2020. يعد هذا مفاجأة مقارنة بالوضع الذي كانت عليه البلاد في 1970.
قبل خمسين عاماً كانت عمان الدولة الأكثر عزلة وتخلفاً بين دول الخليج. لم تكن البلاد تملك الكثير من الطرق الممهدة، وكان سكانها يعتمدون بشكل أساسي على أنشطة الزراعة والصيد، ورغم أنها اكتسبت أهمية اقتصادية كبيرة نتيجة لأن 40% من نفط العالم يمر عبر مضيق هرمز، الذي تتشاركه عمان مع إيران، فإن مستويات المعيشة كانت متدنية للغاية في هذا البلد الخليجي.
تخرج سلطان عمان الراحل قابوس بن سعيد في كلية ساندهيرست العسكرية في بريطانيا عام 1964. وقبل سنة واحدة من عودته من بريطانيا، أي عام 1963، انطلقت ثورة اشتراكية مسلحة في جنوب عمان ضد والده السلطان سعيد بن تيمور.
كان والد قابوس يحكم البلاد بعقلية العصور الوسطى، حيث كان يحظر الطب الحديث، والنظارات، والإذاعة، لذلك رأى قابوس أن والده عقبة في طريق تحديث عمان. كان ثوار (ظفار) ينادون بإسقاط السلطنة لتحديث البلاد، لذلك قطع عليهم قابوس الطريق وانقلب على والده، لتبدأ عمان من 1970 عصراً جديداً.
قفزة هائلة للأمام
طوال 50 عاماً، هي مدة حكم قابوس للسلطنة، جرت مياة كثيرة في نهر الحياة الاقتصادية والاجتماعية للعمانيين. أصبحت عمان الآن دولة متوسطة الدخل، ويقدر نصيب الفرد من الناتج المحلي بنحو 16 ألف دولار سنوياً.
إذ يبلغ الناتج المحلي لعمان اليوم ما يقارب 79 مليار دولار. في 1970، لم يكن الناتج المحلي يتجاوز 256 مليون دولار فقط، ذلك يعني أنه خلال حكم قابوس تضاعف الناتج المحلي نحو 270 مرة في غضون 50 سنة.
كانت القفزة التي حققتها عمان كغيرها من الدول الخليجية مدفوعة بثورة اكتشافات النفط في منطقة الخليج. تم تصدير أول شحنة نفط عام 1967 من عمان وبعدها توالت الاكتشافات.
مع ذلك حافظت عمان على إنتاج متوسط للنفط، فاحتياطاتها المثبتة، التي تقدر اليوم بـ 5.5 مليار برميل، لم تكن كبيرة مثل بقية دول الخليج.
إلا أن قابوس أحسن إدارة موارده المحدودة مقارنة ببقية جيرانه، فالبلد الذي كان يسكنه ما يقارب 700 ألف في 1970 أصبح اليوم سكناً لما يقارب 5 ملايين نسمة.
استغل السلطان قابوس، الذي شغل في ذات الوقت مناصب رئيس الوزراء ووزير الدفاع ووزير المالية ووزير الخارجية، موارد عمان النفطية في بناء الطرق والمدارس والمستشفيات، وغيرها من الخدمات العامة التي نادراً ما وجدت في عمان قبل عصر قابوس.
نفط عمان
اشتهر السلطان قابوس طوال فترة حكمه بالحفاظ على موقف حيادي من القوى الإقليمية في المنطقة؛ كان صديقاً لإيران والسعودية، ولم يقاطع مصر كما قاطعتها بقية الدول العربية بعد كامب ديفيد، وظل على هذا المبدأ طيلة حياته.
يمكن القول بأن مبدأ الحياد الذي انتهجته عمان يعود في جنب كبير منه لأسباب اقتصادية. فعمان تدير حقولاً مشتركة للغاز مع إيران، وبالتالي تجمعهما مصالح اقتصادية مباشرة. في ذات الوقت تمثل دول الخليج العربية، السعودية والامارات تحديداً، شركاء تجاريين مهمين لعمان.
تنتج عمان قرابة المليون برميل من النفط يومياً، وتسيطر (شركة تنمية نفط عمان) على إنتاج 85% من النفط العماني. تملك الحكومة العمانية 60% من أسهم الشركة، بينما تتوزع باقي الملكية بين شركة شل الهولندية البريطانية (34%) وشركة توتال الفرنسية (4%) وشركة بارتكس البرتغالية (2%).
ولشركة تنمية نفط عمان عقد امتياز مدته أربعون عاماً، مما يعني أن الشركة سوف تظل مسيطرة على إنتاج النفط العماني على الأقل حتى عام 2044.
التحرك بعيداً عن النفط
محدودية الموارد النفطية ساهمت في إدراك عمان مبكراً خطر الاعتماد على النفط على المدى الطويل، ومن ثم بدأت طريق التنويع الاقتصادي مبكراً في نهاية التسعينيات.
