السياسة الاقتصادية للسيسي: ماذا استهدفت وماذا حققت؟ (1)
يمر المواطن المصري بأوضاعٍ اقتصادية أقل ما يُقال عنها، بالنسبة للمجتمع العالمي، أنها أوضاع صعبة. تتمثل في موجات ارتفاع الأسعار المستمرة، والتراجع الملحوظ في مستوى الخدمات العامة، من الكهرباء والمياه والغاز الطبيعي وغيرها من الخدمات التي ترتفع فواتيرها يومًا بعد يوم على عاتق المواطن. ويأتي ذلك على عكس ما وعد به الرئيس عبد الفتاح السيسي، منذ توليه الحكم في يونيو 2014، بتنفيذ حزمة من الإصلاحات الاقتصادية، تساعد في خروج المواطنين من أزمتهم الاقتصادية.
أهم الأولويات الاقتصادية للسيسي
جاء الرئيس عبد الفتاح السيسي ليتولى حكم مصر في 8 يونيو 2014، دون تقديم برنامج انتخابي كبقية المُرشحين، أو كما هو مُتعارف عليه، لكنه في المُقابل وعد بالعمل على مشروعات قومية في عهده تكون كبديل لبرنامجه الانتخابي وهي: مشروع قناة السويس الجديد، ومشروع استصلاح المليون فدان، ومشروع شرق التفريعة، ومشروع شبكة الطرق 3700 كيلومتر والـ 7 كباري، ومشروع أنفاق تحت الأرض ما بين شرق وغرب قناة السويس، ومشروع إنشاء شركة لتشغيل مليون شاب في أربع سنوات.
وبتتبع آليات العمل في تلك المشاريع القومية، نجد أن المشروع الوحيد الذي تم تنفيذه هو مشروع قناة السويس الجديدة، والذي يعتبر امتدادًا لخطة موضوعة من قبل نظام الإخوان السابق، الذي سيتم افتتاحه في أغسطس 2015. أما عن مشروع استزراع مليون فدان، فبعد عام من الوعد به ظهر السيسي في كلمته التي ألقاها في عيد الفلاح، حالمًا بإنشاء الريف المصري الجديد أسوة بالريف الأمريكي والأوروبي، وقال أن الحكومة ستعمل خلال فترة الدراسات على إنشاء البنية التحتية للريف الجديد، وسيتم الانتهاء من حفر 1000 بئر خلال 4 أشهر من إجمالي 4000 بئر لزراعة المليون فدان.
وحقيقةً يعتبر مشروع المليون فدان من أهم المشروعات القومية التي يُمكن أن تأتي بالنفع على المواطن المصري، وذلك لأنه سيحقق لمصر نوعًا من الاكتفاء الذاتي من السلع الإستراتيجية التي تستنفذ الكثير من مليارات الدولارات من أجل الحصول عليها من الخارج مثل القمح والذرة والخضراوات. ولكن يبدو أن الحكومة تراءى لها غير ذلك خلال العام المنصرم لذا قررت تأجيله والبدء به خلال العام الجديد، ولكن هل تنجح الحكومة بالفعل في تنفيذه في ضوء تخوفات خبراء الزراعة والري من وجود بعض المعوقات، المتمثلة في نقص المياه الجوفية وصعوبة حفر الآبار؟!
وتظهر أولويات السيسي الاقتصادية من خلال المشروعات التي اهتمت بها حكومته عندما أراد تنظيم مؤتمر اقتصادي أشبه بالمؤتمرات العالمية. فخلال مارس الماضي عُقد مؤتمر دعم وتنمية الاقتصاد المصري بشرم الشيخ، وتركزت اهتمامات الحكومة خلال المؤتمر بشكل كبير على جذب الاستثمارات سواء المحلية أو العربية أو الأجنبية لقطاعي الطاقة والعقارات بصفة خاصة، وهي من القطاعات الاقتصادية كثيفة الاستخدام لرأس المال، ولن توفر مزيدًا من فرص العمل التي تخفف من حدة مشكلة البطالة في المجتمع، فضلًا عن أن عوائد تلك المشروعات تأتي في صورة أرباح تعود بصورة رئيسة على أصحاب رؤوس الأموال. ومن هنا يظهر أن محدودي الدخل ليسوا في قمة أولويات الحكومة كما تم الإعلان عن ذلك مرارًا خلال العام الماضي.
