تاريخ الأرض: تهيئة الأرض وتطور الحياة
تاريخ الأرض: الأرض ما قبل الحياة
بعد أكثر من ملياري عام على نشأة الأرض، وبعد مرورها بـالدهر الجحيمي والدهر السحيق، جاء دهر الطلائع، أو دهر بداية الحياة. ودهر الطلائع Proterozoic eon، ويعني الحياة الأولية باليونانية، امتد لملياري عام، منذ 2500 مليون حتى 542 مليون عام تقريبا، وينقسم لثلاث حقب جيولوجية، هم حقبة الطلائع القديمة Paleoproterozoic era، وحقبة الطلائع المتوسطة Mesoproterozoic Era، وحقبة الطلائع الحديثة Neoproterozoic Era.
[/caption]ودهر الطلائع Proterozoic eon غني بالتفاصيل التي هيأت لكوكب الأرض أن يكون صالحا للحياة. فقبل دهر الطلائع كان الغلاف الجوي للأرض يتكون أغلبه من الميثان وثاني أكسيد الكربون. وكانت الخلايا الأولية في ذلك الوقت تحصل على الطاقة من خلال تحويل المركبات العضوية المعقدة لمركبات عضوية أبسط يمكن استهلاكها لتكون طاقة، فيها يعرف بالتخمر fermentation. ثم بدأت بعض الكائنات الأولية في التطور وتصنيع غذائها باستخدام التمثيل الضوئي الغير منتج للأوكسجين لتوفير الطاقة anoxygenic form of photosynthesis. حتى بدأت النقلة النوعية منذ 2.4 – 3.2 مليار عام مع تطوير البكتيريا الزرقاء Cyanobacteria لقدرة استخدام التمثيل الضوئي المنتج للأوكسجين، فكانت تستخدم طاقة الشمس والماء وثاني أكسيد الكربون لتوليد طاقة، وتُخرج الأكسجين كفضلات للعملية.
وفي البداية كان الأكسجين المنتج يسخدم في أكسدة المعادن في قشرة الأرض خصوصا الحديد والحجر الجيري، ولذلك لم يكن يؤثر في نسبة الأكسجين في الغلاف الجوي، حتى تشبعت معادن قشرة الأرض منه، فبدأ الأكسجين يتراكم في الغلاف الجوي تدريجيا. وتسمى فترة بداية ظهور الأكسجين في الغلاف الجوي بـ Great Oxygenation Event أو حدث التأكسج الكبير، وكانت منذ 2.3 مليار عام تقريبا، أي في بداية دهر الطلائع. وبسبب طاقة الأشعة الفوق البنفسجية القادمة من الشمس، كونت جزيئات الأكسجين غاز الأوزون والذي تجمع أعلى الغلاف الجوي ليكون طبقة الأوزون، والتي كانت وما زالت تحمي الأرض من التأثير الضار للأشعة فوق البنفسجية. وتكوُّن طبقة الأوزون سمح للبكتيريا بالتكاثر واستعمار سطح الأرض، بعدما كانت الأشعة فوق البنفسجية تعيقها عن ذلك.
وللتمثيل الضوئي المنتج للأكسجين تأثير آخر على الأرض، فالبكتيريا البدائية التي كانت تعتمد على التخمرهي باكتيريا لا هوائية anaerobic organisms لا يمكن أن تعيش في بيئة بها أكسجين، ولذلك كان ظهور الأكسجين في الغلاف الجو سببا لأول ظاهرة انقراض في تاريخ الكوكب. حتى أطلق عليها بعض العلماء كارثة التأكسج Oxygen Catastrophe بدلا من حدث التأكسج الكبير.
ولظهور الأكسجين أثر هام على طقس ومناخ الأرض. فبسبب ضعف قوة الشمس وقتها مقارنةً بالزمن الحالي، وبسبب أن حرارة الأرض كانت بسبب تأثير غازات الصوبة الخضراء كالميثان وثاني أكسيد الكربون، جاء الأكسجين ليقضى على ذلك الأثر ويُدخل الأرض في أول عصورها الجليدية المسمى Huronian glaciation. فالميثان كان يتفاعل مع الأكسجين لينتج ثاني أكسيد الكربون والماء، وثاني أكسيد الكربون كانت تستخدمه البكتيريا في التمثيل الضوئي وإنتاج أكسجين جديد. ومع الوقت انخفضت تركيزات غازات الصوبة الخضراء وبالتالي انخفضت قدرة الغلاف الجوي على الحفاظ على درجة حرارة مرتفعة من طاقة الشمس الضئيلة. ويطرح بعض العلماء نظرية تقول أن في ذلك الوقت تجمد سطح الكوكب بالكامل ليصبح كرة جليدية Snowball Earth بعد فترة قليلة من حدث التأكسج الكبير.
