تَنصُّت – الحلقة الخامسة (الأخيرة)
الحلقة الرابعة
لم يكن عماد مثقفًا أو يملك أية خبرة بالرياضيات أو الفيزياء، وربما لهذا توصل إلى ذلك الاستنتاج الثوري. كان يفكر خارج الصندوق وبطريقة خالية من المنطق العلمي، والمثل العربي يقول: «قد تسبق العرجاء». عندما قدم أورسون ويلز فيلم المواطن كين، لم يكن يملك أي خبرة بفن السينما، لكنه كذب على الشركة المنتجة فأعطته صلاحيات عظيمة، والنتيجة هي أنه ابتكر وطور أفكارًا ما كان أي من دارسي السينما السابقين يجرؤ على تجربتها.
لم يكن عماد مثقفًا لكنه قرأ الكثير من قصص الخيال العلمي الغربية في مراهقته، وبدا له أن ما يفكر فيه معقول جدًا. ولكن .. لحظة ……………..
الكمان !!
بقايا الكمان المهشمة في سلة المهملات. هل تخيل أنه رأى بداخل الكمان قصاصة ورق؟، ربما هي عنوان من قام بالإصلاح أو الصيانة أو أي شيء آخر .. لكن ربما ..
هرع إلى حيث كانت سلة المهملات وتربع على الأرض، وراح يبحث.. اضطر لأن يقلبها على الأرض. كان الكمان المهشم خاليًا .. لا يوجد شيء فيه .. لقد تخيل .. علب طعام وعلب لبن وعلب تبغ وفواتير ممزقة. لكنه وجد ورقة مكرمشة… فتحها في شيء من التوجس فوجد عبارة واحدة بخط عصبي رديء:
هم .. الإشارات
شعر بقشعريرة .. هذا هو ما حدث فعلاً. لقد وجد مصطفى الحقيقة وكتبها في هذه الوريقة، ثم تخلص منها .. ما التفسير؟… ثمة تفسيران:
– أن رأيه تغير فعلاً وآمن بوجود أشباح. ردّة العالم العبقري إلى عالم الماورائيات.
– أنه كان يكتب تلك الكلمات عن الأشباح في الملف لهم .. لتلك الكائنات. يعرف أنهم يراقبونه ويقرؤون ما يدوّنه، وهو يريد التظاهر بأنه لا يعرف هذا القدر كله. لقد كان خائفًا .. مثل من تراقبه أجهزة الأمن، فيدوّن العبارات الوطنية طيلة اليوم وهو وحده في غرفته، محاولاً إثبات حسن نيته. كتب هذه الكلمات وترك المختبر وتوارى في داره لكنهم وجدوه وهشموا عنقه أو جعلوه يهشمه على الأرجح.
لماذا مات مصطفى؟، من قتله؟.
يمكن بشيء من الخيال أن نقول إنهم قتلوه لأنه عرف أكثر مما يجب .. هو الوحيد الذي اقترب من الحقيقة لهذا الحد.
غزو الكائنات القادمة من الفضاء لن يحدث .. لأنه ببساطة حدث فعلاً، وهو مستمر طيلة هذه اللحظات ..
والرسم الغريب؟.. قلنا إن هذا ليس وجه امرأة على الإطلاق .. على الأرجح هذه إحداثيات. الكائنات تحدد أماكن هبوطها …
يجب أن يفعل شيئًا ..
أول ما فعله عماد هو أنه انتزع القابس لتصمت كل الأجهزة، ويسود الظلام للمرة الأولى منذ فترة طويلة. ثم اتجه إلى المطبخ فجلب علبة ثقاب وزجاجة من الكحول الإيثيلي وجدها هناك. كان مصطفى يحب مذاق القهوة التي تعد على سبرتايه. سكب عماد الكثير من الكحول على الأجهزة ثم أشعل عود الثقاب وألقاه.
لقد أغلقت هذه البوابة .. البوابة التي تجلب لنا الكائنات من أبعاد أخرى، لكن هناك آلاف البوابات في العالم كله. آلاف الحمقى ساهرون ضمن مشروع seti يظنون أنهم يلتقطون إشارات غامضة، بينما هم في الواقع يفتحون بوابات الاحتلال .. إنهم يلتقطون الكائنات نفسها!كليك!.
