«لا تطفئ الشمس»: مشاعر متضاربة وأداء باهت
أصبح من المعتاد والمنتظر في رمضان أن يخرج علينا الكاتب والسيناريست «تامر حبيب» بمسلسلٍ جديد يتناول قصة من قصص الحب التي يميل إلى تصويرها دراميًا والتعبير عنها، واستعان هذه المرة برواية «لا تطفئ الشمس» للأديب الكبير «إحسان عبد القدوس» التي كان قد سبق تقديمها على الشاشتين الصغيرة والكبيرة، وتعرّف الكثيرون على تفاصيل أبطالها وحكايتهم من قبل، وربما مثّل هذا رهانًا مبكرًا وكبيرًا للكاتب والمخرج على السواء، إذ أصبح الناس مترقبين للمعالجة الجديدة التي سيقدمانها هذا العام.
ﻻ تطفئ جذوة الحب
قد يكون من المألوف ـ لاسيما في الأعمال الدرامية الاجتماعية ــ الرهان على قصص الحب ووضعها باعتبارها هي الحل النهائي أو ما يُفترض أن يذهب إليه الأبطال دومًا، لاسيما والقصة لأحد أمراء الرومانسية، ولكن «تامر حبيب» كان له في معالجته الدرامية رؤيةٌ أخرى، بدا فيها أنه يقصد تحويل الدراما لكي يصوّر جانبًا آخر لهذه العائلة وتلك الحياة فيما لو «غابت عنهم الشمس».
والشمس هنا بكل تجلياتها التي توحي «بالحرية»، و«الحب»، و«الجمال» والتي قد يأتي فيهم ضمنًا تقبل الآخر واحترام المختلف والتعامل معه، بدا ذلك جليًا بعد غياب الحب عن أفراد العائلة تدريجيًا، ذلك الغياب الذي كان مركزه الرئيس موقف العائلة التي لم تبد متفقة في شيءٍ قدر اتفاقها على رفض علاقة ابنهم الأصغر «آدم»، بـ«حبيبة» أخت «الميكانيكي» التي لا تنتمي لطبقتهم الاجتماعية، ويغدو مجرد ارتباطه بها وصمة عارٍ على العائلة أمام الناس والمجتمع!
بعد الحلقات العشر الأولى من المسلسل يبدو المشاهد حائرًا، هل المشكلة في علاقات الحب نفسها، أم في الطريقة التي يتعامل بها أبطال العمل وشخصياته مع الحب، أم أن هناك أمرًا آخر لم يٌفصح عنه المسلسل بعد، فبعد أن بدت خيوط بعض علاقات الحب في الأسرة تتضح نفاجأ بتحولات أخرى مختلفة، فنجد الأخت الوسطى «إنجي» تترك حبيبها وتقترب من «يوسف» الذي يبدو وقد فرض نفسه عليها، نفاجأ بأنهما يتزوجان، في الوقت الذي تعاني فيه أختها الصغرى من علاقتها المرتبكة مع أستاذها، ولكنها تستسلم لقيود العائلة هي الأخرى وترضخ للزواج من «نادر» رغم أنها لا تحبه، في الوقت نفسه تنجح الأخت الكبرى «فيفي» المحافظة في اصطياد عريسها «سعد» الذي يتقدم للزواج منها!
حتى الأخ الأكبر «أحمد» الذي يتعرّف على «شهيرة» ويتقرّب منها ويصرّح لها بحبه بعد ذلك، لكننا نجده يبتعد عنها عند أول أزمة تتعرّض لها العائلة (وهي غياب أخوه المفاجئ ثم ظهوره) ليتعلّق بعد ذلك «برشا» صديقة أخوه التي تضطر لأن تغيب عنهم بعد حادثة غياب الأخ وعودته مرة أخرى.
حتى الأم «إقبال» بعد أن تعرف بناتها بعلاقتها مع حبيبها «عبد السلام» العائد بعد غياب، نجدها مرتبكة ومترددة فهي تقرر أثناء غياب ابنها الأصغر أنها لن ترتبط به، ولكنها بمجرد عودة ابنها تقرر فجأة أنها ستمضي في حياتها ولايهمها رأي أبنائها ولا موقفهم، فتتزوج منه بالفعل.
