هل نجاح المدربين كرويًا مرهون بتفوقهم العلمي؟
مع التطور والتنوع الكبيرين اللذين لحقا باللعبة وخططها الكروية ومفاهيمها التكتيكية، والتي أدت إلى ظهور أساليب وطرق لعب مختلفة يجب مواجهتها والتحضير لها بالشكل الأمثل، صار لزامًا على المدربين الحصول على تراخيص وشهادات تدريبية من المنظمات والجهات المسئولة عن اللعبة كي تسمح لهم بمزاولة مهنة التدريب. وعلى الرغم من التطور التكنولوجي، وتوزيع المهام والتخصصات الذي يساعد المدربين ويسهل من مهامهم في إدارة أنديتهم في الوقت الحالي، فإن الكلمة الفصل أثناء المباريات هي للمدربين الذي يجب عليهم التعامل مع حالات معقدة وظروف صعبة؛ بسبب الإصابات المبكرة وحالات الطرد تارة، وبسبب التأخر في النتائج تارة أخرى.
ولهذه الأسباب يجب أن يكون المدربون في المستويات العليا من اللعبة مؤهلين للتعامل مع هذه الحالات، وأن يكونوا على دراية تكتيكية وخبرة كبيرة، سواء في الشق الرياضي أو في المجالات الأخرى كالشق النفسي أو الاقتصادي أو الإعلامي من خلال المؤتمرات الصحفية الأسبوعية. لكن هل يشترط هذا التأهيل الإداري والتدريبي حصول المدرب على شهادات علمية خارج نطاق اللعبة، أو وجود نسبة معينة من الذكاء و الفطنة كي يُحسن التعامل مع هذه الظروف؟ أم أن الخبرة الميدانية في أرض الملعب والتجارب هي ما يكسب المدرب هذه الحنكة الكروية؟
الغالبية العظمى من المدربين لا يمتلكون شهادات علمية، وعلى الرغم من ذلك حققوا نجاحات باهرة في اللعبة، وهذه النجاحات هي ما منحتهم شهادات علمية فخرية من أكبر الجامعات العالمية، مثل السير أليكس فيرجسون المدرب السابق لمانشستر يونايتد، الذي حظي بالعديد من التكريمات و الشهادات الفخرية بسبب إنجازاته في ميدان الكرة. وبعد اعتزاله قام السير بإلقاء المحاضرات في العديد من الجامعات، وعلى رأسها جامعة هارفارد.
السير أليكس مخاطبًا الطلاب عند منحه الدكتوراه الفخرية من جامعة مانشستر.
في هذا المقال سنسلط الضوء على أبرز المدربين في عالم اللعبة، الذين لديهم تحصيل علمي وخبرات دراسية، وسنتحدث عن أبرز اهتماماتهم خارج نطاق كرة القدم.
«مانويل بيلجريني»، الإنجينيرو
ولد مانويل بيلجريني لعائلة ثرية لم يكن لها أي تاريخ مرتبط مع كرة القدم، والداه لم يفهما هذا الهوس الكبير باللعبة عندما بدأ ممارستها في سن الـ14، لكن لم يكن بالإمكان منعه وردعه من إكمال ما يحب كما تصف والدته سيلفيا. في الوقت نفسه كان الشاب الصغير الذي درس في المدرسة البريطانية يعي بأن كرة القدم هي مهنة عابرة، ويجب أن يكون مستعدًا لمواجهة الحياة بعد التقاعد الكروي بمهنة أخرى تضمن له حياة جيدة. لذلك قرر إكمال دراسته الجامعية جنبًا إلى جنب مع كرة قدم، وتخرج في عام 1979 ومعه شهادة في الهندسة المدنية من الجامعة الكاثوليكية في سانتياجو.
بعد اعتزاله اتجه مانويل للعمل في مجاله المهني وأسس شركة صغيرة أصبحت خلال 3 أعوام من الشركات التي لها صيتها في تشيلي، بسبب استلامها بعض المشاريع بعد زلزال سانتياجو 1985، ولم يكن بيلجريني يفكر إطلاقًا بالاتجاه إلى التدريب والعودة إلى كرة القدم مرة أخرى، لكن المدرب التشيلي فيرناندو رييرا أقنعه بذلك، ومنذ ذلك الوقت قرر ترك العمل في الهندسة، رغم أنها كانت تدر له أضعاف ما يكسبه من التدريب.
