عادة ما يرتبط الصيف والطقس المشمس في أذهاننا بالتنزه والسفر وقضاء الوقت مع العائلة والفاكهة الصيفية اللذيذة على طريقة الفنانة ليلى نظمي عندما غنت «الدنيا حر». للأسف لا تقترن تلك المشاعر والسلوكيات الإيجابية بالحر عند الجميع بل تشير بعض الدراسات العلمية لظهور أنماط مختلفة من المشكلات الاجتماعية والسلوكية والنفسية أثناء الموجات الحارة إضافة لتزايد معدل الجرائم في موجات الحر الشديدة.

رصدت تلك الدراسات وجود علاقة بين ارتفاع درجات الحرارة وزيادة معدلات الميل للسلوكيات العنيفة ولاتخاذ قرارت الطلاق أو الانفصال والميل للصراعات أو زيادة نسب الجرائم.

تأثير ارتفاع الحرارة على الحالة النفسية

تشير دراسة الموجات الحارة لها أثر على صحتنا النفسية المنشورة على موقع المركز العالمي البيئى بواسطة الباحثين لورانس واينرايت وإيلين نيومان أن الموجات الحارة لها أثر سلبي على الصحة النفسية للأشخاص غير المصابين باضطرابات أو مشكلات نفسية من الأساس وإلى حدوث ضرر دماغي نتيجة للإجهاد الحراري.

كما توصلت الدراسة لارتفاع معدلات الانتحار بنسبة 2.2% لكل ارتفاع في درجات الحرارة بمعدل درجة واحدة سيلسيوس، كما ذكرت الدراسة زيادة في حدة الأعراض للأشخاص المصابين باضطرابات الاكتئاب والقلق وثنائي القطب والسلوكيات العدوانية أو ردود الأفعال العنيفة.

وكذلك، توصلت دراسة رصدت العلاقة بين الفصول المختلفة ومعدل إفراز الهرمونات المرتبطة بالتوتر وسرعة الاستثارة في بولندا المنشورة على موقع اتحاد الجمعيات الأمريكية للبيولوجيا، وأجراها 8 باحثين. توصلت إلى ازدياد معدلات إفراز هرمون الكورتيزول المرتبط بالتوتر والقلق في الصيف عنه في بقية فصول السنة.

بالاطلاع على الدراسة البحثية التي تطرح سؤالاً حول وجود ارتباط بين الطقس الحار والضرر بالصحة النفسية التي تعد نتاجًا لتعاون مشترك بين باحثين أكاديميين في جامعات بالصين وجامعات في أستراليا المنشورة في مجلة البيئة العالمية نجد أنهم توصلوا لنتائج تشير إلى ارتباط ارتفاع درجات الحرارة بزيادة شدة اضطرابات المزاج والاضطرابات النفسية العضوية والفصام والقلق وزيادة الميل للنزاع والغضب.

الميل للجريمة والسلوك العنيف

عادةً يميل الناس للشجار أو لسرعة الغضب وإبداء الانزعاج والاستياء بشكل واضح في المواصلات العامة المزدحمة خصوصًا غير المكيفة أو في طوابير شراء الأطعمة وطوابير المصالح الحكومية، وقد يعترينا الاندهاش عندما نرى خلافًا بسيطًا أو موقفًا عابرًا يتطور إلى تبادل الشتائم والإهانات أو الاشتباك بالأيدى.

أوضحت دراسة الاحتباس الحراري العالمي والسلوك العنيف المنشورة على موقع جمعية العلوم النفسية من قِبَل الباحثين كورتني بلانيت وكريج أندرسون، أن نسب الجريمة في المناطق الحارة أكبر منها في المناطق الباردة عند التحكم في العوامل الاجتماعية والثقافية كالعمر والعرق والفقر وثقافة جرائم الشرف.

استعرضت الدراسة ارتفاع نسبة الجرائم العنيفة تحديدًا كالقتل والاعتداء على الجسد مع ارتفاع درجات الحرارة حيث توصلوا لمعدل معين أنه كلما ترتفع درجة الحرارة درجة مئوية تزداد معدلات الجرائم العنيفة بمعدل 6%.

هو ما أكدته تصريحات ضابط شرطة أمريكي لـ«بي بي سي»، كشف فيها عن ارتفاع معدلات الاتصال بالشرطة من قبل المواطنين إلى 40% أكثر وقت الموجات الحارة والجافة في عام 2018، وأوضح التقرير أن سلوكيات البشر تتغير بغرابة خلال الموجات الحارة وظهر ميل كبير للعنف تجاه الآخرين وارتكاب الجرائم.

وفي دراسة أخرى بعنوان الصيف وقت للقتل: هل توجد علاقة بين ارتفاع درجات الحرارة وجرائم القتل؟ وأجراها 6 باحثين، أكدت نتائجها أن أكثر من 30% من جرائم القتل في اليونان بين أعوام 1995 و2004 تمت في يوم واحد كانت فيه درجة الحرارة 25 مئوية، وأن 45% من جرائم القتل في تلك الفترات حدثت عندما اترفعت درجة الحرارة أكثر وتجاوزت الـ30 درجة مئوية.

مما جعل الباحثين يتوصلون لاستنتاج أن لدرجات الحرارة المرتفعة تأثيرات كبيرة على صحة الإنسان العقلية والنفسية وتزيد من معدلات ميل الناس لارتكاب الجرائم والسلوكيات العنيفة.