هذا الصوت .. لا يمكن أن يكون إلا ..
نعم .. التخمين صحيح. باب الشقة مغلق ولا يمكن فتحه، كأن لسان القفل قد برز. إنه حبيس الشقة، ولاحظ في رعب أن شرشف المكتب قد احترق فبدأت شاشة الكمبيوتر تتفحم.. الستارة تحترق .. الدخان يملأ المكان .. هذا حريق .. حريق يتشعب ويتغول وهو حبيس الشقة ..
هذا منطقي.. هذه الكائنات في كل مكان .كان هناك شاهد خطير يعرف كل شيء، وقد تم تدميره في شقته… الآن هناك شاهد خطر آخر .. سوف يجدونه محترقًا .. وبالطبع لن يعمل جهاز الهاتف المحمول ولن تأتي المطافئ. هرع للحمام بحثُا عن ماء فوجد أجمل منظر رآه في حياته. الحرفي الذي قام بتحطيم الحمام قد نسي (الأجنة) على الأرض. التقطها بسرعة وبحث عن شيء ثقيل يدق به. لا يوجد. حمل الأجنة وهرع لباب الشقة … سوف أحطمك بأي ثمن ..
ضربات مجنونة للخشب .. كرراش!.. الدخان .. السعال .. ألسنة اللهب تزحف إلى البساط ..كرراش!.. ثغرة تتكون … ضربات …
في النهاية كان غارقًا في العرق، والدم يسيل من قبضتيه، لكنه تمكن من صنع فجوة في خشب الباب. فجوة تسمح بالخروج …
خارج الشقة وجد بعض الجيران بثياب النوم يرقبون المشهد مندهشين، لكنه لم يكلمهم وراح يثب الدرجات كالملسوع … فليطلبوا المطافئ هم ..
السيارة الواقفة تبدو كمرفأ آمن. جلس خلف المقود وأدار المحرك .. إنه يعمل. الحمدلله .. قواعد قصص الرعب غير سارية. تراجع بالسيارة قليلاً، ثم أدرك أن هناك شيئًا خطأ .. هو لم يفتح جهاز المذياع ولم يشغل المساحات .. ثم فوجئ بالفتيس يتحرك دون أن يحركه ..
إنهم هنا!.. إنهم في كل مكان!
يمكنه أن يذهب للشرطة ويحكي قصته لكن من يصدقه؟ المستشفيات ملأى بالمرضى الذين يقولون ما يقوله… سيناريو الجنون جاهز ..
لا مفر ..
لقد تم الغزو .. لقد ضعنا .. وهو أول الضائعين .. ثانيهم إذا أردنا الدقة ..
أدار مقود السيارة ليرسم حرف U ثم ينطلق بسرعة جنونية في الاتجاه العكسي على الطريق السريع. السيارات القادمة ترى المشهد المهول وتتفاداه في آخر لحظة، والكل يتساءل: هل جن؟.. هل هي نوبة قلية؟. الحقيقة أن هذا رجل بلغ به الذعر درجة أن يبحث عن مفر.. حتى لو كان تحت الأرض أو في السماء..هذا رجل يريد أن يموت ..
خذ الحذر لو مشيت على الطريق السريع ورأيت سيارة نيسان مسرعة قادمة نحوك. كن متيقظًا .. لا تمت معه …..
لنترك (عماد) الآن ففرصته في البقاء حيًا صفر. دعنا نعتني بأنفسنا. أنت لست وحدك .. تذكر هذا. بالواقع أنت في عالم مزدحم ولا يوجد شيء اسمه خلوة. عندما يفتح التلفزيون نفسه أو يغير القناة، وعندما يتلف ملف كمبيوتر بلا سبب، وعندما ينغلق باب بلا ريح فأنت تعرف السبب. احترسي يا آنستي عندما تأخذين حمامًا فلربما صار جسدك فقرة تسلية في برنامج يراه الملايين في مجرة أخرى ..
خذ الحذر.. والأهم ألا تحكي هذه القصة لطرف ثالث؛ حتى لا تصير من البؤساء الذين يعرفون أكثر مما يجب.
تمت
جميع حلقات القصة متاحة على (هذا الرابط)