هل نحتاج حقًّا تايسون والجبل وسلطان سليمان في أفلامنا؟
ينتهي الموسم الرمضاني ويبدأ موسم آخر، هو موسم أفلام عيد الفطر، وبمجرد بدء الإعلان عن أفلام عيد الفطر فوجئ الجمهور المصري بمجموعة من النجوم الأجانب الذين اعتُمِد عليهم في تسويق الأفلام المصرية في الوقت الحالي.
فكما استعان المنتج محمد السبكي بالممثل الإنجليزي سكوت ادكنز الشهير باسم «بويكا» في العام الماضي في بطولة فيلم «حرب كرموز» برفقة أمير كرارة ومحمود حميدة وغادة عبد الرازق، ومن إخراج بيتر ميمي، فإن الأمر يتكرر في العام الحالي مرة أخرى مع السبكي الذي استعان في فيلمه الجديد «حملة فرعون» ببطل الملاكمة العالمي السابق «مايك تايسون»، والممثل الأيسلندي هافثور يوليوس بورينسون الشهير باسم «الجبل» (The Mountain) في مسلسل «صراع العروش Game Of Thrones»، بالإضافة لذلك يسير المنتج وليد منصور على النهج نفسه، فيستعين في فيلمه الجديد «كازبلانكا» بالممثل التركي خالد أرغنتش الشهير ياسم «سلطان سليمان» في مسلسل «حريم السلطان»، وذلك برفقة الممثل أمير كرارة والمخرج بيتر ميمي أيضًا.
السؤال الذي نطرحه اليوم هو عن الإضافة المنتظرة من هؤلاء النجوم الأجانب، وهل بالفعل تحتاج السينما المصرية لمثل هذه الأسماء في الوقت الحالي؟
كم فيلمًا يمكن صنعه بـ 40 مليون جنيه؟
لا يمكننا بالطبع التيقن بشكل أكيد من أجر هؤلاء الممثلين الأجانب الذين استُعِين بهم في أفلام العيد، ولكننا حاولنا قدر الإمكان على أي حال. ولنبدأ بسلطان سليمان، فبحسب جريدة «تقويم» التركية، حصل الممثل التركي خالد أرغنتش على مليون دولار مقابل مشاركته في فيلم «كازبلانكا»، ما يعادل 17 مليون جنيه مصري تقريبًا. أما الملاكم العالمي مايك تايسون فقد تلقى ما يعادل 750 ألف دولار، أي ما يقترب من 13 مليون جنيه في توقيت بداية تصوير الفيلم، طبقًا لجريدة أخبار اليوم الرسمية المصرية.
وفي العام الماضي حصل الممثل البريطاني سكوت ادكنز الشهير ببويكا على ما يعادل 300 ألف دولار، أي ما يقترب من 5 ملايين و500 ألف جنيه مصري في ذلك التوقيت طبقًا لما ورد في جريدة الدستور المصرية. وجاء ذلك بعد عدم وصول المنتج محمد السبكي لاتفاق مع الممثل العالمي جون كلود فاندام الذي طالب بالحصول على أجر يتعدي 800 ألف دولار، أما بالنسبة للمثل الأيسلندي هافثور بورينسون الشهير بالجبل، فلم نستطع الوصول لمصدر موثوق فيه لذكر أجره.
تبقى هذه الأرقام غير مؤكدة على أي حال، ولكنها تعطي انطباعًا أكيدًا هو أن هؤلاء الممثلين الأجانب الأربعة قد تلقوا ما يقترب أو ربما يزيد عن أربعين مليون جنيه مصري نظير مشاركتهم في أدوار صغيرة في أفلام لن يتذكرها أحد بعد بضع سنوات. يحدث هذا في التوقيت نفسه الذي تعجز فيه السينما المصرية عن تمويل أي مشاريع طموحة فنيًّا لأفلام ذات قيمة تعود بالسينما المصرية إلى سابق عصرها.
ولا مثال خير مما حدث مؤخرًا مع المخرج المصري الراحل أسامة فوزي، وهو أحد أكثر المخرجين المصريين موهبةً في جيله وصاحب تحف سينمائية بحجم «بحب السيما»، و«عفاريت الأسفلت»، وقد توفي الرجل للأسف وهو عاجز عن تحويل أي من مشاريعه لأفلام نتيجة عدم وجود تمويل.