يُعتبر بيلجريني أحد أكثر المدربين المثقفين في العالم. ويتحدث بجانب الإسبانية 3 لغات، هي: الإنجليزية، والإيطالية، والفرنسية، وهو مولع لدرجة كبيرة بالأدب والقراءة والموسيقى والفن التشكيلي.
في مايو/أيار الماضي احتفل قسم كلية الهندسة في الجامعة الكاثوليكية بالذكرى السنوية 125 لتأسيس القسم، وأرسل بيليجريني تحياته من خلال مقطع فيديو من منزله في تشينهوانغداو الصينية بمناسبة هذه الذكرى.
«أرسين فينجر»، البروفيسور
توني أدامز قائد نادي أرسنال عند تعيين أرسين فينجر مدربًا للنادي.
على عكس توقعات أدامز وتكهناته، كان الفرنسي يتحدث الإنجليزية وبطلاقة، فهي واحدة من بين خمس لغات يتقنها فينجر ويتحدثها «فرنسية، ألمانية، إسبانية، إيطالية» ويتحدث اليابانية قليلًا، وبكل تأكيد لم تشكل له اللغة عائقًا، وما لا يعرفه أدامز أن فينجر من خريجي كلية الاقتصاد، ويشاع أنه يمتلك شهادة أخرى في هندسة الكهرباء، ولذلك يلقب بالبروفيسور بسبب شهاداته وإلمامه بالعديد من الأمور، مثل الجوانب البدنية والصحية، بالإضافة إلى قدرته على اختيار مفرادته وإيصاله لأفكاره بشكل مميز.
نشأ فينجر وترعرع في مطعم والدته في مدينة ستراسبورج، وهناك بدأ اهتمام فينجر يكبر مع العادات الغذائية وأنظمة الحمية، وكان أول ما قام به فينجر عند الوصول إلى أرسنال هو تغيير قائمة الطعام، حيث منع اللاعبين من تناول المواد الغنية بالسكاكر والدهون والكتشب، وظهرت على القائمة الخضروات المسلوقة كالبروكلي، بالإضافة إلى السمك المشوي و الدجاج المسلوق والباستا، حيث اعتاد اللاعبون تناول الأومليت والبقوليات ورقائق البطاطس قبل المباراة.
فينجر متيم بالسياسة أيضًا، ومولع بها ويتحمس عند متابعتها، عند عودته إلى المنزل يشاهد كرة القدم قليلًا، ويشاهد الندوات الاجتماعية والحوارات الاقتصادية و النقاشات السياسية، عندما يشاهد المناظرات ببين مرشحي الرئاسة سواء في الولايات المتحدة أو فرنسا، بالنسبة له يشاهدها كأنها مباراة بين أرسنال ومانشستر يونايتد.
«سلافين بيليتش»، روك ستار
الكرواتي سلافين بيليتش مدرب ويستهام الحالي لديه إجازة في الحقوق حصل عليها عام 1993 من جامعة سبليت الكرواتية، التي كان والده بروفيسورًا فيها وعميدًا لها. وبالإضافة للقانون هو على دراية كبيرة بعلم النفس بسبب قراءته العديد من الكتب المتعلقة في هذا المجال، والغاية من هذا الاهتمام هو محاولة فهم لاعبيه بشكل أفضل، وأيضًا من أجل مساعدتهم للتخلص من التوتر والضغط ما قبل المباريات وخلالها. ويتحدث بيليتش بجانب لغته الأم 4 لغات، هي: الإنجليزية، الألمانية، الإيطالية، والروسية.
سلافين بيليتش مدرب نادي ويستهام يمارس هوايته في عزف الجيتار
وبجانب القانون وعلم النفس، بيليش من محبي الموسيقى والمهتمين بها، ويقول إنها أثرت في شخصيته وطريقة تفكيره، وبحسب قوله فإنه لا يمكنه العمل بدون الموسيقى،فهو يستخدمها من أجل إلهام لاعبيه، وأيضًا بسبب حاجته للاسترخاء من ضغط العمل. ليس هذا فحسب، فالكرواتي عازف جيتار وكاتب أغانٍ في فرقة روك كرواتية تدعى «Rawbau»، وقد صور معها أحد الفيديوهات قبيل انطلاق كأس أمم أوروبا 2008، الفيديو كان الأغنية الرسمية للمنتخب الكرواتي المشارك بالبطولة آنذاك تحت قيادة بيليتش نفسه الذي كان مدربًا للمنتخب.
