هل يؤثر لون قميص فريقك على نتائجه؟
تخيل لو أخبرك صديقك أن لون القميص قد يساعد فريقًا على تحقيق الفوز في مباراة كرة قدم، فماذا سيكون ردة فعلك؟ غالبًا ستشرع في السخرية منه. وماذا إذا أصر على هذا الادعاء؟ عندها قد تعيد التفكير في صداقتك من هذا المخبول.
وحتى يحمي نفسه من تعليقاتك المهينة، سيفاجئك بمعلومة كفيلة بأن تسكتك، وهي أن السير «أليكس فيرجسون» شخصيًا يشاركه هذا الرأي. ولأنه يريد أن يرد لك الصاع صاعين، سيفاجئك بمعلومة أخرى لا تقل صدمة، ويقول إن بعض الباحثين أكدوا هذا الاعتقاد عبر دراسة دقيقة.
طبعًا سيرى الدهشة تملأ عينيك، وهنا سيشترط أن تعتذر له قبل أن يحكي القصة. وربما يكون أكثر قسوة، فيجبرك على دفع حسابه في المقهى. لا تقلق، نحن سنوفر عليك كل ذلك، فقط تابع السطور القادمة.
اخلعوا هذا القميص
في إبريل/ نيسان 1996، كان الشياطين الحمر في طريقهم نحو لقب دوري إنجليزي جديد، حين اصطدموا بفريق ساوثهامبتون على ملعبه. لم يظن أكثر مشجعي اليونايتد تشاؤمًا أن بإمكان فريق هزّ شباكهم بثلاثة أهداف خلال شوط واحد، لكن هذا ما حدث بالفعل في الـ45 دقيقة الأولى.
وبين شوطي المباراة، طلب السير فيرجسون من لاعبيه تبديل قمصانهم ذات اللون الرمادي الداكن بقمصان أخرى لونها مختلف، ليدخل «بيكهام» ورفاقه الشوط الثاني، وينجحون في حماية مرماهم من هدف رابع، بل ويسجلون هدفًا يحفظون به ماء الوجه.
لم تكن هذه المرة الأولى التي يغيب فيها التوفيق عن مانشستر وهو يرتدي الرمادي، فقد سبق وأن ظهر به في أربع مناسبات خلال نفس الموسم، ولم يحقق الفوز في أي منها. أمر مثير، أليس كذلك؟ الأكثر إثارة هو معرفة أن أحدهم حذر من استخدامه قبل بدء الموسم، ﻷنه قد يتسبب في تحقيق نتائج سلبية!
جاء هذا التحذير من «غيل ستيفنسون»، إحدى أعضاء طاقم مانشستر الطبي، وهي خبيرة في مجال الرؤية والإدراك البصري. وقد شرحت للسير أن استخدام هذا اللون لن يساعد اللاعبين على تقديم أفضل ما لديهم، بل قد يخسرون تمريرات لصالح الخصم، وهو ما سيعرض مرمى الفريق للخطر.
شاهد مدرب اليونايتد هذا الخطر على أرض الواقع، ولم يحب أن يتكرر مجددًا، فقرر ألا يظهر مانشستر بهذا اللون مرة أخرى. وهذا يجرنا للتساؤل: هل بالفعل يؤثر القميص على أداء اللاعبين؟ وإن كانت الإجابة بنعم، فإلى أي مدى يكون هذا التأثير؟
%25
ساعدنا الباحث «سام كوكين» في الإجابة على التساؤل الأول، حين تنقل بين مدن المملكة البريطانية، ليقابل لاعبين محترفين وهواة، كي يعرض عليهم سؤال واحد: إذا كنت تخوض مباراة تنافسية، ماذا يجعلك تشعر بالثقة؟
أجاب على هذا السؤال أكثر من 500 شخص، وتنوعت إجاباتهم بين جودة الملعب، تشجيع المدرب، والجاهزية البدنية. إحدى هذه الإجابات كانت: القميص، سواء هذا الذي يرتديه اللاعب، أو ذلك الذي يرتديه خصمه. المفاجأة كانت في نسبة من تحدث عن تأثير القميص في هذا الاستبيان، حيث قاربت 25% من إجمالي من قابلهم كوكين!
دفعته هذه النسبة المرتفعة للعودة إلى علم النفس الرياضي، حيث اكتشف أن هناك فرضية تدّعي فعلًا وجود علاقة بين قمصان كرة القدم الملائمة للاعبين، وبين الشعور بالثقة واللعب بجماعية، وهو أحيانًا ما يجعلهم أكثر شراسة في المباراة، خصوصًا حين يكونون على نفس المستوى الفني للخصم.
كانت نتيجة الاستبيان بالإضافة إلى ما يقوله علم النفس حافزًا أكبر لسام، فأحب التعرف على شكل ذلك القميص الذي يفضله اللاعبون، ويساعدهم على الشعور بالثقة ومن ثم تقديم أداء أقوى، ليجد أن هناك عوامل مختلفة تحكم الأمر، لكن يظل أبرزها هو اللون.
طالع كوكين جدول ترتيب الدوري الإنجليزي بداية من موسم 1947 وحتى 2003، ولاحظ أن 60% من أبطال هذه النسخ يشتركون في أمر محدد، وهو القميص الأحمر الذي يحققون به الانتصار تلو الآخر حتى التتويج بالبطولة، حيث عاش مانشستر يونايتد، ليفربول، وأيضًا أرسنال فترات ذهبية خلال تلك الحقبة الزمنية، فهل كان للون الأحمر دور في ذلك؟!
