هل يغير «ست مريم» إستراتيجية داعش؟
كانت تلك الكلمات لفيلسوف وميكانيكي الجماعات الجهادية المعاصرة أبو مصعب السوري، القاعدي أبًا عن جد وصاحب نظرية «المراحل»؛ نظرية القاعدة لإقامة دولة إسلامية. اليوم، أين أبو مصعب السوري؟، وأين تنظيراته؟، وهل بقي كما كان مواليًا للقاعدة وزعيمها الراحل ابن لادن ومن بعده الظواهري، أم شق طريقه كغيره؟، وإن كان ترك القاعدة هل يتساوي كغيره من هؤلاء الذي خسرتهم القاعدة ولكن بخسارة غير مؤثرة، أم أن وضعه مختلف؟.في العام 1958 شهدت مدينة حلب ميلاد ميكانيكي الجماعات الجهادية مصطفى بن عبد القادر بن مصطفى بن حسين بن أحمد المزيك الجاكيري الرفاعي، أو كما يلقب جهاديًّا بأبي مصعب السوري، وكني بـ مصطفى ست مريم؛ نسبة إلى عائلته التي تعود إلى الجدة «مريم»، درس الهندسة الميكانيكية بجامعة حلب، وتخرّج ليضع لنفسه مكانة داخل نفوس المجاهدين والجماعات الجهادية.
ميكانيكي جهادي سوريا
بدأ ست مريم حياته الجهادية بالانضمام في سبعينات القرن الماضي إلى تنظيم الطليعة المقاتلة في سوريا بزعامة «مروان حديد»، تدرب في مصر والعراق، حيث شاءت الأقدار آنذاك أن يدعم النظام المصري والعراقي تنظيم الإخوان المسلمين في سوريا ضد البعث السوري نظرًا لخلافات سياسية.
بدأ أبو مصعب السوري جهاده من سوريا بالتعاون مع جماعة الإخوان المسلمين.
استغل ست مريم دراسته للهندسة الميكانيكية وتخصص في علم هندسة التفجيرات، تدرّج وأصبح مدربًا بقواعد الجهاز العسكري للإخوان المسلمين في الأردن والعراق أثناء معارك حماه، نظرًا لكفاءته عينه سعيد حوي مسئولًا عن منطقة شمال غرب سوريا بالإخوان.وظهر تمرده الأول على الإخوان عندما لجأت الجماعة للمصالحة مع النظام عقب معركة حماه؛ لما رآه من خلل عقائدي بالجماعة لتصالحها مع الأحزاب العلمانية والبعث.
لقاء العمالقة: السوري وعزام وابن لادن وعبد القادر
لم يكن ست مريم ينوي فعليًّا الذهاب إلى أفغانستان بل وجد أنه من الواجب أن يعمل على إحياء الجهاد في سوريا وتقوية الطليعة، ولكن شاءت الأقدار أن يكون له دور في بلاد الأفغان.
عارض ست مريم بصورة واضحة القيادات القاعدية وفكرها بتنفيذ عمليات جهادية في الدول الغربية.
تعرف ست مريم على منظر السلفية الجهادية «عبد الله عزام» في بيشاور مُلبيًا دعوته آنذاك بالانضمام إلى صفوف أتباع نظرية الجهاد المهاجر، وعليه شغل منصب تدريب المجاهدين الوافدين، هناك تعرف على زعيم القاعدة ابن لادن وساهم بشكل كبير في تأسيس التنظيم.استقى السوري علمه الشرعي من كتابي «الجامع» و«العمدة» لصاحبهما عبد القادر بن عبد العزيز الذي مثل لست مريم المرجع الشرعي، وصاحب الرأي فيما ينشره السوري من كتابات، ولعل هذا ما ظهر في عرضه كتابه «التجربة السورية» على عبد القادر لإجازة نشره.استغل ست مريم تواجده في بلاد الأفغان لتثقيف ذاته، من ناحية شرعية وحركية قرأ كتابات ابن تيمية وابن القيم، وكذلك كتابات سيد قطب وعبد الله عزام. من الناحية العلمية اعتمد على التعليم عن بعد لدراسة التاريخ في جامعة بيروت العربية وحصل على ليسانس التاريخ من الجامعة بعمان.كان لـ ست مريم نظرة مختلفة عن قيادات القاعدة شيئًا ما فيما يتعلق بتنفيذ العمليات في الدول الغربية؛ ليس لعدم شرعيتها ولكن لما ينتج منها من ضرر على التنظيم.
