هل يشعل نتنياهو الحرب أم يذهب بهدوء إلى المحكمة؟
للفساد في إسرائيل تاريخ طويل، منذ بداية التأسيس وإلى عهد رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو، الذي تلاحقه وزوجته إلى الآن عدة قضايا فساد تتعلق بالاحتيال وشراء الذمم والتربح من منصبه وسوء استغلال المال العام، وكما قلنا بدأ خيط الفساد في إسرائيل مبكرًا جدًا، وكان طريق الهروب لأي مسئول إسرائيلي من تهم الفساد هو خيار من اثنين؛ إما الحرب حيث تحتل صور القتلى والجرحى عناوين الصفحة الأولى بدلًا من تحقيقات القضاء، وإما الهروب إلى السلام والوعد بحل المعضلة الفلسطينية، وعندها يتغاضى الإسرائيليون طوعًا أو جبرًا على فساد رئيس الوزراء أو من تحته.سابقًا تغاضت الصحافة الإسرائيلية والدولة كذلك عن تهم فساد تتعلق بأرئيل شارون، وذلك دعمًا لقرار الانسحاب من قطاع غزة، وقال الصحفي الإسرائيلي أمنون أبراموفيتش معلقًا على ذلك: «علينا أن نحمي أرئيل شارون كما نحمي الأترجة، نحافظ عليها في صندوق مغلق ونلفها بالقطن والإسفنج حتى نهاية الانسحاب من غزة، يجب أن نحميه ليس فقط من القضايا السياسية ولكن الجنائية أيضًا».فما هو تاريخ الفساد داخل إسرائيل؟، وما أبرز الاتهامات التي يواجهها نتنياهو؟، وكيف ستحدد مستقبل إسرائيل السياسي؟هذا ما نحاول قراءته في الأسطر القادمة..
هل يهتم الإسرائيليون حقًا؟
خضوع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للتحقيق بتهم فساد، ليس الأول من نوعه بحق مسؤولين كبار في إسرائيل، فقد طالت الإدانات مسؤولين إسرائيليين بينهم رؤساء دولة وحكومة ووزراء.الجدير بالذكر هنا أن إسرائيل احتلت المرتبة 23 في قائمة منظمة الشفافية الدولية للفساد، والذي يعرض حجم الفساد في القطاع العام بالعالم. وأدى الفساد في إسرائيل سابقًا إلى عزل مسئولين في مناصب رفيعة وإيداعهم السجن، وصولًا إلى تغيير الحكومات.فمثلًا أدت قضية فساد بحق الرئيس الإسرائيلي عيزر فايتسمان إلى استقالته من منصبه، وكانت القضية تتعلق بتلقيه مئات الآلاف من الدولارات كرِشى، أما أشهر القضايا التي أودت بصاحبها للسجن كانت قضية الرئيس الإسرائيلي السابق موتشيه كساف، وأدين كتساف بارتكاب جرائم جنسية بحق عشر نساء عملن تحت إمرته في مكتب بيت الرئيس، وكذلك في سنوات سابقة، عندما تولى منصب وزير في حكومات الليكود، وانتهت بإدانته بتهمة الاغتصاب وأودع السجن لسبع سنوات.أما آرئيل شارون فقد حُقق معه في تهم الاستيلاء على أراضي الدولة، كما أدين ابنه عمري شارون، وحكم عليه بالسجن لـ 7 أشهر في تهم تتعلق بارتكاب مخالفات احتيال وتعيينات سياسية ومخالفات لقانون تمويل الأحزاب.القضية الأخيرة كانت من نصيب إيهود أولمرت، رئيس الوزراء الإسرائيلي. في مايو/أيار 2014 أصدرت محكمة إسرائيلية حكمًا في قضية وُصفت بأنها «أسوأ قضية فساد في تاريخ إسرائيل». وذكر نص الحكم أن أولمرت تلقى شخصيًا رشى بقيمة 560 ألف شيكل (160 ألف دولار) سلم معظمها لشقيقه عبر وسيط تحول إلى شاهد اتهام. وبالفعل كان أولمرت هو أول رئيس للحكومة يدخل السجن في إسرائيل بتهمة الفساد. وحكم عليه بالسجن 18 شهرًا لاتهامه بتلقي رشى في إطار مشروع عقاري ضخم لبناء مجمع «هولي لاند» عندما كان رئيسًا لبلدية القدس في الفترة ما بين 1993 و 2003، وثمانية أشهر لإدانته بالاحتيال والفساد، وشهرًا لعرقلة سير العدالة.الجدير بالذكر هنا أن الشعب حقًا لا يهتم، ولتوضيح ما نقصد ففي بداية العام 2015 أعاد نتنياهو تعيين أريه ديري كوزير للداخلية بعد 22 عامًا من إدانته بتهم تتعلق بالفساد والتربح من منصبه وكان حينها أيضًا وزيرًا للداخلية، ووفقًا لدراسة أجرتها مؤسسة جيديون فيشر بالتعاون مع جامعة حيفا وُجد أن الرأي العام لا يبالي بقضية تعيين المتهم المدان في منصب وزير الداخلية، ما يشير إلى أن المقولة التلمودية «لا تعين موظفًا عامًا إلا إذا كان لديه هياكل عظمية في خزانته» لم تعد سارية، ما يعني أن الشعب الإسرائيلي لا يهتم كثيرًا بقضايا الفساد إذا ما قورنت بأمور أخرى تتعلق بالاستيطان وعملية السلام أو الحرب.
