أكتئب فآكل أكثر فأكتئب وآكل مجددًا: ما حل هذه الدوامة؟
إذا سألتَ من يعانون من زيادة الوزن، والسمنة، عن السبب الذي أوقعهم في شِراك تلك المشكلة، سيكون الهروبُ من ضغوطات الحياة، ومن الشعور بالإحباط والاكتئاب عبر الانغماس في الاستمتاع بالطعام، من أكثر الإجابات التي ستأتيكَ تكرارًا.
وبالرغم من أن بعض الحالات الشديدة من الاكتئاب قد تنتهي بالمريض إلى الزهد في تناول الطعام، أو التوقف التام عنه إلى حد المجاعة، بسبب تبخُّر الجهد و الطاقة ولو لمجرد إعداد وجبة طعام، وفناء الدوافع لمواصلة الحياة، فإن أكثرية الحالات تعاني من العكس، وهو الشره في تناول الطعام.
ولا يقتصر حديثي هنا على الاكتئاب بمعناه الأخطر والأكثر خصوصية كمرضٍ نفسي فحسب، إنما أقصد هنا المعنى العام الأوسع الذي يضم المزاج السيئ، ودرجات الاكتئاب الأخفُّ زمنًا وشدة، والتي يكاد لا يوجد من لم يمر بمثلها.
الطعام والاكتئاب .. الفخ
نظرًا للارتباط الوثيق بين النظام الغذائي، والحالة النفسية، فقد ركَّزت العديد من الدراسات العلمية على مُختلَف جوانب هذا الأمر. وأكدت نتائج عديدة لتلك الدراسات على خطورة الاستسلام لدوامة الطعام والاكتئاب.
الأمر أشبه بالوقوع في المصيدة، أو الغرق في دوامةٍ لا ترحم. لا تخلو حياة معظمنا من ضغوطاتٍ مختلفة على صعيد العمل أو الأسرة .. الخ، وقد نسقطُ بسببها في دركاتِ الاكتئاب، ونتجه إثرَ ذلك إلى الإفراط في الطعام كمًّا وكيفًا، فنُصاب بزيادة الوزن التي غالبًا ما تقلل رضانا عن أنفسنا، وتجعلنا أكثرَ عرضة للمزيد من الاكتئاب، الذي نحاول تخفيف غلوائه بالطعام في أحيانٍ كثيرة، وتستمر الدوامة في الدوران وابتلاعنا في أعماقها أكثر.
اقرأ أيضًا: كيف تتعامل مع صديق تبدو عليه أعراض مرض الاكتئاب؟
كيف نكسر الحلقة المفرغة؟
يتساءل الكثيرون في قنوط، هل يمكن فك الارتباط بين الاكتئاب وشره الطعام؟.. بالطبع يمكن ذلك، لكنه سيحتاج للعمل على عدة محاور لمحاصرة الأمر من كافة الاتجاهات.
1. السيطرة على حدة المشاعر والانفعالات من المنبع
الشعور الجارف بالقلق أو الحزن أو الإحباط، غالبا ما يكون هو الوقود الذي يشعل ظاهرة شره الطعام المصاحبة للانفعال. لذا، فيمكن بالتعاون مع الطبيب النفسي، والمعالج النفسي، القيام بتدريبات فاعلة للسيطرة على المشاعر والانفعال.
كما أن الانتظام في تعاطي أدوية الاكتئاب كما وصفها الطييب يساهم إيجابيًا في السيطرة على الحالة ككل، ومختلف ظواهرها، وعلى رأسها ظاهرة شره الطعام الانفعالي.
2. تصريف الطاقة الانفعالية في مسارات أكثر إيجابية
ستحدث انفعالات شديدة لا محالة في بعض الأحيان، ولكن يجب تدريب النفس على محاولة تصريفها بوسائل أكثر إفادة وأقل ضررًا للشخص عن الطعام، كممارسة الرياضة ولو مجرد المشي تحت ضوء القمر، أو بقراءة رواية مسلّية، أو قضاء وقتٍ ممتع من الأهل أو الأصدقاء، أو كتابة أفكارك في مقال أو رواية .. الخ.
اقرأ أيضًا: انتحار المكتئب .. المسئولية في الدين والطب
3. التفرقة بين الجوع الحقيقي والجوع الكاذب
الجوع الكاذب هو الشعور بالرغبة الجارفة في تناول الطعام تحت وطأة المشاعر السلبية، وهو ما نحاول أن نحاربه هنا. لكن كيف نحارب ما لا نعرفه بشكلٍ جيد؟ من المهم جدًا التفرقة بين الجوع الكاذب، والجوع الحقيقي الطبيعي، وأهم ما يتميز به الجوع الكاذب هو أنه يحدث فجأة وليس بالتدريج مع مرور الوقت بعد آخر وجبة، ويكون لأصنافٍ معينة من الطعام (لاسيَّما الحلويات والنشويات)، وفي حالة الاستجابة له ينغمس الشخص في تناول كمية كبيرة من الطعام، ورغم ذلك لا يشعر بشبعٍ كامل، ويصاحبه دائمًا تأنيب للضمير وجلد للذات.
