«الغوطة الشرقية» تلفظ أنفاسها الأخيرة
كانت هذه بعضًا من التعليقات على الأوضاع في منطقة الغوطة الشرقية، الواقعة قرب العاصمة السورية دمشق. هذه ليست تعليقات من معارضين لنظام الأسد يريدون تهويل ما يحدث، بل هي تعليقات مسئولين من منظمة الأمم المتحدة، بينهم الأمين العام «أنطونيو غوتيريش» نفسه، وبعض الصحف العالمية.
ماذا يحدث في الغوطة الشرقية؟
الغوطة الشرقية، هي منطقة زراعية تقع على مشارف مدينة دمشق. يعيش فيها نحو 400 ألف شخص منذ سنوات. وتعد آخر منطقة تسيطر عليها قوات المعارضة قرب العاصمة. وتخضع المنطقة لحصار قاسٍ من قبل نظام الأسد منذ 5 سنوات.
يبدو أن النظام السوري وحلفاءه روسيا وإيران قرروا أنه قد آن الأوان لـ «تطهير» محيط العاصمة من الأعداء، أو الإرهابيين كما يطلق عليهم النظام، لذا كثفت القوات الموالية والمتحالفة مع «الأسد» قصفها الجوي والصاروخي والمدفعي على منظقة الغوطة الشرقية خلال الأسبوع المنصرم. وهو ما أدى إلى مقتل 416 مدنيًّا بينهم 96 طفلًا و61 امرأة، وإصابة 2116 شخصًا، وخروج 10 مراكز طبية وإسعافية ومشافٍ من الخدمة جراء استهدافها، بحسب «المرصد السوري لحقوق الإنسان».
ويرفض نظام الأسد وحلفاؤه دخول قوافل المساعدات الغذائية أو القوافل الطبية إلى «الغوطة»، إذ لم يسمحوا إلا بدخول قافلة مساعدات واحدة للمنطقة خلال هذا العام، ما نتج عنه ارتفاع تكلفة حزمة الخبز إلى ما يقارب 22 ضعف المعدل الوطني، وارتفاع نسبة الأطفال تحت سن الخامسة الذين يعانون من سوء تغذية حاد إلى 11.9%، وهو أعلى معدل في سوريا منذ بدء الصراع في 2011، حسبما قال «بانوس مومتزيس»، منسق الأمم المتحدة الإقليمي لشئون الإغاثة في الأزمة السورية.
ولم يستجب النظام السوري إلى الآن لمناشدات «اللجنة الدولية للصليب الأحمر» السماح لها بدخول المنطقة، رغم قولها إن «الجرحى من الضحايا يموتون لأنهم فقط لا يتلقون العلاج في حينه. حجم الكارثة في الغوطة الشرقية يقتضي ضرورة السماح لفرقها الطبية بالدخول لمساعدة الأطباء المحليين، والممرضين الذين أغرقوا بالعمل تمامًا».
من يسيطر على الغوطة الشرقية؟
يسيطر على منطقة الغوطة الشرقية 4 فصائل معارضة بشكل أساسي، هي:
جيش الإسلام: شُكل جيش الإسلام على يد سجين صيدنايا السابق «زهران علوش» عام 2013. يعد أحد أكبر تجماعات المعارضة السورية العسكرية وأكثرها تنظيمًا، ويتراوح عدد مقاتليه بين 10 و 15 ألف مقاتل. شارك جيش الإسلام في عشرات العمليات العسكرية في مختلف المدن السورية، ويتمركز بشكل أساسي في مدينة «دوما» الواقعة في الغوطة الشرقية.
يمثل الهجوم الحالي على الغوطة الشرقية ثاني تهديد وجودي لجيش الإسلام، بعد التهديد الأول الذي وقع في أواخر العام 2015 عندما اغتالت روسيا قائده صاحب الكاريزما «زهران علوش». وإذا فشل جيش الإسلام في الحفاظ على الغوطة الشرقية، فربما ينتهي وجوده.
