بعد أن أتمَّ طفلها الرابعة من عمره بدأت سلمى رحلة البحث عن مدرسة خاصة تقدم تعليمًا مميزًا، تقدمت بطلبات للالتحاق بعدة مدارس، وبعد عدة أشهر هاتفتها موظفة تطلب منها الحضور لإجراء مقابلة مع طفلها بعد ساعة، ليتم على أساسها قبوله أو رفضه.

ذهبت سلمى في الموعد، وبمجرد وصولها أخذوا منها طفلها إلى غرفة منفصلة مع معلمة لا يعرفها، قدمت له امتحانًا من خمس ورقات وطلبت منه حله، ثم بعد مرور وقت دخلت المديرة لتقول لها: «ابنك مش عارف حاجة خالص، وعنده صعوبة في التركيز».

استقبلت الأم طفلها وهو يبكي ويسألها: «سيبتيني لوحدي ليه؟ كنت بدور عليكي»، شعر الطفل بالتوتر من انفصاله المفاجئ عن والدته في غرفة مع أشخاص لا يعرفهم، ولاحقًا أخبرها بأنه لم يستطع الحل لأنه خائف، وبأن المعلمة كانت تقول أمامه: «مش عارف حاجة».

طلبت سلمى أن ترى الورق الذي امتحنوا فيه طفلها، وعندما وجهت له الأسئلة أجابها ببساطة!

كانت تشفق عليه من أنه استيقظ لتوه من النوم ووجد نفسه يؤدي امتحانًا وهو لم يكمل الخمس السنوات من عمره، دار جدل بينها وبين مديرة المدرسة عن الضغط على الأطفال في هذه السن الصغيرة لتأدية امتحان، وكان الجدل أمام الصغير، فشعر بمزيد من الخوف.

هل يمكن أن تسبب المقابلات المدرسية ضررًا نفسيًّا للأطفال الأقل من الخامسة أو تمثل ضغطًا عليهم؟

الإجابة: نعم، بالتأكيد

الدكتورة مي الرخاوي، استشاري علم نفس الطفل، ترى أن اشتراط الكثير من المدارس إجراء مقابلة مع الطفل بعد فصله عن والدته هو «أمر غير صحي وقد يشعرهم بالخوف والقلق»، لأن الأطفال في هذا العمر من الطبيعي أن يكونوا مرتبطين بأمهاتهم، وبالتالي قد لا يتمكنون من التجاوب رغم مهاراتهم الجيدة.

وتابعت بأن السمات الشخصية لكل طفل تحدد مدى تأثره بالموقف، فلو كان طفلًا يعاني من الانطواء أو قلق الانفصال عن الأهل أو بعض السمات الانغلاقية كالخجل أو عدم الميل للاجتماعيات، فيتأثر وقد تحدث له صدمة بدرجات متفاوتة، ونسبة هؤلاء الأطفال لم تعد قليلة بسبب ارتفاع معدلات القلق والانطواء بعد جائحة كورونا والعزل المنزلي.

وأضافت: «يجب أن نسأل أنفسنا هل الهدف من المقابلة أن نأخذ أفضل طفل من الأطفال المتقدمين، أم فقط التعرف إذا كان الطفل يعاني من مشكلة عامة قد تؤثر على دراسته مثل التأخر العقلي أو سمات التوحد؟ لأنه كثيرًا ما يُطلب من الأطفال مهارات تفوق عمرهم الفعلي ولا تتناسب مع ما يراه علم نفس النمو، وبالتالي نضغط عليهم».

ونصحت الاستشارية العاملين بالمدارس بضرورة عدم فصل طفل عن والدته إذا كان أقل من أربع سنوات، وعمومًا إذا بكى الطفل ورفض المقابلة يمكن الطلب من الأم الجلوس مع التزام الصمت، وأضافت أنه يجب أن يتم التجاوب مع الأطفال عن طريق اللعب وكسر الجليد معهم وإثارة انتباههم.

وأشارت إلى أن بعض المدارس ترتكب خطأً جسيمًا بأن تجعل الطفل يجلس مع أربع معلمات داخل المقابلة مما يشعره بالحصار والخوف، لذا يكفي أن تكون هناك معلمة واحدة ولها شخصية حنونة، كما يفضل أن تدرس أولًا نفسية الطفل لأن استجابات الأطفال تختلف، ولا يمكن أن يتفاعل الجميع بنفس الطريقة.

ونصحت الاستشارية الأهل بتدريب الطفل المستمر على التواصل الاجتماعي، وشرح المقابلة له بعبارات بسيطة دون خداعه، فنقول له إن المعلمة ستسأله عدة أسئلة لتعرف أنك ذكي، ولا نوهمه بأننا ذاهبين للتنزه مثلًا حتى لا يتفاجأ.

نظام غير معمول به في العالم

قالت الدكتورة مها عماد الدين، استشاري طب نفس الأطفال والمراهقين، لـ«إضاءات»، إن المقابلات المدرسية في هذه السن قد لا تسبب مرضًا نفسيًّا لكنها تضغط على الأطفال، فهناك طفل يشعر بالخجل ويحتاج إلى وقت طويل للتعود على المكان، وبالتالي لا يستطيع التكلم، وطفل يشعر بالتوتر فيبدأ بالتحرك المستمر، فيتم الحكم الخاطئ عليه بأنه مفرط الحركة، لذا فهذه المقابلة لا تمثل تقييمًا حقيقيًّا لقدرات الأطفال، وبناء عليها يُرفَض الكثير منهم بسبب تقييم غير منصف لمدة دقائق.

