هل تؤمن بوجود عيوب عديدة لدى مانشستر سيتي وليفربول؟
تحذير: هذا سيناريو تخيلي لن تراه يحدث في أي استوديو تحليلي، تحديدًا داخل وطننا العربي. نرى العديد من الأشخاص يجلسون أمام الكاميرات ليتحدثوا عن وجهات نظرهم في 90 دقيقة مختلفة بين حين وآخر، وفي كل عام، نجد أن إضافة خبير جديد في شأن متخصص أكثر، لهو شيء طبيعي للغاية.
أولًا، وجدنا خبيرًا تحكيميًّا، ثم خبيرًا بحراسة المرمى، والمتوقع أن يتشعب الأمر أكثر، إن لم يكن بدأ في الحدوث بالفعل، لنجد خبيرًا بالأمور الدفاعية ومستشارًا في الأخرى الهجومية، كلهم يتحدثون بشكلٍ منفصل عن البقية. أتساءل: يا ترى هل سنجد يومًا شخصًا كل قيمته الفنية داخل تلك المنابر أن يُبرز عيوب الفريق الفائز مهما كانت نتيجة فوزه هذه؟
حسنًا، انتهت الفقرة التخيلية وجاء وقت الواقع. نعيش الآن صراعًا ممتعًا على قمة الدوري الإنجليزي بين ثنائي اعتاد الصراع، ليس ليفربول ومانشستر سيتي، بل «بيب جوارديولا» و«يورجن كلوب»، الجوكر وباتمان، سوبر مان ومادة الكريبتونايت المضادة، قائد عصابة القناع الأسود وعم دهب. سَمِّهما ما شِئت، لكن دائمًا توقع أنه بينهما لا يوجد شيء ثابت سوى الصراع، البقية كلها متغيرة.
لكن يظل الصراع الأكثر صعوبة الآن هو إقناع لفيف المتابعين لصراع قمة الدوري الإنجليزي أن لدى كل منهما مواطن ضعف ربما تتفوق على مواطن القوة، بمعنى أدق، محاولة تطبيق الخيالي، بوجود محلل لعيوب الفائزين أو المتصدرين، داخل الواقع، وهو ألا نقط ضعف في فريقك ما دمت تفوز وتحقق المطلوب، يسعدني أن أخبرك أن خبير نواقص جوارديولا هو كلوب والعكس صحيح بالطبع.
الفاروق: فيرناندينيو
ربما النقطة الوحيدة التي لا عجب فيها من مبالغة الجماهير هي الحديث حول أداء الـ«ستيزنس» المتباين ما بين أداء براق لفريق خارق وبين أداء ضعيف لفريق هش. يوجد -رقميًا- فارق 10% في نسب الفوز بين قوة الفريق في الحالتين، الاختلاف بينهما يُوجد في البرازيلي رقم 25 من وسط الملعب. يمكن القول إنهما فريقان فعلًا. فريق مع «فيرناندينيو» وفريق بدونه.
منذ وصول الإسباني لقمة الهرم الفني في مانشستر، فإن نسبة الفوز في وجوده وسط الميدان البرازيلي هي 74.1% وبدونه تنهار النسبة إلى 64.3%. ربما لا تُعد نسبة كارثية مقارنة بعدد المباريات التي غاب عنها، حيث غاب في 14 فقط من أصل 95 أدارها بيب. لكن يظل المعدل الذي يستحق النظر فعلًا هو معدل الأهداف. إبان غيابه يحرز الفريق 2.3 هدف، وبوجوده يرتفع ليعادل 2.5 هدف في كل لقاء.
بينما في الجانب الدفاعي، فإن الفريق يستقبل أقل من هدف في كل مرة يشارك فيها البرازيلي في موقعه المفضل، في حين تهتز شباكهم بهدف وأكثر،معدل 1.4 هدف لكل لقاء، عندما يغيب. هنا عدد المباريات القليلة يؤكد أن المعدل كارثي؛ لأن 0.8 هدف لكل مباراة ضمن 81 مباراة شارك بها فيرناندينيو معدل أكثر من ممتاز، بينما 1.4 هدف في 14 مباراة فقط، فهو كذلك أكثر من كارثي. أرأيت؟ المبالغة هنا منطقية جدًّا.