فيلق الرحمن: تشكيل عسكري تابع لـ«الجيش السوري الحر». كانت نواته الأولى «لواء البراء» الذي تأسس في أغسطس/آب 2012، وبعد ازدياد الأعداد والانضمامات أواخر العام 2013، تحول الإسم إلى «فيلق الرحمن» بقيادة النقيب «عبد الناصر شمير» المنشق عن جيش النظام.
ينتشر الفيلق على أغلب محيط مدينة دمشق الشرقي، وعلى تماس مباشر مع قلب العاصمة في كل من جوبر وزملكا وعين ترما، وعلى امتداد بلدات الغوطة الشرقية في كل من عربين ومديرة وكفر بطنا وجسرين وبالا وزبدين ودير العصافير وحتيتة الجرش ومرج السلطان، بالإضافة للقلمون الشرقي والغوطة الغربية.
يقدر عدد مقاتليه بنحو 10 آلاف مقاتل. دخل فيلق الرحمن في أكثر من مواجهة عسكرية مع جيش الإسلام بسبب وقوفه إلى جانب جماعة «الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام» في صراع الأخيرة مع جيش الإسلام، لكن علاقاته جيدة مع باقي الفصائل.
هيئة تحرير الشام: تأسست في فبراير/شباط 2017 من اندماج جماعة جبهة فتح الشام، التي كانت تُعرف سابقًا باسم «جبهة النصرة» حتى قطعت صلاتها السابقة مع تنظيم القاعدة في يوليو/تموز 2016، مع أربعة فصائل سورية صغيرة. وتوجد «الهيئة» في العديد من المدن السورية، لكن وجودها الأبرز في محافظة إدلب. وتضم عددًا كبيرًا من المقاتلين الأجانب.
يتزعمها في الغوطة الشرقية الشيخ «أبو عاصي»، وتنتشر عناصرها في بلدات عربين وكفر بطنا وجوبر. تعتبر من الفصائل النشِطة في الغوطة رغم قلّة عددها، بسبب قدرتها العالية على التفخيخ والتفجير والقيام بالعمليات الانتحارية، لكن علاقاتها متوتّرة مع أغلب الفصائل.
حركة أحرار الشام: تأسست أواخر العام 2011، وتتمركز حاليًا بشكل أساسي في ريف إدلب شمالي سوريا. لها وجود عسكري متواضع في الغوطة الشرقية، وعلاقاتها طيبة مع أغلب الفصائل المسلحة.
ماذا يريد النظام من الغوطة الشرقية؟
تمهد الضربات الجوية والبرية، والتي تجاوز عددها ثلاثة آلاف ضربة، لعملية عسكرية واسعة يستعد لها نظام الأسد وحلفاؤه لاستعادة السيطرة على الغوطة الشرقية بعد أن فقدها عام 2012. وهي أول تجليات الفشل المتوقع لمفاوضات «آستانة 2»، كما يعتقد المتحدث باسم الجيش الحر «أسامة أبو زيد».
يسعى «الأسد» من وارء هجومه، إلى الضغط على المعارضة المسلحة وسكان الغوطة للاستسلام أو الفرار إلى المناطق التي يسيطر عليها النظام أو القبول بسيناريو حلب؛ أي تهجير جميع سكان المنطقة إلى مناطق المعارضة الأخرى، وهو السيناريو الذي تتوقعه «الأمم المتحدة».
ويحول الوجود الكبير لقوات المعارضة المسلحة في الغوطة الشرقية دون تنفيذ هدف النظام السوري وحلفائه إلى الآن، إذ تمتلك المعارضة ما لا يقل عن 25 ألف مقاتل في الغوطة، وتشن هذه القوات حاليًا هجومًا مضادًا على مناطق النظام، لكن من غير المعروف إلى متى قد تقاتل هذه الفصائل في ظل الحصار والأحوال المعيشية والإنسانية الصعبة.