بريطانيا وجهاده الإعلامي
ساعد أسلوب ست مريم المسلسل ومنطقية تفكيره في أن يكون قائدًا لجناح الجهاد الإعلامي الجزائري في بريطانيا، حيث إن سعيد الجزائري أحد مؤسسي «الجماعة الإسلامية المسلحة» بالجزائر -والذي تعرف عليه ست مريم بأفغانستان- دعا ست مريم لقيادة الجهاد الجزائري الإعلامي في بريطانيا؛ وعليه انتقلت حياته من أفغانستان لبريطانيا.ولكن كعادة ست مريم تمرد على القيادة لما رأى منها من انشقاق وخلاف واختراق من قبل المخابرات الفرنسية والجزائرية.وعليه أطلق ست مريم «مكتب دراسات صراعات العالم الإسلامي» في لندن ليقوم بداية بعمل لقاءات مع قائد تنظيم القاعدة أسامة بن لادن تبث في أكبر القنوات الفضائية البريطانية.
العودة لدولة طالبان
لم يرضَ ست مريم ألا يكون له دور في الدولة المنشأة من قبل طالبان بقيادة الملا عمر؛ وعليه سافر إلى الأفغان مرة أخرى، مبايعًا الملا عمر، وعاملًا ميدانيًّا بتشكيل جماعات مساندة لطالبان وشكل معسكر الغرباء بالتعاون مع وزارة دفاع طالبان، وإعلاميًّا قام بإطلاق مركز الغرباء للدراسات الإسلامية والإعلام ومجلة قضايا الظاهرين على الحق.
الاعتزال والعودة بأيدٍ أمريكية
سقطت دولة طالبان وسقط معه الجانب الميداني والإعلامي من شخصية ست مريم، فقرر الاعتزال والتفرغ للتأليف والكتابة ولكن أمريكا كان لها رأي مختلف، حيث أطلقت الخارجية الأمريكية دعوة لبحث واعتقال ست مريم وتخصيص مكافاة مالية لمن يدل عليه؛ الأمر الذي أخرجه من صومعته ليعود مرة أخرى للعمل الميداني.وتم اعتقاله في العام 2005 مصادفة من قبل السلطات الأمريكية في باكستان ورحل لسوريا والتي مكث في السجن بها حتى العام 2012، حيث أخرجه النظام السوري نكاية في أمريكا ودعمها للثورة السورية.
نظرية المراحل أبرز إسهاماته
نظرية المراحل أو مخطط القاعدة لإقامة دولة إسلامية، تعد النظرية الأبرز والأهم في تاريخ الفكر الجهادي المعاصر، فبوضعها إلى جانب نظرية الجهاد المهاجر يمكن لك تشريح العقل السياسي للجماعات الجهادية.
تعد نظرية المراحل أبرز الإسهامات الفكرية في تاريخ السلفية الجهادية المعاصرة والأكثر أهمية في فكر القاعدة.
وضع ست مريم سبع خطوات لإقامة الدولة الإسلامية من العام 2000 حتى بداية مرحلة المواجهة بالعام 2016 والعمل لتحقيق الانتصار.
مرحلة الإفاقة من 2000 إلى 2003:
رأى ست مريم أن تلك المرحلة تتمثل في الخروج من عباءة الموالاة والثبات في تعامل الدول الإسلامية مع الولايات المتحدة بالتركيز على إظهار النوايا السيئة من الولايات المتحدة تجاه الدول الإسلامية وقيادتها؛ وعليه بدأت تلك المرحلة بأحداث سبتمبر وانتهت تلك المرحلة بقدوم الولايات المتحدة إلى العراق.
مرحلة تفتيح العيون من 2003 إلى 2007:
تبدأ تلك المرحلة بقدوم الأمريكان إلى العراق؛ وعليه يعمل المجاهدون في التركيز على مساوئ الاحتلال ومواقف الأنظمة والقيادات العربية من الاحتلال للعراق لكسب التعاطف؛ وعليه ظهر في تلك المرحلة أهمية الجهاد الإعلامي والجهاد السيبراني «الجهاد على مواقع الإنترنت» في كسب مؤيدين للقاعدة وتجنيد مجاهدين.
مرحلة الوقوف على الأقدام من 2007 إلى 2010:
مرحلة استغلال الظروف والوقوف على الأقدام، في تلك المرحلة يبدأ التأثير الديني واضحًا على منظري القاعدة حيث التزموا فيها بحديث نبي الإسلام محمد «ص» «منعت العراق درهمها وقفيزها، ومنعت الشام مديها ودينارها، ومنعت مصر إردبها ودينارها، وعدتم من حيث بدأتم، وعدتم من حيث بدأتم، وعدتم من حيث بدأتم»، ومن ثم يتجهون إلى سوريا بعد العراق والعمل على إضعاف النظم في بلاد الشباب.