نتنياهو على المحك
يمكننا أن نلخص قضايا الفساد المتعلقة بنتنياهو في ثلاث قضايا؛ أولها الفساد في صفقة شراء الغواصات الألمانية،وتسلطت الأضواء على الصفقة التي أُبرمت عام 2016 منذ تكشف أن محامي نتانياهو الخاص هو أيضًا ممثل الوكيل المحلي لمجموعة تيسن كورب مارين سيستمز الألمانية لبناء السفن المكلفة ببناء الغواصات.نشير إلى أن الشرطة الإسرائيلية اعتقلت اللواء (إليعيزر ماروم) القائد السابق لسلاح البحرية الإسرائيلي، وستة آخرين بينهم مسؤولون حكوميون كبار سابقون يدورون في فلك نتنياهو، بشبهة التورط في قضية صفقة شراء غواصات من ألمانيا أو «القضية 3000». اعترف وسيط الشركة الألمانية، تيسن كورب، (ميكي غانور) بمعلومات عن صفقات سلاح أخرى صودق عليها خلال السنوات المنصرمة، تم فيها دفع رشى لمسؤولين كبار في الحكومة الإسرائيلية، الأمر الذي من شأنه أن يوسع دائرة التحقيقات في القضية.القضية الثانية وهي القضية رقم «2000»، وتدور حول شبهات بقيام نتنياهو بتقديم عرض إلى مالك وناشر صحيفة «يديعوت أحرونوت»، أرنون موزيس، لمساعدته في تقليص عدد قراء صحيفة «إسرائيل اليوم» المنافسة لـيديعوت أحرونوت مقابل الحصول على تغطية إيجابية بحق نتنياهو وحكومته. يشار إلى أن المدير السابق لمكتب رئيس الحكومة، آري هارو، كان قد وقع يوم الجمعة الماضي، على اتفاقية «شاهد ملك» مع النيابة العامة، وذلك بمصادقة المستشار القضائي للحكومة أفيحاي مندلبليت، والمدعي العام شاي نيتسان. وتبيّن أن لهارو دورًا مهمًا في القضية 2000، حيث إن جزءًا من المحادثات تم تسجيلها بواسطة جهاز الهاتف النقال الخاص به، كما شارك هو بنفسه في جزء من المحادثات. وتشير الدلائل إلى أن نتنياهو طلب من هارو القيام بعمليات تهدف للفحص الجدي لكيفية تنفيذ الصفقة مع موزيس.القضية الأخيرة رقم 1000، وتتعلق بتلقي نتنياهو وزوجته سارة هدايا فاخرة كسجائر وزجاجات شمبانيا، بخلاف القانون، من طرف رجال أعمال. تبشر هذه القضايا وخصوصًا قضية الغواصات الألمانية والقضية رقم 2000 بوجود احتمالية كبيرة لإدانة نتنياهو وإزاحته من السلطة، خاصةً في ظل الشهادات والتسريبات التي تخرج يوميًا إلى النور.
نتنياهو وخيارات البقاء
لا ينص القانون الإسرائيلي على ضرورة استقالة رئيس الوزراء الخاضع للمحاكمة، لذا يمكن لنتنياهو أن يستمر في أداء وظيفته طوال فترة التحقيقات وحتى بعد توجيه الاتهام الرسمي وذهابه للمحكمة، ولكن فرص حدوث ذلك ضئيلة جدًا، ففي السابق استقال رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت بعد أن تزايدت حدة التحقيقات الجارية بشأنه وأصبحت قضية رأي عام. حينها أصبح الجو العام عدوانيًا تجاهه، ما أجبره على الاستقالة، حينها كان إيهود باراك رئيس حزب العمل عضوًا في تحالف الحكومة وخيّر أولمرت بين الاستقالة أو أن يخرج حزب العمل من التحالف.يمكن أن تؤدي نفس العملية في النهاية إلى إرغام نتنياهو على الاستقالة. نتنياهو ورغم الدعم اليميني الذي يلقاه إلا أن أحدًا في إسرائيل لن يسمح أن يكون رئيس الوزراء مجرمًا مدانًا، وحينها وقبل أن يحدث ذلك أيضًا سوف يبدأ صراع العروش حول من يخلف بنيامين نتنياهو في منصب رئيس الوزراء.السؤال الآن؛ هل يلجأ نتنياهو للحرب على غزة أو لتحريك عملية السلام في محاولة للتغطية على أزمته السياسية؟.الأمر الذي يجعل موقف رئيس الوزراء الإسرائيلي صعبًا هو أنه لم يترك فرصة للسلام إلا ودمرها، وحتى إذا أراد نتنياهو دفع عملية السلام فسيكون عليه حينها تفكيك تحالفه اليميني المتشدد وهو الأمر المستحيل عمليًا. أما بالنسبة لخيار الحرب فقد أبدى نتنياهو سابقًا وفي أحداث القدس الأخيرة استعداده لإشعال الأوضاع السياسية داخل إسرائيل لصالح التغطية على التحقيقات التي تطاله، فلا بأس إذن أن يتأسى بسلفه إيهود أولمرت ويكمل تغذية النار بالوقود، سواءٌ داخل القدس الشريف أو على حدود قطاع غزة، أملًا في إحداث عنف كبير أو حرب محدودة على القطاع تقيه مغبة التحقيقات الجنائية.وتتزايد فرص هذا الاحتمال في ظل تقلبات الأوضاع في غزة داخليًا، واحتمال انفلاتها بما يخدم مصلحة نتنياهو. فهل يسعى نتنياهو إلى الحرب أم يذهب بهدوء إلى المحكمة؟