مهمة «Dragonfly»: رحلة مستقبلية تهبط على تيتان قمر زحل
في ظل اهتمام الكثير من المؤسسات الخاصة بالسباق نحو كوكب المريخ وبناء مستعمراتٍ عليه، أعطت ناسا الفرصة لمهمة استكشاف جديدة من نوعها نحو جسم فضائي لا يفكر فيه الكثيرون كمستعمرة أرضية مستقبلية؛ إنه أكبر الأقمار في المجموعة الشمسية بعد قمر المشتري جانيميد، وأكبر أقمار كوكب زحل؛ نحن نتحدث عن القمر تيتان. ولكن قبل إثارة الشكوك حول سبب تورط ناسا بموطن ثانوس في عالم Marvel، دعوني أُحدثكم عن سبب اختيار ناسا لاستكشاف القمر تيتان.
القمر تيتان وفرصة حياة مستقبلية
ما يجعل تيتان مثيرًا للاهتمام هو غلافه الجوي الذي يتكون من 95% نيتروجين و5% ميثان، عندما تتعرض هذه التركيبة لأشعة الشمس تقوم بتكوين المركبات العضوية، وجميعنا يعرف أن تكوين المركبات العضوية = حياة مستقبلية! لهذا السبب أصبح تيتان مرشحًا مثاليًا لاستضافة حياة على سطحه.
السبب الآخر والأكثر إثارة للاهتمام، هو الاعتقاد بوجود محيط من المياه شديدة الملوحة تحت سطح تيتان مما جعله مُرشحًا ممتازًا للدراسة كجزء من مهمة ناسا Ocean Worlds لدراسة مختلف الأجسام الفضائية التي تستضيف أو استضافت في الماضي أي نوع من أنواع المياه.
كما تم اختيار تيتان أيضًا من ضمن برنامج ناسا New Frontiers الذي يهدف في الأساس إلى إرسال مهمات فضائية جديدة من نوعها لدراسة أجسام داخل مجموعتنا الشمسية فعالة في فهمنا للكواكب. أصبحت مهمة اليعسوب رابع مهمة في هذا البرنامج بعد مهمة جونو التي تقوم بدراسة كوكب المشتري ومهمة OSIRIS-REx التي أُطلقت لدراسة الكويكب بينو ذا الخطر المُحتَمل ومهمة نيو هورايزونز – New Horizons التي استكشفت بلوتو وجسيم التيما تولى في حزام الكويكبات.
دور المركبات الفضائية السابقة في المهمة
المهمات الفضائية مترابطة ويُكمل بعضها بعضًا بشكل أنيق للغاية، فمهمة اليعسوب ستستعين بالمعلومات التي جمعتها جميع المركبات الفضائية التي عبرت أو زارت تيتان من قبل.
أول مركبة صورت تيتان كانت بيونير 11 – Pioneer 11 وذلك أثناء قيامها بأول عبور بكوكب زحل عام 1979، كما أوضحت Pioneer 11 أيضًا أن المتوسط العام لدرجة حرارة القمر يصل إلى 193 درجة سيليزية تحت الصفر.
ثاني عبور بتيتان كان عام 1980 من قِبل المركبة فوياجر 1 – Voyager 1 التي أكدت أن الغلاف الجوي للقمر يتكون في الغالب من النيتروجين، ولاحظت المركبة أيضًا بعض التغيرات الموسمية على قطبي القمر. قبل عبور المركبة Voyager 1 بتيتان، كان يُعتقد أنه أكبر الأقمار في المجموعة الشمسية؛ حتى وفرت المركبة القياسات الصحيحة عن قطر القمر الذي اتضح أنه أصغر من قمر المشتري جانيميد.
لا يعود كل الفضل في صور تيتان للمركبات الفضائية؛ فلقد استطاع تلسكوب هابل لأول مرة اختراق الغلاف الجوي لتيتان وتصوير سطحه عن طريق استخدام الأشعة تحت الحمراء.