باختصار، وجود البرازيلي في وسط الميدان يعطي الفريق قوة على الجانبين الهجومي والدفاعي، ربما مساعدته الهجومية لا تظهر بقوة كنظيرتها، لكن يمكنك رؤيتها بوضوح أكثر إذا ما وضعت بجانبها أرقام زملائه الهجومية في وجوده، وتوضح أكثر بربطه بمثيله في المنافس المباشر في الوقت الحالي.
في كره المركز 6
بين حينٍ وآخر تظهر موجة جديدة من اللاعبين الـ«Underrated» أو اللاعبين الذين قدموا أدوارًا مهمة جدًا لكنها ظلت مهمشة حتى نقطة معينة، أو حد فاصل كان مباراة مهمة أو بطولة كبيرة. لكنها، على الأغلب، تجتاح العالم لفترة ولا تكاد تلبث حتى تعود أدراجها من جديد. إلا موجة واحدة فقط تظل متجددة بلا انقطاع، وهي موجة إهدار حق المركز 6 في أي فريق.
سعي صغير في ذاكرتك البسيطة، بلا داعي لأي بحث داخل محركات الإنترنت، سيخبرك أن لكل فريق حقق طفرة تكتيكية في كرة القدم لاعب ارتكاز صريح عبقري. الأسماء المشهورة كُثر، من «بوسكيتس» و«يايا توريه» و«مايكيل إيسيان» و«سكولز» وحتى «نجولو كانتي» و«فيرناندينيو» و«فابيينيو»، لن نمل التعديد بالطبع، يمكن لكل منا أن يتذكر 10 أسماء على الأقل في تلك القائمة الطويلة، ومع ذلك يظل هذا المركز بلا صخب إعلامي إلا لفترات بسيطة.
عيشنا أسابيع خلال موسم 2018 / 2019 في مدح شكل ليفربول الجديد الذي استغنى عن 4-3-3 المقدسة وتحول إلى 4-4-1-1 أو حتى 4-2-3-1 كما يحب البعض تسميتها. لكن نسينا مدح فابينيو الذي يملك الرصيد الأكبر في نجاح تلك الخطة وشكلها كما نسينا مدح فيرناندينيو إلا حين يغيب عن الفريق.
اقرأ أيضًا:يورجن كلوب: التضحية بـ «محمد صلاح» من أجل سعادة الجميع
قيمة ذلك المركز بهذه الصفات تتعاظم في الفرق التي تحتاج دائمًا للنظر للأمام والكرة بين أقدامها. هنا تحتاج إلى لاعب يقوم بالدورين: قطع عدد وافر من الكرات، وإعطائك دائمًا ميزة الكرة الثانية وقت ضياعها من عناصرك الهجومية، وفي الوقت ذاته، تدوير الكرة حينما تكون مع عناصرك الدفاعية وتحويل الكرة من المناطق الأولى في الملعب إلى آخره، أضف إلى ذلك قدرته على إخراجك من الضغط الذي يفترض أن تقع تحت طائلته ما دمت تفضل بناء اللعب من الأسفل للأعلى.
ذلك الدور منطقي جدًّا أن يظل مهمشًا طالما كان ترسًا ضمن منظومة كبيرة، ربما يقوم الفريق بـ100 تمريرة يملك فيها لاعب الارتكاز 10 فقط، نسبة ضئيلة عدديًّا بالتالي تهمش، لكن التفاصيل تؤكد أنها أفضل من الـ90 الآخرين طالما تنقل اللعبة من موضع ميت تمامًا إلى موضع حي 100%.
متصدر الدوري: الحالة النفسية
قبل أسابيع من مواجهة الموسم بين المتصدرين، كان ضربًا من الجنون أن تؤكد فوز ليفربول بسهولة على الوحش الخارق مانشستر سيتي. ببساطة، ليفربول بدأ الموسم بنفسية مرتبكة للغاية، خسارة صعبة بسيناريو غريب أمام ريال مدريد، ثم مشاكل تواجه محمد صلاح في التسجيل، ثم مشاكل بين المصري والسنغالي، وهكذا كانت البداية.