وأضافت أن هذا النظام غير معمول به في أي مكان في العالم، لأن كل طفل يذهب للمدرسة القريبة من منزله، وليس من المفترض أن نقيم معلومات الأطفال قبل دخولهم المدرسة لأنها المسئولة عن تعليمهم، يكفي أن يكون هناك مجرد زيارة للتعارف.

تفضل عماد الدين أن يبقى الأهل مع أطفالهم داخل المقابلة ليشعروا بالأمان النفسي، وإذا كان الطفل خجولًا يمكن زيارة المدرسة لعدة مرات للتعود عليها قبل المقابلة، إذا تطلب الأمر.

هستيريا الأطفال

تجربة مشابهة مرت بها ابنة «أسماء» البالغة من العمر ثلاث سنوات ونصف، أخذتها المعلمة إلى غرفة منفصلة عند وصولها وأغلقت الباب، شعرت الطفلة بالخوف ولم تستطع الإجابة على الأسئلة، لاحقًا اشتكت المعلمة من أنها منحتها أوراقًا بها صور وكلمات لتوصيلها، لكن الطفلة لم ترغب في الإمساك بالقلم أو النطق بأي كلمة.

في هذا اليوم رأت أسماء في المدرسة عدة أطفال يبكون ويتصرفون بخوف هستيري؛ لأنهم لا يرغبون في الانفصال عن أهلهم.

بعد عدَّة أشهر تقدمت أسماء لمدرسة أخرى، وهناك كانت المقابلة بحضور الأب والأم، كانت الطفلة تبكي لكن المعلمة منحتها بعض الألعاب وتحدثت معها حتى اطمأنت.

تضيف: «أحيانًا تصبح هذه المقابلة نوعًا من العنف ضد الأطفال، أتمنى أن تتغير هذه القواعد، وأن تصدر إلزامات حكومية لأصحاب المدارس بالتزام الإجراءات المراعية للصحة النفسية للأطفال».

على الجانب الآخر

تحمل «ريهام» وجهة نظر مختلفة بعد أن عملت في مدرستين كانت فيهما المسئولة عن إجراء المقابلات الشخصية مع الأطفال من سن ثلاث سنوات إلى 6 سنوات، أي من «بري كي جي» إلى «كي جي تو».

تقول: «المقابلة الشخصية مهمة لنعرف إذا كان الطفل يعاني من أي مشكلة ولنحدد طريقة التعامل معه إذا تم قبوله، لكن يجب أن تكون مناسبة لعمر الطفل واستعداده النفسي، مثلًا لو كان الطفل لم يسبق له الالتحاق بحضانة فمن الخطأ أن نضعه مع المدرسين في غرفة منفصلة لأنه سيشعر بالخوف في غياب والديه … أنا شخصيًّا اكتشفت إصابة بعض الأطفال بسمات توحد خلال هذه المقابلات».

وتعلق: «لكن كثيرًل من زملائي لم يتفقوا على هذه الطريقة، وكان هدفهم الأول التأكد من قدرات الطفل المعرفية وقدرته على الإمساك بالقلم».

وتقول إنها كانت تجري المقابلة بطريقة تختلف حسب حالة كل طفل، أحيانًا كان وجود الآباء عائقًا كبيرًا؛ لأنهم يتحدثون باستمرار ولا يتركون للطفل فرصة للحديث، ويصعب تقييمه، لذا فالحل هنا هو مقابلة الطفل وحده أو الطلب منهم التزام الصمت، أما إذا كانوا لا يؤثرون عليه فيمكن تركهم».

وأضافت أنه أحيانًا لا يتجاوب معها الطفل ويبدأ في البكاء، فتعرض عليه اللعب أو التجول في المدرسة لكسر حاجز الخوف، وإذا لم يتحسن تمنحه فرصة أخرى لأنه ربما لديه رغبة في النوم، أما إذا كان خجولًا فتقوم بمشاركته الألعاب وإضفاء جو من المرح لتشجيعه على الحديث.

وترى ريهام أن إجراء المقابلة بطريقة خاطئة قد يؤثر على نفسية الطفل لأنها تكوِّن انطباعه الأول عن المدرسة، وسيشعر بالنفور منها، أما لو تركت انطباعًا جيدًا فسيحب المكان، ولو كان طفلًا أكبر سنًّا وقيل له إنه مرفوض فسيشعر بالرفض والفشل، وهو ما حدث مع ابنتها ذات الخمس السنوات حين تم رفضها خلال إحدى المقابلات، وشعرت بعدها بالقلق من المقابلة الثانية.

تنصح ريهام بأن يُختار أخصائي نفسي أو معلمٌ درس علم النفس التربوي لإجراء المقابلات المدرسية مع الأطفال.

تجربة سيئة قديمة لا تُنسى

في السياق نفسه، تبحث ميرنا «اسم مستعار» عن مدرسة مناسبة لابنتيها الآن، لكن رحلة البحث أعادت إليها ذكرياتها المؤلمة حول مقابلتها المدرسية.

تقول: كان عمري خمس سنوات، أرادت والدتي إلحاقي بمدرسة معينة، قدمنا طلب الالتحاق ثم دخلت لإجراء مقابلة مع المعلمة، سألتني عدة أسئلة لكنني كنت خجولة وخائفة فقالت لأبي: «آسفين مبناخدش خرس».

تتابع: «اضطرت والدتي إلى أن تذهب مجددًا للمدرسة بعد أسبوع لنعيد التقديم، فرفضوا إجراء مقابلة أخرى، حينها صفعتني بضربة قوية على وجهي لأنها كانت حزينة على ضياع فرصتي.. الآن تخرجت في كلية الطب ولا زال يتم الحديث من آن لآخر عن المدرسة المميزة التي أضعتها بسبب فشلي في المقابلة».