رحيل «عادل محمود» بروفيسور اللقاحات الذي أنقذ الملايين
مرّ الطب بالكثير من الإنجازات على مدار التاريخ. أطباء وعلماء أسهموا بشكلٍ رئيسي في تطوير العديد من العلاجات ضد الأمراض، عرفنا بعضهم والبعض الآخر لا نعلم عنهم شيئًا على الرغم من عِظم ما يبذلونه من جهد وأعمال من أجل ذلك!
حديثنا عن طبيب عالِم، أفنى عمره في الأبحاث الطبية خاصة الأمراض المعدية، من أجل توفير أقصى درجة من الحماية والوقاية للبشر في مختلف أنحاء العالم. حديثنا أتى متأخرًا للغاية، فقد أسلم روحه لخالقها في صمت شبه تام في وقت سابق في الـ11 من يونيو/حزيران 2018، في مستشفى مانهاتن في الولايات المتحدة الأمريكية عن عمر يناهز 76 عامًا.
إننا نتحدث عن الدكتور «عادل محمود – Adel Mahmoud»، عالِم مصري متخصص في الأمراض المعدية، ولعب دورًا حيويًا في تطوير لقاحات متعددة في الصحة العامة أنقذت حياة الملايين حول العالم. خلال حياته المهنية في الطب، برز اسمه كواحد من أبرز الأسماء في مجال الصحة العالمية. كان قائدًا مؤثرًا في المجال الأكاديمي، وأبحاث وتطوير الطب الحيوي، والسياسة الصحية العالمية. شملت مساهماته الرئيسية كلّا من العلوم والصحة العامة، ودراسة أمراض المناطق المدارية المهملة؛ خاصة العدوى الطفيلية.
هنا حياته، وكيف نعاه زملاؤه، وهكذا وإلى الأبد سيتذكره العالم.
البداية في القاهرة
ولد الدكتور عادل محمود في القاهرة في الـ24 من أغسطس/آب عام 1941، وهو الابن الأكبر بين ثلاثة أطفال. والدته فتحية عثمان كان من المفترض أن تلتحق بكلية الطب في جامعة القاهرة، إلا أنها لم تكمل دراستها بعد أن منعها شقيقها، الطالب في كلية الطب أيضًا، من الذهاب إلى الجامعة.
تزوجت فتحية من والده عبد الفتاح محمود الذي كان يعمل مهندسًا زراعيًا، وله شقيقان؛ الدكتورة ألفت عبد الفتاح والدكتور محمود عبد الفتاح.
كان أول لقاء لعادل بالأمراض المعدية حين كان في العاشرة من عمره، عندما ذهب لشراء عقار «البنسلين» لوالده المصاب بالتهاب رئوي حاد، لكنه توفي قبل عودته.
التحق عادل بكلية الطب في جامعة القاهرة، وتخرج عام 1963. اتخذ عادل قراره بمغادرة مصر عام 1968 إلى المملكة المتحدة، وفي عام 1971، حصل عادل على درجة الدكتوراه من كلية لندن للصحة وطب المناطق الحارة. تركزت أبحاثه في البداية على «دور الحمضات – eosinophils» وهو نوع من خلايا الدم البيضاء تقوم بالدفاع ضد الديدان الطفيلية.
الهجرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية
بعد أن تأزم الوضع السياسي في مصر عام 1973، وبدل العودة إليها من المملكة المتحدة، أكمل عادل طريقه وهاجر إلى الولايات المتحدة الأمريكية، كزميل ما بعد الدكتوراه في جامعة «كيس ويسترن ريزيرف – Case Western Reserve». ترقى في مناصب مختلفة في الجامعة، حتى أصبح قائد شعبة الطب الجغرافي، وترأس قسم الطب في الجامعة في الفترة من 1987 إلى 1998.
تُعلق الدكتورة «باميلا ديفيس – Pamela Davis»، عميد كلية الطب في الجامعة عن عادل بعد وفاته:
شغل عادل أيضًا عدة مناصب منها رئيس الجمعية الدولية للأمراض المعدية في الفترة 1990-1992، ومبادرة اللقاحات الدولية لمكافحة الإيدز، والمعهد الدولي للقاحات والعديد من الشركات في القطاع الخاص. خلال ذلك، قدم المشورة العلمية لمنظمة الصحة العالمية والمعاهد الوطنية للصحة، ومراكز السيطرة على الأمراض، والأكاديميات الوطنية، ومؤسسة «روكفلر » والجامعات ومؤسسات الأبحاث في جميع أنحاء العالم.
التقى الراحل الدكتور عادل بزوجته الدكتورة «سالي هودر – Sally Hodder» عام 1976، حيث كانت تعمل كأخصائية في الأمراض المعدية في المركز، – وهي أم لصبي يدعى «جاي ثورنتون – Jay Thornton»- وتزوج الراحل د. عادل منها عام 1993.