أما عن دراسة أنماط الإيذاء العنيف الموسمية المنشورة في دورة Bureau of Justice Statistics بواسطة الباحثتين جانيت لوريتسون ونيكول وايت، التي تناولت دراسة مختلف أنماط الجرائم وإيذاء الآخرين توصلوا لنتائج مفادها ارتفاع نسب ارتكاب جرائم الاعتداءات المنزلية والسطو المسلح والبلطجة بنسبة 11% في فصل الصيف عنها في الشتاء، كما توصلت تلك الدراسة إلى أن معدلات الاعتداء أو الجريمة كانت أعلى منها في الصيف مقارنة بالفصول الأخرى بمعدل 12%.

العنف الأسري

مشكلات الطقس وارتفاع درجات الحرارة العالمية لا تؤثر على الجميع بنفس القدر وتخضع لعوامل مختلفة كما ذكرنا سابقًا حيث يكون للنساء والأطفال نصيب كبير من تبعات تأثير الضغوط الناجمة عن درجات الحرارة أو السلوكيات العنيفة التي تصل للعنف الجسدى و النفسي والجنسي داخل البيوت في نطاق الأسرة أو العائلة.

تأثير ارتفاع درجات الحرارة على النساء يظهر بشكل واضح في زيادة صعوبة أداء المهام المنزلية التي عادة ما يكون المنوط بأدائها النساء كالطبخ وعمل المشروبات الساخنة للزوج أو الذهاب للأسواق لشراء مستلزمات المنزل أو إيصال الأبناء للمدارس والنوادي وبالطبع يتضاعف الضغط على الزوجة أو الأم العاملة، كما يظهر في شكل عنف أسري موجه للنساء في حال انخفاض قدرتهن على أداء تلك المهام نتيجة لصعوبة الطقس أو في حال تعبيرهن عن الإرهاق وطلب مساهمة الشريك.

سلطت دراسة الموجات الحارة وخطر عنف الشريك المنشورة في دورية العلوم والبيئة من قبل مجموعة من الباحثين والباحثات الأسبان الضوء على زيادة نسب قتل النساء من قبل الشريك في الأيام الثلاثة التي تلت الموجات الحارة، كما تزداد عدد بلاغات العنف الأسري للشرطة من قبل النساء بعد مرور يوم على موجات الحر وارتفاع نسب التواصل مع خطوط المساعدة المختصة بحماية النساء بعد خمسة أيام من الموجات الحارة.

وبحسب تصريح بريتنى رايس المسؤولة في منظمة Eccovia المعنية بتقديم الدعم للاجئين والنساء المعنفات وغيرهن من الفئات المهمشة، فإنها كشفت عن زيادة في نسبة العميلات/الناجيات الطالبات للدعم والمساعدة نتيجة تعرضهن للعنف زوجي بسبب ارتفاع درجات الحرارة.

الاحتباس الحراري والطلاق

عادة ما تكون الأسباب الشائعة لظاهرة ارتفاع نسب الطلاق هي الظروف الاقتصادية الصعبة التي تجعل الزوجين محملين بالأعباء والمسؤوليات والبعض يعزيها إلى الاختيارات الخاطئة وعدم توافق اهتمامات وأولويات وطموحات الشريكين، والكثيرون لديهم تفسيرات اجتماعية وثقافية ودينية لارتفاع معدلات الطلاق، لكن لا يمكننا تجاهل دور الطقس الحار في زيادة حدة الخلافات بين الشريكين وتوتر الأجواء بينهما.

أوضحت دراسة تغير الطقس المفاجئ يسبب زيادة معدلات الطلاق العالمية التي تم إعدادها بواسطة الباحثين زينج ميونغ بو وفينج جين فو تشانغ جين بينج المنشورة على دورية Astrophysics data system، أن الاحتباس الحراري يؤثر على الحالة المزاجية والصحة النفسية والعقلية للأفراد في جميع أنحاء العالم.

ربطت الدراسة بين الزيادة في انبعاث غازات الاحتباس الحرارى ووصول درجات الحرارة للدرجات الأقصى ما يتسبب في ارتفاع معدلات الطلاق، كما تظهر الدراسة تأثير الطقس الحار على تقليل الرغبة وانخفاض معدلات ممارسة العلاقة الحميمية بين الأزواج، كما وضحت أن آثار الاحتباس الحراري العالمي غير متساوية بالنسبة للجنسين مما يزيد من عدم العدالة الاجتماعية بالنسبة للنساء في المجتمع والأسرة مما يشكل بيئة خصبة لنمو المشكلات التي تؤدي للانفصال والطلاق.

بالاطلاع على دراسة هل الطلاق موسمي؟ الصادرة عن قسم الاجتماع بجامعة واشنطن بواسطة جولى برينتس وبراين سيرافيني التي درس فيها الباحثان فترات الطلاق على مدار 14 عامًا، وجدا أنه يوجد فترات زمنية متكررة في كل السنوات تزداد فيها معدلات الطلاق بشكل كبير وكانت تلك الفترات هي من شهر يناير إلى مارس شتاء، وكذلك من يوليو وحتى سبتمبر صيفًا.

الكثير من الدراسات العلمية رصدت ارتفاع معدلات الجرائم والانفصال والعنف في فصل الصيف في مختلف أنحاء العالم، وهو ما يدفعنا لعدم التهاوُن حال إحساسنا بفقد السيطرة على مشاعرنا أو احتشاد الأفكار السلبية بكثافة في رؤوسنا، علينا فورًا ألا نستسلم لسرعة الغضب والميل للعصبية أو سلوكيات عنيفة وأن نتوجّه لمختص نفسي وطلب المساعدة والدعم حتى ننجو مما يفعله حرّ الصيف بنفوسنا.