هل تبدو مهمة الرئاسة الأمريكية سهلة أمام ترامب؟
محتوى مترجم | ||
المصدر | ||
التاريخ | ||
الكاتب |
كان هذا السؤال هو محور حديث صحيفة «بوليتيكو»، في عددها الصادر في الثالث من يناير/كانون الثاني لعام 2017.
وللإجابة على هذا التساؤل استعانت الصحيفة بعدد من أبرز العقول السياسية في الولايات المتحدة، ولكن قبل البدء في عرض ما ورد في حديثهم هناك سؤال ضمني أكثر إلحاحا يطرح نفسه: هل يرى ترامب أنه سيواجه أي تحديات؟
وقد أجابت الصحيفة على ذلك بعرضها اقتباسا لترامب – المرشح الرئاسي آنذاك – يقول فيه: «سوف يكون الأمر سهلا»، كان هذا التصريح في معرض تخيله لمستقبله كرئيس يقوم باستبدال شيءٍ «عظيم» بقانون أوباما للرعاية الصحية، على حد تعبيره.
وقد عقبت الصحيفة قائلة: «الواقع يخبرنا أنه لا شيء سهل في الرئاسة، والدور المتميز الذي يلعبه المكتب البيضاوي في الوطن وحول العالم يؤكد ذلك، فأن تكون رئيسا معناه أنه سوف يتحتم عليك مواجهة سيل لا ينتهي من المشاكل النابعة من عدد لا تتخيله من الموضوعات».
افتتح الحديث جنرال الجيش الأمريكي المتقاعد ديفيد باتروس، الذي شغل منصب مدير الإدارة المركزية الأمريكية وإدارة قوات التحالف أثناء الهجمات على العراق وأفغانستان، وشغل بعد ذلك منصب مدير وكالة الاستخبارات المركزية، وهو الآن شريك مع شركة الاستثمار العالمية KKR، وهو يرى أن التحدي الأصعب يتمثل في أمرين: الأول هو مواجهة الدول الثورية، ويقصد إيران وروسيا وكوريا الشمالية والصين.
التحدي الثاني هو الأنشطة الإرهابية المستمرة للمنظمات الإسلامية المتطرفة – الدولة الإسلامية والقاعدة وتابعيهما – ليس في الشرق الأوسط فحسب، ولكن في أجزاء من أفريقيا وآسيا الوسطى ومنطقة المحيط الهادئ الآسيوي كذلك.
وأشار إلى أن الصعوبة تأتي من ضرورة قيام رئاسة الولايات المتحدة بالرد على جميع تلك التحديات، وتواصل في الوقت ذاته سعيها الدائم للحصول على شركاء أكثر بقدر المستطاع.
وأوضح الجنرال في ختام حديثه نقطتين مهمتين: الأولى هي أنه يجب أن تكون السياسات الموضوعة طويلة الأمد وتقلل – قدر الإمكان – من الخسارة في الدماء والمال؛ نظرا لأن العديد من تلك التحديات سوف يمتد لأجيال.
أما الثانية فهي بمثابة تعقيب على تصريح ترامب سالف الذكر؛ «إننا في غنى عن قول إنه لا شيء من هذا سوف يكون سهلا».
أما نيوت جينجريتش، المتحدث السابق لمجلس النواب الأمريكي، فيرى أن التحدي لن يكون خارجيا بقدر ما سيكون تحديا يأتي من داخل العاصمة الأمريكية نفسها، إذ يرى أن الاستقرار الشديد المتأصل في العاصمة واشنطن سوف يكون حجر العثرة أمام إدارة ترامب.