4. التحرر من أسر النشويات والسكريات الضارة
في حالة الضيق النفسي، كثيرًا ما نميل للأطعمة حلوة المذاق، كثيفة السعرات الحرارية، كالحلويات الجاهزة، والآيس كريم، والمعجنات … إلخ، وتلك الأنواع من الطعام من المنظور الصحي كارثية، لكن كيف التصرف، و(النفسية بحاجة للطعم الحلو؟)
يجب ولو جزئيًا استبدال السكريات والنشويات المفيدة بالضارة، باللجوء على سبيل المثال إلى الفواكه المختلفة، والبطاطا، وحبوب الشوفان التي يمكن استغلالها في العديد من أنواع المخبوزات، والاستفادة من مساهمتها في تعزيز الشعور بالشبع، وقيمتها الغذائية العالية.
اقرأ أيضًا: الشوفان: هل هو غذاء سحري؟!
5. تنظيم أوقات النوم
يساهم تنظيم النوم بشكلٍ إيجابيّ في حل مشكلة دوامة الاكتئاب والطعام. فمن المعلوم أن السهر ليلًا يزيد الشهية، نتيجة زيادة إفراز هرمون الغريلين المحفَّز للشهية، لذا فالنوم جيدًا من 6 إلى 8 ساعات من الليل، ينظم الشهية، ويحسن من مستوى حرق الدهون، فيساعد كثيرًا ليس فقط في منع السمنة، إنما في إنقاص الوزن.
6. تجنب الإجهاد البدني والنفسي الزائد
السقوط في دوامة الإجهاد البدني والنفسي سيغرقك أكثر وأكثر في فخ الاكتئاب والطعام. لذا فتنظيمُ المهام اليومية، وتقسيمُها، والحفاظ على أوقاتٍ بينية من الراحة، يكسر تلك الدوامة، ويرفع عن كاهلك الضغط النفسي الذي يؤدي في النهاية إلى الوقوع في الاكتئاب، واللجوء إلى شره الطعام كمسكن مؤقت.
7. ممارسة الرياضة المعتدلة
تساهم الرياضة المنتظمة في تحسين الحالة المزاجية، وزيادة معدلات حرق الدهون بالجسم، وتساعد في إنقاص الوزن. وكل هذا يساعد كثيرًا في الخروج من فخ الطعام والاكتئاب. والرياضة المعتدلة كافية للغاية لتحقيق هذه الأهداف، ولو مجرد المشي بسرعة جيدة لنصف ساعة، أو الجري الخفيف لربع ساعة، بشرط الانتظام يوميًا أو بشكلٍ شبه يومي.
8. التخلص من مصادر الخطورة
لا تضع البنزين بجوار النار، وتشتكي من اندلاعها. لا تملأ الثلاجة بكل ما لذ وطاب من الأطعمة كثيفة السعرات، لتكون في مُتناوَلِك بسهولة في لحظات الضعف، فهذا يُصعِّب موقفَك كثيرًا، بل افعل العكس، أحِطْ نفسَك بالأطعمة الأقل ضررًا والأكثر فائدة، وقدرةً على إيصالك للشبع كالبقوليات والشوفان والخضروات والفاكهة.
كيف يمكن أن أحارب الاكتئاب بالطعام بشكلٍ صحي؟
في مقابل ما فصَّلناهُ في الفقرات السابقة من خطورة الوقوع في شِراك الطعام والاكتئاب، فإن الطعام يمكن ببعض التنظيم أن يكون سلاحًا مهمًا وصحيًا لمواجهة الاكتئاب، عبر الخطوات البسيطة التالية:
أولا: ما لا يُدرَك كلُّه لا يُترَك جُلُّه، ولا بعضه: فمن لا يستطيع تحت وطأة حالته المزاجية والنفسية أن يحقق التزامًا كبيرًا بالطعام الصحي المتوازن، فليقبلْ ولو مرحليًا بالالتزام الجزئي، وبالمكاسب الصغيرة. وفي حالات الفشل والتقصير، يجب تجنب جلد الذات، لأنه طريق الفشل التام.
ثانيًا: استبدال السكريات الضارة، بالسكريات الطبيعية المفيدة، والتي من أهم أمثلتها مختلف أنواع الفاكهة. فهي قادرةٌ على تحسين الحالة المزاجية، بضريبة أقل من السعرات الحرارية وزيادة الوزن، مع فوائد غذائية وصحية عديدة.
ثالثًا: الاعتماد على الأغذية الغنية بالأوميجا – ثري، مثل الأسماك، والخضروات الورقية الخضراء، والمكسرات مثل الجوز، وزيت الكانولا. إذ وجدت بعض الدراسات أن الأوميجا ثري تساهم في تحسين أعراض الاكتئاب.:
اقرأ أيضًا: فيتامين د: هل يُمكن أن يُحدِثَ نقصُهُ كل ما نعانيه؟
رابعًا: الزيوت المفيدة الغنية بالدهون غير المشبعة مثل زيت الزيتون، لا تقلل فحسب من خطر الإصابة بالسكر والضغط وأمراض القلب، إنما وُجِد أنها تقلل أيضًا فرص الإصابة بالاكتئاب المرضي، وتقلل شدته.
خامسًا: ولعلها النقطة الأهم هنا. بتطبيق النقاط السابقة، والنجاح في السيطرة على شره الطعام وزيادة الوزن، ولو كانت سيطرة جزئية، ترتفع الحالة المعنوية لمريض الاكتئاب والقلق، وتتحسّن صورته الذاتية عن نفسه، مما يساهم في السيطرة على أعراض الاكتئاب وشدتها.