ومع سير الحلقات تكشف لنا كل شخصية عن طبيعة علاقتها بالشخصيات الأخرى في المسلسل ليبدو لنا جليًا أن كل علاقات الحب التي يقدمها المسلسل غير حقيقية، غير متكافئة، وسيظل كل طرفٍ من أطرافها في حالة إنكار لكونها كذلك، يدورون في حلقة مفرغة، ويحاولون أن يثبتوا للمجتمع المهتم بالمظاهر أنهم قادرون على المواصلة، ولكن تلك العلاقات حتى لو استمرت فترة من الزمن فلن تكون قادرة على البقاء!
تفاوت الأزمات بين السيناريو والأداء التمثيلي
ولكن المشكلة الأكبر من كون تلك العلاقات غير متكافئة أن طريقة تقديمها والتعبير عنها لم تكن واضحة بالقدر الكافي، فنحن لا نستطيع أن نجزم بمشاعر أي شخصية من شخصيات العمل، فكلهم يتراوح أداؤهم لأدوارهم بين أن يكون قناعة داخلية تجعل الشخصية تقدم على هذا التصرف أو هذا الفعل، وبين أن يكون مجرد تجربة أو فعل تقوم به الشخصية دون إدراك للعواقب أو التبعات، وأعتقد أن هذه المشكلة تكمن أساسًا في «السيناريو والحوار» الذي لم يكن متماسكًا بالقدر الكافي حتى يعبّر عن شخصيات العمل بوضوح وبأقل قدر ممكن من الكلمات.
جاء ديكور المسلسل وتصويره متماشيا إلى حدٍ كبير مع الحالة الرومانسية التي يأخذنا فيها، حيث تسيطر خلفيات غروب الشمس على العديد من المشاهد، وكان من الواضح اختيار الكاتب والمخرج لأن تكون عائلة المسلسل من أسرة أرستقراطية ثريّة مختلفة عن الأسرة التي قرأناها في الرواية، وربما لم يأتِ هذا التغيير في صالح المسلسل إلى درجة كبيرة.
إذ بدت شخصيات العمل وأبطاله بعيدين كثيرًا عن طبيعة المجتمع المصري، فهم يسكنون في كومباوندات غالية ويمتلك كل منهم سيارته الخاصة، بل ويعيش في عالمه الخاص أيضًا، ويكون يسيرًا على أصغر فردٍ فيهم أن يسافر إلى لبنان «يومين ويرجع»، كل ذلك انعكس بشكل واضح على ديكور الأماكن شديدة البذخ والمساحات الواسعة الخضراء التي يتحرّك فيها الأبطال طوال الوقت، وكان من المفارق أيضًا أنهم لا يدعون أنهم شديدو الثراء بعد هذا كله!
ثمة مشكلة لوحظت في عدد من مشاهد المسلسل أيضًا في الإضاءة غير المتناسقة في بعض المشاهد، وتوزيع «الظل» و«النور» بين أبطال المشهد الواحد، والتي تكررت أكثر من مرة، بشكلٍ لم يكن مفهومًا ولا مبررًا.
استعان المخرج «محمد شاكر خضير» هذه المرة بالفنانة «ميرفت أمين» في دور الأم، والحقيقة أن أداءها للدور جاء باهتًا، ومحاولتها للمزج بين شخصية الأم الحنون والرومانسية والقاسية في نفس الوقت جاءت غير مقنعة، لاسيما إذا قارنّاها ـ رغمًا عنَّا ـ بممثلة أخرى أدّت دور «الأم» في العام الماضي بطريقة متقنة وهي الممثلة «أنوشكا» أو حتى «سوسن بدر»، في مسلسل «جراند أوتيل» لنفس الكاتب والمخرج.
فحتى في اللحظات التي تطلبت منها الشدة والحزم في مواجهة تصرفات بناتها غير المقبولة بدت وكأنها تحدثها عن مشكلة عابرة، وما يقال عن «ميرفت أمين» ودورها ينسحب على أكثر الممثلين في هذا المسلسل هذا العام، إذ جاءت الشخصيات باهتة، وجاءت جمل الحوار مبتورة غير مكتملة ولا قادرة على إيصال مشاعر الأبطال بالكامل، بالإضافة إلى تقطيع المشاهد «المونتاج» الذي جاء في غير صالح الحالة التي يُفترض أن يضع المتفرج فيها، في عدد من المشاهد خاصة مشاهد الغضب والثورة والمشادات خاصة تلك التي حدثت بين «آدم» وأفراد عائلته التي كانت تنتهي فجأة بشكلٍ غريب.
