كواكب النجوم القزمة ستغير طبيعة البحث عن حياة خارج الأرض
محتوى مترجم | ||
المصدر | ||
التاريخ | ||
الكاتب |
ترجع التكهنات المدونَة عن الحياة خارج حدود الأرض إلى آلاف السنين، إلى زمان الفلاسفة الإغريق أبيقور وديمقريطس. وبلا شك، يعود الفضول غير المسجّل بخصوص هذا السؤال إلى أزمنة أبعد بكثير. ومن المدهش أن الجيل الحالي يبدو على وشك نيل إجابة من دراسة الكواكب الخارجية exoplanets – الكواكب التي تدور حول نجوم أخرى غير الشمس. والنتائج الأولية تقلب الكثير من الافتراضات العائدة لذاك التاريخ الطويل.
قبل أشهر أعلن فريقنا البحثي بجامعة كامبريدج وجامعة لييج ببلجيكا أن نجمًا قريبًا، يُدعى TRAPPIST-1A، تدور حوله سبعة كواكب شبيهة في حجمها وكتلتها بالأرض. الكواكب السبعة كلها معتدلة، ما يعني أنه في ظل الظروف الجوية والجيولوجية المناسبة، يمكنها الحفاظ على المياه سائلة. تُظهر ثلاثة كواكب إمكانية خاصة للصلاحية لوجود حياة، باستقبالها مقدار طاقة من نجمها مساوٍ تقريبًا للطاقة التي تستقبلها الأرض من الشمس.
نال اكتشافنا تغطية إخبارية منتشية ومفرحة حول العالم. فمن نواحٍ كثيرة، مع ذلك، يُعدّ نظام TRAPPIST-1 مكانًا غريبًا للبحث عن حياة. فالنجم المركزي يبلغ 1/12 فقط من كتلة الشمس وأكبر قليلاً من كوكب المشتري. ينبعث منه ضوء بمقدار 0.05 بالمائة من الضوء المنبعث من الشمس. ينتمي TRAPPIST-1A إلى فئة نطلق عليها اسم الأقزام فائقة البرودة، أصغر النجوم الموجودة.
لوقت طويل، نُظر للبحث عن كواكب صالحة للسكنى حول الأقزام فائقة البرودة كمضيعة للوقت. حتى عندما اكتشف علماء الفلك أن الكواكب الخارجية مختلفة عمومًا عن النظام الشمسي، ظلت وجهات النظر القديمة قائمة. تبدو لأعيننا الأرض والشمس طبيعيتين وملائمتين للغاية فتعمينا صفاتهما. بالتالي، تتجه البرامج الكبيرة نحو إيجاد توأم للأرض: كوكب في كتلة وحجم كوكبنا، يدور حول نجم يشبه الشمس تمامًا، وعلى ذات المسافة بين الأرض والشمس. تفصلنا عقود كثيرة عن اكتشاف عوالم كتلك.
في محاولة الإجابة عن سؤال «هل توجد حياة في مكان آخر؟» يُنظر للتركيز على توائم الأرض كطريق آمن؛ بما أننا نستطيع التنبؤ بأن الظروف المتماثلة ستؤدي إلى نتائج متماثلة (في بعض الأحيان على الأقل). مع ذلك، جدالنا هو أن هذا الطموح متحفظ للغاية، باعتبار ضخامة عدد وتنوع الكواكب المتاحة. هذا جزء من رسالة TRAPPIST-1. ينبغي أن يكون هدف البحث إيجاد ما لا نعرفه بالفعل. سيكون اكتشاف توأم أرضي يحمل حياةً نجاحًا علميًا مدويًا، لكنه لن يعلّمنا سوى القليل عن النشوء العام للبيولوجيا في الكون.
طموحنا أكبر. فعوضًا عن ذلك، نسعى لإجابة عن سؤال «ما هو معدّل وجود الحياة خارج الأرض؟» يعني هذا التغيير البسيط في الكلمات أنه ينبغي علينا أيضًا استقصاء الأنظمة الكوكبية المختلفة عن النظام الشمسي. سيكون مخيبًا للآمال، ومدهشًا كذلك، أن تكون الأرض هي النموذج الوحيد لصلاحية السكنى في الكون. تمثل النجوم الشبيهة بالشمس 15 بالمائة فقط من كل النجوم في درب التبانة. أكثر من نصف تلك النجوم، بالمقابل، يوجد في أنظمة نجمية ثنائية تم التغاضي عنها أيضًا لاختلافها الشديد عن الظروف الموجودة في النموذج الشمسي. بالتالي يغطي البحث عن توائم الأرض جزءًا بالغ الضآلة من كل النواتج بالطبيعة.
