طارق يحيى: الدنيا فيلم الناظر وأنت عاطف
كان هذا واحدًا من عدة حوارات على نفس الشاكلة قام بها اللاعب والمدرب السابق لنادي الزمالك الكابتن طارق يحيى كمقدم لبرنامج على قناة النادي. يسأل الرجل ضيوفه عادة أسئلة عكس إجابتهم السابقة تمامًا. مثل ما حدث مع صبحي حدث مع محمد عواد ومصطفي فتحي وغيرهم.
نحن لن نسرد هنا تلك الحوارات لأنك على الأغلب شاهدتها في شكل فيديوهات منتشرة على منصات التواصل الاجتماعي كمادة للسخرية، وهي الغرض الأنفع لتلك الحوارات في الحقيقة.
لكننا سنقف على الجانب الآخر تمامًا، سنقف على جانب المنطق والجدية لنحاول أن نفسر لماذا قد يسأل أحدهم رجلًا متزوجًا منذ ثلاثة أشهر عن أولاده.
عاطف من فيلم الناظر
من فترة ليست بالبعيدة ظهر لنا مغني راب سكندري صغير السن يدعى «ويجز» . قدم لنا ويجز العديد من الألفاظ والجمل الخاصة بجيل أوائل العشرينيات دفعة واحدة. لكن من بين تلك الألفاظ والجمل علق في ذهن الكثيرين جملة «الدنيا فيلم الناظر وانت عاطف». ربما وبحكم السن لا تفهم جملة واحدة من أغاني هذا المراهق الشهير لكن تلك الجملة تحديدًا مناسبة لفهم الجميع.
نموذج عاطف من فيلم الناظر هو النموذج الذي يندر أن تخلو حياة أحدنا منه. وهو النموذج المثالي القادر على وصف ما نراه من كابتن طارق يحيى على شاشات التليفزيون. حتى لا تختلط الأمور نحن هنا لا نقصد نموذج الرجل الأحمق بالطبع، لكننا نقصد نموذج الرجل غير المكترث على الإطلاق. الرجل الذي لم يجد خبزًا فأحضر جرجيرًا.
طارق يحيى ليس الشخص الوحيد الذي قد يسأل أسئلة عكس إجابات محدثيه، بل إن كل شخص غير مكترث يفعل ذلك. يتضح هذا كثيرًا في المناسبات الاجتماعية التي يفترض فيها أن يتحدث الغرباء بعضهم مع بعض حتى لا يسود الصمت.
مثلما يسألك قريب زوجتك العجوز هل التحقت بالجيش لترد بنعم فيؤكد أنه لا أحد يلتحق بالجيش هذه الأيام، ثم يبدأ في قص ما رآه في الجيش. هو لا يكترث حقيقة بإجابتك هو يفترض الإجابة التي تمكنه من استمرار الحديث لأن استمرارية الحديث هي الغرض الأساسي.
يتحدث طارق يحيى لأن عليه التحدث وعليه أن يسأل وعليه أن يقيم حوارًا حول لا شيء مع الضيوف، لهذا فهو غير مكترث أو مهتم أو منتبه لإجابات الضيف، هو فقط يريد للوقت أن يستمر. فبعد أن أوضح صبحي أنه لم ينجب بالطبع قرر كابتن طارق سؤاله عن اسم المولود في حالة قدومه سواء ولد أو بنت وهكذا.
وهو في ذلك ليس وحده، بل تلك هي مدرسة الإعلام الرياضي الأبرز في مصر، لكنه فقط لا يملك الموهبة الأهم في الإعلام الرياضي المصري. موهبة ألا تبدو غير مكترث.
موهبة ألا تبدو غير مكترث
تستطيع أن تعي أن مقدم البرنامج غير مكترث بما يقوله الضيف عن طريق معرفة عامل آخر تمامًا، وهو وقت الحلقة. نحن هنا لدينا رائدان بارزان في تلك المدرسة، وهما «مدحت شلبي وأحمد شوبير». استطاع هذا الثنائي أن يقدم برامج رياضية تستمر لأكثر من خمس ساعات متواصلة، وتصل بعض الأحيان إلى سبع وثماني ساعات.
لا يمكن أبدًا أن تهتم بحديث ضيوفك لخمس ساعات يوميًّا، لكن الأهم أن تقود هذا الحديث بحيث تبدو مهتمًا. يكمن نجاح الثنائي في إيهام الجميع أن ما يحدث على الشاشة أمر هام.
القدرة على الاستمرار في الحديث والتشعب والتحليل يجب أن تقترن بموهبة ألا تبدو غير مكترث لكيلا يشعر الجميع بأن ما يحدث غير مهم على الإطلاق.
أدرك طارق يحيى أن الغرض الأساسي من البرامج الرياضية هو أن «تملأ هوا» كما يقول بعض العاملين في الإعلام، لكنه لا يملك موهبة ملء هذا الهواء أبدًا، وأثناء محاولاته لفعل ذلك يخرج لنا بمثل تلك المشاهد الكوميدية العجيبة.
قد يبدو لك هذا التفسير غير دقيق أو ظالم في حق طارق يحيى، لكن التفسير الذي قدمه يحيى نفسه كان أكثر سوءًا من فكرة عدم الموهبة وعدم الاحترافية.
