منذ عدة أشهر، ذهبت أحلام، 33 سنة، لتحضر مقابلة عمل لوظيفة في شركة هندسية يعمل بها صديقها الذي رشحها بناء على خبرتها الكبيرة، مضت المقابلة بسلاسة وحصلت على الوظيفة بأجر مُرضٍ.

بعد الاتفاق، جمعت أحلام برئيسة القسم في الشركة جلسة تعارف ودية، وطلبت منها أن تنهي علاقتها بعملها القديم لتبدأ العمل الجديد معهم منذ بداية الأسبوع المقبل، لكن حين طالعت سيرتها الذاتية مجددًا ورأت كلمة «مطلقة» تحولت كلمات الترحيب إلى صمت.

تقول أحلام: «سألتني عن وضعي بعد الطلاق فقلت لها إنني منفصلة منذ أربع سنوات وأوضاعي مستقرة، ثم غادرت مكتبها ونحن متفقتان على تقديم استقالتي من عملي السابق لأبدأ معهم. شعرت بالفرحة لأن المقابل المادي جيد جداً بالنسبة لي ولأن عملي الذي كنت به كان متعثراً مادياً».

وتضيف: «انتظرت كثيراً ولم يصلني أي رد منهم بالعرض المالي عبر البريد الإلكتروني كما أخبروني، في النهاية اتصلت بصديقي الذي يعمل هناك ليبلغني بأنه علم بأن الإدارة قررت البحث عن رجل ليشغل الوظيفة وليس سيدة، وأنهم يعتقدون أن ظروف طلاقها ستؤثر على أدائها في العمل».

شعرت أحلام بالقهر والإحباط لكنها بمرور الوقت وجدت وظيفة أخرى، وحصلت على ترقيات في العمل حتى أصبحت مديرة المكتب لتشعر بالتعويض عن تجربة التمييز السابقة ضدها.

نسبة الطلاق في مصر

في مارس من العام الجاري، قال مدير عام الإدارة العامة للإحصاءات الحيوية، الدكتور جمال عبد المولى، إنه وفقًا للبيانات الأولية لنشرة الزواج والطلاق بلغ عدد حالات الطلاق 218 ألف حالة في عام 2020 مقابل 225 ألف حالة فى عام 2019، وذلك خلال مقابلة هاتفية مع برنامج «حضرة المواطن».

وفقاً للتصريحات، بلغ معدل الطلاق 2.2 لكل ألف شخص في العام الماضي، كما تراوحت نسبة النساء المعيلات بين 10 و15 في المائة».

وفي 10 أغسطس الجاري، قال رئيس الجهاز المركيز للإحصاء اللواء خيري بركات، في تصريحات للبرنامج نفسه، إن هناك حالة طلاق تقع كل دقيقتين و0.3 ثانية، وإن مقابل كل 5 حالات زواج تقع حالة طلاق واحدة.

تجربة أحلام مع التمييز ضدها كسيدة منفصلة، تكررت مع عشرات النساء اللاتي واجهن تمييزاً من بعض مؤسسات العمل أو المدارس الخاصة، بعد أن تم التعامل معهن على أنهن لا يحملن الأهلية الكافية كمطلقات وأن ظروفهن الخاصة تمنعهن من استيفاء الشروط المطلوبة للعمل أو الحصول على خدمات أخرى.

خوف من التعثر المالي

سهير، 47 سنة من القاهرة، تعمل «كابتن سائق» في شركة نقل خاص والتي أتاحت لسائقيها خدمة شراء الأجهزة والهواتف من شركة إلكترونيات شهيرة بالتقسيط.

منذ عدة أشهر، ذهبت سهير برفقة ابنها إلى موظف شركة الإلكترونيات لتحصل على هاتف محمول بأسرع وقت لاحتياجات العمل، مضت الإجراءات بسلاسة حتى لاحظ الموظف أن بطاقتها الشخصية لا تحتوي على اسم زوج، في الوقت نفسه يرافقها طفل يناديها بـ«ماما».