«روجر شميت»، مهندس خبير ومدرب هاوٍ
درس شميت هندسة الميكانيكا في إحدى جامعات مدينة بادربورن، ومع ناديها سطع نجمه التدريبي بسبب تميز نتائج الفريق، لتكون بادربورن هي المدينة التي قدمته للمجال العلمي كمهندس ناجح، وللمجال الرياضي كمدرب لديه أسس النجاح. واكتسب شميت هذه الشهادة العلمية عندما كان لاعبًا في دوري المقاطعات الألماني، حيث كان لاعبًا عاديًا يفتقر للموهبة، فقرر شق طريقه باتجاه الدراسة الأكاديمية، لكنه استمر كلاعب هاوٍ في الوقت نفسه.
وكان روجر يفضل بعد اعتزاله قضاء الوقت بجانب عائلته أو المشي لمسافات طويلة في الغابات وهو يستمع إلى الموسيقى، ولم يكن الشاب الألماني يخطط لأن يصبح مدربًا بعد انتهاء مسيرته الكروية. بدأ شميت هوايته التدريبية مع فريق في الدرجة السادسة في دوري المقاطعات، وكان مدربًا بدوام جزئي وليس بوقت كامل، حيث كان يعمل مهندسًا ميكانيكيًا في إحدى الشركات التي توفر قطع غيار السيارات للشركات المصنعة. وتطورت هذه الهواية مع الزمن حتى أوصلته إلى البوندزليجا ودوري الأبطال بعدما كان التدريب نشاطًا في وقت الفراغ فقط.
نجح شميث في الصعود مع فريقه إلى الدرجة الخامسة، ونال في الوقت نفسه ترقية في عمله الأساسي ليصبح مديرًا لمراقبة الجودة، ولكن شغف اللعبة بدأ يستدرجه ويغويه شيئًا فشيئًا حتى حصوله على وظيفته الرسمية الأولى كمدرب وبدوام كامل في نادي مونستر وهو في السابعة والثلاثين من عمره عام 2007م؛ ليتخلى عن عمله كمهندس، وهذا قرار لن يندم روجر على اتخاذه أبدًا.
«كارلوس بيلاردو» – الطبيب البطل
المدرب الأرجنتيني كارلوس بيلاردو، الذي حقق لقب كأس العالم مع منتخب بلاده في المكسيك عام 1986، اشتهر بكونه من خريجي كلية الطب، وزاول المهنة بعد اعتزاله في سن الـ32، وتميز بدهائه وخبثه الكبيرين، واشتهر أيضًا بسبب كونه مؤمنا بالخرافات لأبعد الحدود.
عندما أنهى بيلاردو دراسته الثانوية، التحق بكلية الطب في جامعة بوينس آيرس. وكان يخطط لفتح عيادة في الحي الذي نشأ فيه، لكن مسيرته الكروية غيرت هذه الخطط، وتمكن من الجمع بين التدريب الكروي والدراسة الجامعية وإكمال الاختصاص في المستشفى، ليصبح في نهاية المطاف طبيبًا مختصًا بأمراض النساء.
كان بيلاردو يعرف بالفعل ما هي التضحية اللازمة لتحقيق هذه الأهداف، فدرس في الليل، وفي الصباح ذهب في وقت مبكر إلى المستشفى، بعد الظهر يذهب للتدريب مع فريقه. وتعلم هذا التضحية والصبر من مدرسيه في كلية الطب، الذين أعطوه دروسًا في الحياة وليس في مجاله الأكاديمي فقط. كارلوس بيلاردو ليس طبيبًا فحسب، بالإضافة إلى لعب كرة القدم وتدريبها حصل على شهادة اختصاص في الصحافة الرياضية، وكان يعمل للعديد من وسائل الإعلام الرئيسية في الدول اللاتينية.
بالعودة للخرافات، خلال نهائيات مونديال 1990 التي أقميت في إيطاليا، في إحدى المرات صادف خلال وجود منتخب الأرجنتين في أحد الفنادق إجراء حفل زفاف، فطلب بيلاردو من لاعبيه التقدم من أجل تهنئة العروسين بسبب اعتقاده أن هذا الأمر سيجلب الحظ لفريقه، وبالفعل تقدم جميع عناصر المنتخب بالتهنئة واحدًا تلو الآخر، ليحقق منتخبه الانتصار على غريمه البرازيلي في اليوم التالي.