مرحلة التغيير من 2010 إلى 2013:
في تلك المرحلة رأى منظرو القاعدة أنه نتيجة للمراحل السابقة تكون الدول العربية قد كشف فاسدها وتعرّت بصورة واضحة أمام المسلمين؛ وعليه تبدأ الأنظمة في السقوط وحدوث تغيير في شكل الأنظمة الموالية للولايات المتحدة.
مرحلة الانطلاق من 2013 إلى 2016:
رأى ست مريم أن في تلك المرحلة يمكن الانطلاق بإعلان الدولة الإسلامية بفكر تنظيم القاعدة لكون الغرب متراخيًا تجاه الدول العربية وأن الهيمنة والتفرد الأمريكي سيكون قد كسر بصعود قوى أخرى كالصين والهند.
مرحلة المواجهة من 2016:
تلك المرحلة تتبع منطقيًّا مرحلة إعلان الدولة بفكر القاعدة حيث سيكون هناك مرحلة للمواجهة الشاملة يقسم العالم فيها إلى معسكري إيمان و كفر، ويبدأ الصدام الذي يقود إلى المرحلة الأخيرة.
مرحلة الانتصار:
تلك المرحلة تمثل مرحلة الحصاد للمراحل السابقة بحيث يكون الشباب المسلم رأى في تنظيم القاعدة والجهاد الوسيلة الوحيدة للنهوض وإصلاح الأحوال وإعادة الحضارة الإسلامية كما كانت من قبل، ذلك الالتفاف من الشباب المسلم تجاه تنظيم القاعدة سيساعد معسكر الإيمان نهاية للانتصار وإعلان الدولة الإسلامية.
ست مريم في الثوب الداعشي
منذ أن تم الإفراج عنه، لم يكن أحد لديه أي معلومات حول ست مريم أو مكان تواجده، إلى أن ظهرت منذ أيام العديد من التقارير التي تفيد بصورة واضحة ومعلومة من مصدر لم يذكر يومًا ما أنه نشر معلومة غير دقيقة في شئون الاستخبارات وأسرارها؛ وهي صحيفة «La Razon» الإسبانية، أن ست مريم تم تعيينه قائدًا للجناح العسكري لداعش.ليبدأ مرحلة جديدة من حياته مع تنظيم يختلف كليًّا مع تلك التنظيمات التي عمل معها من قبل والتي ترى في تنظيم داعش شاقًّا لوحدة الصف الجهادي وخارجًا عن الشريعة الإسلامية.
دلالات وأبعاد انضمامه لداعش
هناك العديد من الشخصيات القاعدية بل العديد من التنظيمات الموالية للقاعدة أعلنت ولاءها لداعش وتخلت عن القاعدة، ولم يؤثر الأمر كثيرًا في التنافس بين التنظيمين ولكن شخصية بوزن ست مريم عندما تعلن ولاءها لداعش وقياداته للجناح العسكري يصبح الأمر مختلفًا وله دلالات عدة.فمن ناحية يدفعنا انضمامه لداعش إلى احتمالين: الأول مرتبط بكون هناك نوع من أنواع التحالف الخفي بين القاعدة وداعش، والثاني الانقلاب من قبل ست مريم على القاعدة، الأول محتمل ولا يستبعد، ولكن الثاني الأكثر ترجيحًا لأسباب عدة منها النزعة التمردية في شخصية ست مريم، إلى جانب أن انضمامه لداعش يفيد محاربته للتنظيمات الجهادية الأخرى التي ما زالت موالية بصورة كبيرة للقاعدة.من ناحية أخرى يطرح تساؤلًا هاما حول تأثير ست مريم في داعش وشكل عمليات التنظيم في الفترة القادمة، حيث تظهر العديد من المواقف من قبل رفض ست مريم بشكل قاطع العمليات الجهادية في الغرب -كما أشرنا مسبقًا- لما له من تأثيرات على المجاهدين، وكون التنظيم وثق بشخص كذلك في موقع قائد الجناح العسكري فإن هذا يفيد بكون داعش بصدد تغيير إستراتيجيته في الفترة القادمة في التعامل مع الدول الغربية.ختامًا، من المحتمل أن تشهد الفترة القادمة انحسارًا في العمليات الإرهابية الداعشية في الغرب، كما أنها ربما أيضًا تشهد إعلان تحالف علني ما بين داعش والقاعدة كتحالف اضطراري من قبل القاعدة لكونها خسرت منظرها والعالِم بكل صغيرة وكبيرة في عقل القيادات القاعدية.