[/caption]كان دهر الطلائع شديد النشاط التكتوني، كما تجددت فيه أغلب القشرة الأرضية، وتكونت فيه 43% من القشرة القارية الحالية. وخلال تاريخ الأرض كانت القارات تلتحم لتكون قارات عملاقة ثم تنفصل مرة أخرى وهكذا دواليك، فيما يعرف بـدورة ويلسون أو دورة القارات العملاقة Supercontinent cycle، وذلك بسبب النشاط التكتوني وحركة قشرة الأرض. ومنذ 1.1 مليار عام حتى 750 مليون عام كانت اليابسة في الأرض ملتحمة في قارة واحدة عملاقة تسمى Rodinia وتعني الأرض الأم في اللغة الروسية. ثم تفككت Rodinia لعدة قارات، ثم التحموا مرة أخرى منذ حوالي 550 مليون عام في قارة عملاقة جديدة تسمى Pannotia لم تستمر لفترة طويلة حتى تفككت قبل بداية الانفجار الكامبري منذ حوالي 541 مليون عام.
وفي دهر الطلائع نشأت الكانئات ذات الخلية المتطورة حقيقة النواة Eukaryote، كما نشأت الكائنات متعددة الخلايا، ويرجع ذلك لزيادة نسبة الأوكسجين في الجو والذي كانت تسخدمه الخلايا حقيقية النواة في توليد الطاقة. فقد تطور نوع من الباكتيريا يسمى Proto-mitochondrion قادر على استخدام الأكسجين، واستطاعت هذه البكتيريا الاندماج في الخلايا حقيقية النواة لتكون عضيات الميتوكوندريا mitochondria المسؤولة عن توليد الطاقة داخل الخلايا الحية حتى الآن.
وتكونت أيضا في هذا الدهر، منذ حوالي مليار عام، الخلية النباتية، وذلك من خلال اندماج البكتيريا الزرقاء cyanobacteria القادرة على توليد الطاقة من التمثيل الضوئي، داخل بعض الخلايا غير ذاتية التغذية، وذلك لتصبح البكتيريا الزرقاء هي البلاستيدات الخضراء Chloroplasts المنتجة للطاقة في الخلية النباتية. وبدأت الخلايا النباتية في النمو على سطح الأرض بعد أن غزت الطحالب الشواطئ. وطورت الخلايا حقيقية النواة قدرة التزاوج الجنسي بين خليتين لإنتاج جيل جديد يحمل صفات الخلايا الأب.
[/caption]في نهاية دهر الطلائع شهد كوكب الأرض فترة جليدية شديدة العنف في العصر البارد Cryogenian period، تحولت الأرض فيها لكرة جليدية Snowball Earths متجمدة السطح والأنهار والمحيطات، لمرتين على الأقل في الفترة منذ 750 لـ 635 مليون عام. وليست هناك تفسيرات واضحة للعصر البارد، ومازال هذا العصر قيد أبحاث العلماء. لكن وبعد انتهاء العصر البارد جاء آخر عصر في دهر الطلائع وهو العصر الإدياكاري Ediacaran period والذي شهد تطورا حيويا سريعا، وظهرت كائنات متعددة الخلايا أكثر تطور يُطلق عليها ادياكارا بيوتا Ediacara biota. وبانقراضها انتهى دهر الطلائع ومعه انتهت دهور ما قبل الانفجار الكمبري وبداية دهر البشائر.