هيمنة الأحمر
الإجابة هي نعم، على الأقل بالنسبة لـ«بين ليتش»، محرر صحيفة تليجراف، الذي نقل عن بعض الباحثين تأكيدهم وجود ارتباط بين استخدام اللون الأحمر وبين ازدياد ثقة اللاعب في قدراته وقدرات زملائه. لدرجة أن نفس الفريق قد يقوم بمحاولات أكثر على المرمى إذا ظهر بالقميص الأحمر بدلًا من أي لون آخر، وبالتالي قد يسجل أهدافًا أكثر بنسبة تصل لـ10%.
استفزت هذه المعلومة ليتش، فسألهم عن سبب وجود هذا الارتباط من الأساس، ليجيب عليه الباحث «روبرت بورتان» بأن الأحمر قد يحفز مشاعر الغضب والهيمنة عند اللاعب، وقد يحفز أيضًا مشاعر عكسية عند الخصم أقرب إلى الخوف والتراجع.
هنا ربما يتسبب اللون في أفضلية حقيقية لطرف دون الآخر، لكن بشرط أن تتساوى الإمكانيات البدنية والفنية. أما إذا كان هناك فوارق كبيرة، فالنتيجة ستكون لصالح الفريق الأقوى والأكثر جاهزية، وسيخسر الفريق الأضعف، حتى لو ارتدى طاقمًا كاملًا من اللون الأحمر.
نفس النتيجة توصل إليها الباحث «دينيس دريسكامبر» بعد أن أجرى تجربة جديرة بالذكر. حيث جمع عددًت من لاعبي الرياضات القتالية، وأجرى نزالًا بين لاعب يرتدي الأحمر وآخر يرتدي الأزرق، ثم طلب منهما تبديل الألوان، وأجرى النزال مرة أخرى. وبعد كل نزال، قام بتحليل معدل ضربات القلب واختبار قوة الجسم لكل لاعب، وكلاهما كان أعلى حين ارتدى نفس اللاعب الأحمر!
لا أريد أن أصدع رأسك بأسماء الباحثين، لكن دعني أعرفك على «كاسيدي ويليامز»، وهي خريجة جامعة سامفورد وتمارس حاليًا الرياضة بصورة احترافية. وقد نشرت تدوينة أكدت فيها أن خبرتها العملية تطابق ما درسته عن تأثير الألوان على الأداء الرياضي، وخصوصًا الأحمر الذي يساعد الرياضي على بذل المزيد من الطاقة، والظهور بشكل أكثر شراسة وعدوانية عن المعتاد.
الكمبيوتر يحب الأحمر
الآن يبدو أن لدينا دليلًا دامغًا على التأثير النفسي للون الأحمر على اللاعبين، سواء من خلال فرضيات علم النفس أو تجارب الباحثين أو حتى خبرة من يمارسون الرياضة. وهو ما يجعل الادعاء بأن فريقًا قد يستفيد من اختياره لون محدد للقميص ليس خبلًا أو حماقة، بل ربما كان ذلك أحد أسباب تفوقه على خصم يتساوى معه في الإمكانيات.
ولا تحتاج سوى نظرة سريعة على أبطال الدوريات، سواء في أوروبا أو إفريقيا أو أمريكا الجنوبية، وإلا وستجد أن أغلبهم يستعين باللون الأحمر في قميصه. بالطبع لا يعني ذلك أن بايرن ميونخ أو الأهلي المصري أو فلامنجو البرازيلي يفوز لأنه يرتدي الأحمر، إنما قد يؤدي ذلك إلى أفضلية كما شرح الباحثون.
الأمر لا يتوقف فقط على الجانب النفسي، بل يمتد أيضًا لمجال الرؤية والإدراك. والمقصود هنا هو ملاحظة كل لاعب لتمركز وتحركات زميله داخل الملعب، وهو ما يحتاج لقميص يمكن تمييز لونه بسهولة على المستطيل الأخضر، وكذلك في حيز زمني ضيق جدًا، مع ارتفاع إيقاع كرة القدم في الآونة الأخيرة.
ولهذا السبب عانى مانشستر يونايتد بالقميص الرمادي أمام ساوثهامبتون، حيث فشل لاعبوه في تحديد أماكن بعضهم البعض، وبالتالي خسروا تمريرات عديدة في الأرض والجو، وهو ما توقعت خبيرة الإدراك البصري الدكتورة ستيفنسون بوقوعه قبل أن يقع.
وفي السنوات الأخيرة، أجرى مجموعة من الخبراء في نفس المجال تجربة قد تفيد الأندية مستقبلًا في اختيار الزي الأفضل، حيث استعانوا ببرنامج لتمثيل موقف تكتيكي متحرك يجمع اثنين من المهاجمين باثنين من المدافعين على أرضية الملعب. وقد رسموا المهاجمين تارة باللون الأبيض، وتارة بالأخضر الداكن، أما المدافعين فظلوا باللون الأحمر في المرتين.
عُرِض الموقف بتلك الألوان على عدد من المشاركين، ثم طُلِب منهم تقدير المسافات بين هؤلاء اللاعبين لمعرفة أي مهاجم في وضعية أفضل للتسجيل. النتيجة كانت أن المشاركين لم يستطيعوا التوصل للحل الأفضل حين ظهر المهاجمون باللون الداكن، وبالتالي حقق المدافعون باللون الأحمر أفضلية، لكنهم نجحوا في حالة المهاجم صاحب القميص الأبيض.
استخلص الباحثون من هذه التجربة نتيجة واحدة، وهي أن على الأندية الانتباه بقدر ما إلى الزّي الذي تظهر به، وليس من المفهوم أن يتزايد الاهتمام لدرجة الهوس بالتكتيك والخطط وتطوير أداء اللاعبين على كل الأصعدة، ويتم إهمال الوسيلة التي يميز اللاعبون بها بعضهم البعض.