حرب نفسية: كيف تُخرجك «أوضة اللبس» من دوري الأبطال؟
دخل لاعبو مانشستر يونايتد الإنجليزي، مباراة مصيرية أمام نادي فولفسبرغ الألماني على أرض الأخير، في محاولة أخيرة من أجل حجز بطاقة التأهل للدور الثاني من منافسات دوري أبطال أوروبا موسم 2015 / 2016.
تلقى الفريق الإنجليزي هزيمة صعبة بـ3 أهداف مقابل هدفين، ليصعد نظيره الألماني متصدرًا برصيد 12 نقطة، ولحق به إيندهوفين الهولندي بـ10 نقاط، بينما حل الشياطين الحمر ثالثًا برصيد 8 نقاط فقط، وينتقل على إثرها إلى بطولة الدوري الأوروبي.
لم يكن الخروج وقتها مفاجئًا، نظرًا للموسم السيئ الذي لعبه الفريق تحت قيادة المدرب الهولندي «لويس فان خال»، الذي أُقيل على إثره من قيادة الفريق في مايو / أيار عام 2016، وعُين البرتغالي «جوزيه مورينيو» بدلًا منه على رأس الإدارة الفنية.
إلا أن المفاجأة التي صاحبت ذلك الخروج حقًا، هي إرجاع المدرب الهولندي ولاعبيه الهزيمة إلى تعمد النادي الألماني، رفع درجة حرارة غرفة الملابس للفريق الضيف بشكل ملحوظ؛ وهو الأمر الذي أثر سلبًا على أدائهم بحسب تصريحات عقب تلك المباراة.
ليُطرح سؤال منطقي في هذا الصدد، ألا وهو: كيف تتسبب «أوضة اللبس» في خروج فريق من كبرى بطولات كرة القدم في أوروبا؟ وهل يتكرر السيناريو حقًا مع باقي الفرق أم إنها حالة فردية فقط؟
حرب نفسية
لم تكن قصة خروج مانشستر يونايتد هي الأولى من نوعها؛ إذ فاجأ اللاعب الإنجليزي «جاك كورك»، فريقه الجديد «بيرنلي»، عند انتقاله في موسم 2017/2018، قادمًا من نادي «سوانزي سيتي»، بواقعة مشابهة وذلك في أول تصريح له عقب توقيع العقد.
وأشار «كورك»، إلى شعوره بالحرارة الشديدة في المباراة التي لعبها ضد فريقه الجديد الموسم الماضي، عندما كان لاعبًا في صفوف «سوانزي سيتي»، مؤكدًا بشكل ساخر أنهم تعمدوا رفع درجة حرارة غرفة تغيير الملابس في ذلك الوقت.
الأمر لم يتوقف عند تأثير حرارة تلك الغرفة الضيقة على الخصم، بل امتد إلى أصحاب الأرض أنفسهم، حيث اعترف الإيرلندي «جيف هندريك»، لاعب بيرنلي سابقًا، بأن تلك الغرفة أصغر كثيرًا من المعتاد، وتصعب من مهمة الفرق الضيوف، مشيرًا إلى ضرورة الإبقاء عليها في ذلك الوضع.
وفي ملعب النور، حاول فريق «سندرلاند» الإنجليزي استغلال غرفة تغيير ملابس الفريق الضيف أيضًا، حيث تعمد تغطية حوائطها باللونين الأصفر والأزرق؛ وهو المزيج الذي بحسب متخصصين، يجعل الإنسان يشعر بالبرودة والمرض.
الفكرة ذاتها انتقلت إلى البرتغال، وتحديدًا في بنفيكا، الذي تعمد مسؤولوه تغطية جدران الغرفة بصور مشجعي الألتراس الغاضبين في محاولة للتأثير على الخصوم قبل بدء المباريات، قبل أن يقوم نظيره بورتو بالفعل نفسه أيضًا داخل ملعبه.
جحيم الأنفيلد
لم يتوقف استغلال الأندية لغرف تغيير الملابس عند هذا الحد، بل امتد أيضًا إلى تعمد تصميمها بشكل مخصص وفقًا لخدع أكثر ابتكارًا؛ حيث وثق اليوتيوبر الكروي «Fiago»، في مقطع فيديو له عبر قناته على يوتيوب مثلًا، أحد أسرار هزائم الخصوم الكبار المتكررة في ملعب أنفيلد، معقل نادي ليفربول.
وأوضح المقطع أن غرفة الضيوف لا تتمتع بالرفاهية التي توجد في نظيرتها لأصحاب الأرض؛ إذ توجد مقاعد غير مريحة إلى جانب أماكن ضيقة مخصصة لكل لاعب، فضلًا عن عدم توافر القهوة والأجهزة الكهربائية، إلى جانب الإضاءة التي تسبب اضطرابًا في الرؤية.