[/caption]دهر البشائر Phanerozoic eon هو الدهر الرابع في المقياس الزمني الجيولوجي لكوكب الأرض، وهو الدهر الذي نعيش فيه حاليا، والذي بدأ منذ 542 مليون عاما، ومازال مستمرا حتى الآن. وينقسم دهر البشائر لثلاثة حقب هم حقبة الحياة القديمة Paleozoic era والممتد منذ 542 حتى 252 مليون عام، وحدث فيها الانفجار الكمبري. وحقبة الحياة الوسطى Mesozoic era، وهي حقبة الزواحف العملاقة بامتياز، وبدأت منذ نهاية حقبة الحياة القديمة حتى 65 مليون عام سابقة. وأخيرا حقبة الحياة المعاصرة Cenozoic era والتي بدأت منذ 65 مليون عام ومستمرة حتى الآن.
[/caption]وحقبة الحياة القديمة كانت ذات نشاط تكتوني ملحوظ، واستمر فيها تكون القارات العملاقة وتفككها. وقرب نهاية تلك الحقبة تكونت القارة العملاقة Pangaea منذ 300 مليون عام والتي انقسمت بعد 100 مليون عام لتكون القارات الحالية.
[/caption]ثم حدث الانفجار الكامبري Cambrian explosion، وهو أهم حدث بيولوجي في تاريخ الأرض. حدث منذ 542 عام في العصر الكامبري، واستمر، حسب السجلات الأحفورية، لمدة 30 مليون عام فقط. وتكمُن أهمية الانفجار الكامبري في سرعة ظهور فصائل الكائنات الحية المختلفة وتطورها في فترة قصيرة جدا بعمر الأرض والحياة أيضا. ففي نهاية دهر الطلائع كانت أكثر أشكال الحياة تطورا هي الادياكارا بيوتا، وهي رغم تعقيدها النسبي مقارنة بما قبلها، ما زالت بدائية جدا، ولا تملك أي هيكل داخلي أو خارجي، ولا تملك أي أطراف.
[/caption]وفي الانفجار الكامبري ظهرت الكثير من الشعب الرئيسية Phylum. كما بدأت الكائنات الحية في تكوين الهياكل القشرية الخارجية والهياكل العظمية الداخلية والأطراف. وظهرت الرخويات والقشريات ومفصليات الأرجل، وظهرت أيضا الفقاريات، والأسماك الأولية Pikaia، والتي تطورت في العصر التالي للكمبري للأسماك الفقارية. وانتهى العصر الكمبري منذ 488 مليون عام بحدث انقراضي كبير يسمى حدث الانقراض الكمبري-الأوردوفيشي Cambrian–Ordovician extinction event والذي أدى لانقراض العديد من الشعب البدائية التي كانت مسيطرة على الأرض وقتها. ويقول السجل الأحفوري أن مفصليات الأرجل بدأت منذ 450 مليون عام في الخروج من المحيط لتستعمر الأرض وتكمل تطورها مستعينة بمصادر الغذاء النباتي الوفير على سطح الكوكب.
ومنذ حوالي 380 حتى 375 مليون عام، بدأت الكائنات رباعية الأطراف tetrapods في التطور من الأسماك، فبدأت الزعانف تتحول لأقدام تساعد الكائنات على الحركة على اليابسة قليلا، وبدأت البرمائيات amphibians في الظهور، فهي تعيش حياتها في الأرض لكنها تتكاثر وتبيض في الماء. ومنذ 360 مليون عام بدأت النباتات في التطور وإنتاج البذور، مما ساعد بقوة على انتشارها. وبعد حوالي 20 مليون عام طورت بعض البرمائيات طريقة التزاوج وأصبح بيضها الآن يحمل قشرة أقوى وغشاء سلوي amniotic egg فاستطاعت وضع بيضها على الأرض، وبالتالي قضاء حياتها بالكامل على الأرض، وسميت السلويات Amniote. وخلال الـ 30 مليون عام التاليين تمايزت السلويات بين الـ Sauropsida والتي تضم كل الزواحف والطيور وبين الـ Synapsids والتي تضم الثدييات. كما استمرت باقي الفصائل في التطور والتنوع الداخلي، وطورت النباتات الزهور وبدأت التزاوج الجنسي. وقرب نهاية حقبة الحياة القديمة حدث الانقراض البرمي الترياسي Permian–Triassic extinction event، والذي يطلق عليه الموت العظيم. وهناك العديد من النظريات لتفسير أسباب هذا الانقراض، كازدياد نشاط البراكين، أو اصطدام كويكبات بالأرض، أو زيادة نسبة غاز الميثان في الجو. وقضى هذا الانقراض على 90% من الكائنات البحرية، و 70% من الفقاريات، و57% من عائلات الحشرات. واحتاجت الحياة لأكثر من 10 ملايين عام تالية لتستعيد عافيتها مرة أخرى.