محاور عمل الحكومة خلال العام الماضي
تزامنًا مع تولي السيسي مقاليد الحكم في مصر، تم وضع أطر الموازنة العامة للدولة للعام المالي 2014-2015، وشملت تلك الأطر التخطيط للمضي قدمًا في الإصلاحات التنموية نحو البناء وتحقيق بداية جديدة.
١- زيادة معدلات التشغيل مع تحقيق التوازن بين حقوق العمال وأصحاب العمل وواجبات كل من الطرفين بما يحقق الصالح العام للشعب المصري، ويدعم رفع إنتاجية العامل المصرى لتواكب المعدلات العالمية بالنسبة للأجر، مع الاهتمام بالتدريب والتأهيل.
2- تدعيم العدالة الاجتماعية وذلك من خلال توفير وتحسين الخدمات العامة الأساسية عبر تحقيق تحسن مباشر وملموس في مستوى الخدمات والمرافق وأهمها الخدمات الصحية بكافة أشكالها والتعليم في مراحله وأنواعه المختلفة، والبنية التحتية خاصة مياه الشرب والصرف الصحي والإسكان والطرق والأمن العام ووسائل النقل العام بصوره المختلفة.
3- تحقيق الانضباط والاستقرار المالى بما يتطلبه من اتباع سياسات مالية منضبطة ومتوازنة تضمن توليد موارد مالية متجددة ومنتظمة لإيجاد تمويل يكفي لتلبية طموحات الشعب المصري في مستوى معيشي أفضل.
ويقول البيان المالي لموازنة العام الجديد 2015-2016، إن أغلب مؤشرات أداء الاقتصاد خلال العام المالى الجارى شهدت تحسنًا نسبيًا، مثل ارتفاع معدلات النمو الاقتصادي إلى نحو 5.6% خلال النصف الأول من العام المالى الحالى مقابل 1.2% خلال الفترة ذاتها من العام المالى السابق، ويقول البيان أيضًا إن مؤشرات البطالة تراجعت إلى 12.9 %فى ديسمبر ٢٠١٤ مقابل ١٣٫٤ %فى يونيو 2014، وتراجع متوسط معدلات التضخم إلى 10.6%.
ومع قول النظام الحالي بأنه يسعى لتحقيق سياسة اقتصادية أكثر قدرة على رفع مستوى الدخول للمواطنين وتحسين جودة حياتهم، وذلك من خلال إحداث تحول في منهجية إدارة الاقتصاد والاستغلال الأمثل لموارد هذا الوطن.
- اتباع سياسات مالية ونقدية تقشفية نوعًا ما ومتسقة تعمل على خفض عجز الموازنة العامة للدولة والحد من تفاقم أعباء الدين العام واحتواء التضخم.
- الدفع بمعدلات الاستثمار العيني عن طريق خلق المناخ المناسب لتشجيع القطاع الخاص المحلي وجذب الاستثمار الأجنبي، مع التركيز على عدد من المشروعات التنموية الكبرى كثيفة العمالة والتي تمتد آثارها الإيجابية ونفعها لأجيال مقبلة.
- إعادة النظر في برامج الحماية الاجتماعية، بحيث تساعد على تمكين المواطنين من المشاركة في عملية النمو والاستفادة من ثماره، إما مباشرة من خلال البرامج التي تهدف لإعادة توزيع الدخل مثل برامج التحويل النقدي، أو من خلال برامج تطوير الخدمات الاجتماعية الأساسية (تعليم وتدريب وخدمات صحية).
ما سبق عرضه هو ما قالت الحكومة أنها ستقوم بتنفيذة سواء خلال العام الماضي أو القادم، ولكن هل تم التنفيذ بالفعل؟ هل تحققت العدالة الاجتماعية بين جميع فئات المجتمع؟! هل تحسنت دخول المواطنين بما يتوافق مع معدلات ارتفاع الأسعار في المجتمع؟! هل شعر المواطن بالتحسن المُعلن في معدلات النمو؟! كل تلك الأسئلة هي بمثابة الإشكالات الأساسية التي يعاني منها المجتمع والاقتصاد المصري. في الجزء الثاني من التقرير نحاول الإجابة على هذه الأسئلة من خلال استعراض أهم القضايا التي تواجه المجتمع المصري وكيف تعامل السيسي معها خلال عام من حكمه للبلاد.