اليوم يمثل قطاع النفط نحو 70% من عائدات الحكومة العمانية، وهي نسبة أقل بكثير إذا ما قورنت بالسعودية التي يمثل القطاع النفطي فيها قرابة 90% من عائدات الحكومة والصادرات.
تاريخياً كانت عمان تمتلك قطاعات اقتصادية مهمة قبل اكتشاف النفط. قطاعات: التجارة والصيد والزراعة كانت مهمة في عمان طيلة التاريخ، وهي التي مكنت السلطنة الخليجية من منافسة القوى الاستعمارية الأوروبية الكبرى كالبرتغال للسيطرة على طرق التجارة في المحيط الهندي في القرنين السابع عشر والثامن عشر.
لكن بعد اكتشاف النفط ظل الاقتصاد العماني مدمناً لفترة طويلة إيرادات تصدير النفط، قبل أن تنتبه الحكومة لهذا الخطر وتعيد التفكير في استغلال إيرادات النفط والغاز العماني في التنويع الاقتصادي.
بدأت الحكومة بالتفكير في مشروعات البنية التحتية، والعقارات واستثمرت بكثافة في مجال إنشاء المناطق اللوجستية في الموانئ الرئيسية في البلاد، كما شجعت الاستثمارات الخاصة.
استثمارات متنوعة
انعكست تلك الاستراتيجية الحكومية للتنويع الاقتصادي على الاقتصاد العماني من نهاية التسعينيات وحتى الآن وهو ما يفسر ظهور قطاع صناعي قوي حول البتروكيميات والصناعات الكيميائية المختلفة، والتي ازدهرت في عمان من نهاية التسعينيات وحتى الآن، كما يشهد قطاع السياحة نمواً مميزاً.
اليوم يهيمن قطاع الخدمات على الأنشطة غير البترولية في سلطنة عمان حيث يشكل 38% من الناتج المحلي، ويشارك قطاع السياحة بـ 3% منه، بينما تمثل الصناعة 16.6% من الناتج المحلي، في مقابل 1.3% من الناتج المحلي لقطاعي الزراعة والصيد.
ينعكس هذا التحول على هيكل توزيع الثروة في عمان، والذي يمتلك العشرة الأكثر ثراء فيها استثمارات كبيرة في قطاعات غير بترولية.
فبينما جنى عقيل البلوشي أغنى رجال الأعمال العمانيين بحسب مجلة فوربس ثروته من قطاع العقارات، عمل المليادرير العماني سعد الرشيدي والذي قدر صافي ثروته بنحو 3.8 مليار دولار في مجال الاستيراد والتصدير، في حين يعمل رجال أعمال آخرون مثل المليادير سهيل بن علي على الاستثمار في قطاع الصيد وتصدير الأسماك. كل هذا يعني أن الاقتصاد العماني اليوم أكثر تنوعاً مما مضى.
فخ العجز والدين
يظل الخطر الأكبر الذي يواجه الاقتصاد العماني متمثلاً في العجز المتزايد في ميزانيتها العمومية، وهو الأمر الذي يثير القلق حول قدرة عمان على الاستمرار دون إجراءات تقشفية شديدة.
اليوم يمثل الدين العام ما يقارب 47% من الناتج المحلي العماني وهي نسبة أصغر من معظم الدول العربية، لكنها كبيرة إذا ما قورنت بدول الخليج الأخرى.
يستمر هذا الدين العام في التفاقم بفعل النفقات المتزايدة للحكومة العمانية والتي أنفقت بسخاء على برامج التوظيف والإعانات الاجتماعية والبنية التحتية فيما تلى 2011، من أجل تجنب احتجاجات الربيع العربي التي امتدت لجارتها البحرين.
إلا أن العامل الأساسي في زيادة هذا العجز وتضخم الدين العام في عمان هو تراجع إيرادات النفط بفعل الأسعار المنخفضة للنفط في السنوات الأخيرة.
ومع ذلك، فهناك مؤشرات إيجابية كثيرة فيما يتعلق بالاقتصاد العماني، فالحكومة مستمرة في خطتها الطموحة للتنويع الاقتصادي وزيادة حصة عمان في التجارة وأنشطة إعادة التصدير، والذي تستحوذ دبي على جزء كبير منه في منطقة الخليج. على سبيل المثال لدى الحكومة العمانية خطة لإنشاء خط سكك حديدية يربط موانئ البلاد الشمالية بالجنوبية مما قد يساهم بشكل كبير في نمو صناعة المناطق اللوجستية في عمان.
وهو أمر سيكون لسلطان عمان الجديد، هيثم بن طارق، الذي كان مشرفاً على خطة التنمية العمانية 2040 دور مهم لا شك في تحديد مآلاته.