بمجرد إعادة تعيين الهدف ليصبح قياسَ المعدل الكليّ للبيولوجيا، تصبح الأقزام الفائقة البرودة مقصدًا واضحًا. لنِصفِ عددِ النجوم في درب التبانة كتلٌ أقلُ من ربع الشمس. وتشير نتائجنا الأولية إلى أن العوالم الصخرية منتشرة حول النجوم منخفضة الكتلة، بما فيها الأقزام فائقة البرودة، ربما أكثر من الموجودة في مدارات النجوم الشبيهة بالشمس. أيضًا تفتح الأقزام الفائقة البرودة طريقًا أسهل بكثير لاكتشاف ودراسة الكواكب المعتدلة الشبيهة بالأرض.
تنبع المميزات العلمية للأقزام الفائقة البرودة من خصائصها النجمية، ومن كيفية تعرّفنا على الكواكب الخارجية، ومن كيفية توقعنا لفحص أغلفتها الجوية. اكتُشفت الكواكب في نظام TRAPPIST-1 أثناء مرورها أمام نجمها، خلال الحدث المعروف باسم العبور Transit. وحين يعبر الكوكب، يلقي ظلاً يخبرنا عمقُه عن حجم السطح النجمي المخبّأ وراء الكوكب؛ وكلما كان الكوكب أكبر، زاد عمق الظل. ولأن الأقزام الفائقة البرودة صغيرة للغاية، يكون عبور نجم بحجم الأرض أمام TRAPPIST-1A أكثر بروزًا بـ 80 مرة تقريبًا من عبور مكافئ أمام نجم أكبر بكثير، شبيه بالشمس.
أثناء العبور، أيّة غازات في الغلاف الجوي للكوكب تغير شكل الضوء النجمي المتدفق خلالها. حول الأقزام الفائقة البرودة، يتعزز التوقيع الجويّ atmospheric signature بمعامل قدره 80 تقريبًا. التركيب الجويّ لكواكب TRAPPIST-1 سيتم اكتشافه باستخدام وسائل حالية ومستقبلية، مثل إطلاق تليكسوب جيمس ويب في 2018، وهذا على خلاف العقود من التطور التكنولوجي التي تستلزمها دراسة توأم للأرض. يتطلب استخراج إشارة جوية موثوقة ملاحظة عشرات من مرات العبور. هنا أيضًا، للأنظمة كـ TRAPPIST-1 مزايا ضخمة. فحول الأقزام الضئيلة فائقة البرودة، يحدث عبور الكواكب المعتدلة مرة كل عدة أيام إلى أسبوعين، بدلاً من مرة كل عام بالنسبة لكوكب كالأرض.
علماء الفلك، ونحن من بينهم، قد بدأوا بالفعل فحص تركيبات الكواكب العملاقة حول النجوم الأخرى، مكتشفين جزيئات كالماء وأول أكسيد الكربون والميثان وسيانيد الهيدروجين. مع اكتشاف نظام TRAPPIST-1، نستطيع توسيع تلك الاستكشافات إلى الكواكب المماثلة في الحجم للأرض. ستكون أول جهودنا موجهةً لتمييز محتوى الغازات الدفيئة greenhouse gas بداخل الغلاف الجوي، وتقييم ما إذا كانت ظروف السطح مساعدة على وجود المياه السائلة. ثم سنبحث عن علامات للغازات المنتَجَة بيولوجيًا، المشابهة لطرق تغيير الكائنات الحية لتركيب الغلاف الجوي الأرضي.
الزعم باكتشاف حياة سيكون أمرًا صعبًا. لا نستطيع الاعتماد على اكتشاف غاز واحد لكن سيكون علينا اكتشاف العديد، وعلينا قياس وفرتهم النسبية. بالإضافة، علينا أن نكون حذرين للغاية من النتائج الإيجابية الكاذبة. على سبيل المثال، بإمكان التوهجات النجمية المتكررة Stellar Flares مراكمة الأكسجين في الغلاف الجوي بغير وجود حياة. غِنى نظام TRAPPIST-1 بالكواكب هو أمر مهم، حيث نستطيع مقارنة الكواكب ببعضها. نشأت الكواكب السبعة من كيمياء السديم ذاته؛ وتشترك في تاريخ واحد من استقبال التوهجات والآثار النيزكية. سيكون التخلص من النتائج الكاذبة أسهل بكثير هنا عنه في الأنظمة الكوكبية المحتوية على عالم أو عالمين معتدلين، شبيهين بالأرض.