إلا أن هذا لا ينفي وجود بعض الأدوار التي أدت دورها أداءً احترافيًا مثل «عارفة عبد الرسول» التي لعبت دور الخادمة باقتدار والتي كانت حلقة وصلٍ بين الأم وأبنائها، وتعد هذه الشخصية من الإضافات المهمة التي أضافها تامر حبيب إلى شخصيات الرواية،كما جاء دور «زيزي» الذي أدته «إنجي المقدمّ» للزوجة التي تعرف خيانة زوجها وتحاول أن تحتفظ به أداءً متقنًا جدًا، ومن العلامات الفارقة في مشوارها الفني.
من الأدوار المهمة في المسلسل أيضًا شخصية الأخ الأكبر «أحمد» التي يؤديها فنان موهوب هو «محمد ممدوح» ولكننا وجدنا قصورًا واضحًا في أداء دوره في المسلسل غير قادرٍ على الإمساك بروح الشخصية، فلم يكن واضحًا هل المشكلة في أنه يجسد دور شخصية ضعيفة مهزوزة أم أن المشكلة في كتابة الدور التي لم توضّح لنا بالتحديد طبيعة الشخصية وتجعلنا متفاعلين مع ردود أفعاله ومتفهمين لمواقفه، خاصة أن هناك بعض المشاهد يكون من المتوقع أن يكون رد فعله فيها قويًا أو حادًا فيأتي رد الفعل باهتًا!
وما يقال عن «محمد ممدوح» يمكن أن ينسحب أيضًا على شخصية أختيه «إنجي» والبنت الصغرى المتمردة «آية» التي تؤديها «جميلة عوض» فنحن لا نفهم تمامًا علاقتها بأستاذها هل تحبه حقًا أم أنها تحاول التمرد على فكرة الحب والزواج باستمرار علاقتها به حتى بعد زواجها، كما أن علاقتها بزوجها تبقى غامضة وغير مفهومة بشكل واضح، أو أن السيناريو يلجأ لعدم الوضوح لكي لا يشير إلى علاقات الزوج «الشاذ» مثلاً فيكون الحوار بينها وبينه غامضَا وغير مفهوم!
في المقابل جاءت شخصية الأخت الكبرى «فيفي» مرسومة بدقة، واستطاعت «ريهام عبد الغفور» أن تقدمها بشكل جيد، فهي تلك الفتاة المتحفظة التي لا تقبل المزاح ولا تعترف بالحب ولكنها تنجح في اصطياد عريسها، ولكنها في الوقت نفسه تعترف له بشكلٍ قاس بأنها لا تحبه فيتركها وتسعى لإفساد حياته بعد ذلك!
من جهةٍ أخرى يجب أن نشير ونشيد بموسيقى «أمين بو حافة» التي غدت عنصرًا أساسيًا في مسلسل «تامر حبيب» و«محمد شاكر خضير»، واستطاعت إلى حدٍ كبير أن تجيء معبّرة عن الحالة الرومانسية التي سار عليها المسلسل، لاسيما في المشاهد التي يكون فيها الحوار الرومانسي بين الأبطال واضحًا، فكانت تكمّل اللوحة المرسومة على الشاشة، بالإضافة إلى أغنية التتر (الحب) التي كتب كلماتها «أمير طعيمة» وغنتها المطربة «أصالة».
وهكذا لم يأت مسلسل «لا تطفئ الشمس» على مستوى توقعات الكثيرين، ليس فقط لكونه مختلفًا في بعض تفاصيله عن قصة الفيلم التي شاهدها الكثيرون وتفاعلوا معها، ولكن لأن شخصيات العمل في المسلسل لم تكن واضحةً إلى حدٍ كبير، وشابها الكثير من القصور الذي ربما كان ناجمًا عن تسرّع في الكتابة للحاق بالموسم الرمضاني!