وكان الجزء الأكثر سوءًا من وجهة نظر اليوتيوبر، الذي حظي بفرصة اللعب على أرضية ملعب الأنفيلد ضد أساطير النادي الإنجليزي، هو أن الغرفة توجد أسفل مقاعد الجماهير، وتسمح بدخول أصوات تشجعيهم في أثناء المباريات؛ وهو الأمر الذي يؤثر بالطبع على تركيز لاعبي الخصم.
السجن الوردي
في كثير من الأحيان تتعمد إدارة السجون في أمريكا وأوروبا، لتصميم جدران الحوائط باللون الوردي الهادئ، وذلك للحد من السلوك المهدد وتعزيز التعاطف؛ إلا أن ذلك لم يكن السبب وراء اختيار اللون لحوائط غرفة خلع الملابس في ملعب «نوريتش سيتي» الإنجليزي في موسم عام 2018.
ولجأ النادي الذي صعد في الموسم نفسه إلى البريميرليج، إلى تلك الحيلة اعتقادًا منه أن اللون الوردي يتسبب في انخفاض نسبة هرمون «التستوستيرون»، وبالتالي التأثير على مجهود لاعبي الخصم البدني والذهني أثناء المباريات.
على جانب آخر، لم يُرجح المختصون تلك الفرضية، حيث رأى الأستاذ «أندرو بايليس»، كبير محاضري علم النفس في جامعة «ايست أنجليا»، أن تأثير اللون سيكون طفيفًا ولن يكون كافيًا من أجل الفوز بالمباراة، بل أوضح أنه من الممكن أن يُستخدم كأداة فعالة ضد أصحاب الأرض أيضًا.
وأشار «بايليس» إلى أنه في حالة فوز فريق ما أمام نوريتش سيتي، في ظل وجود اللون الوردي، فإن ذلك سينعكس إيجابًا على باقي الخصوم التي ستأتي بروح معنوية أكبر، وهذا هو التأثير النفسي الأكثر فعالية على اللاعب من وجهة نظره.
بدايات تلك التجربة لم تكن ناجحة حيث تعرض الفريق للهزيمة في أول مباراتين له على ملعبه، أمام «ويست بروميتش ألبيون» بـ4 أهداف مقابل 3 في التشامبيونشيب، وأمام أحد فرق الدرجة الثانية في كأس رابطة الأندية الإنجليزية بـ3 أهداف مقابل هدف وحيد؛ إلا أن «الكناري» كما يُطلق عليه جماهيره استطاع الصعود إلى البريميرليج متصدرًا الجدول بـ94 نقطة في نهاية الموسم.
شرف المنافسة
بالنظر لتلك الخدع المبتكرة من الأمثلة السابقة، فإننا أمام تساؤل آخر أكثر أهمية، إذا كانت تتحكم غرف تغيير الملابس في النتائج بهذا الشكل، فأين قواعد المنافسة الشريفة التي تكفلها قانون الفيفا المنظم للعبة؟ وهل توجد ضوابط معتمدة في هذا الشأن؟
الإجابة القاطعة في ذلك الشأن أن هناك ضوابط معتمدة بالفعل في البطولات المجمعة التي تلعب تحت مظلة الفيفا، إلا أن الأمر يقل تدريجيًا عند الدخول في المنافسات القارية والمحلية للأندية، التي لا تنظر عادة إلى تفاصيل غرف اللبس الدقيقة باعتبارها الجزء غير الظاهر في المباراة بخلاف عدد مقاعد المدرجات وجودة العشب الأخضر في الملاعب.
في الوقت ذاته، حرص الاتحاد المحلي للعبة في إنجلترا، على التصدي لتلك الظاهرة بدءًا من فرق البريميرليج؛ حين أجبر نادي «تشيلسي» مؤخرًا على توسعة غرفة تغيير ملابس الفريق، حيث اضطر الأخير لتعويضها من غرفة الإعلام في «ستامفورد بريدج».
وحدد الاتحاد ضوابط في تصميم غرف خلع الملابس لكل الفرق التي تنتمي إلى المنافسات المحلية بما فيها فرق الدرجتين الثالثة والرابعة في عام 2019، التي كانت من بينها ألا تقل مساحة الغرفة الواحدة عن 18 مترًا، كما طرح برنامجًا لدعم تلك الفرق ماديًا لإعادة بناء وتصميم الغرف في ملاعبها.
على الرغم من أن الخطوة التي اتخذها الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم، تُعد إيجابية بلا شك، فإنها لا تُعد كافية لضمان المنافسة الشريفة في اللعبة، وهو الأمر الذي يتطلب مزيدًا من الضوابط والوسائل التي يجب توافرها، حتى لا يتكرر الأمر مع فرق أخرى؛ قد تخسر بسبب تلك التفاصيل لقبًا مثل دوري أبطال أوروبا.