سر الدعاء والسجدة: هل يصنع التدين لاعب كرة قدم أفضل؟
بالطبع أنت تعلم عن أي موقف نتحدث، قصة «موت باجيو واقفًا» بعد إهداره لركلة ترجيحية في نهائي كأس العالم 1994 أمام البرازيل، ذلك الكابوس الذي ظل يطارد روبيرتو لسنوات.
داخل نفس المشهد، يخبرنا الرجل الذي جلس رافعًا يديه للسماء، أنّه مؤمن بأن كل تلك التحليلات التي استمرت لعقود حول السبب الحقيقي لإهدار نجم بحجم باجيو لركلة ترجيح ليست مهمة؛ لأن القصة مُفسرة، على الأقل بالنسبة له: تافاريل رجل مسيحي مُتديّن، يواجه رجل تحوَّل بمحض إرادته البوذية، بالتالي النتيجة محسومة.
لكن لحظة! هل يعني هذا التفسير أن التديّن من عدمه مسألة يمكن لها أن تتدخَّل في مستوى اللاعب؟ والأهم، لماذا وكيف يمكن أن يحدُث ذلك؟
الشعور بالسيطرة
خلال الاجتماع السنوي الـ21 لجمعية العلوم النفسية «APS»، ناقش «مايكل إنزلخت»، أستاذ علم النفس بجامعة تورونتو الكندية، مدى تأثير المعتقدات الدينية على حياة الأفراد اليومية. كان المحور الرئيسي لحديثه هو أن الدين بشكل عام يلبي حاجة البشر إلى الشعور بالسيطرة الشخصية على الأحداث التي يمرون بها من جهة، ويقلل من القلق الناتج عن مواجهة أحداث أخرى خارجة عن إرادتهم، أو الأحداث التي لا تلبي توقعاتهم.
ولأن الرياضيين ليسوا بمعزل عن البشر، يؤمِّن الدين، أو بمعنى أوضح الإيمان بمعتقد ديني، ما يحتاجه الرياضي لمواجهة مخاوفه. لذا، يبدو طبيعيًا أن تتضمن الدقائق قبل وأثناء وبعد أي منافسة رياضية تأدية المحترفين للصلاة أو التضرُّع بالدعاء رغبة في تقديم أداءٍ جيد.
وبما أنّ كرة القدم أكثر عشوائية مقارنة بغيرها من الرياضات، بات من الطبيعي أن تتحوَّل ملاعب الكرة إلى منابر واللاعبين إلى دعاة؛ لسبب بديهي جدًا، وهو أنّ اللاعب الذي يبذل قصارى جهده داخل التدريبات انتظارًا ليوم المباراة حتى يحقق مبتغاه، لا يزال متشككًا في مدى قدرته على تحويل ما تدرّب عليه لنتيجة ملموسة. هذه الدرجة من الشك، تتطلب درجة عالية من الإيمان بقوة أكبر منه.
في الواقع، يميل بعض الرياضيين للإيمان بقوة أكبر، حتى وإن حدث ذلك في أسوأ الفروض عبر الإيمان بالخرافات مثل ارتداء زي معيّن في يوم المباراة، القيام بطقوس محددة قبل انطلاقها، أو عبر الاعتقاد أن الإيمان بمعتقد ما يؤثر بالفعل على أدائهم.
تصب كل هذه الأفكار على اختلافها في خانة واحدة، وهي محاولة الشعور بالتحكُّم في المصير، سواء عن طريق طرد النحس أو جلب الحظ السعيد، أو حتى تقبُّل الهزيمة إن حدثت.
داخل عقل الإنسان
على الرغم من تعريف نحو 85% من البشر على سطح كوكب الأرض لأنفسهم كمؤمنين بالديانات، لا تزال دراسة مساحة مثل تأثير التديُّن على الأداء الرياضي مربكة.
أولًا، لوجود اختلاف على تعريف الدين بشكل عام، وثانيًا، بسبب صعوبة قياس مدى إيمان الفرد بمعتقده، ومن ثم دراسة تأثيره على أدائه.
مع ذلك، اتضح عبر دراسة نشرتها جامعة سيول الكورية عام 2000، أن الصلاة كانت عاملًا رئيسيًا في تعامل الرياضيين مع القلق، وعند تكرار التجربة على مجموعات جديدة من الرياضيين الذين ينتمون لديانات مختلفة، اتضح أن إيمان الفرد بمعتقده الديني وبوجود قوة أكبر منه يزيل الكثير من الشكوك حول المستقبل وهو ما يمكن أن يتحوّل في النهاية لأداء أفضل. لكن كيف يحدث ذلك؟
تتبع نيوبيرغ، الذي أمضى معظم حياته المهنية في دراسة آثار الإيمان الديني على الجهاز العقلي للإنسان، واتضح من خلال بحثه، أنّ الصلاة تدفع سلسلة من المواد الكيميائية العصبية إلى التدفق بشكل أكبر، مثل الدوبامين (الذي ينظم المتعة)، السيروتونين (الذي يقلل الشعور بالإجهاد).
وخلصت دراسته التي استمرت لعقدين من الزمن إلى أن الصلاة تعد واحدة من أقصر الطرق للوصول إلى حالة الصفاء الذهني، الذي يسعى إليه أي رياضي بالفعل قبل بدء أي منافسة.
الشعرة الفاصلة
ربما حان الوقت لنجيب عن السؤال الذي طرحناه بوقت سابق، هل يمنح التديّن متمثلًا في الصلاة أو الدعاء والامتثال لتعاليم الدين أفضلية للرياضي، بعيدًا عن قصة الوصول لحالة الصفات الذهني وإزالة القلق والتوتر؟ مفاجأة! الإجابة هي نعم.
في فبراير 2021، نشرت المجلة الدولية لعلم النفس والتدريب الرياضي بحثًا يهدف لصياغة نموذج لفهم العلاقة بين الدين والأداء الرياضي. وبعد مقابلات مع عدد من الرياضيين من خلفيات دينية مختلفة، نشر مؤلفو البحث نموذج الأداء الديني الرياضي «RSP»، الذي حدد العلاقة ما بين تديُّن الرياضي وأدائه.
يرتبط الأداء الرياضي على المدى الطويل، طبقًا للبحث، بـ6 عوامل ثانوية وهي: الصحة النفسية، استراتيجيات التأقلم، التغذية السليمة، الشعور بالأمان، تحديد الأهداف وأخيرًا قبول الناتج النهائي للمنافسة.
المفاجأة هي أن عبارات دانجوما، التي قالها بعفوية، تشرح لنا العلاقة الحقيقية بين تديُّن اللاعب وتفوقه الرياضي، حيث تقوم يهدف الدين بشكل عام إلى تكوين إنسان سوي من حيث أخلاقيًا وبدنيًا، عبر عدد من الضوابط المحددة التي يمتثل إليها على مدار يومه.
لذا، ربما يبدو منطقيًا أن يبدو اللاعب المتديِّن أكثر تفوقًا من غيره، لا لأي سبب سوى أن امتثاله لتعاليم دينه يحمله تلقائيًا للوصول إلى الصورة المثالية التي تطمح لها نسبة الـ15% من البشر التي لا تؤمن بأي دين.