شخصيات درامية تجاوزت سياقها الخيالي لتحضر في الواقع
للدراما التلفزونية مميزات كثيرة. من أهمها أنها تفرد مساحة كبيرة لعرض الشخصيات وجوانبها المختلفة. ولذلك نتعلق بالشخصيات الدرامية ربما أكثر من السينمائية. نظراً لأننا نتابعهم على مدار أكثر من حلقة، في أكثر من موسم. أحياناً أسقط حياة الشخصيات على واقعي وأحياناً العكس. وأستقي منهم فلسفتي وأتصرف في مواقف مثل تصرفهم. أو أستعين ببعض كلماتهم. لذلك اهتممت بعرض كيف أرى هؤلاء الشخصيات الأكثر تأثيراً في حياتي. وهم مجرد شخصيات درامية وليست حقاً.
Narcos: في حب من دعا صديقه للقتال
هل أحب تاجر مخدرات قاتل؟
نعم، فأهل بلدته أحبوه، وحلت صورته محل صورة السيد المسيح. ربما رأوا فيه الخلاص من الاحتلال الأمريكي غير المباشر، أو أملوا في أن يكون صانع التنمية المفتقدة، في بلد ينتمي لقارة ظلت أسيرة الاحتلال والفاشيات العسكرية والفقر. لم يكن من الذين يقولون ولا يفعلون، ولذلك صدقه أهل بلده أكثر من كل الساسة. وعندما انقلبت السلطة المحلية والأمريكية عليه. قال هيا نقاتل يا صديقي. فقال صديقه إنه يريد الحياة، فرد: وأنا كذلك أكره الموت. ولكن لن أحيا في سجن أمريكي.
«بابلو اسكوبار» مهرب المخدرات لأمريكا، جعل الهيروين العقار الرئيسي الذي يتناوله الشباب الأمريكي. وقد رأينا قصته في جزءين من مسلسل «Narcos»، رأيته رمزاً للمقاومة رغم أعماله الإجرامية. فكان يمتلك خطة تنمية لوطنه شرع في تنفيذها قبل أن يمتلك سلطة رسمية. كان يحتقر الاحتلال الأمريكي. وعندما هاجموه بدأ القتال للنهاية. مقاتلته الحاسمة حولته لأشهر تاجر مخدرات تاريخياً. فهو الذي فجر طائرة مرشح رئاسي، وقتل العديد من الساسة. وعندما كانت تبحث عنه القوات الأمريكية بقواتها المجنزرة في بلدته. كان يلتقط صورة مع ابنه أمام البيت الأبيض.
اسكوبار رمز للشخص الذي يقاتل للنهاية. لديه هدف سيصل له أو يموت. بعيداً عن جوانبه الإجرامية، فهو بطريقة أو بأخرى مثل رمزاً للمقاومة بالنسبة للشباب اللاتينيين، فهو لم يرض بأي مساومة مهينة حتى لو كانت ستمنحه بعض السنوات للحياة. وما فعله المسلسل أنه نقل حالة إعجاب الشباب اللاتيني بأوسكبار، لكل شباب العالم الذي شاهد المسلسل.
Game Of Thrones: في حب القزم المنبوذ
«تيريون لانستر»، الذي اعتبرته عائلته العريقة خطيئتهم الكبرى، وجد نفسه يحاسب على شيء لم يفعله. لن يكون فارساً ولن يصبح حاكم عائلته. فهو القزم المشوه التي ماتت أمه حين ولدته. لم يجد تسلية سوى في الكتب. عرف تاريخ كل شيء. أصبح الموسوعة الكبرى للعائلة. اعترفوا بقدراته العقلية واستغلوها دون تقليل نبذه. وقع في دائرة الإحباط والقهر ووجد طريقه للحانات والعاهرات. أصبح لا يفعل شيئاً سوى القراءة والسكر ومجالسة العاهرات.
أحبه لأنه ينتمي لواقعنا، الواقع الرمادي حيث نتأرجح بين الخير والشر، هو مثال للشخص الذي يحارب نواقصه رغم وقوعه في الإحباط. ليس ملاكاً منزلاً أو شيطاناً رجيماً. ترى وجهه الخير تارة وخطاياه تارة أخرى. تيريون شخص خير ولا يخلو من بعض الشر مثلنا جميعاً.
هو مثل كثير من شبابنا. يحاول إثبات نفسه، يحاول أن يشير لنابذيه ويقول أنا أستحق، أنا أقوم بشيء رغم نواقصه لا تقدرون على فعله، ادمجوني معكم، دوني لن تنتصروا. لذلك أحببت تيريون لانيستر.