وأوضح أن الأزمة التي سوف تعصف بمستشاري ترامب ستتمثل في حصرهم بين مفترق طرق: هل يتنازلون أمام النظام القديم، ويقلصون طموحاتهم لكي تتوافق مع معايير واشنطن، أم يقومون بالاستفادة من جميع المواهب والمصادر التي يملكونها ويضربون بالنظام القديم عرض الحائط؟
ويمكن القول إن هذه الأزمة قادمة لا محالة بسبب البيروقراطية المتأصلة، والقوانين القديمة، وآلاف التشريعات، والمحامين الذين يرفعون دعاوى للمطالبة بالتأخير، وجيوش جماعات الضغط (اللوبيات) الذين يحمون مصالحهم، وتنوع جهات التأثير والرأي في الكونجرس، والعداء والارتباك بين وسائل الإعلام، وسلبية العالم المفكر، وكل ذلك سوف يمثل تحديا كبيرا في وجه التغيير الجريء.
وأوضح أن القرار الحاسم سوف يتبين في مارس/آذار أو أبريل/نيسان، وأيا كان ذلك القرار فسوف يحدد الدور الذي سوف تلعبه رئاسة ترامب في التاريخ الأمريكي.
أما نييرا تاندن، المدير التنفيذي لمركز التقدم الأمريكي ومركز تمويل أعمال التقدم الأمريكي، فذهبت إلى أمر أكثر عمقا وأشد قربا لترامب؛ حيث ترى أن التحدى الأكبر الذى سوف يواجه ترامب هو مواجهة الانشقاق الكبير الموجود داخل اتئلاف مؤيديه.
فتاندن ترى أنه يوجد داخل معسكر ترامب العديد من التناقضات، فهناك من أيده لأنه يتماشى مع سياسات الجمهوريين التقليدية، وهناك من أيده لأنه لم يكن كذلك. وقد حصل ترامب على نسبة من الأشخاص الذين صوتوا لأوباما مرتين لأنه لم يكن الجمهوري التقليدي، فغالبا ما كان ترامب يهاجم قيادة الحزب الجمهوري، وعلى الرغم من ذلك فها هو الآن يضع نفسه مع الجمهوريين داخل الكونجرس، ويجب عليه تنفيذ خطتهم التي يعارضها الكثيرون.
وطبقا لها فإنه سيتوجب على ترامب الاختيار، خاصة فيما يتعلق بقانون الرعاية الصحية؛ فلقد وعد ناخبيه بأنه سوف يحمي تأمينهم، وبناء على هذا الوعد صوت له العديدون، ولكن الكونجرس على وشك إلغاء قانون الرعاية الصحية بدون أي بديل لسنوات، ما سوف يترك نظام الرعاية الصحية في حالة من الفوضى، مثيرا احتمالية انهيار السوق، ومهددا بترك أكثر من 20 مليون أمريكي بدون غطاء، وهذا يشمل العديد ممن صوتوا لترامب، فماذا سوف يفعل ترامب؟
وختمت كلامها موضحة أن العديد من الذين صوتوا له لا يتوقعون منه أن يتبع الكونجرس بشكل أعمى، وإذا فعل فسوف يحجمون عن تأييده، ودعمت كلامها بمقولة حديثة لأحد مؤيديه من ولاية كنتاكي: «إذا لم ينفذ وعوده بخصوص الرعاية الصحية، فلن يكون هناك مرة أخرى.. ليس وأنا بإمكاني منع ذلك».
غرد جون هانتسمان، رئيس المجلس الأطلسي وسفير الولايات المتحدة السابق لدى الصين وسنغافورة والحاكم السابق لولاية يوتا، بعيدا عن الأمور السياسية والاقتصادية، فهو يرى أن التهديد الأكبر الذي سوف يؤدي إلى تآكل أمريكا من الداخل، والذي بدوره يمثل التحدي الأكبر لرئاسة ترامب في 2017، هو النقص الشديد في ثقة الشعب الأمريكي في قادة البلاد، فالعجز في هذا الجانب أشد وطأة من العجز في الجوانب المالية، إذ إنه يُمزق نسيج المجتمع المدني، ويحط من أهمية ودور الديموقراطية الأمريكية.