لم يتسن لنا الهبوط على تيتان حتى عام 2005 عندما انفصل مسبار هايجنز التابع لوكالة الفضاء الأوروبية عن مركبة ناسا كاسيني ليلامس سطح تيتان لأول مرة ويقوم بسلسلة من القياسات أمدتنا بالمعلومات والإحصائيات الكيميائية التي نعرفها عن القمر اليوم، كما أتمت المركبة كاسيني 127 عبور بالقمر تيتان صورت فيها العديد من الصور لتيتان وغلافه الجوي. سيتم الاستعانة بالمعلومات التي وفرها المسبار هايجنز عن طبولوجيا السطح لتحديد مكان الهبوط القادم لمركبة اليعسوب.
مهمة اليعسوب Dragonfly
تم اختيار مهمة اليعسوب من قِبل ناسا كالمهمة القادمة ضمن مهمات علوم الكواكب من الفئة المتوسطة، حيث تنافست مهمة اليعسوب مع المهمة المُقترحة CAESAR التي هدفت إلى الذهاب إلى المذنب «تشوريموف جرازيمنكو» واستخراج عينة منه، والعودة بها إلى الأرض.
مركبة اليعسوب هي عبارة طائرة بدون طيار مما يجعلها أول طائرة بدون طيار تُستخدم خارج كوكب الأرض! وما يُميزها فيها هو تصميمها الذي يتيح لها القدرة على الهبوط على السطح أو الطيران، مما يعطيها الأفضلية لاستكشاف العديد من المناطق المتفرقة على سطح القمر في وقت قصير.
تولى تصميم المركبة ثلاثة مهندسين من جامعة ولاية بين، فلقد عمل هؤلاء المهندسون على تصميم المركبة بحيث تعمل في درجات الحرارة المنخفضة لتيتان، كما تولوا ضمان سلامتها أثناء القيام بالتنقل المستمر (leapfrog) بين الهبوط والطيران؛ حيث من المُقرر أن تهبط المركبة في مكان مبدئي لدراسته ثم تقوم بالطيران للتنقل إلى مكانٍ آخر بشكل متكرر.
في العادة، لا تُمثل طاقة شحن المركبة الفضائية الكثير من العوائق، وهذا لأننا نستغل أشعة الشمس لشحن ألواح شمسية على متن المركبة والتي بدورها تُمدها بالطاقة، ولكن مركبة اليعسوب على سطح تيتان لا تتمتع برفاهية الحصول على أشعة الشمس حيث إن الغلاف الجوي للقمر سميك ولا يسمح للأشعة بالاختراق. لهذا كان من اللازم التفكير في طريقة أخرى لإمداد المركبة بالطاقة، وهنا يأتي دور البطاريات النووية طويلة المدى التي تم استخدامها على متن المركبات الفضائية طويلة المدى مثل فوياجر 1 و New Horizons وغيرها. تعمل هذه البطاريات عن طريق تحويل الحرارة الناتجة من الانشطار النووي إلى طاقة، لهذا فهي تتكون من جزأين أساسيين: عنصر مشع يوفر الحرارة، ومُحول لتحويل الحرارة إلى كهرباء.
أهداف مهمة اليعسوب
من المُقرر إطلاق مهمة اليعسوب في 2026 لتصل تيتان عام 2034 وتقضي ما يقرب من ثلاث سنوات عليه تتم فيها دراسات وتجارب، منها ما هو على سطح القمر، ومنها ما هو في الغلاف الجوي من خلال الطيران. فعلى سطح القمر ستقوم مركبة اليعسوب بدراسة أنواع المُركبات العضوية التي يمكن أن تُكَون على سطح تيتان باستخدام جهاز مطياف الكتلة، كما ستقوم بدراسة وتصوير جيولوجيا السطح ومراقبة الأنشطة تحت السطحية بالإضافة إلى وجود جهاز لقياس الزلازل على متنها.
أما أثناء الطيران، فستقوم اليعسوب بفهم العمليات الكيميائية التي كونت الغلاف الجوي التابع لتيتان بشكل أفضل ومقارنتها بتلك التي كونت الغلاف الجوي على الأرض من خلال حساسات الأرصاد الجوية على متنها، وبالإضافة أيضًا إلى تصويرها الجوي لجيولوجيا السطح على تيتان.
إن سار كل على ما يرام، فستفصلنا خمسة عشر عامًا على هبوط مركبة اليعسوب على سطح تيتان والبدء بسبر أغواره، أعتقد أن هذا الحدث حينها سيثير كلًا من مُحبي الفضاء ومُحبي أفلام مارفل على حد السواء.