تقول زوجته عنه:
ويقول الدكتور أنتوني فوسي مدير المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية عن رحيله عنه أيضًا:
شركة ميرك للقاحات
ترأس الدكتور عادل محمود الشركة في الفترة من عام 1998 – 2006، وأشرف على إنتاج وتسويق العديد من اللقاحات التي حققت تقدمًا كبيرًا في الصحة العامة. أهم هذه اللقاحات، كانت المستخدمة في الحماية ضد «فيروس الورم الحليمي البشري – HPV» المسبب لسرطان عنق الرحم، والأعضاء التناسلية والشرج. كما طور لقاحًا آخر يمنع عدوى «فيروس الروتا – Rota virus»، وهو فيروس قاتل يسبب الإسهال عند الرضع.
ساعد الدكتور في إنتاج لقاحات أخرى مثل لقاح مضاد للحصبة، النّكاف، الحصبة الألمانية، جديري الماء، والوقاية من القوباء المنطقية؛ وهو طفح جلدي مؤلم ينشط عندما يكون المصاب قد تعرض لجدري الماء سابقًا. تم توزيع أكثر من 500 مليون جرعة من هذه اللقاحات على مستوى العالم بدءًا من العام 2017.
يقول كين فرايزر – Ken Frazier، رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي للشركة عن عادل بعد وفاته:
كما تقول الدكتورة جولي جيربيردينغ – Gerberding، نائبة رئيس الشركة، والمدير السابق لمركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها:
جامعة برينستون
تقاعد الدكتور عادل من رئاسة شركة ميرك، وبدأ حياته المهنية في الجامعة عام 2007 كمحلل سياسي رفيع المستوى في كلية «وودرو ويلسون» للشؤون العامة والدولية. في العام 2011، عمل كمحاضر برتبة أستاذ في قسم البيولوجيا الجزيئية والشؤون الدولية، كما كان جزءًا لا يتجزأ من برنامج الصحة العالمي في الكلية. خلال عمله في الجامعة، شارك في مناقشات السياسة العامة، وعمل من أجل إلهام الجيل القادم بأهمية حب التعلّم والعلوم، والاهتمام بالصحة العامة، حيث كانت هي الإشارة التي أرشدته لحياته المهنية.
تقول «بوني باسلر – Bonnie Bassler»، أستاذة ورئيسة قسم البيولوجيا الجزيئية في الجامعة:
في العام 2013، عندما تسببت سلالة غير مألوفة من التهاب السحايا في التفشي في الجامعة، ولم يكن هناك أي لقاح يصنع في الولايات المتحدة لها، استخدم الدكتور عادل خبرته وطريقته في الإقناع من أجل الحصول على اللقاح الأوروبي، وكذلك الحصول على إذن من الحكومة الأمريكية لتقديمه للطلاب بشكلٍ طارئ.
جهوده أمام فيروس إيبولا
في أعقاب تفشي فيروس إيبولا في غرب أفريقيا في العام 2014،بدأ الدكتور عادل محمود في الدعوة إلى إنشاء صندوق عالمي لتنمية اللقاحات. وصرّح بضرورة ألا تقف الأعباء المالية في طريق حل الأزمات الصحية العالمية القاتلة.
شاركه في هذه الدعوة أكاديميون آخرون؛ هم البروفيسور جيريمي فارار – Jeremy Farra من جامعة أكسفورد، والبروفيسور ستانلي بلوتكين – Stanley Plotkin أستاذ فخري من جامعة بنسلفانيا. كان يرى أن إنشاء الصندوق يتطلب العديد من الإجراءات مثل الحصول على الأموال من تبرعات الحكومة، الأعمال الخيرية، أو مساهمات مختلفة من شركات تعمل في مجالات التكنولوجيا الحيوية، وربما المنظمات الأكاديمية والاجتماعية، وبعض المنظمات الدولية.
ثم يبدأ الصندوق عمله بطريقة شفافة للغاية لضمان عدم التلاعب بهذه الأموال، والتحكم في طريقة عمل الصندوق من قبل لجنة تطوعية علمية مستقلة من الجامعات والحكومة ومؤسسات البحث.
أخيرًا، أن تكون البشرية هي شغلك الشاغل، فهذا أمرٌ صعب، وجيّد في ذات الوقت. بصفته طبيب وعالم تدور أبحاثه في محاربة الفيروسات، كان الراحل د. عادل يعلم تمامًا كم حياتنا في خطر، لذا فضّل أن يكرّس حياته لحياة الناس وصحتهم، وأن يكون معلمًا وقدوة، مثلما شهد له الجميع كما رأينا.
فإن كان هناك من شيء جيد تفعله في حياتك، فهو السعي جاهدًا لترك أثر كبير في حياة الناس بأي صورة، أن تكون النجمة التي تسطع وسط الظلام حتى ولو كانت مجرد سيرة عطِرة يتذكرك بها الناس بعد رحيلك.