وحذر من أنه إذا لم يلحظ الشعب الأمريكي أي تقدم جوهري في المجالات التي تؤثر بشكل مباشر على حياة كل مواطن أمريكي، مثل النمو الوظيفي، وتوسع الفرص الاقتصادية والجانب الأمني، فإن الفجوة بين الشعب والرؤساء سوف تبلغ مداها.
وختم هانتسمان كلامه بإشارته إلى أن الرئيس ترامب فرصة فريدة لإعادة الثقة في العمليات السياسية، والمؤسسات ومجهودات القيادة التي سيكون دورها حاسما في تحقيق التقدم الحقيقي لبلدنا، ما سيؤدي بدوره إلى تعزيز مكانة ومصداقية الولايات المتحدة في هذه الفترة الحرجة من عدم الاستقرار العالمي.
كان هذا هو رد «كوري شاكي»، زميلة معهد هوفر التي عملت سابقا كمدير لاستراتيجيات ومتطلبات الدفاع ضمن طاقم مجلس الأمن القومي، وعملت نائبا لمدير تخطيط السياسات في وزارة الخارجية لإدارة الرئيس جورج دبليو بوش.
فهي ترى أن ترامب يشترك مع أوباما في العديد من الأمور، على الرغم من نقد ترامب الشديد لأوباما، فكلاهما يبالغ في تقدير قدرته الشخصية على تحقيق النتائج، كما أنهما يتشاركان سوء تقدير ملحوظ لمدى الدور الذي يجب على نظام الحكم الأمريكي القيام به فيما يتعلق بالتعاون الخارجي، وكذلك عدم الاهتمام بعقد المزيد من الصداقات مع الكونجرس الأمريكي، على الرغم من أنه الهيئة المنوط بها تحويل السياسات النظرية إلى قوانين، وأخيرا الاعتماد التام على موظفي البيت الأبيض الموجودين في الحملة.
وحذرت «شاكي» من أن العام الأول لإدارة ترامب سيكون فوضويا بشكل كارثي بسبب مستشاريه غير الخبراء في أمور الحكم، وأعضاء البيت الأبيض الذي يحاربون الإدارات على حساب السياسة العامة، وأعضاء الكونجرس من الجمهوريين القلقين من كون ترامب يتشارك معهم نفس الأيديولوجية ويحاولون حماية مبدئهم من أسوأ تجاوزاته.
أما جاريد بيرنشتاين، زميل أول في مركز الميزانية وأولويات السياسة وكبير الاقتصاديين السابق والمستشار الاقتصادي لنائب الرئيس جو بايدن، فيرى أن الركود القادم هو ما يمثل التحدي الأكبر لرئاسة ترامب.
يقول بيرنشتاين: «لا أحد يعلم متى سيحدث الركود القادم، ولكنه متى حدث فإن احتمالات فشل إدارة ترامب في تطبيق الإجراءات التي تعوض تأثيره كبيرة».
ويرى بيرنشتاين أن الحل الأمثل لمواجهة الركود يكمن في وسيلتين أساسيتين، هما: مواجهة التقلبات الدورية النقدية، والسياسة المالية.
الأولى هي مواجهة التقلبات الدورية النقدية، ويقوم بها الاحتياطي الاتحادي، وتنطوي بشكل رئيسي على خفض سعر الفائدة، وهناك فرصة جيدة أنه عندما يحدث الركود القادم فسيظل سعر الفائدة الذي يتحكم به الاتحاد الفيدرالي منخفضا إلى حد ما؛ ما يعني أنه لن يكون قادرا على المساعدة بقدر ما فعلوا في فترات الركود الماضية.