تقول: «سألني الموظف مباشرة: أين اسم الزوج؟ هل أنتِ مطلقة؟ فأجبته بالإيجاب وسألته إن كان هناك مشكلة متعلقة بحالتي الاجتماعية، فصمت قليلاً ثم رد بأن طلب التقسيط سيتم تعطيله لأنني مطلقة، ولأنهم يتخوفون من عدم قدرة المطلقات على سداد قيمة الأقساط لأنهن متعثرات مادياً رغم عدم وجود قانون في الشركة ينص على ذلك».

وتحكي: تعجبتُ من هذا المنطق لأنهم كشركة يفترض أن ما يلزمهم هو الأوراق والضمانات الكافية فقط، والسؤال هنا، حتى لو كنت متزوجة، ما علاقة وجود الزوج بضمان سداد الأقساط؟».

المدير استغل حاجتي إلى العمل

أما ندى 32 سنة، «اسم مستعار» فتعمل معلمة، بعد طلاقها كانت تبحث عن عمل ووجدت وظيفة شاغره في مدرسة مشهورة بالقاهرة، تواصلت معهم قبل التقديم فأبلغوها أن الراتب يبدأ من ألف وخمسمائة جنيه ويزيد حسب الخبرة فذهبت وملأت استمارة التوظيف.

في استمارة الوظيفة، وفي الخانة الفارغة للحالة الاجتماعية، كتبت ندى «مطلقة»، ثم مضت في بقية الإجراءات وقدمت حصة دراسية تجريبية أمام المدرسين، وبعد قبولها أخبرها المدير أن «الراتب ألف جنيه» فقط، وحين سألت مشرفة المادة عن السبب أجابت «لا تكتبي بعد ذلك في الاستمارات الوظيفية أنك مطلقة»، ففهمت أنه فعل ذلك لأنه يعتقد أنني محتاجة للعمل كمطلقة وسأضطر للقبول بأي مقابل مالي.

رفضت ندى هذه الوظيفة لكنها قررت ألا تتحدث عن حياتها الشخصية وألا تفصح عن حالتها الاجتماعية مجدداً، فتكتب في الخانة الفارغة «متزوجة» لتنجو من الأسئلة والأحكام المجتمعية ومحاولات الاستغلال، وبالفعل تم قبولها في عدة وظائف بعدها.

رفض المدارس لقبول الأطفال

أما مريم، فهي ممرضة تبلغ الـ30 من عُمرها، فقد تعرضت للتمييز ضدها حين قررت التقديم لابنتها في المدرسة منذ عدة سنوات، فبعد جولة على الكثير من المدارس الخاصة الموجودة في منطقتها ورفض قبول ابنتها، ذهبت إلى مدرسة بحلوان وبحوزتها «الولاية التعليمية» لابنتها.

تقول: «في المقابلة سألتني المديرة عن والدها، وحاصرتني بالأسئلة، هل تعرفين كم تبلغ مصاريف المدرسة؟ من أين ستجدين الوقت لتستذكري دروسها معها؟ وفي النهاية قالت لي إنها مرفوضة لأن وضع الطلاق سيجعلها غير مستقرة نفسيا.. كانت تتعامل معي وكأنني «أتسول منها».

لم تتوقف مريم عن العمل كممرضة لكنها مرت بصعوبات كثيرة بعد الطلاق، فعادة ما يرفض أصحاب الشقق استئجارها لمنازلهم، وذات مرة قال لها أحدهم «إحنا مش ضامنين المطلقة وبيجي من وراهم بلاوي كتير»، أيضاً كانت تطاردها نظرات الشك والازدراء من زملائها في العمل لمجرد أنها منفصلة.

الأمر نفسه تكرر مع شيماء التي قررت الانفصال عن زوجها منذ ثلاث سنوات لتعيش مع طفلتها، وواجهت نفس التعليقات بعدما بدأت رحلة البحث عن مدرسة تقبل طفلتها المصابة بمتلازمة داوون.

