هل يدخل كلوب موسوعة «جينيس» في صناعة اللعب؟
لم يتردد لاعب ليفربول «ترنت ألكساندر-أرنولد» في اختيار مثله الأعلى عند سؤاله عنه، وبالرغم من كونه ظهير أيمن إنجليزيًا، لكنه لم يضع اسم «جاري نيفيل» في تلك الخانة باعتباره أحد الأظهرة التاريخية في بلاده، ولا وضع حتى من باب مجاملة أي مدافع في تاريخ ليفربول، بينما اختار متوسط الميدان الأسطوري للريدز «ستيفن جيرارد».
عدّل المُدرب «يورجن كلوب» أدوار الأظهرة في فريقه خلال موسمي 2018/19 و2019/20، بشكل جعل أغلب أرقامهم أقرب إلى أرقام لاعبي وسط الملعب منها إلى الأظهرة التقليدية، والحقيقة أن لا أحد يعلم الآن، هل بدأت حالة تعلق «ألكساندر-أرنولد» بلاعب وسط الملعب، منذ بداية تغيير دور الأظهرة في ليفربول، أم أن حالة التعلق تلك هي السبب في التغيير؟
في رثاء الظهير التقليدي
نجح البلجيكي «كيفن دي بروين» في الوصول إلى مُعدل صناعة أهداف يساوي 1.21 هدفًا مصنوعًا لكل 90 دقيقة، وذلك قبل مرور 10 مباريات فقط من موسم 2019/2020، ما يجعل التوقع باختراقه قائمة «جينيس» للأرقام القياسية عن عام 2021 ممكنًا، وذلك كأكثر لاعب يصنع أهدافًا خلال موسم واحد، والمُسجل باسم الفرنسي «تيري هنري»، بـ20 صناعة خلال موسم 2002/03.
يفتقد ليفربول لجودة لاعب وسط بقدرات دي بروين أو حتى «بيرناردو سيلفا». وبعد خسارة «كلوب» لخدمات «تشامبرلين»، اللاعب الوحيد القادر على خلق الإبداع الهجومي من خط الوسط، أظهر كُل من «ألكساندر-أرنولد» و«روبرتسون» بشائر هجومية فيما يخص بناء اللعب، أجبرت المدرب الألماني على اتباع سياسة تطوير أدوار الأظهرة، لكن بتعديل بسيط.
يُعد «جوارديولا» هو صاحب السبق في تطوير أدوار الأظهرة، بداية من تعديل مهام «داني ألفيش» و«أبيدال»، وصولًا لـ«والكر» و«زينشينكو»، لكن لم تكن التعديلات بنفس الطريقة، فأولًا طلب من الأظهرة التقدم للمساعدة كأجنحة صريحة، وختامًا طلب منهم الدخول إلى قلب وسط الملعب ليؤديا أدوار الارتكاز المُساند وقت حيازة الكرة، الأخيرة هي التي تُطبق في مانشستر حتى الآن.
تتيح تلك الطريقة للمدرب الإسباني فرصة استغلال قدرات لاعبي وسط الملعب الفعالة في بناء اللعب، عن طريق تقريب مناطق تفاعلهم مع الكرة من منطقة الجزاء أكثر، وكذلك رفع الأدوار الدفاعية -بعض الشيء- عن كاهلهم، لاستغلال قدراتهم البدنية في الشق الهجومي فقط، وهُنا يكمن جزء كبير من نجاح دي بروين.
ورغم اتفاقهما في تطوير دور الظهير التقليدي، لكن يختلف «كلوب» في استخدامه لذلك المركز، حيث يعتمد عليهما كلاعبي خط وسط، وفقًا لقدراتهما على التصويب والتمرير المفاجئ الذي يؤدي لصناعة الأهداف، وكذلك سهّل من مهمة الكرات العرضية، عن طريق وضعهما على حافة منطقة الجزاء، المنطقة التي يمكن وضع اسم دي بروين عليها بكل ثقة، من حُسن استخدام البلجيكي لها.
وبمشاهدة أماكن تفاعل ثنائي الطرف عند ليفربول، تجد تشابهًا كبيرًا بينها وبين أماكن تواجد دي بروين نفسه عند مانشستر سيتي، والفارق هو أن البلجيكي يتواجد على جانبي وداخل منطقة الجزاء من اليمين واليسار، وهو ما يُسمح له لأنه غير مُجبر على العودة إلى منطقة معينة في الملعب وقت فقدان الكُرة، عكس ما يُجبر عليه ثنائي ليفربول.
خلال موسم 2018/19، نجح الثنائي «ألكساندر-أرنولد» و«روبرتسون» في صناعة 23 هدفًا معًا خلال الدوري الإنجليزي. يُفسر ذلك سبب انخفاض مُعدل اعتماد كلوب على «شاكيري» خلال موسم 2019/20، وتفضيله لعناصر دفاعية عوضًا عنه. يبدو الأمر وكأنه تنازل طواعية عن أدوار وسط الملعب الهجومية، وقرر حصرهم في الركض المساعد في عملية الضغط واستعادة الكرة.
صداع ماني وصلاح أم روبيرتسون وأرنولد
يقول المدرب الأسباني «رافا بينيتيز» إن الفرق لن تستطيع تغطية كامل الملعب في وقت واحد، لابد أن يُترك أحد الجوانب فارغًا وهو ما يستغله الظهير الحُر دائمًا. وفي نظام كلوب المستحدث، فإن الفائدة تعود أكبر على الجناحين وليس الأظهرة.