[/caption]منذ حوالي 230 مليون عام وفي حقبة الحياة الوسطى Mesozoic era، بدأت رتبة الديناصورات في الظهور، وبعدها حدث انقراض كبير يسمى الانقراض الترياسي-الجوراسي، انقرضت فيه الكثير من الكائنات الحية على الأرض، وتبقى القليل منها وبينهم الديناصورات. وهيمنت الديناصورات في تلك الحقبة على الحياة في البر والبحر، كما أنها بدأت تطور القدرة على الطيران منذ حوالي 150 مليون عام تقريبا لتهيمن على الجو أيضا. واستمرت الديناصورات حتى نهاية العصر الطباشيري، ثم انقرضت فيما يعرف بـانقراض العصر الطباشيري-الثلاثي Cretaceous–Tertiary (K–T) extinction والذي له العديد من التفسيرات العلمية. وأهمها هو فرضية الكويكب: فمنذ 66 مليون عام اصطدم كويكب عملاق يبلغ قطره 10 كيلومترات بكوكب الأرض. وأطلق الاصطدام كميات مهولة من الغبار والأتربة والحطام وبخار الماء، كونت طبقة في الغلاف الجوي تمنع وصول ضوء الشمس للأرض وبالتالي توقفت عمليات التمثيل الضوئي وتغير المناخ المناسب للحياة. وقضى هذا الانقراض على 75% من الحياة على الأرض بما فيها جميع الديناصورات البرية. بينما نجت الديناصورات الطائرة من هذا الانقراض، وهي تعتبر الأجداد القديمة لجميع الطيور الحالية.
[/caption]وبدأت بعد ذلك حقبة الحياة المعاصرة Cenozoic era وهي حقبة سيطرة الثدييات، والتي كانت أثناء هيمنة الديناصورات مجرد كائنات ليلية ضعيفة غير قادرة على المنافسة. فبعد انقراض الديناصورات وبدء الأرض في التعافي من آثر الانقراض الأخير، بدأت الثدييات في التطور والتنوع، وبدأت تنتشر في البيئات المختلفة. فتطورت الحيتان في البحر، كما تطورت الرئيسيات primates في الغابات وعلى الأشجار، وتطورت الحيوانات اللاحمة والمتوحشة على البر. وأثر تغير الطقس على توزيع الغابات وبدأت أعشاب وغابات السافانا في الانتشار. وساعدت البيئة المتغيرة الثدييات في التطور والازدياد في الحجم والقوة. وبدأت الرتبة القططية ورتبة الأفيال ورتبة الحافريات في الظهور. وكان النشاط التكتوني ما زال مستمرا في تلك الفترة، وأهم نتائجه هو تكون برزخ بنما والذي فصل بين المحيط الأطلسي والمحيط الهادئ، والذي أوصل بين الأمريكتين وخلط بين حيواناتهما مما أدى لظهور فصائل جديدة.
[/caption]ومنذ حوالي 2.5 مليون عام بدأ العصر الحديث الأقرب Pleistocene epoch وذلك حتى 11700 عام. وتميز هذا العصر بالعديد من الفترات الجليدية Ice Ages، والتي كان يتجمد فيها جزء كبير من سطح الأرض ناحية القطبين، وكانت الحيوانات الضخمة Fauna هي صاحبة الكلمة العليا في هذا العصر، كالفيلة والماموث، والنمور ذات الأسنان السيفية، والدببة، والوعول الإيرلندية. وحدثت في تلك الفترة الكثير من الهجرات الجماعية للحيوانات من المناطق المتجمدة للمناطق الأكثر الأقرب لخط الاستواء الأكثر دفئا.
[/caption]وتقول الدلائل العلمية أن الإنسان قد مر بسلسلة من التطور في تلك الفترة عن طائفة الرئيسيات، حتى ظهر الإنسان الحالي Homo sapiens منذ حوالي 11000 عام. وبدأ الإنسان بناء الحضارة ومضى في تعمير الأرض.