أسابيع بسيطة استجمع فيها الفريق قواه، حتى اصطدم بخسارة من تشيلسي في الكأس، ثم هزيمة بدوري أبطال أوروبا أمام نابولي، وشبيهتها أمام ريد ستار الصربي، وقبلهما تعادل مع مانشستر سيتي على الأنفيلد، تأزم الموقف في الدوري وقلت فرص الصعود إلى الدور التالي في البطولة الأوروبية.
كل ذلك تفتت مباشرة، في رأيي، على يد البديل غير المتوقع «أوريجي» أمام الجار إيفرتون. هدف في الدقيقة 95 كان له عامل في عدد النقاط بالتأكيد، لكنه نفسيًّا كان فارقًا للغاية، بالأخص أن تلاها أول خسارة للمنافس والتي كانت أمام تشيلسي. في تلك اللحظات يمكنك أن ترحب بمتصدر الدوري الجديد، إنها الحالة النفسية لكلا الفريقين.
في المعسكر المغاير، دخل مانشستر سيتي، منذ منتصف ديسمبر تقريبًا، في حالة فنية سيئة في ظل غياب فيرناندينيو، كل ذلك كان يمكن أن يمر لو لم يتلق 3 هزائم من 5 مباريات دخلها الفريق في النصف الـ20 يومًا الأخيرة من عام 2018، تحول سوء الحالة الفنية إلى سوء حالة نفسية. دخل بيب نفسه داخل معضلة يدخلها كل عام تقريبًا منذ تجربته في ألمانيا: «هل بيب مدرب كبير فعلًا؟ أم شخص عادي تصنعه القوى الشرائية؟».
ساعد ذلك الشهر تحديدًا في قلب الدفة، كلوب قبل بداية ديسمبر كان الطرف الأضعف في مواجهة بيب في ظل فريق مليء بالمشكلات، وخلاله تحول كلوب إلى المدرب الأفضل الذي تمكن من تحويل فريق لم يكن الأفضل إلى متصدر الترتيب بفارق ليس بالقليل من النقاط. جعلت كل تلك العوامل من هذه المواجهة هي المواجهة الأهم في موسم جوارديولا وواحدة من أصعب 5 مواجهات في تاريخه.
لم يعنِ السعي وراء الفوز في هذه المباراة فرصة في المنافسة على اللقب فقط، بل كانت فرصة في الحفاظ على قيمته التدريبية في مواجهة الفريق الذي بات مفضلًا أكثر بالنسبة للجماهير.
هل عاد مانشستر سيتي؟
نجح مانشستر سيتي في الفوز بالمواجهة الأصعب له هذا العام، نجاح تكتيكي لم يكن كاملًا لكنه كان كافيًا لحسم 90 دقيقة مهمة في تاريخ هذا النادي وفي تاريخ مدربه الحالي، لكن هل عاد مانشستر سيتي فعلًا للصدارة؟ بالقطع لا، هل عاد فعلًا إلى قوته الخارقة التي كانت قبل ديسمبر؟ بالطبع لا.
في الجهة الأخرى، هل بات ليفربول لا يُقهر فعلًا؟ بالطبع لا، هل خسر الفريق فرصة منافسته على اللقب؟ بكل تأكيد لا.
لا زال هناك مشاكل بالمان سيتي لم تتغير، الفريق بلا بدائل حقيقية في أهم مواطن قواه: رأس الحربة، والارتكاز الصريح، وبالتالي غياب أحدهم يعني خسارة فنية على الأقل، وهذا عيب لم يُحل بالفوز على ليفربول، وفي الوقت ذاته، الأخير ليس بنفس قواه إن تمكن أحدهم من إيقاف النجم الأول محمد صلاح في ظل أداء باهت لفيرمينيو ومتفاوت لسيديو ماني.
الطرفان ليسا بالقوة التي تظنها الأكثرية، السبب في ذلك هو أن المشاكل لا تظهر مجمعة بل تظهر تباعًا حسب كل موقف على حدة، أهمية مواجهة الفريقين في صراع الدوري كبيرة فعلًا، لكنها ليست العامل الوحيد طالما انتهت بفوز مانشستر سيتي، لأن النتائج الأخرى كانت تعني ضياع اللقب فعلًا من الأخير، لكن فوزه أكد أن المنافسة ما زالت مستمرة، لذا على الجميع عدم إطلاق الأحكام بتهور وانتظار الجولات التالية للحسم لأن كل الاحتمالات قائمة.