الأهم من ذلك، ليس TRAPPIST-1 اكتشافًا وحيدًا من نوعه. الأقزام الفائقة البرودة منتشرة لدرجة أنه يمكن تواجد العديد من الأنظمة الأخرى المماثلة القريبة منّا في المجرة. مرصد TRAPPIST (تلسكوب الكواكب العابرة والكويكبات الصغيرة / Transiting Planets and Planetesimals Small Telescopes) الذي استخدمناه للعثور على كواكب TRAPPIST-1 كان مجرد نموذج مبدئي لمستطلع كوكبي أشد طموحًا يدعى SPECULOOS (البحث عن الكواكب الصالحة للسكنى الحاجبة للنجوم الفائقة البرودة / Search for habitable Planets Eclipsing Ultra-Cool Stars)، الذي بدأ عملياته بالفعل. نتوقع إيجاد المزيد من الكواكب الصخرية في حجم الأرض حول نجوم قزمية خلال السنوات الخمس المقبلة. بوجود هذه العينة بين أيدينا، سنستكشف المناخات المتنوعة لتلك العوالم. يحتوي النظام الشمسي على اثنين: الزهرة والأرض. كم من أنماط بيئية مختلفة أخرى سنكتشف؟
باستخدام SPECULOOS، سنبدأ أيضًا في تناول اعتراضات العلماء على صلاحية السكنى بالكواكب التي تدور حول الأقزام الفائقة البرودة. بعض محاجّاتهم هو أن تلك الكواكب مقفولة مدّيًا tidally locked، ما يعني أن لكل منها وجها نهاريا دائما ووجها ليليا دائما. والكواكب التي تدور في تقارب شديد حول نجوم صغيرة بمقدورها استثارة مدارات بعضها، ما يؤدي إلى حالات عدم استقرار كبيرة. وكثيرًا ما تتوهج الأقزام الفائقة البرودة، قاذفة أشعة فوق بنفسجية وسينية يمكن أن تبخر محيطات الكوكب إلى الفضاء.
بدل تقييدنا، حفزّتنا تلك الحجج. نستطيع الآن تقييم الظروف الفعلية، واستكشاف الحجج المضادة بأن الكواكب في حجم الأرض حول نجوم مثل TRAPPIST-1A ربما تكون بالفعل صالحة للسكنى. بإمكان المحيطات والأغلفة الجوية السميكة التخفيف من تباين درجان الحرارة بين وجهيّ الليل والنهار. التفاعل المدّي Tidal interaction بين الكواكب المتقاربة في مداراتها قد يوفر طاقة من أجل البيولوجيا. تقترح بعض النماذج أن الكواكب المتكونة حول الأقزام فائقة البرودة تبدأ بكمية مياه أكبر بكثير مما على الأرض. بإمكان الإشعاع فوق البنفسجي المساعدة في إنتاج مركّبات تعزز البيولوجيا.. نحن متفائلون.
مهما يكن ما سنعثر عليه بدراسة الكواكب التي تدور حول الأقزام الفائقة البرودة، فلا يمكن أن نخسر. سنتعلم فقط. إذا تمكنا من تحديد وجود حياة على كوكب شبيه بتلك الكواكب في نظام TRAPPIST-1، فبمقدورنا إذن البدء في قياس معدل بزوغ الحياة في الكون. سنستطيع الحصول على الأدلة الأولى لوجود بيولوجيا خارج الأرض منذ عقد كامل! إذا وجدنا أنه ليس أيٌّ من تلك العوالم صالحًا للسكنى، أو أنه صالح للسكنى لكن فارغ، فسنعرف أن الحياة نادرة وثمينة. وسيثبت هذا نهجَ البحث عن توأم للأرض دون تأخير.
في أيٍّ من الحالين، سنحدد سياق وجودنا: كواحد من ضمن كثيرين، أو كمتوحد منعزل. كلا الاحتمالين داعيان إلى التواضع. كلاهما مثير.