غريق واهم في مجلسنا – قصة قصيرة
أهلا بكم جميعًا في مجلسنا، جلسة الخميس، أود أن أعرفكم اليوم على أحد المنضمين حديثًا إلى مجلسنا -ماثيو- أو لنتركه هو يحدثنا عن نفسه.
ماثيو ابن الثلاثين عامًا، أعيش شرق لندن، أساعد المصابين بعاهات دماغية على التعافي، رغم أني واحد منهم لكن لا بأس ربما هذا هو طريقي للتعافي، تدور في ذهني مشاهد لم أشهدها، ليست في عصري وليست في محيطي، أتعامل معها كذكريات تبدو على قيد الحياة في ذهني، أشعر أن ذهني اصبح بحرًا من الأوهام وأنا غريق فيه.
لا أستطيع مجابهة أمواجه الطائشة، وما زلت على قيد الحياة تعصف بي أمواج ذهني، وتقتات الأوهام من جسدي، مصاب باضطراب في الذاكره، أتذكر ما لم أشهده، ألا يعد ذلك اضطرابًا في الذاكرة؟، أرجو المعذرة.
فأنا أبذل مجهودًا كبيرًا كي أقول شيئًا حقيقيًا، أود أن أحدثكم عما استقر في ذاكرتي، وليس في تلك الأحداث شذوذ وإنما ننكرها جميعًا كي لا نصاب بالصدمة فنعرف الحقيقة، رغم أني اعيش بذهن واهم إلا أنه دائمًا يصور لي ما حدث من أمتنا من مذابح ومجازر ومكائد وحيل شيطانية لتجعل العالم يعيش في وهم الاستهلاك.
أصابت العالم بشهوة الطلب واستنزفتم موارد قوم وأعطيتموها لآخرين وكل هذا تحت مسمى الليبرالية، حصدنا رؤوس الصالحين في هذا العالم واستبدلناهم بطغاة، ثم خرجنا لنزين سوءة نظام باطل يدعى الديموقراطية، والحكم فيه للأغلبية، لمن جمع المال والسلاح واستخدم العلوم ليزين للناس الجحيم.
دعونا نتحدث بلا سفسطة، أوَ ليس من الخطأ ان أدعي أني الموهوم وأنكم الأصحاء وأنتم تعيشون في وهم أمتنا الليبرالية التي ما استوى لها عمود إلا على رؤوس شعوب أفريقيا وأمريكا الجنوبية وشعوب آسيا؟، أمتكم ما استوى لها عمود إلا بعدما زينت لكم شرب دماء شعب الأرجنتين وتشيلي والبرازيل والأوروغواي والعراق وفلسطين وفيتنام والصومال واليمن والسودان.
يصور لي ذهني مشهدًا من دولة تشيلي، وقد اتفقت مخابرات أمتنا على نهاية حياة هذا الشعب لمجرد أنه أعلن أنه غير راغب بالتعامل مع شركاتكم الرأسمالية الضخمة العظيمة، تلك الشركات التي اعتبرتموها نموذجًا للنجاح، واعبرتموها أساس النهضة ولبنات حضارتنا، هنا في أحد الميادين تخطط الطغمة العسكرية التي مُنحت الحكم من قبل أمتكم العظيمة.
أن تأخذ المساجين من مراكز التعذيب ثم تقوم بقتلهم وتشويه أجسادهم حتى إخفاء ملامحهم ومن ثم تُكدسهم داخل طوافات لتلقيها على المارة وفوق سطوح المنازل لتثير الرهبة والخوف بين الناس.
وهنا في البرازيل تقرر الحكومة المدعومة بخبراء أمتنا كفريدمان ميلتون وغيره، وتساندها شركات السيارات الأمريكية وغيرها، أن تجمع الاطفال من الأسر الفقيرة المعدومة وعائلات المعارضة وتسلم الأطفال لعائلات أخرى تميل إلى دعم الحكومة، كي يكونو أطفالاً موالين للنظام، الأمر ذاته في الأورغواي والأرجنتين.
أما في العراق، فكانت أمتكم العظيمة صاحبة المبادئ الحقوقية الإنسانية تدير السجون وتنفذ فيها عدة أفكار من أجل إلحاق الألم المعنوي والجسدي لتغييب العقل بالصدمات لكي يكونوا كصفحة بيضاء، تخط فيها أمتكم مبادئ النجاسة والعهر والطغيان والاستهلاك، وسجن أبو غريب شاهد على ذلك وليس هناك أحد من أمتنا الديموقراطية يستطيع إنكار ذلك.
يا سادة إن ذهني يصور لي جلسات التعذيب في ذلك السجن بداية من الكرسي الألماني ووصولاً إلى التعذيب الجنسي وغجبار المساجين على ممارسة الشذوذ مع بعضهم البعض أو مع الحيوانات، مرورًا بسلخ الجلد وصب الأحماض السائلة على الجروح، ما ذنب العراق؟!.
هنا في فلسطين يصور لي ذهني سنوات ضائعة تائهة مشردة، قرى قد محاها بطش أمتكم، في الوقت الذي تدّعون فيه أنكم ضد الاستيطان وتقومون بإصدار الإدانة واحدة تلو الأخرى، ولكنكم أعطيتم الضوء الأخضر للصهيونية بإبادة فلسطين.
في حين أنه كانت إدانة واحده لما تسمونه إرهابًا في أفغانستان كفيلة بتدخل الجيوش وتكدر عيش آلاف الأفغان وتبيد المدنيين في طريقهم نحو الهدف.
إن أمتنا التي تدعي الفضيلة الأخلاقية أعطت أشخاصًا الحق لبناء إمبراطوريات من الثروات، في حين أن هناك 20 مليون شخص على شفا المجاعة في الصومال واليمن ونيجيريا وجنوب السودان، وحين تعرفون حقيقة أننا غرقى في وهم الليبرالية الاقتصادية تدعون أنكم ضحايا، وما أنتم سوى الجلاد يتنكر في ثوب الضحية كي يُفلت من العقاب، وما ديموقراطيتكم إلا قوانين من قنابل تنفجر في وجه من ليس من أبناء جلدتكم.
وما الضامن لنا ألا يخرج علينا هتلر آخر نتاج ديموقراطيتكم اللعينة في وسط شعب جله يؤمن بحتمية القضاء على الآخر، وحين أعلنتم إنسانيتكم قمتم بهلك ثروات في الفن والأدب لتقولو إن هناك فقراء في العالم.
شوهنا صورة الفنون حين جاهدنا في الميادين برأسماليتنا بعد أن جمعناها مما نبت في أرض الفقراء، والفقير لا يحتاج سوى أن تتركوه يأكل من خبت أرضه.
سيد ماثيو، أرجو المعذرة، نحن هنا لنعالج مشاكل حياتنا الفردية ولسنا هنا لنتحدث في السياسة العالمية، أرجوك إذا كان لديك أوهام نفسية أو تخيلات فلتفصح لنا عنها حتى نتمكن من مساعدتك، لكن دعني الآن أمرر الدور إلى سيد أندريه.
انتظر، لست بحاجة إلى مساعدة من أحد، أنا منصرف، هناك وهم يشغلني.