سمح ذلك التعديل في النظام بوجود مساحات أكبر للجناحين «محمد صلاح» و«ساديو ماني»، حيث ترك لهما خطي الملعب، في الثلث الأخير منه، دون تواجد أي عنصر زميل، لأن الأظهرة قد اتجهت بالفعل لقلب الملعب، بشكل يجعل مدافعي الخصم غير قادرين على الخروج للطرف لمواجهة أجنحة ليفربول.
تُظهر تلك النسب اختيارات كل من روبرتسون وأرنولد وقت حيازة الكرة، والتي قد تركزت على تمرير الكرة إلى عمق الملعب، خلال موسمي 2018/19 و2019/20، لكن يتضح ارتفاع نسبي في اختيار أرنولد للجهة الأصلية لقدمه خلال موسم 2019/20، أي اختيار الظهير الأيمن تمرير الكرة جهة اليمين، ما يعني زيادة تواجده أكثر في قلب الملعب مع وجود حل إضافي على طرف الملعب من الجانب الأيمن.
ترك كل منهما الطرف لماني وصلاح، لكنهما كانا يخلقان شيئًا من الازدحام في قلب الملعب، وهي المساحة المُفضلة لتواجد رأس الحربة، الذي لا يُعد رأس حربة على الإطلاق، «روبيرتو فيرمينيو»، مما جعل كلوب أمام ضرورة لاختيار أحدهم فقط للتقدم، من أجل الحفاظ على عدد 2 لاعبين فقط في المنطقة أسفل منطقة الجزاء.
صانع لعب متأخر جدًا
في نسخة كتاب «جينيس» للأرقام القياسية عن عام 2020، استحوذ الظهير الأيمن للريدز، ألكساندر-أرنولد، على الرقم الأكبر لصناعة الأهداف، عن طريق صناعته لـ12 هدفًا خلال موسم 2018/19، وتم تسجيل الإنجاز له كأكثر مدافع ينجح في صناعة الأهداف خلال موسم واحد في التاريخ، وأتى في المرتبة الثانية رفيقه روبرتسون بـ11 هدفًا مصنوعًا خلال نفس الموسم.
لم يكن ذلك الرقم مبهرًا إذا ما قُورن بأرقام الصناعة التي حققها دي بروين في موسم 2016/17، حيث نجح في صناعة 18 هدفًا خلال الدوري الإنجليزي، وتمكن من الحفاظ على نفس الرقم -تقريبًا- بـ16 هدفًا خلال الموسم الذي تلاه، لكن قد يتلاقى كلاهما في رقم جديد وهو رقم التمريرات الحاسمة التي تُمهد لصناعة هدف، أي التمريرة قبل الأخيرة والتي تسبق صناعة الهدف المباشرة، تُعرف باسم Key-pass.
يتفوق الظهير العصري لليفربول على دي بروين بتمريرة واحدة، منذ بداية موسم 2019/20 وحتى نهاية شهر تشرين الأول/أكتوبر الأول من عام 2019، 37 تمريرة حاسمة لصالح ألكساندر-أرنولد و36 للبلجيكي محسوب ضمن كل منهم الكرات الثابتة.
وبمقارنة معدلات كل منهما من خلال موقع Understat، فإن مُعدل صناعة الفرص لكل 90 دقيقة هو أقرب مُعدل يتلاقى فيه كلاهما بـ3.50 تمريرة حاسمة للإنجليزي الشاب، في حين يملك نجم مانشستر سيتي مُعدلاً يُساوي 4.42 تمريرة لكل 90 دقيقة، مع أفضلية لصالح ظهير ليفربول فيما يخص عدد الدقائق، وأفضلية للبلجيكي بـ8 تمريرات حاسمة وصناعة لهدفين خلال ملحمة واتفورد التي انتهت بثمانية أهداف نظيفة لمانشستر سيتي.
يطرأ دائمًا احتمال تحول اللاعب من مركز الظهير إلى قلب وسط الملعب كلما أظهر تطورًا في قدراته الفردية، يمكن القول إن جيرارد نفسه قد شارك بعض الأوقات في الجهة اليمنى من الملعب قبل اعتماده كمتوسط ميدان ثابت، وحتى «فابينيو» قد انتقل من مركز الظهير إلى وسط الملعب في فترته مع موناكو، قبل أن يصبح أحد أهم عناصر ذلك المركز مع ليفربول، لكن السؤال الآن: لماذا ينتقل ألكساندر-أرنولد من مركز ما يسمح له بالتطور شيئًا فشيئًا وهو بعيد عن ازدحام الضغط الذي يُطبقه كل خصوم ليفربول؟
لم يُخطئ جيمي كاراجر حينما أكد أن جاري نيفيل لم يكن المثل الأعلى للاعبين الصغار حول العالم، لكن الأكيد أنه كان أكثر صوابًا حينما قال إن أرنولد هو أمل الريدز في صناعة اللعب، تمامًا كدي بروين، وبالتالي يمكن لأرنولد وأمثاله قلب الوضع ليصبحوا أمثلة يُحتذى بها لدى الشباب الصغار في المستقبل، كأظهرة عصرية تستطيع صناعة اللعب والمشاركة في تسجيل الأهداف.