تقول: «لمدة عامين كاملين، كنت أحاول إلحاق ابنتي بإحدى المدارس، كثير منها رفضوا بسبب حالة طفلتي الخاصة، لكن بعض المدارس قالت لي لا نقبل أطفالاً من أسرة بها أب وأم منفصلين لأن هناك اعتقاداً بأن الطفل تحدث لديه اضطرابات نفسية أو سلوكية، وأنه ليس لديهم الاستعداد للتعامل مع صعوبات التعلم الناتجة عن صدمة الانفصال وغياب الأب أو الأم».

تضيف: «هذا معتقد ظالم جداً لأن دور المدارس التربية مع التعليم، وهناك كثير من الأطفال المعرضين للإصابة بالاضطرابات النفسية لأسباب كثيرة لا تتعلق بالانفصال الأسري، هل هذا الرفض لأنني لا أستطيع إثبات وجود رسمي للأب بالرغم من قدرتي على توفير المقابل المادي للمدرسة؟ إذاً، ألا يعلم أصحاب هذه المدارس أن عشرات الامهات يربين أبناءهن بمفردهن والأب غائب أو مسافر ولا يتمثل وجوده ودوره إلا في بعض النقود التي يرسلها كل شهر؟».

أستاذ اجتماع: الاعتقادات الاجتماعية تظلم النساء

وقالت الدكتورة سامية خضر، أستاذة علم الاجتماع بكلية التربية بجامعة عين شمس، إنه على الرغم من زيادة نسبة الطلاق في مصر في السنوات الأخيرة، ما زالت بعض الاعتقادات المجتمعية تظلم المطلق أو المطلقة، فهناك صورة نمطية خطأ بأن المطلقة مصدر خوف لأنها ستبحث عن زوج آخر، والمطلق حين يقرر الزواج مجدداً لن يجد الترحيب في الأغلب، وبالتالي ينظر الناس بشكل خطأ إلى الحالة الاجتماعية وليس إلى أخلاق ومؤهلات الشخص نفسه.

وتابعت لـ«إضاءات»، أن الثقافة المصرية تنحاز إلى وجود الأسرة، وبالتالي لا تتقبل الانفصال بشكل كبير ولا تحبذ الطلاق، كما تنتشر بعض الصور الخاطئة المتوارثة عن السيدة المطلقة بأنها «معقدة» أو «تبحث عن رجل آخر» أو لديها مشكلات عديدة تمنعها من العمل الجيد وتولي المسؤولية، لكن هذه المفاهيم الظالمة يجب تصحيحها مع الوقت، وأن ينظر أصحاب العمل والمؤسسات إلى مؤهلات السيدة وكفاءتها للعمل دون التفكير في أن حالتها الاجتماعية يمكن أن تعوقها.

«بداية جديدة» تدعم المنفصلات

تقول نجلاء عيادة، مؤسسة مبادرة «بداية جديدة» لدعم السيدات المنفصلات، إن السيدات تتعرض لمشكلات بعد الطلاق أثناء العمل، وظهر ذلك خلال قصص السيدات اللاتي لجأن إلى لمبادرة.

وأضافت: «البعض يستغل الاحتياج المادي للسيدة المنفصلة، وكثيراً ما تواجه السيدات اتهامات متعلقة بأخلاقهن أو يتعرضن للطمع فيهن، أما بالنسبة للمدارس فكثير منها لا تقبل أبناء المطلقات أو المطلقين، أبناء الطلاق عامة مرفوضين من أغلب المدارس الخاصة لأن أصحابها يرون أن الطلاق يعني وجود صراع بين الأب والأم حتى لو كانت الولاية التعليمية مع أحدهما، ويعتقدون أنهم بذلك يحمون المدرسة من المشكلات».

وتابعت: «حاولنا كمبادرة تطوعية أن نوفر فرص عمل للمطلقات بالشراكة مع مؤسسات ورجال أعمال ووفرنا فريقاً من الاستشارين القانونيين لمساعدة السيدات في بعض الحالات، وأحياناً ننصحهم بتحويل الشكاوى للمجلس القومي للمرأة أو المجلس القومي للأمومة والطفولة».

تنويه: كل الأسماء الواردة في الموضوع مستعارة بناء على طلب أصحابها.