Better Call Saul: في حب المهرج
«سول جودمان» المحامي الشاب الذي يشبه المهرج في لباسه وكلامه وأفعاله. عندما ترى سول ترى حالة من البهرجة في كل شيء، بدءاً ببدلته ذات الألوان الغريبة التي تشبه بدل شعبان عبد الرحيم. ومصطلحاته الركيكة، وسبابه الدائم. أما أفعاله فيشوبها فرط الحركة والجنون الدائم. وفي العموم هو محام محتال لا يدافع سوى عن المجرمين. بل أسوأ أنواع المجرمين ومروجي المخدرات بأنواعها.
هذا ما ظهر في مسلسل «Breaking Bad»، ولكن في مسلسل «Better Call Saul» الذي يحكي قصته من بدايتها، منذ أن كان محامياً شريفاً. كُشف لي كم كان هذا الرجل يحارب التنميط الذي كان يجبره عليه المجتمع. بعيداً عن مشروعية أفعاله المستقبلية. ولكن هذا الرجل تحدى أخاه المحامي الكبير صاحب الحياة المنمقة في كل شىء. حاول سول الرضوخ لرغبات أخيه وحبيبته ومجتمعه، حاول أن يكون مواطناً أمريكياً مثالياً. ولكنه فشل في النهاية. وقرر الانحياز لما يريده. هو يحب البهرجة والألوان الكثيفة والصخب العنيف. وقرر الانتماء لما يحب، ودفع الثمن غالياً. لا تكن سول جودمان المحامي المحتال، ولكن كن سول الذي قرر أن يكون ما يريده، وليس ما يريدونه. تحية لكل من حارب لأجل الانتماء لما يحب.
House Of Cards: في حب السياسي المفتقد
رغم أن السياسة تطوي الكثير من الأفاعيل واللعب السيئة والمشينة، ولكنها ضرورة. وأنا كشاب ينتمي لوطن مفتقد للسياسة والساسة، أنجذب للسياسي الفذ المُفتقد في وطني، القادر على تحقيق أهدافه. «فرانك أندروود» بطل مسلسل «House Of Cards» مثال لذلك السياسي الفذ، الذي يصحبك لألعابه وأفكاره، لمساحات عقله وتفكيره الجذابة.
نموذج مفتقد لدينا وأصبح مفتقدًا كذلك في أمريكا بعد اعتلاء ترامب سدة الحكم. في كل موقف مشين يقوم به ترامب أتذكر فراند أندرود وكيف كان سيتصرف بشكل مختلف. ليس تصرفاً أنبل أو أفضل. ولكنه تصرف أذكى يمكن احترامه. أو يمكن التفاوض بشأنه. فأنت لا تعامل ثرياً غاضباً أو عسكريًا غاشمًا.
وبعيداً عن السياسة فإن فرانك يخبرك كيف تتصرف بمرونة. وكيف تخطط للأفعال وتبعاتها. وكيف تقيس الأمور بالنتائج وليس الخطوات. وكيف تستوعب تطلعات وأحلام الغير. وكيف تفكر في الآخرين. فهذه هي لعبة السياسة المفتقدة.
في حب آكل لحوم البشر
رغم انجذابي للشخصيات الأكثر واقعية. التي تمتلئ بالتناقضات والتأرجحات. ولكن يظل للكمال رهبة. وهذا الكمال يمثله الدكتور «هانيبال ليكتر». الطبيب النفسي الذي يأكل لحوم البشر. فالرجل خارق الذكاء، حيث كل شيء مخطط له بتفاصيله وكل عوامله المتغيرة. ضحاياه منتقون بعناية. أما رغباته في أكل لحوم البشر فهي نتاج فلسفة كاملة، وليس مجرد رغبة مرضية. إنه يقدس الطبخ ويشاهد اللوحات، ويشرب النبيذ المعتق منذ عقود، ويحيى حياة أرستقراطية.
حياة كاملة في كل شيء، وليست نمطية. وعلاقته بصديقه «ويل جرهام» تشبه علاقة توم وجيري. عبارة عن صراع عباقرة متناقضين في كل شيء، ولكنهما رغم ذلك يحبان بعضهما. ونحن كمشاهدين ننجذب لكل هذا الذكاء المهول فوق قدرتنا على الاحتمال والفهم. هانيبال مثال لا يمكن الوصول له. ولكننا نتطلع له كما نتطلع للنجوم.