أما الثانية فهي السياسة المالية، وقد أسهب بيرنشتاين في الحديث عنها؛ فأوضح في البداية أن هناك أمورا تلقائية تحدث في فترات الركود، مثل: تأمين البطالة، وكروت الغذاء (SNAP)، ولكنه أشار إلى مشكلتين تواجهان الإدارة الجديدة، أولهما أن الجمهوريين يحدثون بالفعل ضجة حول رغبتهم في تحويل برامج مواجهة التقلبات المالية الدورية إلى منح ثابتة لا تتغير عند زيادة الحاجة في حالة الركود.
ثانيهما أنه من الطبيعي أن الإدارة التي تركز على خفض الضرائب، ورفع القيود وإلغاء نظام أوباما للرعاية الصحية، لن تكون مهتمة بتنفيذ الدعم المالي التقديري، الذي يُعد أمرا حيويا في مواجهة حالات الركود، ويزداد رجحان كفة هذا السيناريو إذا قل «الاحتياطي النقدي»، بسبب خفض الضرائب بصورة كبيرة.
وختم بيرنشتاين كلامه مؤكدا أن الركود قادم لا محالة، وأنه من الواضح أن إدارة ترامب والأغلبية المسيطرة على الكونجرس ليسوا مستعدين بما يكفي للتعامل معه.
أما لورانس ج.كورب، وهو زميل بارز في صندوق تمويل التقدم الأمريكي وشغل منصب مساعد وزير الدفاع (1981-1985)، فإنه يرى أن التحدي الأكبر للرئيس ترامب سوف يكون التعامل مع التهديد الذي يمثله بوتين وروسيا على أمن الولايات المتحدة في ثلاثة مجالات: الحرب الإلكترونية المستمرة على الولايات المتحدة وحلفائها، وسلوك بوتين العدواني تجاه حلفاء أمريكا في حلف الناتو من البلطيق، وبرنامجه للتحديث النووي، الذي يمكن أن ينتهك مستويات قانون «ستارت».
أضاف كورب أيضا أنه سوف يتوجب على ترامب أن يرد على الأفعال العدوانية التي تقوم بها الصين في بحار الصين الشرقية والغربية، والاختبارات المستمرة التي تقوم بها كوريا الشمالية لصواريخها البالستية بعيدة المدى، والتي ربما يكون بمقدورها أن تصل إلى الولايات المتحدة، وكذلك يتوجب عليه الرد على إنتاجها المتزايد من الأسلحة النووية.
وعلى ذكر الصين، يبدو أن إيان بريمر، رئيس مجموعة أوراسيا وأستاذ الأبحاث العالمية في جامعة نيويورك، يوافق لورانس ج.كورب في أن التحدي الذي سوف يواجه ترامب هو الصين.
يقول بريمر إن سياسة «أمريكا أولا» التي يتبعها ترامب ليست انعزالية بقدر ما تعكس الاعتقاد بقدرة الولايات المتحدة على كسب «صفقة أفضل» مع حلفائها وأعدائها حول العالم، لكن – طبقا لبريمر – هذا الاعتقاد سوف يلقى تحديا كبيرا في العلاقات الأمريكية الصينية.
وعلل ذلك بأن ترامب يريد أن يظهر قوة أمريكا وقدرتها على ممارسة القوة فيما يتعلق بـ«العملة، والتجارة، وتايوان، وبحر الصين الجنوبي، إلى آخر تلك النزاعات»، دون التسيلم بأن المفاوضات المباشرة مع بكين قد تدهورت بشكل كبير، وأن التحالفات الأمريكية في المنطقة قد ضعفت.
وختم بريمر كلامه محذرا من أن اتباع ترامب الإحصائيات التي تخبره أن بإمكانه الحصول على صفقة أفضل سوف يجعله يتلقى صفعة قوية من «شي جين بينغ» الرئيس الصيني، وسوف يتلقاها وحيدا دون دعم من أصدقائنا في المنطقة، وهذا صحيح نظرا لحاجة «جين بينغ» أن يبدو قويا قبيل التعديل الوزاري المزمع في الخريف المقبل.