يستمر الحال على ما هو عليه الآن مع مخرجين بحجم داود عبد السيد صانع «الكيت كات» و «أرض الخوف»، ويسري نصر الله صانع «احكي يا شهرزاد»، و «باب الشمس»، ويبقى السؤال هل كان من الممكن أن تتوجه هذه الأموال لدعم أمثال هؤلاء، أم أن المنتج لا يهتم إلا بالمكسب المادي الذي يحققه باستضافة عدد من المشاهير العالميين في أفلام تقوم بالأساس على مجموعة من مشاهد الأكشن.
حيلة تسويقية أم محتوى فني؟
الإجابة على هذا السؤال تبدو أسهل دون شك حينما نجد أن بويكا قد جاء في العام الماضي في «حرب كرموز» بدلًا من فاندام، ثم جاء الجبل في هذا العام في «حملة فرعون» بدلًا من فاندام أيضًا، فما الذي يجمع بين بويكا وفاندام والجبل؟ الإجابة بلا شك هو لا شيء، بالتالي يمكننا استنتاج أن المنتج محمد السبكي أراد فقط أن يأتي بوجه عالمي، أي وجه عالمي، وبالطبع لا يوجد أي اعتبار لحبكة الفيلم أو رسم شخصياته، أو حتى الأسلوب القتالي لكل واحد من هؤلاء النجوم.
بالحديث عن رسم الشخصيات فيمكننا التدليل دون شك ععلى عدم اهتمام المنتجين المصريين في العصر الحالي بدور المؤلف، ولا مثال خير من الفضيحة التي حدثت بعدم وجود اسم المؤلف كريم حسن بشير على الملصقات الدعائية أو حتى خلال الفيديو الدعائي الخاص بفيلمه «حملة فرعون»، ببساطة أصبح دور المؤلف في عصر أفلام الأكشن هو رسم أي تيمة أو اقتباسها، وهو ما يحدث بالطبع في فيلم «حملة فرعون» المقتبس من فيلم «العظماء السبعة – The Magnificent Seven» الذي أُعيد صنعه أكثر من مرة، وأشهرهم في مصر بالطبع هو فيلم «شمس الزناتي» الذي أُنتج ومُثِّل بشكل مصري مكتمل وضُمِّن للممثل محمود حميدة أداء ما زال محفورًا في الذاكرة الشعبية المصرية عن المارشال الشرير «برعي».
العنصر الآخر الذي يمكننا ملاحظته بالطبع هو أن ظهور هؤلاء الممثلين الأجانب يأتي قصيرًا مقارنةً بالملايين التي يتقاضونها، فمثلما حدث مع بويكا في العام الماضي، والذي ظهر في مشاهد معدودة في فيلم «حرب كرموز»، يمكننا توقع أن يتم الأمر بالمثل هذا العام مع سلطان سليمان في «كازبلانكا»، وتايسون والجبل في «حملة فرعون»، ويمكننا دعم هذا التوقع بحقيقة واضحة، هي أن الفيلمين يجمعان عددًا كبيرًا من النجوم، لذا فلا يمكن بأي حال أن يتعدى ظهور أي من هؤلاء الممثلين الأجانب 20 دقيقة على الشاشة.
نجوم على المعاش: متى ينتهى عصر المطاردات وأفلام الأكشن؟
يبدو أن زمن الإجابة على هذه السؤال لمَّا يحن بعد، فمعادلة الإنتاج السينمائي في مصر ما زالت محصورة بين دولة تأمم المجال الفني لصنع أعمال منزوعة النقد السياسي والاجتماعي، ومنتجين يعاملون السينما بمنطق محلات الجزارة وحفلات الغناء الشعبي.
وهكذا يصبح طبيعيًّا للغاية أن تستورد مصر نجومًا على المعاش كمايك تايسون في العام الحالي وبويكا في العام الماضي، وهما من نجوم عفا عليهم الزمن في بلادهم، أو نجوم من الصف الثاني والثالث، كسلطان سليمان والجبل، لا يحلمون بالطبع بمثل هذه الأجور مقابل عطلة يقضونها في مصر. يُدمج هؤلاء النجوم دون تحضير أو معايشة وسط أفلام مليئة بالانفجارات والمطاردات – المليئة بالأخطاء بالمناسبة – دون أي اعتبار لعقلية المشاهد أو أي أفكار كبيرة خلف هذا الضجيج والصخب.
تبدو الصفقة رابحة بدون شك بالنسبة لهؤلاء الممثلين، وخاسرة دون شك أيضًا للمشاهد المصري الذي لا يزال يملك أملًا ولو طفيفًا في مشاهدة أفلام مصرية جيدة الصنع في القريب العاجل.