ترند بقي يا ريس
يحتوي البرنامج الذي يقدمه طارق يحيى على فقرة أساسية وهي مداخلة رئيس نادي الزمالك مرتضي منصور. يتحدث رئيس النادي قرابة الساعة كل يوم وسط موافقات وضحكات وتأييد وشكر كابتن طارق وضيوفه. ولأن رئيس الزمالك يمتلك الوفير من الوقت هو الآخر فهو لا يفوت فرصة التعليق على كابتن طارق نفسه.
علق مرتضي منصور على سؤال طارق يحيى لمحمد صبحي الخاص بالإنجاب بعد ثلاثة أشهر من الزواج، وما كان من كابتن طارق نفسه سوى أن يرد «بنعمل ترند بقي يا ريس».
هكذا فسر طارق يحيى نفسه الأمر، فهو يقوم بطرح تلك الأسئلة ليصبح مثار سخرية الجميع عن قصد. لكي يصبح حديثه شائعًا بين الناس حتى لو كان حديثًا بهذا الحمق.
قبل أربع سنوات كان اسم طارق يحيى شائعًا بالفعل، أو ترند على حد قوله، لكن لم يكن شائعًا عن حوارات ساخرة، بل شيوعًا محببًا إلى القلب.
التالته يمين: الترند كما يجب أن يكون
اقترن اسم طارق يحيى بالأغنية الأقرب إلى قلوب مشجعي الزمالك، وهي أغنية التالتة يمين، والسبب أنها من غناء ابنه «أحمد طارق يحيى». يبرز أحمد طارق يحيى كواحد من أهم صناع الموسيقى المتعلقة بالإعلانات في مصر، واستغل الرجل موهبته لصنع أغنية حبًّا ووفاءً للنادي الذي ينتمي إليه.
كانت الأغنية مثالية، خاصة أنها ظهرت بعد فوز الزمالك بالدوري، وهو الأمر الذي لا يتحقق كثيرًا، كما أنها قدمت نجوم الزمالك القدامى والجدد مع كلمات تتعلق بالانتماء وتوارثه دون النظر لتحقيق البطولات من عدمه، وإعلاء فكرة حب الزمالك غير المشروط. أعجبت الأغنية جميع المنتمين إلى الزمالك إلا واحدًا.
بعد صدور الأغنية بثمانية أيام فقط خرج مرتضي منصور ليهاجم طارق يحيى وابنه، مؤكدًا أنه لولا مجلس الإدارة ومرتضي منصور ما حقق الزمالك أي لقب، لكن طارق يحيى قرر أن يستبعده من المشهد تمامًا وهو ما اعتذر عنه طارق يحيى في حينه، ثم قام بمصالحته رفقة أحمد نفسه عبر برنامج لخالد الغندور.
لكن الأهم أن يحيى أدرك حينها أن العمل داخل نادي الزمالك لا يتطلب حب الجماهير بقدر حب رئيس النادي نفسه.
الفرصة الأخيرة
خرج يحيى بعد حديث التريند هذا ليؤكد أنه يتعرض لحملة من التنمر، حيث يلفق له بعض الأحاديث الحمقاء لكي يبدو غير مدرك لما يقول، رغم أنه من أوائل العاملين بالإعلام وأنه دارس على يد كبار الإذاعة والإعلام، لكنه يفضل أن يكون تلقائيًّا.
ربما شعر يحيى أخيرًا أنه من غير اللائق أن يبدو بهذا المظهر الساخر أمام الجميع للحد الذي وصفه رضا عبد العال صاحب اللسان اللاذع بأنه «ملطشة الشغل».
حسنًا، لماذا لم ينتفض يحيى هكذا عندما علق عليه مرتضى منصور في السابق وارتضى أن ينسب لنفسه فكرة صناعة علامة مميزة من الحمق. السبب أنه يدرك أن وجوده في قناة الزمالك مرهونًا بمرتضى منصور كما تحدثنا، لكن الأهم أنه لا يملك عديد الفرص خارج القناة كسابق عهده.
يعرف طارق جيدًا أنه لن يستطيع أن يحظى بفرصة برنامج ثابت يطل به يوميًّا إلا عبر نادي الزمالك. كما أنه يعاني كمدرب خلال الأربع سنين الأخيرة خاصة.
خاض يحيى عدة تجارب فاشلة رفقة فرق الشرقية وبتروجيت وسموحة، حيث ساهم في هبوط فريقي الشرقية وبتروجيت للدرجة الثانية، كما أنه لم يحقق أي انتصار مع سموحة خلال سبع مباريات كاملة إلى أن تمت إقالته. أما تجربته الأخيرة فكانت رفقة نادي طلائع الجيش حيث استمر لمدة 49 يومًا فقط خاض خلالها تسعة لقاءات لم يحقق الانتصار إلا في مباراتين فقط.
ناهيك بالطبع عن بعض الاتهامات التي وجهت له من رئيس نادي الشرقية بخصوص السمسرة في عقود اللاعبين، واتهامات سابقة بالسمسرة أيضًا لجلب لاعبين مصريين لفريق «هجر السعودي» الذي باشر تدريبه في تجربة انتهت بالهبوط للقسم الثاني أيضًا. تلك الاتهامات بدون دليل حتى الآن بالطبع، لكن القصد هنا أن أسهم طارق يحيى كمدير فني في هبوط مستمر منذ فترة.
كل تلك الأسباب كانت كفيلة بتكرار سقطات يحيى على شاشة التلفزيون دون أي محاولة جدية من الرجل للتطور أو حتى الاكتراث، ما دام الرئيس راضيًا وأصبحنا تريند، فلا يهم شيء آخر.